مأساة أن تنشر كتابًا

55

لا مبالغة في عنوان المقال، فكل مَنْ يتصدى للنشر الآن يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، نتائجها غير محسوبة.

كلنا يعرف ما قاله عميد الأدب العربي د. طه حسين: “الكتاب يُكتب في القاهرة ويُطبع في بيروت ويُقرأ في بغداد”، ويقول السودانيون: “يُقرأ في الخرطوم”، وإن كان هذا لا يعني أن القاهرة وبيروت لا تطبعان بل يشير إلى التكامل بينهم.

يبدو أن المقولة ستتغير قريبًا بعد التسهيلات التي تقدمها دول الخليج للكتاب والناشرين من دعم مادي وجوائز قيمة للمؤلفين، مثل جائزة البوكر العربية التي ترعاها أبو ظبي وقيمتها 50 ألف دولار أمريكي، وجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تم إطلاقها في عام 2021 في الإمارات العربية المتحدة، لكل من المفكرين والمبدعين والناشرين والشباب من مختلف أنحاء العالم، بإجمالي 7 ملايين درهم إماراتي، إلى جانب إقامة المعارض السنوية وتسهيل الاشتراك في المعارض، فأصبح الاشتراك في معرض بغداد أو الرياض أو أبو ظبي أسهل من الاشتراك في معرض القاهرة الدولي للكتاب. فهل تتحول مقولة طه حسين إلى: “الخليج يكتب وينشر ويوزع.”

ووسط هذا، يضع معرض الكتاب في القاهرة شروطًا مستحيلة للاشتراك، مثل البند 12 الذي يتيح لإدارة المعرض قبول أو رفض اشتراك أية دار نشر دون إظهار مسببات. وبحسب الهيئة المُنظمة، فإن الحالات التي يجوز فيها إلغاء اشتراك دار النشر هي (عرض كتاب محل نزاع قضائي، أو عرض كتاب مُزوَّر أو منسوخ أو مُقلَّد، أو عرض كُتب مخالفة لحرية الفكر والإبداع، وكذا المبادئ التي فرضها القانون المصري، والآداب العامة، أو المساس بالأديان، أو مخالفة شروط التوكيلات اللازمة داخل المعرض بالنسبة لدور النشر، أو عقد ندوات داخل مقرات البيع، أو مخالفة الشروط التصميمية داخل الجناح).

وأصبحت دور النشر الصغيرة لا يمكن أن تستطيع أن تتواجد في المعرض، وإذا تواجدت ممنوع لها تعرض كتب ناشرين آخرين.

أما عن استخراج رقم إيداع لكتاب فحدث ولا حرج، إذ يحتاج إلى عشرات الأوراق والأختام. أنقل إليكم قائمة بطلبات دار الكتب المصرية: غلاف خارجي أمامي وخلفي مختوم، عدد 2 غلاف داخلي (الصفحة الأولى) مختوم، فهرس أو محتويات الكتاب مختوم، مقدمة أو ملخص الكتاب مختوم، بطاقة المؤلف سارية مختوم، سجل تجاري ساري، بطاقة ضريبية سارية، صورة بطاقة صاحب المطبعة سارية مختوم، تفويض من المؤلف للمطبعة، تفويض من المطبعة للمندوب مختوم، صورة بطاقة المندوب سارية مختوم. فهل رأيت أكثر من هذا تعقيدات؟ ودار الكتاب هي الجهة الوحيدة في مصر المنوط بها منح أرقام إيداع للكتب الصادرة دون النظر لمحتواها وفق إجراء اعتيادي يصاحب إصدار أي كتاب جديد. ورغم أن عدم وجود رقم للإيداع لا يستوجب توقيع عقوبة سالبة للحرية على المؤلف أو الناشر، لكنك ستعاقَب إن لم تحصل على رقم إيداع.

يا حكومتنا الرشيدة، يا دار الكتب العريقة: ألا يكفي المؤلف والناشر الارتفاع الجنوني لأسعار الورق ومستلزمات الطباعة من زنكات وأحبار حتى الدبوس المستورد؟

ألا يكفي تراجع مستوى القراءة وعزوف الأجيال الجديدة عن القراءة؟ فالناشرون العرب مجتمعون لا يُصدِرون إلا نحو 7 آلاف عنوان كتاب سنويًا فقط، مقابل ربع مليون عنوان كتاب تُصدِره بريطانيا وحدها فقط سنويًّا، والإنتاج العربي من الكتب لا يتجاوز 1.1 % فقط من إجمالي الإنتاج العالمي رغم أن السكان العرب يمثلون 5.5% من إجمالي سكان العالم. وبحسب “تقرير التنمية الثقافية” الذي أصدرته منظمة اليونسكو، فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تُنشر سنويًا في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوانًا. أما في أمريكا، على سبيل المثال، فيصدر سنويًا نحو 300 ألف كتاب. وبلغت نسبة الانخفاض في المبيعات خلال عام 2020 74 %، واضطر 75% من الناشرين المشاركين لوقف التعامل مع المؤلفين، وهو ما أثَّر على حركة الإبداع الفكري والأدبي.

ألا تكفي الآثار السلبية التي تركتها التكنولوجيا الحديثة والنت والفيس بوك وإنستجرام ووسائل التواصل الاجتماعي على إقبال الناس على القراءة؟ ألا يكفي أن الدولة  توقفت تمامًا عن دعم دور النشر، سواء في رسوم الجمارك أو الضرائب؟

نحن أمام أزمة كبيرة وحقيقية تواجه المؤلف والناشر، وإن لم تتدخل الدولة أو على الأقل ترفع يدها عن الناشرين فستصبح القاهرة لا تكتب ولا تطبع ولا تقرأ، وأرجو ألا يأتي هذا اليوم.

1 تعليق

  1. لا فض فوك، نتمنى من حكومتنا الرشيدة ان تقرأ الطريق والحق كما كان يحرص الرئيس المخلوع مبارك وابنه المحترم جمال على قراءة الجريدة كل شهر حسب مصادرنا الخاصة من داخل القصر الرئاسي، لنا الله يا مصر.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا