مفيد إبراهيم سعيد حدوتة حب!

8

القس رفعت فكري سعيد

اعتدنا عندما نتحدث عن شخص ما رحل عن عالمنا أن حديثنا كله يبدأ بكلمة «كان»، وهذا معناه أننا نتحدث عن ماضٍ لم يعد له حاضر ولن يكون له مستقبل، ولكن الأمر يكون مختلفًا عندما نتحدث عن العظماء والعمالقة، لأنهم وإن ماتوا وفارقونا بالجسد فإن أعمالهم وإنجازاتهم وعطاءاتهم للإنسانية دائمًا تكون باقية.

وهذا الكلام ينطبق على الأستاذ الدكتور مفيد إبراهيم سعيد «٢٥ إبريل ١٩٣٠- ١٥ سبتمبر ٢٠٢٣»، أستاذ ورئيس أقسام الجراحة بطب القصر العيني، ذلك الرجل الذي رحل عنا بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والخدمة المتفانية للإنسانية، فهو بروفيسور مصري وأستاذ الجراحة بكلية الطب القصر العيني وهو نجل الدكتور القس إبراهيم سعيد، رئيس الطائفة الإنجيلية الأسبق، مؤسس الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة وراعيها الأسبق.

حصل مفيد إبراهيم سعيد على دكتوراة الجراحة العامة من جامعة القاهرة 1958، وهو باحث في وحدة الأبحاث الطبية التابعة للبحرية الأمريكية ١٩٥٩ومدرس للجراحة العامة في القصر العيني ١٩٦٧وأستاذ الجراحة العامة ١٩٧٠، ورئيس أقسام الجراحة في كلية طب جامعة القاهرة من 1989، وله أبحاث في الجراحة منشورة في دوريات محلية وأجنبية، كما تميز الراحل الجليل الجميل بخدماته الجليلة للإنسانية؛ فقد كان يعالج مرضاه بأسعار زهيدة وكان يجري العمليات الجراحية للفقراء مجانًا.

سأله أحدهم ذات يوم قائلًا: ماذا لو خدعك مريض وادّعى أنه فقير مع أنه ميسور الحال؟! أجاب الدكتور مفيد: إنني مستعد أن أُخدع من عشرات المرضى الذين يدَّعون الفقر على أن أظلم مريضًا واحدًا فقيرًا يحتاج لمساعدتي. بهذا المنطق تعامل مفيد إبراهيم سعيد مع مرضاه، هذا فضلًا عن أنه كان شيخًا بالكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة وكان واعظًا كبيرًا وقديرًا بالكنيسة وتميز وعظه بالبساطة والعمق في آن واحد. وتميز بحلاوة في الأسلوب وعذوبة في اللسان ورقة في التعبير.

لقد كان الشيخ الدكتور مفيد إبراهيم سعيد رجلًا له رؤية، وكان صاحب رسالة تهدف لتقديم محبة الله للإنسانية جمعاء، وهذه الرسالة السامية قدمها الراحل الكريم الجليل بكل الطرق، مقروءة ومسموعة ومرئية، وقدمها من خلال دماثة خلقه وحياته اللامعة وسلوكه القويم، ومن خلال خدماته ومساعدته لمرضاه دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس، وما فعله مفيد إبراهيم سعيد يُذكّرنى بما قاله توفيق الحكيم: «لا خير فى فكرة لا يجعل منها الإنسان رداءه وكفنه، فيها يعيش، وفيها يُدفن».

والدكتور مفيد رغم عظمته ورغم علمه الغزير فإنه كان رجلًا متواضعًا بسيطًا، وكان متاحًا للكل، وكان باب عيادته مفتوحًا على مصراعيه للجميع، للصغير قبل الكبير، وللفقير قبل الغني، وللمسلم قبل المسيحي، وكان مبتسمًا دائمًا ومشجعًا للجميع.. فبحق كان مفيد إبراهيم سعيد حدوتة حب.

لقد رحل عن عالمنا مفيد الذي كان مفيدًا للجميع فهو اسم على مسمى، ولكن هل مات العظيم العملاق؟ هل غابت وانتهت حدوتة الحب؟!.. إنه كان بمثابة شمعة أضاءت في دُجى الليل، واحترقت حبًّا وتفانيًا في خدمة الآخرين والوطن.. وحياته لم تكن عقيمة سقيمة، ولكنها كانت حياة عميقة مثمرة، وحياة الإنسان تُقاس بعمقها، والراحل كان بحق رجلًا نبيلًا وشريفًا وحكيمًا وعظيمًا بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا