عندما يكون الحجر قبل البشر

6

نشأت أبو الخير

شيء رائع أن نرى الكنائس مرتفعة شاهقة بمناراتها في كل مكان، وكم هو جميل أن يتم تجميل الكنائس لتكون في أبهى صورة وبما يليق ببيت الرب، لكن أن تتنافس هذه الكنائس ويكون كل همها هو التشييد والبناء للبنايات الملحقة بالكنائس من مكاتب وقاعات متنوعة يتم تجهيزها بكل الأدوات والأجهزة الحديثة والمعدات وفرشها بأفخر المفروشات ويكون جُل اهتمامها بأكبر قدر من الأنشطة والخدمات والوسائل التكنولوجية الحديثة. فإن كان هذا شيئًا مفيدًا فإننا أهملنا البشر وفضَّلنا الاهتمام بالحجر والشجر قبل البشر الذين يجب أن ينصب عليهم الاهتمام الأكبر والأول من الآباء الكهنة بالشعب عن طريق الافتقاد والزيارات المنزلية والاتصالات للاطمئنان على أحوال هذه الأسر ومعايشتها في أفراحها وأتراحها وأمراضها ومشاركتها في همومها وحل مشاكلها بالمتابعات المستمرة لها وضمها إلى حضن الكنيسة وحثها على الارتباط بالكنيسة والمواظبة على حضور القداسات والاجتماعات والنهضات وتوثيق ارتباطهم ببيت الرب خاصة في هذا الزمن الصعب والرديء وما يصاحبه من تعظم المعيشة والارتفاع الجنوني للأسعار مما ترتب عليه اختلال بين الدخل والمنصرف والذي يؤدي لمعاناة الأسر من ظروف معيشية صعبة وما يرتبط بها من أزمات، بالإضافة إلى المشاكل التي تعصف بهذه الأسر في هذا الزمن الرديء مما يؤدى إلى انصراف هذه الأسر إلى همومها المعيشية فيقل الاهتمام بالأبناء ومتابعتهم باستمرار المتابعة السليمة. وتفاجأ الأسر باختفاء إحدى بناتها أو انحراف أحد أولادها بانضمامه إلى أصدقاء السوء، هذا بالإضافة إلى أن تفاقم بعض المشاكل الأسرية الأخرى يؤدي إلى تفكك الأسر وتفسخها مما يقود إلى انتقالها إلى ساحات المحاكم بعد أن تتفاقم مشاكلها وتصل إلى طريق مسدود، وقد تلجأ إلى طلب الطلاق أو الانفصال ويكون الأولاد الضحية.

لذا يجب أن ينصب الاهتمام الأكبر والأول للكهنة والرعاة على أحوال الشعب والرعية، وعلى الآباء الأساقفة دور أكبر في متابعة أحوال الكنائس والرعية بعد أن وجدنا بعض الأساقفة يسكنون في أبراج عاجية عالية منفصلين عن الشعب والرعية بعد أن وُضِعت حواجز بينهم وبين الشعب فيجد الكثير من الشعب صعوبة بالغة في الوصول إليهم بعد أن ساهم في ذلك هؤلاء الأفراد الذين قام الأساقفة بتعيينهم سكرتارية خاصة بهم فلا يسمحون بمقابلة أصحاب المعالي من هؤلاء الأساقفة إلا لأصحاب العزوة والجاه والمكانة والمنزلة والمال. وينصرف اهتمام مثل هؤلاء الأساقفة إلى المشاركة في الاحتفالات والمناسبات حيث الأضواء الزائفة. لذا يجب على هذه النوعية من الآباء الأساقفة والآباء الكهنة والرعاة أن يتمثلوا بالسيد المسيح الذي كان يجول يصنع خيرًا ويشفي المرضى والمتسلط عليهم إبليس وكان يشبع احتياجاتهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم.

يجب أن يعلم هؤلاء المسئولون عن خلاص النفوس والرعية من الشعب إننا وإن كنا نعيش في هذا العالم إلا أننا لسنا من هذا العالم لأننا نبتغى وطنًا أفضل أي سماوي. ويحضرني ما جاء في (متى25: 33)، فالأمناء سيسمعون القول حيث يقول الملك للذين عن يمينه: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعتُ فأطعمتموني؛ عطشتُ فسقيتموني؛ كنتُ غريبًا فآويتموني؛ عريانًا فكسوتموني؛ مريضًا فزرتموني؛ محبوسًا فأتيتم إليّ. فيجيبه الأبرار حينئذٍ قائلين: يا رب متى رأيناك… فيجيب الملك: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم. ثم يقول لمن أهملوا الرعية للذين على اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية لأني جعتُ فلم تطعموني… حينئذٍ يجيبونه هم أيضًا قائلين: يا رب متى رأيناك جائعًا… فيجيبهم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا.”

فهل يتم تصحيح المعادلة فبدلًا من أن تكون كما هو سائد حاليًا الحجر قبل البشر يصبح البشر قبل الحجر والشجر؟

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا