العلاقات المؤذية … والغفران

12

د. فيولا موريس

كثيرًا ما نقع في صراعات عنيفة بسبب أمورًا تشكلت في داخلنا، وتُعد عاتقًا أمام نمو حياتنا النفسية والروحية. ومن أهم هذه الأمور هي العلاقات غير الصحية وخاصةً العلاقات الحميمة، والتي تمثل لنا رصيدًا كبيرًا من الإحساس بالقيمة والأمان. ويكمن هذا الصراع في أن هذه العلاقات قد تسبب لنا أذى نفسيًا يؤدي إلى وجود آلام وجروح عميقة وانكسار في نفسياتنا، مما يصعِّب القدرة على الغفران خاصةً إذا كانت هذه العلاقات المؤذية ما زالت مستمرة وقريبة منا، ومن الصعب أن نتحاشاها. وقد يكون من المنطقي أن تكون ردود أفعالنا مشحونة بالغضب والغيظ تجاه مَنْ يسيء إلينا، إلا أننا قد نشعر بالذنب العميق تجاه ردود أفعالنا بسبب كسر وصية الله التي تمنعنا من التمتع بالحضور الإلهي والشركة المستمرة معه.

على أننا لا بد أن نعترف بأن هناك نوعيات من البشر قد نجد صعوبة شديدة في التعامل معها. وللأسف فإن مثل هذه النوعيات لها صور متعددة قد يصعب حصرها ولكن يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال النوعيات التالية:

الانتقادي: والذي يتعمد أن يجرحك أو يحرجك أمام الآخرين، أو يُظهِر ضعفاتك وعيوبك، وقد يصل به الأمر أن يهزأ أو يسخر من تصرفاتك وكلامك محاولًا النيل من احترامك وتقديرك لذاتك، كما أن لديه القدرة على التلاعب بمشاعرك، فإذا حاولت أن تتجنبه يبدأ يوجه لك اللوم والتأنيب والتبكيت وينتهي بك الأمر إلى أن تهتز ثقتك بنفسك وتبدأ تتشكك في سلوكك، وذلك مثل الأب الذي يحاول دائمًا انتقاد ابنه بل والسخرية والاستهزاء به والنيل من كرامته.

المتسلط: وهو الشخص الذي يتعامل معك كما لو كنت لعبة “ماريونت” يوجهك بحسب مزاجه الشخصي متجاهلًا رغباتك واحتياجاتك الشخصية وكأنك “روبوت” يحركه بالريموت كنترول، وإذا لم تستجب لتوجهاته يستخدم حيل خداعه حتى تخضع له خضوعًا تامًا. وغالبًا ما يطالبك بأمور تفوق إمكانياتك وقدراتك Demanding، وإذا لم تستجب يتهمك بالتقصير والإهمال وعدم القيام بواجباتك. وهو دائمًا ما يلعب دور الضحية فيتحول من جاني إلى مجني عليه، وهو أسلوب يتخذه للسيطرة وذلك لتنفيذ كل ما يأمر به، وفي النهاية تشعر وكأنك فقدت هويتك الأصلية، وذلك مثل الزوج الذي يحاول أن يبرمج زوجته على طريقة تفكيره وأسلوبه في الحياة، وبذلك ينجح في تدمير كيانها وشخصيتها.

المخاصم: وهو الشخص الذي يستخدم الخصام كسلاح للضغط على مَنْ حوله ولتنفيذ كل ما يطلبه منهم، وهو نوع من الإساءة المفرطة، وذلك مثل الأم التي تضع أبناءها في خيار بين الاستجابة لمطالبها أو القطيعة والخصام، أو الزوجة التي تستخدم الخصام كأداة ضد زوجها وذلك لتنفيذ كل رغباتها، وفي بعض الأحيان قد تمتنع عن تنفيذ مطالبه (النفسية والبيولوجية) كنوع من الضغط عليه. وقد تحدث الكتاب المقدس عن مثل هذه النوعية في (أمثال 25: 24) “السكنى في زاوية السطح خير من امرأة مخاصمة في بيت مشترك.”

المستغل: في أحيان كثيرة تكون العلاقة مع الآخرين مبنية على أغراض أنانية وشخصية، كالذي يستخدم صديقه من أجل منفعته ومصلحته الخاصة لا من أجل شخصه، وبذلك فهو يقفز على جوهر الحياة الإنسانية، حيث يعتبر أن الأشخاص هم مجرد أشياء ليس لهم أي قيمة إنسانية، مما يدفع العلاقات إلى الأذى النفسي.

الشكاء: وهو الشخص دائم التذمر والشكوى والتبرم، والذي يبحث عن النقائص في حياة من حوله، وكثيرًا ما يشكو من أمور تافهة لا تستحق الذكر، فهو لا يرى إلا الأمور السلبية، وفي أحيان كثيرة يقلب الأوضاع فيرى الأمور الإيجابية على أنها نقائص، وغالبًا ما يصدِّر طاقة سلبية للآخرين، فيشيع جوًا من النكد والتوتر والضيق، وقد يساهم في إصابة مَنْ حوله بالإحباط والاكتئاب.

هذا بخلاف الشخصيات الحدية والمضطربة مثل النرجسي والسيكوباتي ومتقلب المزاج Moody، حيث إن مثل هذه النوعية أكثر تدميرًا لمن يتعامل معها.

الآثار الضارة لعدم الغفران:

لا شك أن مثل هذه العلاقات التي تؤذي مشاعرك والتي تسبب لك الإحساس بالجرح تقودك إلى مشاعر من الظلم والقهر والكراهية، وقد تصل إلى الإحساس بالمرارة وعدم الغفران، إلا أن مشاعر المرارة قد تكون بمثابة الفيروس الذي ينخر في العظام فتحولك إلى كيان هش ونفسية محطمة. وقد يصل بك الأمر إلى الإصابة بالأمراض النفسجسمية كالشعور بالغثيان المستمر أو آلام في القولون والمعدة أو الصداع الدائم إلى آخر هذه الأعراض، وقد تدفعك هذه المشاعر إلى الدخول في دائرة الاكتئاب.

كما أن مشاعر المرارة قد تكون بمثابة حاجز روحي يفصلك عن التمتع بالحضور الإلهي وبالعلاقة الحميمة مع الرب، مما يجعلك تفقد الرؤيا والبصيرة التي تمنحك القدرة على التمييز والقيادة الروحية وهو ما يتيح لعدو الخير الفرصة كي يقتحم حياتك وينفرد بك، وبالتالي تنفتح تدريجيًا على دوائر الظلمة وتعيش لسنوات طويلة في محاولة للتعافي من قيد مشاعر المرارة وعدم الغفران. “مَنْ يبغض أخاه يبقى في الظلمة”.

كيف تتخلص من عدم الغفران؟

– التجئ أولًا إلى مصدر الراحة والسلام، شخص الرب يسوع، واطرح عند قدميه آلامك وجراحاتك واطلب منه بلجاجة معونة خاصة أن يحررك من قيد عدم الغفران، وأن يمنحك أحشاء رأفات حتى يمكنك احتواء مثل هذه النوعية، فليس كل البشر لهم التركيبة النفسية التي تتوافق معك.

– تحرر من قيود الماضي وأطلق للشخص المسيء إليك وامنحه حرية من هذا القيد، وتأكد أن الرب سيمنحك بركات وتعويضات مقابل إطلاقك لحريته.

– صلِّ من أجل المسيء إليك كي يتعامل الله معه ويرده عن طريق الشر والإيذاء، ويمنحك بصيرة كي ترى نعمة الله الغافرة لكل خطاياك.

– تأكد أن الغفران هو قرار شخصي يصدر من داخلك ويتأتى بمعونة الروح القدس، وتتبعه مشاعر نقية تجاه المسيء إليك.

– تذكَّر أن الغفران خلاف النسيان، إذ أن الأول هو تذكُّر الإساءة دون أن تصاحبها مشاعر المرارة والكراهية بل إطلاق بركة للشخص المسيء.

وأخيرًا حاول بقدر المستطاع أن تضع مسافة بينك وبين الأشخاص المسيئين إليك في التعامل معهم ولكن احذر لأن هذه المسافة تقودك إلى حد التجاهل والخصام.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا