حكايتي مع جريدة الطريق والحق

12

العدد 168 الصادر في سبتمبر 2019

حكايتي مع جريدة الطريق والحق

بمناسبة مرور 15 عام على بدء صدور جريدة “الطريق والحق”، وهي الجريدة المسيحية الواضحة والصريحة والوحيدة، على ما أظن وعلى حد علمي، التي تصدر في كل الشرق الأوسط اليوم، والأطول عمرًا في الصدور شهريًا بانتظام دون توقف حتى لعدد واحد، رأيت بعد التحية والشكر والعرفان والتقدير العميق لمجهودات رئيس مجلس إدارتها الدكتور القس صفوت البياضى، ومدير تحريرها الدكتور مهندس ثروت صموئيل، ومجلس تحريرها وكل كتابها والعاملين بها وقراءها الأعزاء الأوفياء، رأيت ان أكتب حكايتي مع جريدة “الطريق والحق” والتى أعتز وأفخر أن أكون المستخدم من الله في تأسيسها، والنائب الأرضي المنظور كرئيس تحريرها.

وللفائدة التاريخية والروحية، وإعطاء الكرامة والشكر والمجد كله لصاحبها الوحيد، شخص الرب يسوع المسيح أقول إنه – تبارك اسمه – علمني أن هناك أربع كلمات لابد، أن تكون بمثابة الأرجل الأربعة التى يقف عليها أي عمل معجزي خارق للطبيعة، وغير مقبول أو مفهوم بالعقل البشري المجرد، وغير مرئي بالعيون الجسدية المحدودة في مدى رؤيتها للأشياء المستقبلية لدى أبناء الله المكرسين لخدمته تعالى. هذه الكلمات الأربع هي:

1- اسمع.

2-  صدق.

3-  استعد.

4-  اعمل.

إن أول هذه الكلمات هي (اسمع) لصوت الله المتحدث داخلك، فالله القدير غير صامت، لكنه تعالى يتكلم إلى خلائقه باستمرار ويشاركهم بمشيئته تجاه بني البشر ويطلب منهم – سبحانه – مشاركته في العمل على تنفيذها.

الكلمة الثانية (صدق) ما يقوله لك الله، مهما كان ما يطلبه منك أو يعدك به كبيرًا، أو ما يريد أن يستخدمك في إنجازه عجيبًا في عينيك، لأن ما يطلبه منك الله لتنفيذه لابد أن يتناسب مع قدرته – سبحانه – على تنفيذ أي أمر مهما كان وبالتالي فهو يطلب دائمًا ما لا يمكن أن ينفذه البشر بإمكانياتهم الشخصية الذاتية، لكنه في نفس الوقت يعطيهم، سبحانه، الإمكانية على تنفيذه بروحه القدوس.

أما الكلمة الثالثة فهي (استعد)، حيث أن كثيرًا مما يطلبه منا القدير لعمله يتطلب منا استعدادًا نفسيًا، وعقليًا، واجتماعيًا وحياتيًا وفي بعض الأحيان يتطلب استعدادًا علميًا لتنفيذ ما يطلبه تعالى منا.

أما الكلمة الرابعة والأخيرة فهي (اعمل). فكثيرون هم الذين يسمعون صوت القدير يطلب منهم التنفيذ أو القيام بعمل ما، وبالرغم من صعوبة ما يطلبه منا جلاله في تنفيذه، فإنهم يصدقون أن من كلمهم وطلب منهم تنفيذ هذا الأمر أو ذاك هو القدير نفسه، لكنهم يقفون عند النقطتين: اسمع، وصدق، دون إعداد أنفسهم لما يريدهم الله أن ينجزوه، وإن بدأوا في إعداد وتدريب نفوسهم لإنجاز الأمر لا يعملون أو ينفذون وينجزون شيئًا عمليًا يذكر ولسان حالهم نحن ننتظر الرب للتنفيذ، وربما كان الرب هو الذي ينتظرهم أن يعملوا شيئًا وينفذوا الأمر المطلوب منهم. هذا بالإضافة أن عددًا كبيرًا منهم يبدأون في التنفيذ لكن، لسبب أو لآخر، لا يكملون المسيرة لنهايتها ولا يتممون عملاً ما يطلب منهم.

دعني أطبق الأربع نقاط السابقة على ما حدث معي في أمر تأسيس جريدة “الطريق والحق”، بدأت حكايتي مع إصدار جريدة “الطريق والحق” بما يقرب من ثلاثة وثلاثين عام مضت، أي ما يقرب من ثمانية عشر عام قبل إصدار الجريدة فعليًا وظهورها إلى النور، في تلك الأيام لم تكن هناك سوى مجلات الكنائس المحلية التى كانت تُطبع وتُوزع على أعضاء كل طائفة أو داخل الكنائس كمجلة “صوت الراعي الصالح” الصادرة عن مجمع كنيسة المسيح، أو “الهدى” الصادرة عن الكنيسة المشيخية، أو “المراعى الخضراء” الصادرة عن كنيسة الإخوة، أو “الكرازة” الصادرة عن الكنيسة الأرثوذكسية… إلخ. لم يكن هناك لا جريدة ولا مجلة مسيحية عامة تصدر وتوزع مع الباعة في مصر، حيث لم يكن مسموحًا أمنيًا بتسجيلها تحت أي بند من البنود، كانت هناك فقط مجلة “هو وهي” التى كنا نشتريها من الباعة وكانت تحمل ترخيصًا أجنبيًا غير مصري، وكنا نشتريها من باعة الجرائد ونتداولها نحن المسيحيين على أنها مجلة مسيحية، لكن نظرًا للظروف الأمنية والمجتمعية المصرية يومئذ لم تكن “هو وهي” بالحقيقة مجلة مسيحية واضحة حسب مفهوم المجلات المسيحية في تلك الأيام، وبالرغم من أن الذين كانوا مسؤلين عن إصدارها كانوا ولا يزالوا من المسيحيين الأتقياء، المثقفين والمكرسين لخدمة المسيح يسوع – تبارك اسمه – في مجالات كثيرة، لكنهم هم أنفسهم كانوا يأكدون بكل الطرق، حتى لنا كشباب مسيحي قريب منهم، في تلك الأيام الجميلة بأنها مجلة غير مسيحية، بل هي اجتماعية ثقافية… إلخ.

كانت فكرة وجود جريدة أو مجلة مسيحية واضحة وصريحة تكتب ما تشاء دون خوف أو حساب من حاكم أو محكوم، فكرة لم يكن من الممكن أن تخطر لأحد منا على بال، ولم يكن مسموح لنا أن نفكر بها كمسيحيين، على اختلاف طوائفنا وخلفياتنا، حتى داخل عقولنا، وبالتالي كان الافصاح عنها جريمة لا تغفر، ليس فقط من الرياسات الحكومية، بل من الرياسات الكنسية أيضًا. بدأت حكايتي مع تأسيس وإصدار جريدة “الطريق والحق” بالخطوة الأولى من الأربع كلمات المذكورة سابقًا وهي:

أ- اسمع: ما حدث معي ذات ليلة، في وقت غروب الشمس، وقت تقدمة المساء التى أوصى الله الشعب القديم بتقديمها يوميًا، في السادسة والنصف مساءً، وبينما كنت أسير بشارع الجسر بحي شبرا بالقاهرة متجهًا نحو عيادتي، ودون سابق تفكير من ناحيتي لا في جريدة ولا في مجلة، وإذا بصوت واضح ملأ كياني كله يخاطبني قائلاً: “يومًا من أيام المستقبل سيكون هناك جريدة مسيحية واضحة تخاطب المصريين والمتحدثين بالعربية في العالم العربي وستكون أنت مؤسسها ورئيس تحريرها”.

ب- صدق: كنت متأكدًا أن الصوت الذي تكلم معي هو صوت القادر على كل شيء، حتى إذا كان من العجيب أن يتكلم سبحانه لشاب بسيط مثلي بمثل هذه الرسالة.

وبالرغم من ثقتي فيمن هو المتكلم معي، وبالرغم من تصديقي وإيماني وثقتي في الحال أنني في يوم من الأيام سأصبح رئيس تحرير جريدة مسيحية واضحة وصريحة في مصر، لكن لهول المفاجئة واستحالة تخيلها أو قبولها بعقلي البشري الصغير اختلطت المشاعر داخلي، مشاعر تعجب ورعدة، امتحانًا للنفس فيما يتعلق بالصوت الذي سمعته إن كان هو حقًا القدير الذي تكلم معي، مشاعر فرح وإيمان ويقين في أن هذا سيصير لأنه صوت القادر على كل شئ، الذي يقول فيكون ويأمر فيصير، الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، والذي لا رادًا لكلامه من إنس أو ملاك أو حتى من الجن، مشاعر كثيرة كانت كلها ممتزجة بالدهشة لاختيار الله لشاب مثلي للقيام بهذا العمل، وأنا شاب صغير من عائلة متوسطة الحال، ومن كنيسة غير مشيخية، ولست بصحفي، أو دارس للصحافة وفنون الكتابة. اختلطت كل المشاعر السابقة بمشاعر خوف من السلطات المصرية، والكنسية، ومن مجرد الإفصاح عن مضمون هذا الأمر لأقرب أصدقائي.

بعد مرور عدة أيام قضيتها في محاولة اجترار ما حدث معي وفحصه وفهمه إلى أن تأكدت من أن الصوت الذي سمعته صوت حقيقي، والحدث حدث فعليًا وليس مجرد تخيلات من ناحيتي، قمت بمشاركة بعض أصدقائي المقربين جدًا لي، تراوحت ردود أفعالهم بين الاستفهام والتعجب والابتسامة الصفراء التى جعلتني أنظر لنفسي وكأنني جئت شيئًا فريًا، بالإضافة إلى نظرات الشفقة عليّ من كبار السن، وكأنني أصبت بالجنون، والأسئلة التى لم يكن لدي إجابة عنها مثل،  كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وفي مصر؟! هل أنت عاقل أم مجنون؟ كيف تكلم معك الله؟ ومن أعلمك أنك لم تكن تتحدث مع نفسك، وغيرها الكثير من الأسئلة، الجميع لم يصدقوا أو يقبلوا ما أعلنته لهم باستثناء شخص واحد وهو صديق لي اسمه “هاني دانيال”، من كنيسة أرض شريف الإنجيلية. كان صديقي “هاني”، مهتمًا بطباعة الكتب المختلفة، المحرمة وغير المحرمة في ذلك الوقت، وتوزيعها بجرأة شديدة. قال لي صديقي “هاني”: “ناجي أنا مصدق أن الله تكلم لك، وإن ما قاله لك سيحدث، وأنا معك وسأساعدك واعتبرني واحد من رجالتك”.

ج ـ استعد: بعد أيام قليلة بدأت في جمع بعض المعلومات عن كيف يمكنني أن أنتج وأسجل وأحصل على ترخيص لإصدار جريدة كما وعدني الصوت الذي تكلم إلي سابقًا. قررت أن أسأل الذين مشوا مشوار إصدار المجلة الوحيدة  التى كنا نظن أنها مسيحية، اتصلت بتليفون مكتبهم، أجابت رئيسة تحرير المجلة، وهي أخت فاضلة مؤمنة حقيقية بالمسيح، قلت لها أخت فلانة، عندي سؤال لحضرتك حيث أنني أفكر في إصدار مجلة مسيحية عامة توزع مع باعة الجرائد. فكيف يمكنني أن أحصل على ترخيص لها، لم أكمل كلامي لإختى العزيزة حتى انفجرت في قائلة” “من فضلك إحنا مش مجلة مسيحية، إحنا مجلة اجتماعية ثقافية ولا علاقة لنا بما تريد أن تعمل وأرجو أن لا تتصل بهذا الرقم مرة أخرى وأن تحتفظ بأفكارك لنفسك و، و، و، و”. شكرتها وانهيت المكالمة وقلت لنفسي، أختي هذه معذورة، فخطوط تليفوناتهم أكيد مراقبة بالسلطات الأمنية. كما أنني أنا أيضًا أعلم علم اليقين أن تليفوني أنا أيضًا مراقب منذ أن أسست اتحاد الشباب المسيحي.

لم أستطع يومها أن أحصل على أية معلومات، من أي شخص تكلمت معه عن أمر كيفية استخراج ترخيص لجريدة مسيحية يمكنني من تحقيق غايتي، فانتظرت لعدة شهور، لم يغب الصوت الذي تكلم معي عن عقلى أو تفكيرى أو آذاني اطلاقًا، يومًا ما، بينما كنت أفكر فيما قاله لي صوت القدير سألت نفسي، ناجي الصوت الذي تحدث معك قال لك إنك يومًا ما ستكون  رئيس تحرير مطبوعة مسيحية توزع في مصر، فكيف سيحدث هذا وأنت لست مستعدًا ولا جاهزًا للقيام بهذا العمل، لا ماديًا ولا عمليًا أو علميًا ولا صحفيًا، ولا تعرف شيئًا عن عالم الصحافة في مصر، ولا كيف تنتج صحيفة؟!! قضيت وقتًا في الصلاة وطلب مشيئة القدير في هذا الأمر، سائلاً الله ماذا تريدني أن أعمل وكيف أكون مستعدًا عندما يحين الوقت الذي تطلب فيه مني عمل ما سألتني لأعمل، إلى أن سمعت نفس الصوت الذي وعدني الوعد السابق يقول لي “اذهب وادرس صحافة في كلية الإعلام”. كان الأمر غريبًا وعجيبًا جدًا بالنسبة لي، فكيف بعد أن تخرجت من كلية طب الأسنان في شهر مايو عام 1979 وأعمل في عيادتي الخاصة يوميًا أبدأ من جديد في دراسة الصحافة في عام 1988، لكن حيث أنني كنت واثقًا من مصدر الصوت الذي دعاني أن أدرس الصحافة. قررت أن أذهب إلى كلية الإعلام بجامعة القاهرة لأعرف كيف يمكنني أن أبدأ الدراسة بها. الحقيقة إنني لم أكن أعرف إن كانت كلية الإعلام هي كلية من الكليات التى يمكن أن انتسب إليها وأدرس من المنزل وأذهب لآداء الامتحان بها في نهاية كل عام، هكذا كنت أظن، وهكذا كنت أرغب وهكذا كنت أتمنى، أم أنها كلية لابد من الانتظام على حضورها يوميًا، قلت لنفسي إن أسهل الطرق للبداية هي أن أعمل زيارة لقسم شئون الطلبة بالكلية وأسألهم كل ما لدي من أسئلة، ذهبت إلى مكتب شئون الطلبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، كان قسم شئون الطلبة عبارة عن غرفة كبيرة جدًا مليئة بالمكاتب الخشبية المرصوصة بجوار بعضها البعض، تطل هذه المكاتب جميعها على باب دخول الغرفة فيما عدا مكتبًا واحدًا كان على يسار الداخل من باب الغرفة ويكون مع باقي المكاتب شكل الحرف الإنجليزي ( L)، علمت بعد ذلك أنه مكتب رئيسة موظفي  شئون الطلبة، خلف كل مكتب من المكاتب الخشبية وعددهم ١٣ مكتب، حيث قمت بتعدادهم تعجبًا من كمية البطالة المقنعة لموظفي الدولة، كانت تجلس، بلا استثناء، سيدة بدينة، ضخمة الجسد، محجبة أو منقبة، بعضهن يقرأن الجرائد والمجلات، وبعضهن يحملقن في السقف، وبعضهن يكتبن في دفاتر يعجز الإنسان الطبيعي على حملها نظرًا لثقلها. اقتربت من إحداهن وقلت لها صباح الخير، ردت التحية بالقول، سلام ورحمة الله وبركاته، قلت في نفسي ليكن، أنا جئت لإنجاز مهمة محددة، وهي لم تخطأ، فالسلام والرحمة والبركة من الله بغض النظر عن الدافع الذي جعلها تجيبني بهذه الإجابة بالرغم أن تحيتي لها لم تكن “السلام عليكم” بل صباح الخير.

سألتها: من فضلك أنا أريد أن أدرس الصحافة في الكلية هنا، فكيف أستطيع ذلك؟ هل يمكن الانتساب للكلية والدراسة من البيت. نظرت إليّ السيدة بتعجب وأجابتني “لما حضرتك مش عارف إن كانت كلية الإعلام فيها انتساب أم فقط انتظام (أُوْمَالْ إزاي جاي) تدرس صحافة. ابتسمت وسألتها: “هي حضرتك الكلية انتظام ولا فيها انتساب”، لم تنتظر أن أكمل بقية جملتي وقالت بتهكم: “أنت تعرف الأغنية اللي بتقول، هات ورقة وقلم ومرايا، وخلوا بالكم معايا؟” ضحكت وقلت: نعم أعرفها، قالت: أهي الكلية بقى انتظام، يعني تجيب ورقة وقلم ومرايا وتيجي تدرس كل يوم الصبح في الكلية لمدة أربع سنين.

بينما كانت تتحدث إلىّ الموظفة بصوت مرتفع متهكمة لاحظت أن زميلتها التى كانت تجلس على المكتب المجاور لها تتابع الحديث بيني وبين تلك السيدة التى كنت أتحدث إليها، أجبت محدثتي، تمام إذًا كيف أبدأ الدراسة بالكلية، نظرت إليّ الموظفة وقالت: “حضرتك واخد الثانوية العامة إمتى؟”، قلت: لا من زمان، زمان، تقريبًا من 15 سنة، أجابت الموظفة: “هو حضرتك ما تعرفش أن الثانوية العامة جريمة تسقط بعد سنه” تظاهرت بعدم الفهم وقلت: ماذا تقصدين، قالت: “أقصد أنك لا بد أن تكون حاصلاً على الثانوية العامة حديثًا ولم يمر عليها أكثر من سنة”، قلت: “تقصدي” قبل أن أكمل جملتي قالت: أقصد أنك تدرس سنة الثانوية العامة مرة أخرى وإن حصلت على مجموع درجات مرتفع يمكنك أن تقدم أوراقك إلى مكتب التنسيق ولو حظك كان حلو وأخذوك في كلية الإعلام تحضر كل يوم صباحًا وتدرس مثل الطلبة المنتظمين لتحصل على بكالوريوس الإعلام قسم الصحافة.

بينما كانت الموظفة تلقى محاضرتها على مسامعي في كيف يمكن أن التحق بكلية الإعلام للحصول على بكالوريوس في الصحافة رفعت قلبي إلى الله متسائلاً: يارب، هل تسمع ما تقوله هذه السيدة، هل حقًا تريدني أن أدرس صحافة، هل حقًا يمكن أن أبدأ من جديد وأدخل امتحان الثانوية العامة مرة أخرى؟ لم أسمع إجابة فورية لصلاتي هذه. قلت للموظفة التى كانت أمامي أشكرك على مساعدتك لي، مع السلامة. أدرت ظهرى في طريقى للخروج من الباب وقد وضعت في قلبى مهما كلفنى الأمر، فلابد أن أتممه، سأدرس السنة النهائية من المرحلة الثانوية من منزلي، وسأدخل الامتحان، وسأحصل على مجموع كبير، وسألتحق بكلية الإعلام قسم صحافة وسأحصل على البكالوريوس لأكون مؤهلاً لرئاسة تحرير المطبوعة التى تكلم لي القدير عنها ووعدني برئاسة تحريرها.

لم أسر أكثر من خطوتين أو ثلاث في اتجاه باب غرفة شئون الطلبة، حتى سمعت صوت الموظفة التى كانت تتابع حديثنا، والجالسة جوار السيدة التى كانت تتكلم معي، تنادي عليّ وتقول: يا أستاذ يا أستاذ، رجعت ووقفت أمام مكتبها، فقالت لي: “لماذا لا تأخذ دبلوم دراسات عليا في الصحافة بدل (الغُلب ده)، ابتسمت لها وقلت حضرتك تابعتي الحديث الذي دار بيني وبين زميلتك التى بجانبك والتى كنت أتكلم إليها، قالت: نعم تابعته، قلت: الحقيقة أنا ليس لدي دراسات “وُطيه” لآخذ دراسات عليا، أجابت السيدة: “مش لازم يكون عندك دراسات وُطيه علشان تأخذ دراسات عليا”، قلت لها في دهشة مش فاهم، قالت الموظفة أنا أفهمك: “هل تظن أن فيه أحد من الصحافيين الكبار دارس صحافة؟ قلت: أعتقد ذلك، قالت: لا غلطان ما فيهم حد دارس صحافة ولذلك كلية الإعلام أنشأت لهم برنامجًا خاصًا للحصول على دبلوم دراسات عليا، يمكن أن يلتحق به الصحفي العامل في الصحافة دون أن يكون حاصلاً على بكالوريوس في الصحافة. قلت: هذا رائع وما هو المطلوب منى حتى ألتحق بهذا البرنامج؟ سألتنى الموظفة، أنت حضرتك صحفي، أليس كذلك، أجبتها: أنا رئيس تحرير مجلة، قالت: عظيم هل يمكنك أن تحضر لنا شهادة خبرة من المجلة التى أنت رئيس تحريرها بأنك تعمل بها لمدة سنتين؟ قلت: هذا سهل وبسيط، أشارت بيدها لورقة ملصقة على لوحة إعلانات في الجانب الآخر للغرفة وقالت: إذًا اقرأ هذا الإعلان وستجد به ما هو مطلوب منك من أوراق رسمية كشهادة الميلاد، وشهادة الحصول على البكالوريوس، وشهادة الخبرة وخلافه، وجهز هذه الأوراق وإحضرها لي لتلتحق بالبرنامج وتحصل على دبلوم دراسات عليا في الصحافة.

لم أصدق آذاني، معقول ما قالته هذه الموظفة، ولماذا لم تقل لي الموظفة الأخرى التى كنت أتحدث معها عن هذا البرنامج، رفعت قلبي إلى الله، معقولة يا سيدي أنه يمكنني الحصول لا على درجة البكالوريوس في الصحافة فحسب، بل درجة دبلوم الدراسات العليا ودون أن أدرس السنة الأخيرة في الثانوية العامة، ودون أن أنتظم في الحضور بالكلية كل يوم صباحًا لمدة أربع سنوات لأحصل على البكالوريوس فقط، نعم أنت إله عظيم، صانع عجائب، لايقف أمامك جبال أو سدود، تقول، فيكون، تأمر، فيصير، مبارك اسمك.

ذهبت إلى لوحة الإعلانات وكتبت كل ما هو مطلوب منى احضاره، حتى أتمكن من تقديم أوراقي للالتحاق ببرنامج دبلوم الدراسات العليا للصحافة من جامعة القاهرة.

كانت المشكلة الوحيدة هي الحصول على شهادة الخبرة، فأنا بالحقيقة كنت يومها رئيس تحرير مجلة “صوت الراعي الصالح” الصادرة عن مجمع كنائس المسيح، وقبلها كنت رئيسًا لتحرير مجلة “المطر المتأخر” التى كانت تصدر عن اجتماع الشباب بكنيسة المسيح بشبرا، لمدة أكثر من ثماني سنوات، لكني كنت أعلم علم اليقين أن شهادة الخبرة المطلوبة لابد من الحصول عليها من مؤسسة صحفية معترف بها من الحكومة المصرية لا من كنيسة ومجمع المسيح.

أما عن رئاستي لتحرير مجلة “المطر المتأخر” وهي المجلة التى بالرغم من أنها مجلة اجتماع شباب صغير لكنيسة المسيح بشبرا من مجمع كنائس المسيح الصغير في تلك الأيام، لكنها كانت المجلة التى دافعت وكتبت وعقدت ندوة، حضرها الكثير جدًا من القسوس والخدام، لرفض وإيقاف توزيع ترجمة العهد الجديد من الكتاب المقدس، الترجمة التى كانت معروفة يومئذ بالترجمة العربية الحديثة، والتى أرسلت لدار الكتاب المقدس بمصر من زميلتها في لبنان. فقد اختارني المسؤلون عن اجتماع الشباب أن أصبح رئيس تحرير مجلة المطر المتأخر.

وأما عن رئاستي لمجلس تحرير مجلة “صوت الراعى الصالح”، فقد صارت عندما قرر أعضاء المجلس التنفيذي للمجمع العام لكنائس المسيح وعلى رأسهم طيب الذكر “القس سامي لبيب”، رئيس المجلس، مشكورين، أن أتولى أنا رئاسة تحرير مجلة “صوت الراعي الصالح”. الأمر الذي رفضته في البداية تمامًا وبشدة حيث أن القس سامي لبيب، كان هو رئيس تحريرها ولم أكن أجد في نفسي الكفاءة أو الاستحقاق أن أقبل أن يرفع اسم القس سامي، ويوضع اسمي مكانه كرئيس تحرير المجلة. لكن أمام إصراره وفشل كل محاولاتي في إقناعه أن يظل هو رئيس التحرير ووعدي له أنني سأقوم بكل العمل المطلوب لإخراج المجلة بأحسن صورة بشرط أن يبقي اسمه عليها كرئيس التحرير. أمام إصراره قبلت مندهشًا أن أكون أنا رئيس تحرير “صوت الراعي الصالح” بالطبع لم أكن أعلم أن إصرار القس سامي لبيب، على أن يكتب اسمى على المجلة كرئيس للتحرير كان ضمن خطة إلهية مستقبلية والسبب الرئيسي لقبولي لدراسة الصحافة بكلية الإعلام.

ذهبتُ إلى القس سامي لبيب، وقلت له: جناب القسيس، ألست أنا رئيس تحرير مجلة “صوت الراعي الصالح” لما يقرب من سنتين الآن وأنني كنت رئيسًا لتحرير مجلة المطر المتأخر لما يزيد عن ٨ سنوات، أجاب جنابه: نعم هذا صحيح. سألته هل يمكن أن تعطني شهادة خبرة من المجمع بأنني رئيس تحرير مجلاتها لأكثر من سنتين، قال لا مانع ولكن لماذا؟ أجبت: جناب القسيس الله أمرني أن أدرس صحافة، وعندما ذهبت إلى كلية الإعلام قسم الصحافة لأسأل عن الأوراق المطلوبة للدراسة، قالوا لابد أن يكون لدي شهادة خبرة بأنني أمارس عملاً صحافيًا لمدة سنتين على الأقل، لذا فأنا قررت أن أطلب منك الشهادة. نظر إليّ القس سامي، بتعجب وقال لي: طبعًا أنت عارف أنهم في الجامعة يطلبون ويتوقعون أن تكون شهادة الخبرة من مؤسسة صحفية رسمية مسجلة في الحكومة وليست من كنيسة، فهل تعتقد أنهم سيقبلون منك شهادة خبرتك الصادرة من مجمع كنائس المسيح وموقعة من قسيس، أجبته: حسب المنطق البشرى هذا مستحيل، من المستحيل أن يقبلوها، سألني القس سامي، إذا كان هذا مستحيلاً وأنت تعلم ذلك، فلماذا تريدني أن أكتب لك شهادة الخبرة، رويت للقس سامي، ما حدث معي منذ أن سمعت صوت الله يعدني أنه سيكون هناك إصدار مسيحي واضح بمصر حتى اللحظات التى كنت أتكلم إليه فيها، أنهيت كلامي، إن المكان الوحيد الذي أستطيع أن أحصل منه على شهادة الخبرة هي كنيستنا موقعة من حضرتك لأنها الحقيقة، غير ذلك، فلا أريد أن أستخدم شهادة ليست صحيحة، وأنا أثق أن الله الذي طلب مني أن أدرس صحافة يستطيع أن يغير الأزمنة والأوقات ويجعلهم في الجامعة يقبلون شهادة الخبرة من الكنيسة. قال القس سامي، لا مانع عندي على الاطلاق لإعطائك الشهادة، فهذه هي الحقيقة التى لا كذب فيها. كتب حضرته الشهادة في التو واللحظة وسلمها لي مكتوبة على ورقة من الأوراق الرسمية الخاصة بمجمع كنائس المسيح وموقعه منه باسم القس سامي لبيب رئيس المجمع.

أكملت كل المطلوب من أوراق لتقديمها لشئون الطلبة بكلية الإعلام لقبولي بين المرشحين لدراسة دبلوم الدراسات العليا قسم صحافة، عند وصولي لتقديم الأوراق اكتشفت أن أمامي ساعة واحدة للتقدم بأوراقي بعدها سيُغلق باب قبول الأوراق وسينتهي الميعاد المحدد لذلك. ذهبت للتو واللحظة إلى الموظفة التى أخبرتني عن البرنامج، قدمت لها كل الأوراق والصور المطلوبة، أخذت السيدة تفحص الأوراق بكل دقة حتى أمسكت بشهادة الخبرة وبدأت في قراءتها، لم تكمل القراءة وصاحت في وجهي: “إيه ده يا أستاذ، شهادة خبرة من كنيسة، شهادة الخبرة لازم تكون من مؤسسة صحفية رسمية كالأهرام أو الأخبار أو الجمهورية، مش شهادة خبرة من كنيسة”، بادرتها بالقول: “ومالها الكنيسة ليه ما تكنش شهادة الخبرة من الكنيسة”. في ذلك الإسبوع كان هناك أحد التفجيرات والحرائق قد شبت في كنيسة ما وكان الجو العام مشحونًا ومتوترًا جدًا، لم يكن أحد يستطيع أن يتكلم عن هذا الأمر وإلا وجد ما لا يسره”. بادرتني السيدة بالقول: “لأ، لأ إحنا مش هندخل مع بعض في المنطقة دي، أنا سأُري الريسة شهادة الخبرة دي، لو قالت لي اقبليها وخديها هخدها وتكون على مسؤليتها”، قلت: أرها للريسة. قامت الموظفة من مكتبها وذهبت إلى رئيسة المكتب وأنا أسير وراءها حتى وصلنا معًا أمامها. ناولت الموظفة رئيسة المكتب الشهادة، بدأت الرئيسة في القراءة، فقالت لها الموظفة الأستاذ بيقدم للدراسة في دبلوم الدراسات العليا ودي شهادة الخبرة اللي جايبها، نقبله ولا لأ، لم تمسك الرئيسة شهادة الخبرة في يدها أكثر من عشر ثوان ولم تكمل قراءتها لنهايتها، وأعتقد أن عينيها لم تر سوى اسمي ووظيفتي وأنني رئيس تحرير “جريدة الراعي الصالح”. أرجعت الريسة شهادة الخبرة إلى الموظفة قائلة: “لما ما تخديش رئيس تحرير تاخدي مين، عايزة تاخدي محرر عادي، خذي منه الأوراق وسجلي اسمه في المتقدمين للدراسات العليا”. نظرت الموظفة للرئيسة بغضب وسحبت من يدها شهادة الخبرة بعصبية واضحة وقالت لها: أنت حرة، أنت المسؤلة عن هذا الأمر”. شكرت أنا الرئيسة على قرارها ومشيت وراء الموظفة إلى مكتبها، جمعت الموظفة كل أوراقي المقدمة مني لها في دوسيه واحد، وكتبت لي إيصال باستلام أوراقي وقالت لي: “انتظر إخطار في البريد بميعاد امتحان القبول التحريرى وبناء على نتيجة درجاتك في هذا الامتحان سيتم اتخاذ قرار قبولك بهذه الدفعة للدراسة أم لا”. شكرتها على خدماتها لي وانصرفت من أمامها. عندما ذهبت إلى منزلي ثم إلى الكنيسة وبعدها لمقابلة بعض الأصدقاء كنت أزف البشرى فرحًا متحمسًا وأقص على كل منهم كيف أن الموظفة التى استلمت منى الأوراق كانت متعصبة دينيًا ورفضت أن تقبل مني شهادة الخبرة التى أعطاها لي القسيس سامي، وكيف أن الرئيسة لم تقرأ شهادة الخبرة إلى النهاية، وكيف أنها عنفت وانتهرت الموظفة لأنها رفضت أن تقبلها مني، وكيف أن الرب قد عمل معجزة حقيقية بأن جعل الرئيسة تقبل أوراقي وتم تسجيل اسمي بين طلبة الدراسات العليا المرشحين لاجتياز امتحان القبول بها، لكن الحقيقة أنه على قدر تحمسي الحار وفرحي الغامر لما وصلت إليه الأمور، على قدر ما كان رد فعل السامعين لقصتي باردًا، مستخفًا محزنًا ومحبطًا، قال البعض عند سماع قصتي “أنت مصدق أنهم سيأخذونك للدراسة العليا؟” قال آخر: “ما تتحمسش قوى كده لأنهم مش هينجحوك في الامتحان”، قال ثالث: “طبعًا هيخدوك وهتدرس معاهم لأنه بالطبع لابد أن يكون بين الطلبة على الأقل واحد مسيحي، مش معقول الدفعة كلها ستكون مسلمين، لكن طبعًا لن تحصل على الدبلوم اطلاقًا، ولنفس السبب الذي قبلوك لأجله وهو لأنك مسيحي”. أما أنا فكنت واثقًا أن الذي ابتدأ معي عملاً صالحًا، فهو قادر أن يكمل إلى النهاية.

لم أكن أدري ما نوع الأسئلة التى يمكن أن أجدها في الامتحان الذي ستحدد نتيجته إن كنت سأقبل ضمن طلبة هذه الدفعة من الدراسات العليا، لم يكن هناك من أستطيع أن أسأله أو أعرف منه أية معلومات عن هذا الامتحان التحريري، ذهبت إلى المكتبة العامة لدار الكتاب، وطلبت من أحد الأصدقاء العاملين بها أن يعيرني بعض الكتب التى تتكلم عن الصحافة وتاريخها وكيفية كتابة المقال والقصة القصيرة وما شابه، ظنًا منى أن هذه هي الأسئلة التى سأجدها في امتحان القبول للدراسات العليا، حاولت قراءة بعض الصفحات عن الصحافة في واحد من الكتب التى استعرتها من مكتبة دار الكتاب، وجدتني أمام بحر من المعلومات وطلاسم لابد من دارس للصحافة لفك ألغازها، فتركت القراءة في الموضوع ولم أقرأ ولا واحدًا من الكتب التى أعارني إياها صديقى، قلت لنفسى أنا استعرت كتبًا لا أدري إن كانت هي التى ستأتي منها الأسئلة أم لا، وأنا لا أعرف حتى طبيعة الامتحان أو نوع الأسئلة، وواضح أنه من المستحيل أن أتمكن من دراسة هذه الكتب، إذًا ليكن ما يكون، إذا أراد الله أن أنجح في الامتحان ويتم قبولي للدراسة فسأشكره، وإن لم أنجح هذه المرة، فعلى الأقل أكون قد عرفت نوع الأسئلة التى تأتي في مثل هذا الامتحان. بعد حوالي أربعة أسابيع استلمت خطابًا من الكلية يبلغني في بأن الامتحان سيكون في اليوم الفلاني في المبنى الفلاني والساعة الواحدة ظهرًا في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وجاء أيضًا بالخطاب، أنه لظروف خارجة عن إرادتنا تقرر أن يكون الامتحان امتحانًا شفويًا بدل من امتحان تحريري وستقوم لجنة ثلاثية من أساتذة كلية الإعلام بامتحان السادة المتقدمين للدراسة. وللجنة حق قبول أو رفض طلب أي من المتقدمين دون إبداء أسباب.

كانت هذه السنة بالذات هي السنة الوحيدة منذ ١٣ عام، حين بدأ العمل بهذا الامتحان، التي يلغى بها الامتحان التحريري ويستبدل بامتحان شفوى من ثلاثة أساتذة. الحقيقة كانت بالنسبة لي ليست أخبارًا سارة، حيث أنني كنت أفضل أن يكون الامتحان تحريرًا عن أن يكون شفهيًا، والسبب هو أنني كنت أريد أن أتعامل مع ورقة وقلم، أكتب ما أعرف وأنصرف إلى حال سبيلي دون لقاء ومواجهة أساتذة الجامعة والجلوس معهم وجهًا لوجه، حيث أنني كنت أثق أنه سيكون من المستحيل عندي أن أجيب على أسئلتهم الفنية العلمية عن الصحافة، الأمر الذي لم أكن درسته من قبل ولا علم لي به على الإطلاق، كما كنت أحاول أن أتجنب تعليقاتهم التى ربما يصدمونني بها عندما يعلمون أنني لست صحفيًا في مؤسسة صحفية رسمية في البلاد وأنني مجرد رئيس تحرير لمجلة صغيرة تصدر عن مجمع كنائس. دار كل هذا بعقلي عندما تسلمت الخطاب، لكن، مرغم أخاك لا بطل، ولا رادًا لقضاء الله، وإذا قرر أساتذة كلية الإعلام أن يكون الامتحان شفهيًا، فمن يستطيع الاعتراض أو حتى السؤال عن سبب تغيير طبيعة الامتحان.

لم أكن أعلم أن تغيير طبيعة الامتحان وجعله شفاهيًا هو جزء من خطة المولى القدير لقبولي واجتيازي الامتحان بنجاح والتحاقي بدفعة 1988 لدبلوم الدراسات العليا بكلية الإعلام جامعة القاهرة.

جاء يوم الامتحان، وقفت مع ما يقرب من ٤٠ رجل وسيدة أمام باب غرفة اللجنة الممتحنة، بدأ الجميع في التعارف على بعضنا البعض، أنا فلان من قسم الاستماع السياسي بجريدة الأهرام، أنا فلانة من القسم الاقتصادي بجريدة الأخبار، أنا أعمل بقسم الحوادث بجريدة الجمهورية، أنا محررة في روزاليوسف، و. و. و.

فكرت في نفسى، كيف أقدم نفسي، وما عساي أن أقول عني وعن عملي، هل أقول إنني الدكتور ناجي يوسف، طبيب أسنان ولدي عيادتان أعمل بهما، أم أنا الدكتور ناجي يوسف، رئيس تحرير مجلة “صوت الراعي الصالح” الصادرة عن مجمع كنيسة المسيح، وكيف سيستقبل السامع أنني دكتور وأريد دراسة الصحافة، أو أنني رئيس تحرير أريد أن أدرس الصحافة، بعض الواقفين جاء بأوراق كثيرة كان من الواضح أنها الأوراق التي كان الممتحنون يستعدون بها للإجابة على أي سؤال يسألون عنه في الامتحان، أما أنا فلا أوراق عندي سوى نسخة واحدة من مجلة “صوت الراعي الصالح”، أحضرتها معي لأريها للأساتذة الممتحنين، لأثبت لهم أنني رئيس تحرير، وها هو اسمي مكتوب في الصفحة الأولى من المجلة، وها هو مقالي الافتتاحي المعنون “بن جونسون الرجل الذي فقد الجعالة”، ومكتوب في رأس المقال بقلم الدكتور ناجي يوسف، رئيس التحرير. اتخذت مكانًا قصيًا بعيدًا عن الزحام والضوضاء منتظرًا، معاون المبنى، الرجل الذي يخرج من غرفة الامتحان مناديًا باسم من أسماء راغبي الدراسة لمقابلة لجنة الممتحنين والفحص والفصل في قبوله أم لا.

دقائق وخرج معاون المبنى الذي كان ينادي على الأسماء ويقتادهم إلى داخل غرفة الامتحان، قال بصوت عال، الأستاذ ناجي يوسف، بدأ قلبي بالخفقان السريع وتحركت نحو الرجل وقلت له أنا ناجي يوسف، اقتادني الرجل داخل غرفة الامتحان. كان بالغرفة ثلاثة أشخاص، الأستاذة الدكتورة “عواطف عبد الرحمن”، أستاذة علم مناهج البحث ووكيلة الكلية، وكانت تجلس على كرسي ضخم على الناحية اليمين من الغرفة عند دخولك من الباب وقبل أن تستدير يسارًا لتجد مكتبًا خشبيًا ضخمًا يجلس وراءه الأستاذ الدكتور عميد الكلية، وإلى يمينه يجلس الأستاذ الدكتور “محمد أحمد” وكيل الكلية يومئذ. كانت ملفات الممتحنين قابعة على المكتب أمام الدكتور الوكيل الذي كان يفتح الملف الخاص بالشخص الذي يجلس أمامهم، ليجروا معه المقابلة والامتحان، ويضعه أمام السيد العميد.

دخلت إلى الغرفة وجلست على الجانب الآخر من المكتب في مواجهة سيادة العميد والوكيل.

فتح الدكتور “محمد أحمد”، الذي علمت بعد ذلك أنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، فتح الملف الخاص بي، وأخرج شهادة الخبرة التى أحضرتها والتى عليها اسم مجمع كنيسة المسيح، والإمضاء من القس سامي لبيب. قال الدكتور الوكيل مخاطبًا الدكتور العميد: الأستاذ ناجي يوسف، من مجلة “صوت الراعي الصالح”، أجاب السيد العميد، هل هذه المجلة تابعة لمدرسة “الراعي الصالح”، قبل أن أتمكن من أخذ المبادرة والرد على سؤاله، أجاب الدكتور محمد: لا، دي من كنيسة يا باشا، سألني العميد باستغراب واستنكار: من كنيسة؟ قلت: نعم، سألني ما هو عملك في هذه المجلة؟ قلت: أنا رئيس التحرير، قال: “ماذا تعنى بأنك رئيس تحرير؟ ما هى مسؤلياتك في عمل المجلة؟”، أجبته أنا الذي أحدد ما يمكن أن ينشر ولا ينشر، نظر إلى سيادة العميد متحيرًا وقال: سؤالي لك، ما هو عملك الحقيقي خارج مجال الصحافة الذي يدر عليك عائدًا ماديًا لتعيش منه؟ قلت: أنا طبيب أسنان، قال: “هل عندك عيادتك الخاصة؟ أجبته: عندي عيادتان، قال: “يعنى بتاكل عيش ومبسوط”، قلت: الحمد لله. أجابني: “ممكن أسألك: مين اللي حدفك علينا، أنت رجل دكتور أسنان وعندك عيادتان وبتأكل عيش منهما بعيد عن الصحافة، ألم تسمع القول المأثور إن الصحافة مهنة من لا مهنة له، وأنت رجل دكتور وعندك عيادتان، فممكن أعرف مين اللي حدفك علينا؟”، لا أدري كيف تذكرت أن هناك قولاً إسلاميًا مضمونه “إن الله يريد أنه إذا عمل أحدكم عمل فليتقنه”. أجبت سيادة العميد: أليس مكتوبًا في دينكم إن الله يريد أنه إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه. قال العميد: “ونعم بالله”، قلت: “وأنا رئيس تحرير وأريد أن أتقن عملي”. نظر إلي العميد مثبتًا عينيه في عيني وقال: لي أتفضل يا أستاذ ناجي مشيرًا بيده إلى الباب، ولم ينطق الدكتور محمد أحمد أو الدكتورة عواطف ببنت شفة. وقفت وقلت لثلاثتهم شكرًا وانصرفت.

عندما خرجت من الغرفة التف حولي الجمع الواقف أمامها وأمطروني بالأسئلة، ماذا عملت وقلت للممتحنين، ما هي حالتهم المزاجية، هل متوترون أم لطفاء، هل قالوا لك إنهم سيقبلونك ويسمحون لك بالدراسة في هذا الفصل الدراسي، ما هي نوع الأسئلة التى وجهت لك؟ قلت: لم يسألنى أحد، نظروا إليّ بدهشة واستغراب واستنكار وكأنني من ذلك النوع من الطلبة الذي لا يمكن أن يساعدك بأية معلومات عن ما جاء له من أسئلة في امتحانه حتى لا تحصل على درجات جيدة مثله، ماذا تقصد أنه لم يسألك أحد؟ قلت: لم يسألني أحد، سيادة العميد سألني ماذا تعنى برئيس تحرير، أجابت إحداهن: فقط، حب يتعرف عليك، قلت هذا ما حدث، قالوا وماذا أيضًا، قلت: سألني ما هي طبيعة عملى خارج العمل الصحفي قلت طبيب أسنان، قالوا وبعدين، قلت سألني عندك عيادة قلت عندي اتنين، قال لي: “مين اللي حدفك علينا أنت مش عارف أن الصحافة مهنة من لا مهنة له”. قلت له إنني رئيس تحرير وأريد أن أتقن عملي عملاً بالقول “إن الله يريد أنه إذا عمل أحدكم عمل فليتقنه”.  فقال لي مع السلامة يا أستاذ ناجي، قال أحدهم يا سبحان الله يعنى كنت في امتحان من غير أسئلة، قلت: صدقوني هذا ما حدث.

انفتح باب الغرفة مرة أخرى وظهر سيادة معاون المبنى لينادي على ممتحن آخر، فتركني الجميع وهرعوا نحو الباب حتى يسمع كل منهم الاسم الذي جاء دوره ليدخل غرفة الامتحان. انسحبت أنا من المشهد وذهبت إلى حال سبيلي. لم يصدق أحد من الذين سمعوا هذه القصة أن هذا ما حدث فعلاُ في غرفة الامتحان، رأى البعض أن ماحدث يدل ويؤكد على عدم قبولي للدارسة بدليل أنني لم أُسأل، ورأى البعض الآخر أنني أكيد سأقبل لأنهم لم يسألوني لأنهم لو كانوا يريدون استبعادي كانوا سألوني أسئلة تعجيزية لا أستطيع الإجابة عنها وبالتالي يبررون عدم قبولي.

أما أنا فكل ما كنت أعرفه ومقتنعًا به هو أن الله وعدني أنه سيكون هناك مطبوعة مسيحية صريحة وواضحة تطبع وتوزع في مصر وبعض البلاد العربية فسمعت صوته تعالى، وصدقت، وأنا في مرحلة الاستعداد لهذا الإصدار ولذلك قدمت أوراقي للالتحاق بدراسة الصحافة في كلية الإعلام، كما أنني أثق أن أمر قبولي أو رفضي للالتحاق بالدراسة ليس في يد عميد أو وكيل كلية ما، ولا في يد إنسان مهما إن كان، بل في يده هو، تبارك اسمه، لأنه هو وحده الذي معه أمرنا، فما كان عليّ أن أعمل في هذه المرحلة سوى أن أنتظر بسكون وشكر قرار القادر على كل شيء بالقبول أو عدمه وفي كلتا الحالتين، فأنا في المشيئة الإلهية وهذا هو كل شئ، وأهم شئ بالنسبة لي.

بعد ما يقرب من أسبوعين قمت بزيارة أخرى لمكتب شئون الطلبة للسؤال عن نتيجة امتحان القبول في الدراسات العليا للعام الجديد، فوجدتني قد تم قبولي ضمن الدارسين، وأصبحت مقيدًا كطالب دراسات عليا في كلية الإعلام جامعة القاهرة. فالقادر على كل شئ دائمًا يصنع معنا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر بحسب غناه “هو” في المجد وليس حسب احتياجنا مهما بدى هذا الاحتياج ضخمًا ومستحيل القبول بالعقل الإنساني أو التنفيذ بالإمكانيات والملكات والقدرات البشرية.

لم يقنع هذا القبول الكثير من المحيطين بي، بالرغم من كل ما حدث معي في أمر معرفتي بوجود ما يسمى بدبلوم الدراسات العليا لغير الحاصلين على شهادة البكالوريوس في الإعلام، وبالرغم من معجزة قبول أوراقي المبني على شهادة الخبرة التى من كنيسة موقعة من قسيس، وبالرغم من قبولي الفعلي والمؤكد بين الدارسين لذلك العام، لم يقنع كل هذا المتشككين والمشككين والمقاومين لمشيئة الله في حياتهم وحياة غيرهم أن ما حدث معي هو معجزة بكل المقاييس وأنها إرادة الله أن أدرس الصحافة وأحصل على دبلوم الدراسات العليا بها.

وللفائدة، أريد أن أنبه القارئ العزيز، أن لا شيء يعسر على من خلق الإنسان والأرض والأكوان، ولا تقف أمامه جبال أو سدود، فهو سبحانه الذي يقول للشيء كن، فيكون، لذا فاسمع منه، تبارك اسمه، وصدق ما يقوله لك، واعمل واستعد بكل قوتك لتنفيذ أوامره بالطريقة التى يرشدك إليها، وانتظر بصبر تحقيق الرؤية حتى وإن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانًا ولا تتأخر.

كانت مدة الدراسة للحصول على الدبلوم هي سنتان دراسيتان، بدأت الدراسة في سبتمبر في العام الأول 1988، كنت في صباح كل يوم أقوم بالخدمة وترتيب احتياجات العمل باتحاد الشباب المسيحي الذي كان القدير قد شرفني بتأسيسه وقيادته، وإنهاء كل ما أحتاج عمله لليوم، ثم أتوجه في الواحدة ظهرًا إلى جامعة القاهرة لأحصل على الدراسة من الثانية ظهرًا وحتى السادسة من كل يوم من أيام الإسبوع، ثم أعود بعد الدراسة إلى عيادتي الخاصة لأمارس عملي كطبيب للأسنان حتى العاشرة مساء كل ليلة من ليال الإسبوع ماعدا يوم الخميس الذي كثيرًا جدًا ما كنت أذهب للخدمة الوعظية في العديد من اجتماعات ومؤتمرات الشباب في الكنائس المختلفة، أما يوم الأحد مساء فكان للخدمة المسائية بكنيستي، كنيسة المسيح بشارع قبة الهواء بشبرا. كان ما تقدم هو جدول عملى وحياتي وخدمتى طوال العام الدراسي الأول.

قرب نهاية العام وقبل الامتحان النهائي للعام الأول في الدراسة، تقابلت مع مجموعة من الزملاء الدارسين معي في الكلية وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث ويروى كل منا مغامراته مع الطلبة زملائنا ومع مدرسينا وما علموه لنا أثناء العام الدراسي المنصرم، في سياق الحديث، قالت زميلة لنا عن نفسها “والله أنا لو ما طلعونيش الأولى على الدفعة هذه السنة يكونوا قد ظلموني، فأنا لم أتغيب عن أية محاضرة أثناء السنة كلها، وأنا قمت بعمل بحث كبير ورائع عن الانتفاضة الفلسطينية وقدمته للدكتورة عواطف عبد الرحمن، وكيلة الكلية وأستاذة مادة مناهج البحث، وأنا مستعدة جدًا للامتحان وإن شاء الله سأبدع في الإجابات، فالمفروض أن أصبح أنا الأولى على هذه الدفعة في نتيجة امتحان آخر السنة”. لم تنه كلامها حتى بادرتها زميلة أخرى بالتعليق “وليه ما أكنش أنا الأولى، ما أنا عملت كل اللي قلتي عليه”. تبرع زميل آخر بالقول: “لا أنت ولا هي، الحقيقة أنا المفروض أن أكون الأول وأخذ يعدد أسبابه التي ينبغي لأجلها أن يكون الأول على هذه الدفعة. كنت أستمع لهذا الحديث وأضحك داخلي على تعليقاتهم دون أن أنطق بكلمة واحدة. احتد النقاش بينهم وكادت أعصاب بعضهم تفلت من سيطرتهم عليها بسبب مَن سيكون الأول على امتحان السنة الأولى من دراستنا. قررت أن أنهي النقاش بطريقة مرحة وظريفة فقلت لهم: “يا إخوانا ما حدش فيكم واخد باله إن في (شوال بطاطس) اسمه ناجي، قاعد معاكم وهو طالب مثلكم ويمكن هو الذي سيكون الأول على هذه الدفعة، لماذا تختلفوا على الأمر من الآن، لماذا لا تنتظروا حتى تظهر النتيجة ونرى من سيكون الأول فينا. ضحك الجميع وقالت إحداهن: “صحيح، إحنا هنتخانق من دلوقت على من سيكون الأول” ثم أكملت حديثها لي وقالت: “يا ناجي أنت راجل ما شاء الله دكتور واللهم لا حسد أكيد بتعمل فلوس كتير ومش هيفرق معاك في كتير أو قليل أنك تكون الأول، لذلك أنت لست مهتمًا بأن تكون الأول، أما نحن فصحفيون غلابة، اللي هيطلع فينا الأول سيزيد مرتبه 3 جنيه في الشهر وسيتم ترقيته في مكان شغله”، ضحكنا جميعًا وانصرف كل إلى حال سبيله.

دخلنا جميعًا امتحانات آخر العام وظهرت النتيجة وكنت أنا الأول على الدفعة وحصلت على أعلى الدرجات في ذلك العام بتقدير جمعي “جيد جدًا”.

الأمر الذي أغضب مني الكثير من رفاق الدراسة، فكيف للمسيحي الوحيد بالدفعة أن يصير الأول عليها، بدأ التوتر بين بعض الزملاء وبيني يبدو واضحًا منذ بداية العام الثاني للدراسة، وقد أعلن الكثيرون صراحة عن عزمهم أن لا يسمحوا لي بأن أصبح، أنا المسيحي، الأول على الدفعة مرة ثانية وخاصة إنها السنة النهائية في دراسة دبلوم الدراسات العليا. في خلال السنة الأولى كنا نتبادل أنا والكثير منهم المذكرات والملخصات ونجيب على أسئلة أحدنا الآخر ونساعد بعضنا البعض على الدراسة والتحصيل، أما في السنة الثانية ومنذ بدايتها فقد توقف كل ذلك، وخاصة معي أنا، فكان على أن أعتمد على نفسي ١٠٠٪ في الحضور وكتابة المحاضرات، وعمل المشاريع والأبحاث وكل ما يتعلق بالدراسة دون المساعدة من أحد، فالمساعدة كانت في اتجاه واحد، من جانبي متجهة إليهم وليس العكس. وضعني كل الطلبة الذين كانوا يحلمون بالحصول على المركز الأول في السنة النهائية للدبلوم في حسبانهم وخططهم، وبات واضحًا من بعضهم إصرارهم على أن لا أصبح أنا الأول على دفعة الدبلوم في العام الثاني بكل الطرق.

أما بالنسبة لي فلم يكن يفرق في كثير أو قليل إن كنت سأكون الأول أم حتى الآخر، كل ما كنت أرجوه هو أن أحصل على دبلوم الدراسات العليا وأتقدم به لإحدى المؤسسات الصحفية لأعمل لديهم بدون أجر حتى أتمكن من تسجيل اسمي في نقابة الصحافيين وعندما يتمم الله وعده لي بأن أصبح رئيس تحرير جريدة مسيحية في مصر أكون عضوًا بنقابة الصحافيين وبالتالي أتمكن من الحصول على ترخيص حكومي لإصدار جريدتي.

استمر جدولي في السنة الثانية دراسة في الكلية كما كان في السنة الأولى، في الصباح في الخدمة الروحية، بعد الظهر في كلية الإعلام، بالليل في عيادتي الخاصة إلى أن جاء الوقت لدخول الامتحان النهائي للحصول على الدبلوم.

كان الامتحان الأول من امتحانات الدبلوم في مادة الصحافة الدولية التى كانت الدكتورة عواطف عبد الرحمن، وكيلة الكلية تقوم بتدريسها لنا، ذهبت إلى الامتحان الأول وكنت متأكدًا بعد خروجي من لجنة الامتحان أنني سأحصل على تقدير جيد جدًا على الأقل في هذه المادة، ذهبت إلى البيت بعد يوم طويل من الامتحان، ثم العمل في عيادتي، وقبل أن أكمل خلع ملابس جاءني خبر من أسوأ ما تلقيته في حياتي من أخبار وهو خبر وفاة أعز أصدقائي المهندس الشاب “وديع مكرم” أخي زوجتي الدكتورة “أماني”، أظلمت الدنيا في وجهي ولم أكن أستطيع أن أحتمل هذا الحدث ولم أفكر حتى في إكمال امتحاناتي، حيث أنه كان من المستحيل أن أستقبل العزاء من مئات المعزين الذين كان بيتنا يمتلئ بهم طوال الثلاثة أيام الأول لرحيله، لم أكن في حالة نفسية تسمح لي بالمذاكرة أو دخول الامتحان، قررت أن أقدم اعتذارًا عن استكمال الامتحان للدكتورة عواطف، فهي وكيلة الكلية لشئون الطلبة، عند قراءتها لاعتذاري والسبب الذي دفعنى لذلك قالت لي: “أنا مقدرة جدًا لمصابك الأليم، وكنت أتمنى أن أقبل اعتذارك عن دخول بقية الامتحانات وأن يكون بإمكاني أن أحتفظ لك بتقديرك في مادتي التى امتحنتها، لكن للأسف قوانين الجامعة لا تسمح بذلك، حيث أنك قمت بآداء امتحان واحد لهذا العام، لو لم تكن قد أديت امتحانًا حتى ولو كان واحدًا فقط لكنت قبلت اعتذارك ولحفظت تقديرك للعام القادم، لكن لأنك دخلت امتحانًا واحدًا فلو لم تكمل بقية الامتحانات فستُعتبر وفقًا لقانون الجامعة راسبًا في هذه السنة ونجاحك العام المقبل مهما حصلت من درجات عالية لكل المواد، فسيكون تقديرك العام مقبولاً. رجعت أدراجي لبيتي وبحثت الأمر مع “أماني”، زوجتي وأخبرتها بما قالت الدكتورة عواطف. قالت لي زوجتي: ناجي، التقدير العام ليس بذات أهمية بالنسبة لك لأنك لن تعمل صحفيًا أو أستاذًا في الصحافة في الجامعة، كل ما تريده حسب ما أنا فاهمة هو أن تحصل على درجة دبلوم الدراسات العليا في الصحافة من جامعة القاهرة، أرجوك لا تؤجل الامتحان، دعنا (نخلص) من هذا الموضوع، فقط أنجح وبأي تقدير عام وليس من الضروري أن تحصل على تقدير عام مرتفع. قالت أيضًا: “أنت ذاكر وأنا أعدك أنني سأقوم بمقابلة كل المعزين وسأشرح لهم أنه من غير الممكن أن تترك أنت مذاكرتك وتأتي لتجلس معهم نظرًا لظروف امتحاناتك. المهم أننا ننتهي من هذا الأمر”. اتفقنا على ذلك، وقامت هي بالدور الذي ألزمت نفسها به على أحسن وجه. بالرغم من مجيء العشرات لتعزيتنا أثناء امتحاناتي.

مرت ثلاثة أسابيع على نهاية الامتحان وكنت أصلي وأطلب من الله أن يهبني أن أنجح بأي تقدير مهما إن كان، المهم أن أعبر هذه السنة. بعد 3 أسابيع كنت عائدًا من مؤتمر في مبنى مؤتمرات كنيسة الإخوة بمدينة فايد. بمجرد أن دخلت إلى شقتنا رن جرس التليفون وإذ به أحد زملائي في الكلية يقول لي أنا فلان، مبروك النجاح في امتحان دبلوم الصحافة، قلت له: “أشكرك، الله يبارك فيك، هو النتيجة ظهرت، وأنا نجحت؟ معقولة؟” رد زميلي أنت لا تعرف بعد أن النتيجة ظهرت منذ يومين؟، قلت لا، قال إذن فواضح أنني سأفجر فيك قنبلة من العيار الثقيل، هل أنت مستعد، قلت مستعد جدًا، هات ما عندك، قال زميلي أنت لست فقط نجحت، بل أنت ترتيبك الأول على دفعة الدبلوم، لم أصدق أذني، سألته إن كان يمزح، أقسم أن هذه هي الحقيقة، سألته وكيف عرفت أن ترتيبي هو الأول على الدفعة، قال إن أول اسم مكتوب في أوراق النتيجة هو اسمك، ناجي يوسف عطية، قلت هذا لا يعني أن ترتيبي الأول على الدفعة، قال لا ليس مكتوب فقط اسمك في أول القائمة، بل مكتوب أيضًا أمام اسمك كلمة الأول، أعاد زميلي جملته الأخيرة وقال يا ناجي، مكتوب في أول سطر في أوراق النتيجة تحت خانة الاسم “ناجي يوسف عطية” وتحت خانة الترتيب مكتوب كلمة الأول، شكرته على هذه الأخبار العظيمة بالنسبة لي وباركت له حيث أنه هو أيضًا قد اجتاز الامتحان بنجاح.

بعد حوالي أسبوع من ظهور النتيجة، ذهبت إلى شئون الطلبة في الكلية لاستخراج شهادات التخرج الخاصة بي، وقفت أمام إحدى السيدات العاملات في مكتب شئون الطلبة وقلت لها: أنا حصلت على دبلوم الدراسات العليا صحافة لهذا العام وأريد استخراج شهادة التخرج وشهادة بالمواد والساعات التى انتهيت من دراستها باللغة العربية والإنجليزية، فلربما سافرت خارج البلاد لأي سبب من الأسباب، فتكون الشهادة باللغة الإنجليزية دليلاً معتمدًا على حصولي على الدبلوم، قالت الموظفة: “مفيش مشكلة اشتري لي طوابع الدمغة بمقدار كذا” وتعال غدًا وستجد الشهادات الخاصة بك جاهزة. قلت عندي طلب آخر من فضلك، قالت: ما هو؟ قلت: هل ممكن أن تكتبي لي في رأس شهادة التخرج أن ترتيبي هو الأول على هذه الدفعة، نظرت إليّ المرأة نظرة استغراب واستنكار وتعجب وقالت لي: من قال لك إنك الأول على الدفعة، قلت النتيجة الورقية المعلقة على الحائط مكتوب بها اسمي ناجي يوسف عطية، وأمامه كلمة الأول، نظرت إليّ المرأة وسألتني مرة أخرى، يا أستاذ هل تقول إن النتيجة المعلقة داخل لوحة الإعلانات مكتوب فيها اسمك وأمامه كلمة الأول، قلت: نعم صدقيني، قالت: هذا ضد اللوائح والقوانين، قلت: ما هي اللوائح والقوانين تلك التى تحرم أن تكتب كلمة الأول أمام اسم من هو بالحقيقة الأول، أجابت الموظفة: مش عارفة، ولو سيادتك عرفت تعال قل لي عنها. قلت في نفسي: هذه المرأة متعصبة دينيًا معي لعلمها أنني مسيحي، لابد أن أذهب إلى أحد المسؤلين المثقفين، سألت عن من هو الدكتور المسؤل عن مثل هذه الأمور، أرشدني البعض إلى الدكتور وكيل الكلية لشئون الطلبة، ذهبت إليه شرحت له الأمر، قلت: يا دكتور من فضلك أنا مسافر للخارج، وأنا ترتيبي الأول على الدفعة وكل ما أريده أن تكتب لي الكلية في شهادة التخرج والشهادة التفصيلية بالمواد والدرجات أنني الأول على دفعتي، نظر لي الدكتور باندهاش وأعاد نفس المحادثة التى تمت بيني وبين الموظفة التى اعتبرتها متعصبة ضدي شخصيًا، سألني: من قال لك إنك الأول على الدفعة، أجبته اسمي مكتوب أول الأسماء في أوراق النتيجة ومكتوب أمام اسمي ناجي يوسف عطية، الأول، أجابني هذا ضد اللوائح والقوانين ولا يمكن أن يكون مكتوبًا أمام اسمك أنك الأول، وليس من سلطة أحد أن يكتب لك في الشهادة أنك الأول، فهذا ضد اللوائح والقوانين، قلت لنفسي: أعتقد أنه لن يحل هذا الإشكال إلا مقابلتي للسيدة عميدة الكلية، فهي أكبر رأس فيها، وهي صاحبة القرار النهائي والأخير في الحكم في هذا الأمر، وسيطيع أوامرها الجميع.

دخلت إلى مكتب سيادة العميدة، وشرحت لها الأمر من جديد، أنا ترتيبي الأول على الكلية وأرجو من سيادتك إعطاء الأمر لشئون الطلبة أن يكتبوا لي في شهاداتي الممنوحة لي من الكلية أنني الأول، سألتني العميدة نفس السؤال، ومن قال لك إنك الأول، قلت النتيجة المعلقة في لوحة الإعلانات بالخارج، مكتوب فيها اسمي في السطر الأول وأمام اسمي مكتوب في خانة خاصة أنني الأول، نظرت إليّ العميدة أيضًا وكأنني جئت شيئًا فريًا، وقالت مش ممكن يكون كلامك صحيح فما تقوله ضد اللوائح والقوانين، قبل أن أبدأ بسؤالها عن اللوائح والقوانين، سألتني أين أوراق النتيجة التى تتكلم عنها والمكتوب بها أنك الأول، أجبتها: في أوراق نتيجة الامتحان المعلقة في لوحة الإعلانات بجوار مكتب سيادتك، قالت لي: انتظر قليلاً، ضغطت العميدة على زر كهربائي وراء مكتبها، دخل الرجل الذي كنا كطلبة نعرفه جميعًا، حيث أن وظيفته كانت تُدعى معاون الطابق الذي كان يضم كل الغرف التى كنا نتلقى بها المحاضرات، أما اسم وظيفته (المعاون) فكان سببه أنه كان الشخص الذي يجيب على أي سؤال أو استفسار لنا كطلبة الدراسات العليا وفي الوقت نفسه الرجل الذي يعاونا في أي أمر يصعب علينا تنفيذه يتعلق بأي أمر في الكلية، كنت أعرفه شخصيًا وتكلمت إليه مئات المرات خلال سنتي دراستي، كان يعلم أنني طبيب أسنان، فكان يخصني باحترام خاص أكثر من رفقائي ويناديني بالدكتور ناجي، ويقوم بتمثيل دور الصديق لي أمام بقية الطلبة. دخل المعاون للسيدة العميدة، أشارت له سيادتها بيدها وقالت له الأستاذ ناجي، يقول إن نتيجة امتحان دبلوم الدراسات العليا المعلقة خارجًا بلوحة الإعلانات مكتوب بها اسمه في السطر الأول وأمام اسمه مكتوب كلمة الأول هل هذا صحيح، ابتسم المعاون ابتسامة استهتار لئيمة بما قلته أنا وأجابها: “لا يا سيادة العميدة، هذا غير صحيح وهذا ضد اللوائح والقوانين” عندها لم أستطع أن أمسك نفسي عن انفلات اعصابي وانفجاري في وجه العميدة والصياح بصوت عال قائلاً: “إنتم هتجننوني، أنا بقول لكم إن هذا الكلام مكتوب في أوراق النتيجة التي في لوحة الإعلانات المعلقة خارج مكتبك، فهل أنا الذي كتبت أمام اسمي أنني الأول، أم أنتم الذين كتبتم، وإن كان هذا ضد اللوائح والقوانين فلماذا كتبتموها، وما هي اللوائح والقوانين التى تحرم أن يكتب في شهادة تخرج الأول أنه الأول، ومن فيكم المسؤل عن شرح أسباب وضع مثل هذا الشرط في اللوائح والقوانين”. أشارت لي العميدة بيدها أصمت، وقالت لي اهدأ من فضلك، ثم خاطبت المعاون قائلة: اذهب الآن إلى لوحة الإعلانات وافحص المكتوب في أوراق النتيجة المعلقة فيها، وإن كان ما يقوله هذا الأستاذ صحيحًا إحضر لي أوراق النتيجة فورًا”.

خرج المعاون وعاد بعد نصف دقيقة وهو يرتعش فعليًا، وفي يده أوراق النتيجة وخاطب العميدة، هذه أوراق النتيجة، نعم مكتوب فيها أمام اسم الأستاذ ناجي كلمة الأول، لكن والله العظيم يا دكتورة أنا لا أعرف من كتب كلمة الأول أمام اسمه، هذه غلطة كبيرة من الكنترول.

نظرت إليّ السيدة العميدة وقالت: “بالرغم من أنك الأول فعليًا على الدفعة، لكن كتابة كلمة الأول أمام اسمك في النتيجة هو خطأ ارتكبه شخص ما في الكنترول وأنا سأحقق مع من ارتكب هذا الخطأ، لكن من المستحيل أن نكتب أمام اسمك حقيقة أنك الأول في شهادة التخرج أو شهادة الدرجات لأن هذا ضد اللوائح والقوانين، أجبتها أين هي اللوائح والقوانين المكتوبة لأطلع عليها ومن هو الذي وضعها ولأي سبب، هل وضعت لكي لا يطالب الأول بتعيينه معيدًا في الكلية أم، لم تدعني المعيدة أكمل كلامي وقالت أنا لا أعرف أين هي هذه اللوائح والقوانين، ولا من وضعها يا أستاذ ناجي، لكن أنا آسفة لن نكتب لك في شهادة التخرج أنك الأول، قبل أن أجيبها بدأ صوت داخلي غير مسموع لمن حولي يقول لي: “كفى، لن يكتبوا لك في الشهادة كلمة الأول، لكن أنا الذي جعلت كاتب النتيجة في غرفة الكنترول يكتب كلمة الأول أمام اسمك متحديًا بذلك اللوائح والقوانين التى وضعوها الناس لأثبت لك في نهاية طريق دراستك أنني أنا القادر على كل شئ، الذي أفعل مشيئتي وأتمم كل أمري، والمتسلط في مملكة الناس” في ثانية واحدة أو اثنتين، كما هي العادة عندما يتكلم الله – تبارك اسمه – مع الناس فيعطي لهم دروسًا قد تستغرق سنين لفهمها وممارستها، يعطيها للإنسان في ثانية أو ثانيتين، في لمح البصر مر أمام عيني فيلم دراستي في كلية الإعلام والذي كان أهم أحداثه، هو وعد الله لي بمطبوعة مسيحية واضحة تطبع باللغة العربية وتوزع في مصر والبلاد العربية، ثم الأمر بدراسة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ثم اكتشافي بوجود برنامج الدراسات العليا، ثم أمر قبول شهادة الخبرة من الكنيسة، وما حدث في تغيير نظام امتحان القبول من امتحان تحريري إلى امتحان شفوي في تلك السنة بالذات، ثم إعطائي القوة على الخدمة الروحية في الكنيسة إلى جانب العمل في عيادتي، بالإضافة إلى دراستي اليومية لمواد برنامج الدراسات الصحفية، إلى جانب كوني زوجًا وفي انتظار مولودي الأول وغيرها الكثير.

أمرني الصوت الذي كان يتحدث داخلي أن أشكر سيادة العميدة على منحي دبلوم الدراسات العليا، فشكرتها وانصرفت إلى حال سبيلي. خارج مكتبها رفعت قلبي له تعالى بالشكر والعرفان والجميل قائلاً: “حقًا يا إلهي القدير أنت الله القادر على كل شيء، المتسلط في مملكة الناس، الذي تحيي الموتى وتدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، أنت تقول فيكون، أنت تأمر فيصير، أنت كلي الحكمة القوة والجلال”. أشكرك لأجل الغلطة التى عملها من كتب النتيجة في غرفة كونترول الامتحان، حقًا لم تكن بالنسبة لك غلطة، بل كلمة قصدت جلالك أن تكتب أمام اسمي لتذكرني بإحساناتك وقدرتك على تغيير اللوائح والقوانين وأنك أنت المتسلط في مملكة الناس.

مرت الشهور بعد حصولي على الدبلوم ولم تبدُ في الأفق أية علامات لظهور أية مطبوعة مسيحية في مصر، حاولت الانضمام لنقابة الصحافيين بشهادة الدبلوم الذي حصلت عليه، كان من بين الشروط لضمي للنقابة أن أقدم شهادة خبرة بأنني أعمل في مؤسسة صحفية معترف بها من النقابة لمدة سنتين قبل تقديم الأوراق المطلوبة لحصولي على كارنيه العضوية من النقابة، أقنعني الله، سبحانه، أنك لن تحتاج أن تكون عضوًا بنقابة الصحافيين حتى تتحقق مشيئتي في حياتك وتصبح رئيس تحرير للمطبوعة التى سأمنحك إياها. لم أكن أعلم يومها أن الله عادة ما يجرد الإنسان من كل مواضع ونقاط القوة الشخصية في حياته الإنسانية على الأرض قبل أن يمنحه أن يفعل المستحيل، حتى لا يظن الإنسان أن بقوته واقتداره تمكن من تتميم المشيئة الإلهية، وليعود فضل القوة لله لا للإنسان. فإن تصدر جريدة “الطريق والحق” وتعتمد كجريدة مسيحية في مصر لأنني عضو في نقابة الصحافيين شئ، وأن تصدر وتشق طريقها لمدة ١٥ سنة ورئيس تحريرها ليس عضوًا في نقابة الصحافيين شئ آخر، ولذا فإنني أقدم كل الشكر العميق للإله القادر على كل شئ الذي قادني عبر هذا الطريق لتأسيس جريدة الطريق.

مرت الشهور متثاقلة وأنا في انتظار تحقيق الوعد الإلهي بصدور المطبوعة المسيحية التى وعدني بها ولم يتحقق الوعد، أما بالنسبة لي فقد سمعت وعده تعالى، ثم صدقته بنعمة خاصة منه، تبارك اسمه، واستعديت ودرست وسهرت الليالي وحصلت على دبلوم الدراسا العليا ولم تعد هناك سوى الخطوة الأخيرة خطوة إصدار الجورنال.

وكما هو معروف في تحقيق مثل هذه المشاريع الكبيرة يكون هناك العديد من التحديات التى لا توجد وسيلة للتغلب عليها من وجهة النظر الإنسانية البشرية إن لم يتدخل الله بنفسه ليذلل هذه العقبات كلها، لأنه الوحيد الفعال لما يريد. وكما هو الحال في مرات كثيرة يبدو أن الله، سبحانه، قد يعطى لشخص بعينه الوعد بحدوث أمر ما في حياته ثم يبدو وكأنه نسي، حاشا له، إنه تعالى قد أعطى هذا الوعد لهذا الشخص، تمامًا كما حدث في أمر وعده لإبراهيم خليله بإعطائه ابنًا يخرج من أحشائه ومن مستودع سارة امرأته حتى بالرغم من شيخوخته ومماتية مستودع سارة، لكن حاشا له أن يقول ولا يفعل، يعد ولا يفي، أستغفره وأتوب إليه، فهو لا ينسى ولا ينعس ولا ينام، لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ولا ينسخ كلامه، بل هو من يقول للشيء كن، فيكون، وهو العليم بكل شئ، لا يفاجأ ولا يؤخذ على حين غرة، لذا فما يقوله لا يمكن أن ينسخه حتى هو بنفسه سبحانه وبالتالي لا أحد من خلائقه.

لم تحدث الخطوة الأخيرة التى كنت في انتظارها وهي إصدار الجريدة التى وعدني سبحانه بأني سأكون رئيس تحريرها، مع أن الوعد لم يغب عن عيني وعقلي وكياني لحظة واحدة، لكن ما حدث معى كان عكس كل توقعاتي وتمنياتي تمامًا، فقد أمرني القدير أن أترك عائلتي الكبيرة وعياداتي وخدمتى الكنسية في مصر وممتلكاتي وأحلامي وكل ما كنت متعلقًا به وأن أهاجر إلى أمريكا، بالرغم من أنني ما كنت يومًا من محبي السفر إلى الخارج لأي سبب مهما إن كان هذا السبب قويًا وملحًا، وكنت أُعلم رفاقي والعاملين معي في خدمة المسيح في مصر، أن ترك مصر والهجرة خارجها لا يمكن أن تكون مشيئة الله لخدام المسيح المولودين في مصر، ومن يفكر في الهجرة خارج مصر كمن يفكر في خلع ثوب الخدمة وخيانة كنيسة المسيح، فلقد خلقنا الله مسيحيين مصريين وسنظل هكذا حتى نموت، فقد كنت ولازلت أعشق مصر من كل قلبي، ويشهد العارف القلوب، العليم بكل شيء، إنني على استعداد أن أترك أمريكا وأنزل لأعيش فيها، ولأذل مع شعب الله المسيحي في مصر، إن رأى – سبحانه – في علمه السابق ومشيئته الصالحة ضرورة لذلك، وأصدر أمره لي بتنفيذه، والله على ما أقوله شهيد. لقد كنت مستريحًا جدًا من كل النواحي قبل صدور الأوامر لي من القدير بالسفر إلى أمريكا، أمتلك بدل العيادة اثنتين، وبدل الشقة التمليك اثنتين، وبدل الخدمة الروحية اثنتين واحدة في كنيسة المسيح والأخرى باتحاد الشباب المسيحي الذي كان يعقد أكبر الاجتماعات والخدمات الكرازية التى عرفتها مصر في تلك الأيام.

سافرت إلى أمريكا وقضيت بها أكثر من عشر سنين، لم أستخدم فيها شهادتي التى حصلت عليها في الصحافة، فقوانين الصحافة مختلفة في أمريكا عنها في مصر، ولغة الصحافة واهتماماتها في أمريكا مختلف تمامًا عن ما في مصر، لكنني لم أنس يومًا رؤيتي برئاسة تحرير مطبوعة دورية في مصر، قرب نهاية عام 2003 تلقيت مكالمة تليفونية من أحد أصدقائي غير الأمريكان والمقيمين خارج أمريكا، كنا نتجاذب أطراف الحديث عن ما يمكن أن نخدم به الإخوة والأخوات المسيحيين في مصر، وكيف نستخدم الإمكانيات التى وهبنا إياها القدير في تحقيق هذا الأمر، فجأة سألني صديقي: هل عندك مشروع لخدمة مصر ترغب أن نصلي لأجله، وأن نجمع له التدعيم من بعض الإخوة والأخوات المؤمنين المصريين وغيرهم المقيمين بالخارج؟ بمجرد أن أنهي هذا الصديق سؤاله السابق لي، وقبل أن أفكر فيما عسى أن تكون إجابتي على سؤاله، تحدث لي الصوت الذي تعودت على سماعه داخلي وقال لي: “قل له عن مشروع الجورنال”، كنت مترددًا أن أشاركه بهذا الأمر، فالجورنال يحتاج إلى كثير من المال لطباعته وتوزيعه، وخبرات صحفية مصرية للكتابة فيه، إلى جانب التصريحات الأمنية والكنسية وغيرها الكثير، لكن حيث أن الصوت الداخلي طلب منى أن أشاركه، قمت بمشاركته بموضوع نشر جريدة مسيحية في مصر، قال صديقى: هل ممكن أن ترسل لي خطة البداية مكتوبة والتكلفة المطلوبة لنشر هذه الجريدة، قلت هذا أمر يسير عليّ، سأكتبه وسأرسله لك في غضون يوم أو يومين على الأكثر إن أذن الرب. أنهى صديقي مكالمته معى، أما أنا فأوفيت بوعدي وكتبت له عناصر المشروع وتكلفته وتأثيره على القراء وأرسلته له. بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع اتصل بي صديقى وقال لي: قد تعهد بعض الإخوة والأخوات بدفع التكلفة الشهرية التى طلبتها لعمل الجورنال في مصر، وفي خلال أيام قليلة سيكون لديك المبلغ المطلوب، كنت على وشك أن أقول له انتظر، فأنا لست مستعدًا لتنفيذ هذا المشروع الآن، فالموضوع يحتاج إلى دراسة أكثر، واتصالات، ومقابلات وتصاريح بالنشر وغيرها الكثير، لم يعطني صديقي فرصة للكلام، قال لي: مع السلامة، وأنهى مكالمته. كان أمر تدبير المال لطباعة الجورنال أمرًا غريبًا على النظام المعمول به في أمريكا وكندا، فعند محاولة القيام بمشروع ما، لابد لطالب الدعم لتنفيذ المشروع أن يتقدم لهيئة أمريكية أو كندية، أو إلى كنيسة أو إرسالية بدراسة جدوى للمشروع والأسباب والأهداف المراد تحقيقها وعدد المستفيدين من هذا المشروع أو ذاك، تفصيلات كثيرة جدًا جدًا لابد من تقديمها، ثم بعد عدة شهور أو أسابيع كثيرة، يجتمع بك ممثلو الممولوين للمشروع لمناقشته معك وأخذ الضمانات الكافية التى تجعلهم يتأكدون أن المشروع لن يفشل في خلال شهور، وأنه مشروع مهم جدًا لنوعية أناس بعينهم، ويضعون طرقًا صارمة لمتابعة المشروع بأنفسهم، وإذا أتممت العمل وأكملت الأوراق وختمت كل المطلوب منك، فسيجتمع مجلس الإدارة ويقترعون للموافقة على مدك بالدعم المطلوب للمشروع أم لا، ثم أن وافقوا على المشروع يرسلون لك أجزاء من الدعم على دفعات عندما يجمعونه من المعضدين، باختصار قصة لا تتم إلا بعد شهور من الدراسة والتحقيق. لكن أن تشارك صديقًا بمشروع كبير مثل هذا ويصلك الدعم المطلوب بهذه السرعة ودون قيود أو ملء استمارات وتوقيعات وتوقعات وضمانات و. و. و. فهذا ما لم أسمع عنه منذ أن جئت إلى أمريكا إلى اليوم، لكني رأيته رؤى العيان في مشروع إصدار جريدة الطريق والحق.

بعد حصولي على المبلغ سافرت لتوي إلى مصر، تقابلت مع الأخ الأكبر العزيز الدكتور “القس صفوت البياضى” الذي كان رئيسًا للطائفة الإنجيلية، في مكتبه بمدرسة كلية رمسيس للبنات، تكلمت معه في أمر إصدار مجلة أو جورنال مسيحي يوزع في مصر وبعض البلاد العربية، قلت له جناب القسيس أنا لدي مشكلة، ضحك وقال ما نوع مشكلتك، احك لي، قلت لدي مبلغ من المال لابد من صرفه، و لم أكمل كلامي حتى ضحك القس صفوت، وقال لي الفلوس لما تكون معاك عمرها ما تكون مشكلة لو عرفت كيف تصرفها في مكانها الصحيح، لكن بعض الأوقات قلة الفلوس تكون هي المشكلة، ضحكنا، قصصت على جنابه القصة، قلت الإخوة والأخوات الذين تبرعوا بهذا الدعم ينتظرون مني أن أعمل به جريدة مسيحية في مصر، والحقيقة أنا لم أكن أظن أنهم سيأخذون الأمر بهذه الجدية والسرعة ويرسلون لي “هذا القدر من المال”، أعلم أن ما تبرعوا به قد يكفي أو لا يكفي لإتمام مشروع مثل هذا، لكني وعدتهم ولا أستطيع أن أرجع اليهم معلنًا فشلي في عمل جريدة مسيحية في مصر. ضحك القس صفوت، وقال: هذا عجيب، لأن أحد الإخوة الذين يمتلكون دارًا للطباعة والنشر قد اتصل بي اليوم صباحًا وقال لي إن لديه ترخيصًا من الحكومة المصرية بإصدار مجلة مسيحية في مصر، وقال: “إن مسؤلين في البلد أرسلوا له خطابًا يقولون له إن لم تقم بطبع المطبوعة التى لابد لها أن تصدرمن سنين عديدة، فسنسحب منك الترخيص”، قال هذا الشخص للقسيس صفوت: “أنا معي الترخيص، لكن ليس لدي الإمكانيات المادية لطباعة ونشر وتوزيع هذه المطبوعة، فلو أن هناك من يستطيع أن يدعم هذا المشروع، فأرجو أن تقوم بجمع شملنا على بعض لإصدار الجريدة المطلوبة”.

قال لي القسيس صفوت إذًا الأمر محلول، أنت معك الدعم وهو معه التصريح ويبدو أن هذا الأمر صدر من السماء لبداية مجلة أو جرنال مسيحي في مصر. قام القس صفوت بالاتصال بالأخ (م. م.) وشرح له الأمر بالتفصيل وطلب منه أن يحضر إلى مكتبه بكلية رمسيس، في خلال ربع الساعة كان (م. م.) قد أتى إلى المكتب وكنا قد اتفقنا أنني سأمول المشروع وهو سيقوم بالكتابة بالجورنال ونشر المقالات والإخراج العام للجرنال. لم يستغرق الموضوع أكثر من شهر واحد وظهر العدد الأول من الجورنال باسم “الأخبار السارة”. كنا نتوقع ردودًا عنيفة من الأمن المصرى، لكن الحق يقال إنه لم يسألنا أحد ماذا تعملون، حاولنا مرات كثيرة أن نحصل على ترخيص رسمي معتمد من المجلس الأعلى للصحافة بمجلس الشورى، لكننا فشلنا لعدة سنين، وباءت كل محاولاتنا بالفشل، لا لشيء إلا لأنني محسوب على أقباط المهجر، علمًا أن الحكومة المصرية يومئذ كانت تعلم علم اليقين أن لا علاقة لي من قريب أو بعيد بما يعرف الآن بأقباط المهجر، حاولنا كثيرًا الحصول على ترخيص أجنبي كبعض الصحف والمجلات التي كانت مرخصة ذلك الوقت من قبرص ولندن وغيرها، وحصلنا على تلك التراخيص، لكن حتى مع التراخيص المقدمة لنا من خارج مصر لم يشفع لنا كل هذا ولم نحصل على ترخيص. في الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لتأسيس جريدتنا “جريدة الطريق” الذي حضره لفيف كبير من العاملين بالجريدة وأعضاء مجلس تحريرها ومندوبي بعض الجرائد والمجلات وأعضاء من حزب الوفد وغيرهم، في ذلك الاحتفال  الذي خاطبت فيه الحضور في مستهل كلمتى بالقول: “أعزائي الحضور أرحب بكم في الذكرى السنوية الثانية لتأسيس جريدة الطريق التى ترفض الحكومة المصرية أن تعطينا ترخيصًا لها”، ضحك الحاضرون وهاجوا وماجوا وصفقوا لهذا التعليق. كان يجلس بجاني الدكتور جهاد عودة، وقد كان يومها عضوًا بلجنة السياسات التى كان يرأسها جمال مبارك يومئذ. بعد انتهاء الحفل سلم عودة علي وقال لي متهكمًا “على فكرة أحنا بنخاف من جرأة رؤساء التحرير اللي زيك”، لم أعطه فرصة أن يسترسل وقلت له إن كنتم تخافون من رؤساء التحرير الجرأة اللي زي، فلماذا لا تعطونا ترخيصًا بإصدار الجورنال؟ رد سؤالي بالقول: “وبالمناسبة أنا عندي رسالة من جمال مبارك لك”. قلت: ما هي؟ قال: “جمال مبارك علم أنني سآتي إلى هذا الاحتفال وسألتقي بك.  فقال لي: قل لناجي إننا لن نغلق لك الجورنال أبدًا وهذا وعد مني، لكن جمال يقول لك لا تحلم بترخيص الجورنال في مصر”، قلت: ولماذا لا يرخص الجورنال في مصر؟ قال لأسباب كثيرة لا داعي للخوص فيها وأهمها إننا لو رخصنا جورنالك في مصر ثاني يوم سنجد ٥٠ كنيسة أرثوذكسية ستقوم بإصدار جرائد وتطالبنا بترخيصها، الأمر الذي لن نوافق عليه أبدًا”.  قلت ولماذا لا ترخصون جريدة لكل كنيسة ماذا سيضيركم في ذلك؟ قال الأمر ليس بهذه البساطة.

قبل أن يسلم عليّ السيد عودة، ويتركني ويذهب إلى حال سبيله، قلت له: “بالمناسبة قل لجمال مبارك، أنه لو ساعدني في ترخيص الجورنال سأساعده أنا في الخارج عندما يحتاج إليّ”. ضحك ضحكة خبيثة استخفافًا بي وبما قلته له وقال أنت هتساعد جمال في إيه، قلت له جمال عارف أنا ممكن أساعده في إيه في الخارج، أنت فقط قل له ما قلته أنا لك الآن في هذا الأمر.

استمر (م. م.) في إصدار جريدة الأخبار السارة لعدة شهور، كان يحاول أن ينزع بعض الجُمل التى كنت أكتبها في مقالاتي الأولى، دون أخذ موافقتي على حذفها، خوفًا من حكومة مبارك ورجال أمنه، إلى جانب العديد من الأمور السيئة التى لا مجال لذكرها في هذا المقال، قررت أن أنهي تعاملي مع (م. م) إلى الأبد، قمت بطلب أوراق الترخيص الذي ادعى أنه يحمله والمفروض أنه كان صادرًا عن المجلس الأعلى للصحافة، اكتشفت أنه ليس لدى (م. م.) لا ترخيصًا ولا موافقة على الإطلاق بإصدار جريدة أو مجلة باسم “الأخبار السارة” في مصر بل كل ما قاله لي عن حيازته لترخيص للجورنال كان مجرد خيال في رأسه أو كذبة كبيرة تورط بها وصدقها حتى انكشف أمره.

عندها كان عليّ إما أن أوقف إصدار “الأخبار السارة” ولا أستخدم اسمها وينتهي المشروع من أساسه، وإما أن أبدأ جريدة جديدة باسم مختلف.

لكن كيف أبدأ جريدة جديدة باسم جديد وليس لدي ترخيص رسمي من المجلس الأعلى للصحافة بإصدارها، كان صديقي المخلص ورجل الله المبارك الدكتور المهندس “ثروت صموئيل” يخدم معي في اتحاد الشباب المسيحي خدمة تطوعية مثمرة، وكان في نفس الوقت يعمل في دار نشر (م. م.)، شاركته بفكرة بداية جريدة جديدة باسم الطريق، سألته سؤالاً محددًا، قلت: أخي العزيز مهندس ثروت، هل تعتقد أنك بقادر أن تصدر لنا بمفردك جريدة جديدة باسم الطريق بعيدًا عن دار نشر (م. م.)، ضحك المهندس ثروت وقال: ومن تعتقد هو الذي يصدر جريدة الأخبار السارة، المصدر الحقيقي لجريدة الأخبار السارة هو أنا”. قلت له سؤالاً آخر: هل أنت مقدر حجم الخطورة والمسؤلية التى نحن مقدمون عليها بإصدار مطبوعة، حتى لو كانت غير دورية، دون ترخيص، أجاب، أنا مقدر تمام التقدير، لكني لا أرى أية طريقة أخرى لإصدارها، حيث أننا لم ولن نحصل على ترخيص لإصدارها بالطرق الشرعية. قلت إذًا لنتوكل على الله الذي وعدنا بالحماية، الإله الذي رعاني منذ وجودي، والذي قادني للحصول على دبلوم الدراسات العليا واستخدام حتى خوف البعض وكذبهم لنصل إلى نقطة الانطلاق هذه.

بدأنا إصدار “جريدة الطريق”، وبعد عدة إصدارات للجريدة، فوجئنا بشخص آخر قد قام بتسجيل جريدته التى كانت تعرف بالحوادث، سجلها تحت اسم جريدة الطريق، فقمنا بتغيير اسم جريدتنا إلى “الطريق والحق” وكما عبر عن هذه الحادثة الدكتور القس صفوت البياضى بالقول: كان اسم جريدتنا الطريق، فأخذوه منا، فأطلقنا عليها “الطريق والحق” وحتى لو استولوا على اسم الطريق والحق أيضًا، فمازلنا نحتفظ في الآية الكريمة التى قالها الرب يسوع بفمه الطاهر “أنا هو الطريق والحق والحياة”،  بكلمة الحياة سنطلق اسم “الطريق والحق والحياة” على جريدتنا.

لقد قررنا أن نجعل الجريدة في متناول الجميع وخاصة فقراء القرى، فلم نغير سعرها عن جنيه واحد مصري لمدة الخمسة عشر سنة الماضية، بالرغم من طلب الكثير جدًا جدًا من الأحباء رفع سعر الجريدة إلى جنيهين مصرى وكنت أرغب أن يظل سعرها كما هو للأبد، لكن يبدو أننا سنضطر لرفع سعرها، حيث أصبحت قيمة الجنيه المصرى الآن أقل من قيمة الخمسة قروش حين أصدرنا الجريدة في شهورها الأولى.

لقد عاهدنا الله وعاهدنا قراءنا أن لا نكتب في الجريدة إلا الصدق وأن نتحرى الدقة والحكمة في نقل المعلومة والخبر، و أن لا نكتب ألا ما نراه في صالح الفرد والكنيسة وخدمة مصر بمسيحييها ومسلميها، وأن لا نفرق بين الناس في الخدمة والعطاء والنقد والبناء مهما اختلفت خلفياتهم وأديانهم ومعتقداتهم عنا، وأن نكون صوتًا صارخًا في برية هذا العالم وبوق ينادي للقريب والبعيد أن تصالحوا مع الله، وتوبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات، وأعتقد أننا التزمنا بالمبادئ السابقة وسنلتزم إلى أن يقرر المولى الفترة التالية في حياة الطريق والحق.

واليوم وقد وصلنا إلى نهاية العام الخامس عشر لإصدار جريدة “الطريق والحق”، لا يسعنا إلا أن ننحني لله سجودًا على ما قادني فيه منذ أن كلمني بوعد أنه يومًا ما سيكون هناك مطبوعة مسيحية صريحة تطبع وتوزع في مصر إلى يوم مرور ١٥ عامًا على إصدارها.

مرة أخرى بالنيابة عن نفسي وعن مجلس إدارة الطريق والحق ومجلس تحريرها والعاملين بها أقدم تحية من القلب لكل قارئ للجريدة ولمجلس إدارتها وتحريرها والعاملين بها، ونثق أن الذي بدأ فينا عملاً صالحًا سيكمل إلى يوم مجئ سيدنا ومخلصنا وإلهنا الرب يسوع المسيح، له كل المجد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا