خـدعة الشـوارع!

3

  بقلم: عـادل عطيـة

   نطلق على الأولاد الذين لفظتهم عائلاتهم وصف: أولاد شوارع!

   وعلى الذين يتصفون بسوء الأخلاق، ورداءة السلوك: الشوارعية!

   مع أن بيوتنا هي التي تحدد هذه الشوارع، والشوارع تحدد عنواننا، بل ونعتبر البيت الذي يطل على ناصية شارعين له صفة الموقع المتميز!

   كما أننا عندما نريد تكريم شخصية من الشخصيات العامة أو التاريخية فإننا نطلق اسمها على شوارعنا!

   ونجد أنفسنا في حيرة من أمرنا: هل نحن نُكرِّم الأسماء، أم نُكرِّم الشوارع، أم نُكرِّم الاثنين معًا؟!

   الأعراف تجاوزت حيرتنا – رغم نظرتنا السلبية للشوارع – واعتبرت أن الأسماء هي التي تُكرَّم!

   وهنا تظهر الخدعة بتكريم أسماء لشخصيات تاريخية إرهابية، ملوثة بالفساد والدم، وصل بعضها إلى مرتبة إمارة المؤمنين، قبل أن تطلق على شوارعنا المشهورة في قاهرة المعز!

   فعمرو بن العاص قال عنه المقريزي: بأن سيفه سفك دماء السكندريين في مشهد دموي مريع، وعلى الأرض التي شهدت سكيب الدم أقام بناء مسجد الرحمة!

  وهو الذي سخَّر آلاف الفلاحين في إعادة حفر خليج تراجان باسم قناة أمير المؤمنين!

   وهو الذي قال للمصريين: “أنتم عبيد لنا!”

   أما عمر بن الخطاب، فهو صاحب الكلمة الشهيرة: “أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها”!

   وهو الذي كتب لقائد الغزو العربي لمصر: “كيف تعزهم وقد أذلهم الله؟َ!”

   أما الخليفة المأمون، فقد قتل آلاف المصريين!

   وأما ابن سندر، فكان من النهابين العرب!

   وسليمان الحلبي، لخَّص الشيخ الجبرتي سيرته، فقال إنه أفَّاق وأحمق وقاتل مأجور، حصل على رشوة من الأغا العثماني لارتكاب جريمته!

   وقرة بن شريك كان يتلذذ بدماء المصريين وهي تتطاير حوله وعلى مائدته مع الطعام!

   أما سليم، فهو قائد العصابة العثمانية التي قتلت وسلبت ونهبت!

   وصائم الدهر، حاول تحطيم أبو الهول، الذي يُعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع!

   أما يلبغا، فقد قتل وفتك بالكثيرين!

   والسالمي قضى على أبيه بالسم!

   وأما مراد، فقصته غير الطيبة على لسان كل المؤرخين!

   وأما الملك الصالح، فإن ما كتبه عنه المقريزي يجعلك على يقين بأن اسمه ليس على مسمى ولن يكون!

   ومع ذلك، فقد أطلقنا هذه الأسماء على شوارعنا باعتبارها أسماء أبطال من أبطال العرب، ورموز من رموز مصر!

   بينما أُهملت أسماء كثيرين من المصريين، ممن هم أبطال في الحقيقة، ورموز في الأصل، ونجوم في الضمائر!

   فما الهدف من إضفاء بطولة زائفة على شخص أفَّاق أحمق وقاتل مأجور، تجعل منه رمزًا في ضمير الأمة، وفي نفوس الناس، فتحيطه بهالة من الأكاذيب والافتراءات، تمنع الناس من معرفة الحقيقة، أو تصدمهم بشدة إذا ما عرفوا ولو بعضًا منها؟!

   ولماذا نُعنى بإضفاء هالات من البطولة، وحالات من الفخامة على المهيج، والمهرج، والمدعي، والزاعم، والمحرف، والمزيف؛ فنشوه التاريخ، ونبلبل العقول، ونقلقل الضمائر؟!

   الأسئلة لا تنتهي، وهي مؤلمة.. لكن الأكثر إيلامًا هو ما يؤدي بالأمة ويقود الناس إلى أن يعيشوا في التزييف والتحريف، ويحيوا بالأوهام والأحلام، فلا يقدرون على مواجهة الواقع، ولا يستطيعون استيعاب حقيقة مَنْ هم كالقبور المبيضة من الخارج!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا