الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا

2

العدد 114 الصادر في مارس 2015
الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا

    كانت صبيحة يوم جديد في سان فرانسسكو المدينة الساحلية الجميلة بولاية كاليفورنيا الأمريكية، المدينة التى كتب عنها الأدباء وتغنى بجمالها الفنانون والشعراء، الشمس المشرقة والبرودة الخفيفة ونسمات ريح آتية من البحر وقضاء أسبوع في تلك المدينة الشهيرة أمرًا يجدد النشاط وينعش النفس، خاصة إذا كنت في صحبة من تحبهم نفسك، كما كنت أنا بصحبة أخي الأكبر الذي لم نكن نفترق أبدًا بعضنا عن بعض مرتبطين بمحبة أسرية إلهية كانت في وقت من الأوقات مضرب الأمثال من البعيدين والقريبين منا، كنت في تلك الفترة قد عاهدت الرب إلهي أن أجلس عند قدميه يوميًا طالبًا أن يعلمنى درسًا واحدًا كل أسبوع، وكان الإسبوع بالنسبة لي يبدأ من يوم الاثنين صباحًا وينتهي  يوم السبت التالي له مساءً، وكان الأمر بالنسبة لي في غاية الأهمية، لأن الدرس الذي اعتاد القدير أن يعلمني إياه كان درسًا يبني حياتي الروحية، وينمي معرفتى به- تبارك اسمه- واختباري له، سبحانه، درسًا كثيرًا ما كنت أعيده على نفسى طوال الإسبوع وأجتر عليه حتى يمن على المعلم الأعظم، سبحانه، في رحمته بالدرس الذي يليه في الأسبوع التالي وهكذا، ولم يبخل على إلهي الرحيم، أكرم الأكرمين بأن يعلمني درسًا أسبوعيًا لمدة طويلة من حياتي، لكني تذكرت في نهاية ذلك الأسبوع الذي قضيته في سان فرانسسكو مع أخي ومجموعة من الرفاق أن الأسبوع قد مر بسرعة البرق وأنا لم أتعلم درسًا جديدًا، كان علينا أن نرجع بالسيارة إلى مدينة لوس أنجيلوس التى كنا نعيش فيها، وكان اليوم سبتًا، وكنت أقف بمفردي على رصيف الشارع أمام الفندق الذي قضينا فيه الأسبوع المنصرم، واضعًا يدي في جيوب بنطلوني وناظرًا إلى الشارع المزدحم بالسيارات والمارة وظهري للفندق، بينما كان أخي يدفع فاتورة الحساب قبل مغادرتنا، طافت بعقلى عدة مشاكل في كنيستنا المحلية يومئذ، مع عدد من المترددين عليها، فمنهم من يتصرف معنا كقسوس في الكنيسة وكأنه يؤدي لنا خدمة عظيمة بحضوره خدمات كنيستنا، ومنهم من كان يحاول أن يضع أنفه في كل قرار يؤخذ في الكنيسة وكأنه الوحيد الملم والعليم بكل الأمور، ومنهم من اعتاد على أن يتكلم كثيرًا بالسلب على إخوانه في الكنيسة وكأنه هو أقدس المترددين عليها من لا تشوب حياته شائبة، منهم من كان رجل أعمال ناحجًا وظن أنه أقدر أعضاء الكنيسة على إدارتها واتخاذ القرارات بشأنها كما يدير شركته وهو يريد أن يدير الكنيسة كمؤسسة أرضية لا علاقة لها بالروحيات، الأمر الذي يبدو طبيعيًا اعتاد عليه القسوس وأعضاء كنائسهم، وخاصة في أمريكا وفي كل الكنائس على اختلاف طوائفها وخدامها، حتي أصبح أمرًا واقعًا لا بد للقسوس أن يستسلموا له ويقبلوه كجزء من متاعب الخدمة لله، فلا يحاولون تغيير واقعهم، ومنهم من يستكين لكل هذا ويرى أن الله سيكافئه بسبب مروره بمثل هذه المشاكل وبسبب أقداره التى ساقته لخدمة هؤلاء الإخوة المتعبين، ولا مانع من استخدام بعض المقولات الإنسانية مثل “هذه ضريبة الخدمة” أو الآيات الكتابية التي ما وضعت لمثل هذه المشاكل الكنسية مثل “في العالم سيكون لكم ضيق”، و”بضيقات كثيرة ينبغي أن تدخلوا ملكوت السموات”، و.. و.. و، ونظرًا لكوني قسًا بالكنيسة كان على وعلى زميلى الراعي الشريك أن نستوعب كل هذا ونتعامل مع كل هؤلاء ونحاول أن نحفظ وحدانية الروح برباط السلام مع الجميع كما علمنا سيد كل الأرض، ووجدتني أنفعل بيني وبين نفسى وأقول لها إلى هنا وكفى، لا بد من مواجهة حاسمة مع كل هؤلاء، فأنا لم أكرس نفسي لخدمة الرب لتسلية هؤلاء الإخوة والأخوات بل لبنيانهم ولنضجهم والمساهمة في تجهيز وإعداد عروسه على الأرض (الكنيسة)، غدًا الأحد سأقف وأوبخ كل من تسول له نفسه أن يؤذي كنيسة الله، وسأضع حدًا لهذا العبث الذي لا مبرر له، وفجأة تذكرت أنني لم أتعلم درسًا جديدًا لذلك الأسبوع، وكنت أعرف السبب جيدًا وهو ببساطة لأنني لم أقض وقتًا في الصلاة أو الانتظار أمام الله في طلب الدرس الأسبوعي الجديد، والسبب الوحيد كان لأنني كنت منشغلاً بزيارة أخي الذي لم أكن قد رأيته لمدة سنة ونصف، وبالرفاق والصحبة والنزهة بسان فرانسسكو المدينة الجميلة وغيرها، وكلها في قناعاتي الشخصية أمور لا غبار عليها ولا مانع من الاستمتاع بها والتمتع بالوقت الجميل فيها، فلست ممن يجلدون أنفسهم لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء والإحباء بشرط أن لا يؤثر ذلك على وقتي الخاص الذي أتلذذ بقضائه مع سيد كل الأرض، فأنا أرى أن الجلوس عند قدمي السيد هو أهم ما يمكن عمله في الحياة الدنيا، لذا رفعت قلبي إلى القدير عالمًا ومعترفًا بخطئي وقلت: يا سيدي الرب، أنا لا أستطيع أن أسألك لماذا: لم تعلمني درسًا جديدًا هذا الأسبوع؟، فأنا أعرف أنني السبب في ذلك، فأنا الذي شغلت عنك ولم أجلس أمامك لكن أعلم أنك غافر الإثم وصافح عن الزلات، لا تصنع معنا حسب خطايانا ولا تجازنا حسب آثامنا بل كبعد المشرق من المغرب أبعدت عنا معاصينا، خطايانا أنت تكفر عنها، وأنت الكريم الرحيم، لذا فأنا أطمع في كرمك أن لا تحرمنى من درس هذا الأسبوع، فأنا موقن أنه بإمكانك أن تعلمنى درسًا هامًا في حياتي اليوم في ثوان قليلة متغاضيًا عن تقصيرى، وبينما كنت منهمكًا في صلاتي لله ومناجاتي له إذ بأخي يناديني من ورائي قائلاً: “ناجي شوف الورقة دي مكتوب فيها إيه؟!”، وقبل أن ألتفت إليه وإذا بصوت داخلي يملأ كياني ويقول لي: اقرأها فهي تحتوي على درس هذا الأسبوع، التفت ورائي لأرى أخي وقد أمسكت يده بورقة صغيرة جدًا، هي نوع من الأوراق التي يضعها صانعو الحلوي الصينيون داخل بعض أنواع البسكوت المعروف في أمريكا بالحلوى الصينية (Chinese cookies ) لأنها توجد بكثير في المطاعم الصينية (وهنا لابد أن أقرر أنني لا أقرأ مثل هذه الأوراق التى يطلق عليها البعض بختك اليوم، ولا أنصح بقراءتها ولا يعنيني ولا يهمني في كثير أو قليل ما يكتب لي فيها إن كان حسنًا أم لا، فبختي ونصيبي هو الرب وما يهمني بالمقام الأول والأخير هو ما دون عني في كتابه الكريم)، كانت بالورقة عبارة واحدة مكتوبة تقول: “الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا ينبغي أن يعطي ظهره للجمهور” وفي ثوانٍ معدودات علمنى الله درسًا كبيرًا خطيرًا رائعًا كان ولا يزال أحد درسين غيرا مسار حياتي كلها منذ أن تعلمته حتى الآن، (سأشاركك عزيزي القارئ بالدرس الثاني في مقال لاحق) وتواردت عشرات الأفكار على ذهنى، والصوت الباطن في داخلي أخذ يشرح لي أن واحدة من مشكلاتنا كبشر عامة وكخدام وقسوس وكهنة ورياسات خاصة هو أننا عادة ما ننشغل بكل ما حولنا ومن حولنا من بشر وقضايا واحتياجات ومسؤليات ونحاول أن نجري هنا وهناك لانجاز ما هو في مجال خدمتنا وما ليس فيها، وأننا ننشغل كثيرًا بما يقوله الناس عنا ورأيهم فينا أكثر من انشغالنا بما يقوله السيد الرب عنا وعن حياتنا وخدمتنا، والصوت الداخلي كان يسألنى كم من الوقت والجهد ستأخذ حتى تتمم ما تفكر أن تعمله غدًا في كنيستك، قلت معترفًا وقتًا طويلاً لا أعرف مقداره، قال: وهل سيتغير كل من حولك ويرون أو حتى يسمعون وجهة نظرك في القضايا التى ترى أنها لا بد أن تتغير في حياتهم، قلت الحقيقة هذا أمر غير مؤكد الحدوث لكني كخادم لا بد أن أقول وأن أوبخ وأن أعلم وأن أعظ حتى يرجع الخلق عن ضلالهم وأعمالهم، قال الصوت: أنت حامل رسالة وصوت صارخ في البرية وقائد لأوركسترا لتعزف سيمفونية ليست من تأليفك أو توزيعك بل من إنشائي أنا ومشيئتي وتوزيعي أنا الله وما أنت إلا منسق بين العديد من العازفين الذين كتبت أمامهم أدوارهم تمامًا كما كتبته لك ولكم جميعًا فأنتم عملي مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبقت أنا الله فأعددتها لكي تسلكوا فيها، قلت: لكن جلالك تعلم حجم وقوة تأثير النغمات الناشزة التي يطلقها البعض في غير أوانها أو إيقاعها أو أزمنتها وكم تؤثر هذه النغمات الشاذة على الآخرين ممن يلعبون دورهم بكل دقة وأمانة! قال الصوت وماذا عساك أن تفعل في مثل هذه النغمات أو عازفيها، هل ستوقف الأوركسترا لكي تصحح النغمات وتوبخ عازفيها، فالنغمات الشاذة المؤذية لا يمكن أن ترجع مرة أخرى وتُصْلح فما عزف قد عزف وما حدث من العازف قد حدث وفي النهاية أنت والأوركسترا تعزف لي، ولي وحدي تقييم الأمور كل ما عليك هو أن تقول وتصرخ بما آمرك به ولا تهتم بالجمهور إن استمع لما تقول أو لم يسمع، فأنت قائد لأوركسترا لست إلا، نعم أنت أول من ستستمتع بتقديم هذه السيمفونية إن أحسنت قيادة الأوركسترا لملك الملوك ورب الأرباب لكن لا تنسي تفاصيل خصوصيات دورك الذي منحتك إياه.

    كنت منهمكًا في التفكير في هذه العبارة القصيرة المؤثرة “الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا ينبغي أن يعطي ظهره للجمهور”. وكعادتي عندما تمر فكرة ما بعقلي لابد أن أسرع إلى كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس لأعرف مدى تطابق هذه الفكرة مع كلمة الله، وهل هناك من رجال الله القديسين المسوقين بالروح القدس في كتابة الوحي المقدس عمل أو علم أو كتب عن هذه الفكرة أم لا، فوجدت العديد منهم وقد طبقوها وعملوها وعلموا بها في العهدين القديم والجديد، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدت رجل الله نحميا عندما قرر أن يعود إلى أورشليم من سبيه ويبني أسوارها المنهدمة وأبوابها المحترقة بالنار كان يبدو وكأنه قد فقد الإتصال بالعالم الخارجي وبما يحدث حوله وكل ما كان يفكر فيه أن يعزف سيمفونية بناء أورشليم لإرضاء إلهه، وقد أخذ منه التفكير في هذا الأمر كل عقله ووقته وعواطفه لدرجة أنه دخل أمام الملك وهو مكمد الوجه، الأمر الذي كان من الممكن أن يطيح بوجهه المكمد وبرأسه التى ابتُلعَتْ في تفكيره، بعيدًا عن الملك وعن الحياة كلها، وعندما بدأ في بناية سور أوروشليم اجتمع ضده أعداء شعب الله، متمثلين في سنبلط الحوروني، وجشم العربي، وطوبيا العبد العموني ليوقفوا عمل الله الكبير في سيمفونية بناء المدينة وحاولوا بكل قواهم أن يوقفوا العمل العظيم الذي كان نحميا يقوده ويكمله بسرعة، ويقول الله تنازل إلينا في المسيح في سفر نحميا والأصحاح الرابع، أنه عندما جاء اليهود الذين كانوا ساكنين بجانب العرب إلى نحميا أنهم أبلغوه 10 مرات بنية الهجوم عليه وعلى العاملين معه في بناء سور أورشليم، وعندما رأى أعداء شعب الله أن السور سيكتمل دون اعتبار لهم أو أخذ موافقتهم لبناء المدينة أرسلوا لنحميا يقولون: “هلم نجتمع معًا في القرى في بقعة أونو” فأرسل إليهم نحميا إجابته على طلبهم بأنه لن ينزل والسبب جاء في قوله: “إني عامل عملاً عظيمًا فلا أقدر أن أنزل إليكم” ولكنهم لم يكفوا عن طلب اللقاء بل كما دون نحميا نفسه أنهم أرسلوا له بمثل هذا الكلام أربع مرات وجاوبهما بمثل هذا الجواب، ولم يتوقفوا أيضًا عن طلب نزول نحميا إليهم فصعدوا من تهديدهم له واتهموه زورًا وبهتانًا أنه واليهود الذين معه  يفكرون في التمرد على الملك وأنك يا نحميا تنادي بنفسك ملكًا ولما لم تفلح خطتهم للتشويش على نحميا وجعله يوقف سيمفونية بناء أورشليم، أرسلوا له أحد الأنبياء وقتها ليقول: له تعال نجتمع إلى بيت الله وسط الهيكل ونقفل أبواب الهيكل لأنهم يأتون ليقتلوك، وما أصعب الخديعة عندما تأتي من فم من يدعون النبوة وما أقساها وأضلها عندما يتعامل المرء مع أنبياء كذبة مجتمعين على نبوة واحدة كاذبة مأجورين  بلغة اليوم!! كشمعيا بن دلايا، ونوعدية النبية وباقي الأنبياء الذين كانوا يخيفون نحميا حتى لا يركز في قيادة الأوركسترا ويخرج عن اللحن ويوقف بناء سور أوروشليم، لكن نحميا أعطى ظهره لكل هؤلاء، للولاة كسنبلط الحوروني وطوبيا العموني وجشم العربي والأنبياء كشمعيا ونوعديا ولفيف من الأنبياء الحقيقيين وأقرباء رئيس الكهنة وقال قولته العظيمة الشهيرة: “أنا عامل عملاً عظيمًا” وأعطى كل حواسه واهتمامه ووقته وتفكيره في اتمام سيمفونية بناء السور الذي لم يستغرق معه إلا اثنين وخمسين يومًا والسبب أنه قرر أن يعطي ظهره للجمهور وهو يقود الأوركسترا.

    أما لوط السائر مع أبرام، فعندما اختار لنفسه وسكن في سدوم وعمورة اللتين رمدهما القادر على كل شئ، عندما أخرجه مع عائلته الملاكان الموكلان من الله لحرق المدينتين أوصيا لوط أن “اهرب لحياتك.لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة”، أي بمعنى آخر اعط ظهرك لسدوم وعمورة ولا تنظر إلى الوراء، الأمر الذي لم تطعه ولم تعمله زوجة لوط، فنظرت إلى الوراء، فصارت في الحال عمود ملح.

    وفي العهد الجديد كانت هذه هي فلسفة بولس رسول المسيح للأمم الذي أعلن عن إرساليته وكأنه يعزف سيمفونية للرب يسوع المسيح، فلا يريد أن ينهمك في نير عبودية لغيره فقال لكنيسة كورنثوس: “لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا”.

    وقال لتلميذه تيموثاوس: “ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنده”، ثم قال للإخوة في كنيسة فيلبي: “أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئًا واحدًا إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام”، وقال الرب يسوع المسيح بفمه الطاهر لتلاميذه: “ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر للوراء يصلح لملكوت الله”.

    كان هذا هو واحد من أعظم الدروس التى تلقيتها في حياتي من سيد الأرض والسماء ومازلت أحاول تطبيقه بكل قواى.

    لكن ما أشبه اليوم بالبارحة! فمشاكل الفرد تضاعفت عما كانت أيام أجدادي، ووسائل الاتصال والتكنولوجيا أدخلت القريب والبعيد في حياتنا فأصبح جل تركيزنا على ما يقوله الناس عنا وما يرضيهم وما لا يرضيهم فينا ووضع الناس على رؤوسنا أحمالاً وأثقالاً ومجاملات واظهارًا لغير ما نبطن ونسينا الحقيقة التي دونها بولس رسول المسيح عندما قال: “أفأستعطف الآن الناس أم الله. أم أطلب أن أرضي الناس. فلو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح”.

    وما من شك أن لدينا الكثير من السيمفونيات التى تبحث عن قائد حكيم واع مرشد من قبل الله لقيادة الأوركسترا، لدينا سيمفونية إصلاح الكنيسة من الداخل، الكنيسة العامة على اختلاف طوائفها، فكل مجمع أو طائفة أو مذهب يحتاج إلى نحميا قائد أوركسترا البناء والتعمير والتصحيح الذي كان يعرف كيف بيد يبنى وباليد الأخرى يحمل السلاح، وكيف حتى ينتف لحى الشعب والولاة والكهنة والإشهاد عليهم أن يطلقوا إخوانهم في الحرية ولا يقرضوهم بالربا، رجل يعرف أن يقول الحق الإلهي ولا يخشى أحدًا مهما كانت مكانته أو سلطته، يستطيع أن يحكم على الرجل أن يأخذ قرارًا بطرد زوجته إن كانت غريبة الجنس هي وأولادها، فلا خلطة للمسيح مع بليعال، للظلمة مع النور، المسيح مع روح ضد المسيح بكل أشكاله وطرقه وموسيقاه وألحانه، لدينا أيضًا سيمفونية وحدة الكنيسة من الداخل مع نفسها أولاً ثم مع أعضائها ومع ربها قبل كل شئ، أمامنا سيمفونية الراجعين إلى المسيح من كل الخلفيات والمذاهب والطوائف والأديان تحتاج إلى قائد للأوركسترا يعطي ظهره للجمهور ولكل ما يعوقه عن رعاية هؤلاء حتى لو كان آتون النار في انتظاره، نحتاج إلى قائد مكرس لسيمفونية القضية القبطية يعزف لحن الحقوق المسلوبة والإنشغال بكل ما يبعدنا كمصريين أقباط أصحاب مصر عن قضيتنا الأساسية حتى لو كان مدح الجمهور لنا لأننا لم نرد على الإساءة بالإساءة أو الحرق بالحرق بل رددنا على كل هذا بالوطنية القبطية والمحبة الإلهية والشجاعة الروحية، فلا يهمنا من يصفقون لنا على مثل هذه الأفعال ويطعنوننا عندما نتكلم عن قضيتنا القبطية حتى نسيناها وأجلناها لأجل غير مسمى.

    فكل قضية من القضايا السابقة تحتاج إلى قائد للأوركسترا يعرف أن “الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا ينبغي أن يعطى ظهره للجمهور”.

    فإلى نفسي وإلى كل خادم وقائد يشعر، فالفشل أو الإحباط أو التعب والمعاناة من ردود أفعال بعض القادة والمعلمين والخدام والقسوس والكهنة والمرنمين ورواد الكنائس أقول أنت رجل تدير الأوركسترا لا تلتفت للجمهور، انظر إلى الأمام وذكر نفسك وفريقك أنك مخلوق في المسيح يسوع لتشبع قلب السيد ولا تلتفت للجمهور، فكفايتنا هي من الله ومكافأتنا هي من عند القدير، حب الجمهور من كل قلبك وتفانَ في إسعاده واجعل تركيزك على المسيح يسوع – تبارك اسمه- المستحق وحده أن يأخذ المجد والكرامة والغنى والعظمة والسلطان، وضع نصب عينيك أن الرجل الذي يريد أن يدير الأوركسترا ينبغي أن يعطي ظهره للجمهور.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا