الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية

6

العدد 137 الصادر في فبراير 2017
الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية

            مما لا شك فيه، أن هناك حقائق ومسلمات إلهية مسيحية روحية كتابية غير قابلة للزيادة أو الحذف أو التصليح والتعديل بأي شكل من الأشكال، مع أنها قابلة بالطبع للدراسة والفحص والتدقيق واختلاف الرأي في طريقة تفسيرها وطريقة تطبيقها على الحياة المسيحية للفرد والجماعة والكنيسة ككل. من هذه المسلمات والحقائق وأهمها هي حقيقة وجود الكنيسة وحقيقة أن الكنيسة هي الجسد الحي المتحرك والمرتحل على الأرض للسيد المسيح، وأن الكنيسة هي محفوظة وباقية ومضمونة ببقاء المسيح المكتوب عنه إنه حي إلى أبد الآبدين. وهو الذي وعد – تبارك اسمه – أن أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، أي لا يمكن لأبواب الجحيم أن تقف أمامها عندما تقرر الكنيسة مهاجمتها وتحرير النفوس من قبضتها. وهذا معناه أن الكنيسة كجسد للمسيح الحي هي أقوى من كل قوات الشر الروحية في السماويات وعلى الأرض وتحت الأرض.

            لكن الحقيقة هي أنه بالرغم من صدق وفاعلية هذه الإعلانات الإلهية عن الكنيسة ومكانتها وقوتها، إلا أن هذه الوعود نفسها لخير دليل على وجود خطط شيطانية لمهاجمتها ولتدميرها ومحاولة القضاء عليها من قبل قوات الشر الروحية في السماويات إن أمكنها ذلك.

            ولا شك أن هذه الوعود هي التى تمسكت وافتخرت ورنمت وهللت بها الكنيسة الشرق أوسطية، لكنها للأسف تناست وتغافلت عن الجانب الآخر من الأمر أي “الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية”. فكثيرًا ما سمعنا عن النهضة المسيحية الروحية الآتية سريعًا والتى ستجتاح مصر والشرق الأوسط كله، وكأنه الربيع العربي المسيحي، وعن “رد المسلوب”،  و”التعويض عن السنين التى أكلها الجراد”، أوانه “سيأتي مشتهى الأمم”، وغيرها من الشعارات والوعود البراقة التى يطلقها البعض من المسيحيين المخلصين من الإخوة أو الرعاة أو الكنائس في بداية كل عام، والتى تدغدغ مشاعر رواد كنائسهم، فيقضون سنتهم في شبه غيبوبة روحية وهم يقنعون أنفسهم ومن حولهم بأن هذا ما سيحدث بالفعل في هذا العام أو ذاك. وفي نهاية العام عندما لا يحدث ما تنبأ به الروحيون المخلصون على كنائسهم واجتماعاتهم يضطر المتنبئون أن يقنعوا أعضاءهم، وبكل إخلاص، أنه حدث وتحققت نبؤاتهم ولكن العيب فيهم كرعية أو أعضاء كنائس، فهم لم يروا الوعود تتحقق لعطب فيهم أو لتعصبهم ضد فكرة أو أخرى أو لسبب أو آخر ويتحول القس أو القائد لرجل بوليس لكي يسكت كل صوت يتساءل حتى بإخلاص عن لماذا لم تتحقق نبوات العام الماضي، وكيف لنا أن نصدق نبؤات العام القادم إن لم تتحقق نبؤات العام الماضي، ويدخل الناس في حالة من الإحباط والفشل والشك والتشويش من النبوات وحقيقة وجودها من أصله حتى اليوم، ويصبح التعامل وممارسة الأمور الروحية بالعيان فقط لا بالإيمان وفي بعض الأوقات يكون الويل لمن يعترض أو يواجه القائد أو القس بأن نبؤتك لم تتحقق للعام المنصرم.

            وبالرغم من علمي التام واقتناعي الكامل بكل ما جاء بالوحي المقدس عن الكنيسة ومكانها ومكانتها وقوتها وسلطانها وعظمتها وربها وعريسها المسيح يسوع، تبارك اسمه، وكل الوعود والعهود المعطاة لها إلا أنني أرى أن الكنيسة تعيش في حالة من الغيبوبة الدماغية الروحية وكأنها مخدرة أو منومة تنويمًا مغناطيسيًا روحيًا لا تتمكن معه من معرفة مكانها أو مكانتها ولا تتمكن من الجلوس أو الوقوف أو الكلام أو الفهم أو التواصل مع إلهها وإظهار نفسها للعالم كوحدة واحدة أو كمن هي بالحقيقة عروس ملك الملوك ورب الأرباب. ولست أظن أن الكنيسة كمجموع المسيحيين في الشرق الأوسط على اختلاف طوائفهم وتطلعاتهم وخلفياتهم ستفيق من هذه الغيبوبة الدماغية الروحية أبدًا إلى أن يأتي المسيح ثانية، فلعل متى جاء ابن الإنسان “يسوع المسيح” يجد الإيمان على الأرض؟

            والحقيقة أنه يبدو أن هناك كثيرًا من التضارب والتناقض بين ما أكتبه عن الكنيسة في هذا المقال، فكيف تكون هذه صفاتها المجيدة وهذا هو مقامها السامي الفريد في المسيح ويتفق مع حالها من الغيبوبة الدماغية! كيف تكون جسد المسيح وفي الوقت نفسه مصابة بغيبوبة دماغية! كيف يكون لها القدرة على مشاركة الحياة التى في المسيح يسوع مع الآخرين وكيف لها أن لا تفيق على الإطلاق من غيبوبتها؟!!

            وللإجابة عن هذا السؤال وتوضيح الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية. أقول إن هناك فرقًا بين المقام الذي اشتراه لنا المسيح يسوع بموته وقيامته واستحقاقه للجلوس عن يمين العظمة في الأعالي وبين حالنا نحن المؤمنين به، والمولودين من الله ونحن نسير على الأرض، فقلد شهد الكتاب عن مقامنا أن العلي تبارك اسمه قد “أقامنا مع المسيح وأجلسنا معه في السماويات”. أي إن مقامنا في المسيح يسوع هو أننا نعيش في السماويات من الآن، أما حالنا فنحن مازلنا على الأرض بكل ما فيها ومن عليها من مخلوقات وما يواجهنا بها من مشقات وضيقات وحروب وانتصارات وإخفاقات. ولعلم الشيطان وأعوانه أنه لن يستطيع أن يهز مقام ومكان ومكانة الكنيسة المقامة مع المسيح والجالسة معه في السماويات. فهو يتصدى لها في حالها على الأرض بخطط شيطانية محاولاً لو أمكن أن يضل المختارين عن الآب السماوى لكي لا يتمتعوا بعظمة المقام الممنوح لهم في المسيح، تبارك اسمه.

            أما الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية، مع ملاحظة أن الكنيسة في بدايتها كانت فقط كنيسة شرق أوسطية، لأنها بدأت في الشرق الأوسط وانتشرت من الشرق الأوسط إلى كل العالم المعروف يومئذ والمترامي الأطراف في أيامنا هذه. وليس ذلك فقط بل أن عودة السيد الرب يسوع المسيح ستكون حرفيًا في الشرق الأوسط. هذه الخطط الشيطانية تحتوي على عدة ملفات ساخنة، مفتوحة دائمًا، وتزداد سخونة كل يوم عما قبله، وأذكر من هذه الملفات على سبيل المثال لا الحصر:

            ١- ملف الكنيسة نفسها وتقسيمها لطوائف ومذاهب ومجامع وكنائس محلية مختلفة تقريبًا في كل شئ، عدا الاعتراف بميلاد المسيح العذراوي وصلبه وقيامته وحقيقة مجيئه ثانية. وما عدا ذلك فهي مختلفة حتى في طبيعته وإنسانيته وإلوهيته وزمن وكيفية مجيئه ثانية وتفسير تعاليمه ونبؤاته وكلها قد نالها الخلاف الكثير، حتى ضاعت متعة تطبيقها والإيمان بها والاستمتاع بنتائجها في خضم التفسيرات والمناقشات والمباحثات والخلافات والصراعات الدائرة حولها. والغريب أن كل منهم يعتقد أنه وحده على صواب ووحده العارف ببواطن الأمور ووحده هو صاحب التعليم القويم الذي تسلم الكل من الرسل وتلاميذ المسيح أنفسهم وأنه وحده الذي حافظ ويحافظ على الإيمان الصحيح القويم منذ أن تسلمه من الرسل الأولين، ونسوا أو تناسوا أنه لو شاء ربك يوم كان  المسيح – تبارك اسمه –  مازال بالجسد على الأرض، يجول يصنع خيرًا ويشفي المتسلط عليهم إبليس، لكتب المسيح نفسه وبيده تعاليمه ووصاياه وما عمله على الأرض بالتفصيل في كتاب ورقى واحد ولسلمه لكنيسته لتتلوه منغمًا ملحنًا أثناء الليل وأطراف النهار. ولكان منذ بدء عمله على الأرض، وقبل أن تكون هناك كنيسة أرثوذكسية وكاثوليكية وإنجيلية، لكان قد أسسها قبل صعوده له المجد ولقال لمرقس الرسول أنت تؤسس الكرازة المرقسية في مصر وسيدعى باسمك عليها وسيكون لك خلفاء راشدون يجلسون على كرسيك إلى يوم القيامة وسيدعونهم الناس آباءنا وأسيادنا، ولقال لبطرس الرسول وأنت تؤسس الكاثوليكية في روما وسيدعى باسمك عليها وسيجلس على كرسيك من بعدك من يبيعون صكوكًا لغفران خطايا رعياتهم، ومن سيبيعون قطعًا من الفردوس للعامة والخاصة من الناس وهم أيضًا سيدعونهم الناس باباواتهم وأسيادهم وسيؤمنون بعصمتهم وتنزيههم عن الخطايا والمعاصى. ولكان قد تنبأ أنه سيأتي من بعد رفعي إلى السماء بقرون راهب كاثوليكي يدعى مارتن لوثر أوكلت له القيام بالحركة الإصلاحية الكنسية الإنجيلية. ولكان تبارك اسمه، قد قَسَّم تلاميذه وأتباعه القريبين والبعيدين زمنيًا على الثلاث  كنائس ولقال: “ أبنى كنائسي وأبواب الحجيم لن تقوى عليها”، وكلها بصيغة الجمع.

            ولم يكتف الشرير بتقسيم جسد المسيح إلى أرثوذكسية وكاثوليكية وإنجيلية، بل قسم كل منها داخليًا إلى مذاهب متنوعة داخل الطائفة الواحدة. فهذه أرثوذكسية قبطية، وتلك أرثوذكسية حبشية، وثالثة أرثوذكسية لاتينية، ورابعة أرثوذكسية رومية، وخامسة الأرثوذكسية السريانية، وغيرها. وهكذا الحال مع الروم الكاثوليك، والسريان الكاثوليك، والكلدان الكاثوليك، وغيرها. أما عن الإنجيليين الإصلاحيين، فحدث ولا حرج! فتعدادهم بالعشرات الذين لدينا منهم أكثر من 1٧ مذهب إنجيلي في مصر وحدها. وليس بالعسير على المسيحي البسيط فهم أنه كلما زادت الانقسامات بين الكنائس، كلما تحقق للعدو الشرير النتيجة الطبيعية المعروفة من تطبيق المثل القائل “فرق، تسد!”. وليس سرًا على المحيطين بالكنيسة على اختلاف طوائفها من مسلمين ويهود ولا دينيين وغيرهم أن هذه الطوائف والمذاهب والكنائس جميعًا متصارعة متباعدة، وقد تكون في وقت من الأوقات متحاربة ومتقاتلة. والعجيب أنها جميعًا تنادي بمسيح واحد مسيح المحبة والسلام الذي أوصى: “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم”. وهم في الحقيقة وفي أغلب الأوقات لا يحبون إخوانهم وقد يلعنون مباركيهم وقد يبغضون الذين يحسنون إليهم. بالرغم من أن هذا المسيح قد صلى قبل صعوده إلى السماء لأجل المؤمنين الحقيقيين باسمه وطلب من الله الآب أن يكونوا هم واحدًا كما أنه هو تبارك اسمه والآب واحد.

            ٢- ومن الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية خلق دين جديد، في الشرق الأوسط، غير دين المسيح وبالتبعية غير دين الكنيسة، وهذا ليس سرًا مخفيًا عن أصحاب الدين الجديد، أو ازدراء بهم أو بدينهم. إن أصحاب الوحي الإلهي المسيحي السابق لتأسيس دينهم الجديد، لا يعترفون بهم أو بكتابهم أو بدينهم أنه من عند الله. تمامًا كما يفعل اليهود أصحاب الدين السابق لدينهم المسيحي. وهم يؤمنون أنه إذا أراد الوسواس الخناس أن يحارب دينًا، أو رب دين، أو تعاليم مالك يوم الدين الروحية السماوية، لابد له أن يأتي بدين جديد، وبغير ما أنزل إلى الذين من قبلهم، وقبل دينهم الجديد من تعاليم تبدو لأتباعها أنها أفضل من سابقتها وأنهم خير أمة أخرجت للناس. وحكمهم في ذلك أن التعاليم الجديدة لدينهم الجديد تتناسب وتتوافق مع التطور الإنساني والمجتمعي المعاصر ومع واقعهم وميولهم واحتياجاتهم وبيئتهم وتطلعاتهم. ويُطْلبَ منهم أن يؤمنوا بها وبما أنزل إليهم في دينهم الجديد، وما أنزل إلى الذين من قبلهم، بالرغم من أن ما أعطى إليهم في الجديد يتعارض شكلاً وموضوعًا، جملة وتفصيلاً، مع كل ما أوحي للذين من قبلهم، بدأً من بشارة من اصطفاها الله وفضلها على نساء العالمين، العذراء مريم أم يسوع المطوبة، بالحبل به تبارك وتنازل إلينا، وما حدث لها ومعها منذ أن بشرها الملاك بمولد سيد العالمين من أحشائها حتى رفعه إلى السماء حيًا بعد صلبه وقيامته أمام تلاميذه وهم يشخصون إليه وقت أن أخذته سحابة ورفعته إلى عرشه جل شأنه، مرورًا بمعجزاته وصفاته وتعاليمه التى تدل على أنه القدوس المتجسد لا محالة.

            وقد ترك الرجيم لأتباع الدين الجديد أن يجردوا الجيوش والخيول وفتح البلاد واستعباد العباد في الشرق الأوسط ومحو لغاتهم وقومياتهم وحكمهم بالحديد والنار. فأصبح اعتناق الدين السابق للجديد جريمة يستحق مرتكبها أما الموت أو ترك دينه والدخول في الدين الجديد وإما دفع جزية عن يده وهو صاغر. وأصبحت مبان الكنائس محرمة أن تبنى في أرض أصحاب الدين الجديد التى اغتصبوها اغتصابًا من سكانها، ولا يتم بناء الكنائس اللهم إلا بأمر الحاكم وكمنحة وتفضلاً منه ومقننة بقانون يعرف “بقانون بناء الكنائس”. وقد نجحت هذه الخطة الشيطانية في إضعاف الكنيسة الشرق أوسطية وانشغالها بمن سيدفع فاتورة استهلاكها للكهرباء، الكنيسة أم الدولة، وما هي مواصفات القباب الكنسية واتساع غرفة القرابني، وتسببت في تشتيت تركيزها على إرساليتها العظمى بأن تذهب للعالم أجمع وتكرز بالإنجيل للخليقة كلها مشاركة أخبارها السارة بأن هناك خلاصًا وفرحًا وسلامًا في شخص المسيح وحده وفيه الهروب من عذاب القبر والنار والبقاء في السماء مع الملائكة والقديسين الأبرار إلى أبد الآبدين.

            ٣- أما الملف الثالث، فهو ذلك الذي أطلقت عليه اسم ملف “خلط التبن مع الحنطة”. وفيه يستخدم “روح التدين” أي عدو النفوس تطبيقًا خاطئًا لبعض آيات الله البينات والأحداث الواردة في كتابه الوحيد، الكتاب المقدس، ويقنع بها حتى المخلصين المكرسين من الخدام والقادة والمرنمين. فما بالك بغير المخلصين!،  فإذا ما نص تنزيل الحكيم العليم على أن “الأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين”، أصبح هذا دليلاً كتابيًا على ظهور القديسين والقديسات فوق منارات الكنائس في أي وقت وبأي شكل ونسوا أو تناسوا أن تفتح القبور وقيام أجساد القديسين وظهورهم للناس كان بسبب حادثة لا ولم ولن تتكرر مرة أخرى في تاريخ البشرية، وهذه الحادثة كانت قيامة المسيح من الأموات وكانت إعلانًا وتأكيدًا لحقائق كتابية إلهية ثابتة أعلنها الروح القدس سواء بفم المسيح نفسه أو فم رسله وتلاميذه كاتبي الوحي الإلهي والتى منها أنه “قام حقًا في اليوم الثالث كما قال” وأنه هو باكورة الراقدين، وأن من يؤمن به وإن مات فسيحيا، وبأنه الوحيد من له السلطان أن يحيي ويميت ويقيم وغيرها من الحقائق الكتابية. وأصبح من يقل غير ما يقوله القادة والقسوس الإنجيليون، يكن إنجيليًا متعصبًا غير محب لأرباب الطوائف الأخرى. وإذا ما قال مارتن لوثر أو زونجلي أو غيرهما باستحالة الخبز والخمر، اللذين يشيران إلى جسد المسيح ودمه في ممارسة فريضة العشاء الرباني إلى جسد المسيح الحقيقي الحرفي ودمه الحقيقي الحرفي أصبح هذا وحيًا لابد من الإيمان به ومن لا يؤمن ويقر ويعترف به من الإنجيليين، يكن من المعترضين والمقاومين غير الدارسين المتعصبين والويل له من السنة تابعي المنادين بهذه الآراء التي لا دليل على صحتها الكتابية إلا في عقول ممارسيها والمنادين بها.

            وإذا ما قررت كنيسة ما أو قس ما أن التفسير العملي المجتمعي للآية “إن جاع عدوك فإطعمه وإن عطش فاسقه”، هو بأن نقدم طعام الفطور في قاعات كنائسنا وكاتدرائياتنا للصائمين لروح ضد المسيح في رمضان، أو أن أقدم طعام السحور لحاضري سهرة رمضانية تقام في كنيسة إنجيلية يحييها نجوم الإنشاد الديني المسيحي والمسلم. إذا ما قررت الكنيسة أي كنيسة أو قس أو خادم أن يعمل ما تقدم، فويل لمن يبدي رأيه وخاصة إذا كان رافضًا مستنكرًا لمثل هذه اللقاءات بين الأرواح المتصارعة والدائرة بينها حرب في السماويات لا يراها ولا يدركها إلا أصحاب العيون المفتوحة الذين أنعم الله عليهم برؤيتها. ولعل هذا الملف هو أخطر الملفات وأكثرها إيذاءً للكنيسة. فملف الفرقة وتقسيم الطوائف وما وصلت إليه الكنيسة من خلافات مدان من القريب والبعيد وحتى من أولئك الذين ينغمسون فيه بسبب مكاناتهم الدينية وأهمية كراسيهم. وملف الدين الجديد واضح ومكشوف ومرفوض لكل ذي عينين بهما بصيص من الرؤية من المسيحيين. أما ملف محبة القريب والبعيد وتقديم العون للعدو والحبيب المعروف بملف “خلط التبن مع الحنطة”، فرواده يحتاجون لهزة سماوية روحية مسيحية ترجع لهم صوابهم قبل أن يجئ اليوم الذي سينال فيه كل منا جزاء ما فعل بالجسد خيرًا كان أم شرًا.

            ٤- أما الملف الرابع من ملفات الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية، فهو ملف الاضطهاد الحكومي والأمني والشعبي المجتمعي الممنهج ضد المسيحيين الشرق أوسطيين. ليس في مصر وحدها بل في كافة البلاد العربية بلا استثناء. فالخدام والقسوس والمسؤلون عن الكنائس مراقبون ومتابعون في قيامهم وجلوسهم ووعظهم واجتماعاتهم. إن ما أكتبه في هذا الملف بالذات لم أسمع عنه أو رأيته مع آخرين إنما اختبرته مباشرة اختبارًا شخصيًا طيلة أكثر من ١٨ عام متصلة، يوم كنت أخدم المسيح وقت إقامتى  في مصر. والحقيقة إن هذا الملف أكبر وأخطر من أن يفتح في مقال واحد كهذا المقال أو كتاب واحد ككتابي “أنا والسلطة”. فهو يحتاج إلى دراسة وافية وتحليلاً عميقًا واتخاذ خطوات واضحة جريئة ومحددة من قبل الرياسات الكنيسة مجتمعة للتصدي لما فيه. وبالرغم من أن هذا الملف واحد من أخطر الملفات على الإطلاق، إلا أنه الملف الوحيد الذي يحتوى على تأثير إيجابي في جزء من أجزائه، وهو أن خفة ضيقتنا الوقتية كمؤمنين حقيقيين بالمسيح – تبارك اسمه –  تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا معه، سبحانه إلى أبد الآبدين. وهذا الجزء لا غنى عنه لنمو المؤمنين الحقيقيين الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع. فلقد ثبت بالدليل القاطع أن كلما زاد الاضطهاد على جماعة المؤمنين الحقيقيين، السالكين حسب الروح ليس حسب الجسد، ولكونهم فقط أتباعًا للمسيح يعيشون بالتقوى وهم في انتظار مجيئه إليهم ثانية وليس لسبب آخر مهما كان نبل ذلك السبب، فكلما زاد الاضطهاد زاد المجد في حياتهم في الدنيا والآخرة.

            ٥- ملف آخر من ملفات الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية هو ملف الاحتياجات المادية لتغطية النفقات الحقيقية لنشر كلمة المسيح في الدول العربية. فكلما كانت الكنيسة تحت تأثير حالة الغيبوبة الدماغية التى ذكرتها سابقًا، وكلما اتبعت طرقها الملتوية غير الإلهية وغير المسيحية بل وفي بعض الأوقات الشيطانية لجمع الدعم المادي من القريب والبعيد، كلما زادت ثروتها وزاد روادها وكثر محبوها وممولوها بأكثر مما تحتاج إليه، وكلما اعتمدت الكنيسة على أموالها ومشاريعها وما لديها من ثروة وعدد مموليها، كلما تراكمت لديها الدولارات وغمرتها الخيرات وسارع المغيبون والمغرضون والمتدينون لمدها بآلاف بل ملايين الدولارات، ولنست أو تناست أن “للرب الأرض وملؤها المسكونة والساكنين فيها”، ولقالت عن نفسها ما قاله ملاك كنيسة اللادوكيين قديمًا عن نفسه: “إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء”. والعكس صحيح تمامًا. فكلما كانت الكنيسة تعيش معتمدة على ربها وإلهها ولا تنشغل بما لديها من دخل، وحسابات في البنك ومدعمين، أجانب أم محليين، كلما حاول الشيطان أن يقطع معونة إلهها عنها، فعاشت الكنيسة كإلهها وربها الذي لم يكن في أيام جسده على الأرض يحمل كيسًا ولا مزودًا ولا أحذية والذي لم يكن معه إستار ليدفع الضرائب التى قررها عليه المستعمر الروماني. وحيث أن الطبيعة الإنسانية البشرية ترفض المعاناة والصراع والصبر والثقة في الإله الحي للحصول على المال بطريقته وفي وقته، اتخذت الكنيسة في عمومها أقصر الطرق للحصول على احتياجاتها. فلجأت للإرساليات والهيئات الأجنبية وارتمت في أحضانهم لتمويلها بأكثر مما تحتاج إليه. وباعت نفسها لهذه الهيئات التى غالبيتها العظمى تستغل احتياج الكنيسة الشرق أوسطية في تنفيذ مخططاتها غير الشريفة، في معظم الأوقات، والحصول على الأموال الطائلة من الممولين الأمريكان أو الفنلنديين أو السويسريين وغيرهم الذين غالبًا ما تكون لديهم أجنداتهم الخفية عن عيون المحليين من القسوس والقادة.

            ٦- أما آخر الملفات التى لابد من ذكره في هذه العجالة هو ملف غياب الكبير في الكنيسة الشرق أوسطية. وهو الأمر الذي حرص الشيطان بكل قوته أن لا يتواجد الشخص أو الكيان التقي، المحترم  والمخضوع له من الجميع، الذي يستطيع أن يجتمع معًا في صلاة وصوم وطلب وجه القدير لإيقاف الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية. الكيان الذي كان يجتمع في الكنيسة الأولى ليتخذ قرارات مصيرية ملزمة لكل من يدعو باسم المسيح. الكيان الذي كان يأخذ قراراته مدموغة بحقيقة “رأى الروح القدس ونحن”. الكيان الذي كان يتكون حسب المصطلح الكتابي من “المعتبرين أعمدة”. أما اليوم فلقد تعددت الكيانات والرياسات والطوائف والمذاهب والخدمات وأصبح من المستحيل أن يوجد هذا الكيان لأسباب كثيرة، أهمها أن هذه الفئات ترفض أن تجتمع معًا لحل مشاكلها. فكم وكم مشاكل الكنيسة العامة!

             لكنني في النهاية، لا بد أن أذكر بكل أمانة وإيمان أنني أثق وأؤمن أن هناك البقية التقية الباقية من المؤمنين الشرق أوسطيين الذين لم يحنوا ركبة للدولارات ولا للإرساليات، للمرغبات ولا للمقاومات، للحكومات ولا القوات والذين ينتظرون خلاص إلهنا وتدخله، لفضح ومقاومة الخطط الشيطانية للقضاء على الكنيسة الشرق أوسطية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا