إسلام البحيري المسيحي!

56

وأنا أفكر في كتابة مقالي الشهري سرحتُ قليلاً في حال الكنيسة اليوم وما وصلت إليه الأمور فيها، وتذكرتُ مارتن لوثر (1483-1546) وجون نوكس (1514-1572) وجون ويكلف (1325-1384) وجون هَس (1369-1415) وهالدريش زوينجلي (1484-1531)، وقبلهم يوحنا المعمدان وبولس الرسول، وأول الجميع الرب يسوع المسيح قائد ثورة تحرير الإنسان، وغيرهم من المصلحين الذين لعبوا دورًا هامًا في تاريخ الكنيسة.

بعضنا يرى أن كله تمام وأن الآخرين هم الذين يحتاجون إلى إصلاح، وعندما يلقي أحدهم حجرًا يحرك المياه الراكدة يحتفون به طالما أنه يحرك مياه راكدة بعيدة عنهم، ولكن حين يحرك أحد مياههم يكون قد ارتكب جرمًا كبيرًا.

وتذكرتُ هذه الكلمات التي كتبتها في ظروف مماثلة لما تمر به الكنيسة هذه الأيام.

 ولا تتعجل عزيزي القارئ، ولا تستغرب هذا العنوان الغريب. أنا لا أقصد أن إسلام البحيري أصبح مرتدًا واعتنق المسيحية؛ انتظر قليلاً.

–   بدون شك فإن إسلام البحيري – سواء وافقنا على هدفه وأسلوبه أم لم نوافق – حرك المياه الراكدة في المسكوت عليه في كتب التراث والتفاسير القديمة والتي مضى عليها أكثر من 1400 سنة. ولا أريد التعليق كثيرًا على تبعات الحجر الذي ألقاه إسلام في البحيرة الراكدة لأن هذا ليس هدف المقال.

نعود إلى عنوان المقال، “إسلام البحيري المسيحي”، فهذا ما يهمني. هل يمكن أن نرى إسلامًا آخر، أو قل جرجس أو مرقس، يلقي بحجر في البحيرة الراكدة من التفاسير والموروثات المسيحية؟!

–  الحقيقة أن مَنْ يفعل ذلك سيتعرض إلى ما تعرض له إسلام وربما أكثر، وسيُتهم بتشويه المسيحية وإنكار ما هو ثابت في الإيمان المسيحي، وبأنه خالف ما تسلمناه من أقوال الآباء والرسل والقديسين وانضم إلى زمرة الهراطقة والمارقين، ويجب أن يُحرق حرقًا أو يشلح شلحًا أو يقدم للتأديبات الكنسية، وسيكون مصيره النار وبئس المصير!!

–  نريد جرجس أو مرقس البحيري لتنقية الموروثات القديمة التي عفا عليها الزمن، والتي كانت بنت عصرها ولم تعد صالحة لعصرنا الحالي، وخالص الشكر لمن قدمها في حينها، فلم يكن مطلوبًا منهم في أزمانهم أكثر مما قالوا.

–  نريد إسلام البحيري المسيحي الذي يهدم الجدران المرتفعة بين الإكليروس (رجال الدين) والعلمانيين ويتيح الفرصة للعلمانيين للخدمة وتحمل المسئولية في الأمور المادية والإدارية، ويكفي رجال الدين الخدمة الروحية التي أُهملت كثيرًا بسبب الانشغال بكل شيء ما عدا ما كان يجب أن ينشغلوا به.

–   نريد إسلام البحيري المسيحي لكشف الخزعبلات والعادات التي ورثناها والتي نصر أنها من أساس الإيمان والدين، والحقيقة أن الإيمان والدين منها براء، وهي على العموم كثيرة ومتغلغلة في العقل المسيحي ومُسَلَّم بها ونحن نمارسها وكأنها وحي من الله غير قابل للتغيير أو حتى المناقشة.

–  نريد إسلام البحيري المسيحي الذي يُظهِر التفاسير المسيحية ويدعو لتنقيتها مما لحق بها من عقائد تأثرنا بها من المجتمع المحيط بنا حتى أصبحت وكأنها جزء أصيل من النص الديني والوحي المقدس.

–   نريد إسلام البحيري المسيحي الذي يدعو لتحطيم التابوهات والأصنام التي صنعها البعض وأصبح الاقتراب منها هو الدخول إلى عش الدبابير، بل إلقاء النفس في التهلكة، ودائمًا الحجة هي: ابن الطاعة تحل عليه البركة.

–  نريد إسلام البحيري المسيحي الذي يدعو إلى كشف المستور في الاجتماعات المغلقة، وما يجري في الطوائف والمذاهب والمجامع، وصراع السلطة والكراسي على حساب عمل الله وبغض النظر عن القيم والمبادئ المسيحية.

  هناك أمور كثيرة مسكوت عنها، حتى ظن البعض أنها أصبحت وحيًا لا يمكن الاقتراب منها، لكن لا مجال لذكرها هنا.

  فهل يظهر قريبًا إسلام البحيري المسيحي؟!

  وحتى لا يتهمني البعض بالبدع والهرطقات وإنكار المعلوم والثابت من الدين والإيمان، أعلن أنني مسيحي، أؤمن بالله الواحد مثلث الأقانيم، وبأن الكتاب المقدس كله موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ وللتقويم والتأديب الذي في البر، وبأن المسيح صُلب ومات وقام وسيأتي ثانيةً كما في الكتب.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا