فضائيات

8

العدد 99 الصادر في ديسمبر 2013
فضائيات

    لا شك أن الفضائيات المسيحية تلعب دورًا أساسايًا ومحوريًا وخطيرًا في المجتمع المسيحي، وفي تشكيل حياة وعلاقات ومزاج الشخص المسيحي، سواء أكان يعيش في بلادنا المعروفة بالبلاد العربية أو خارجها، تلك التي نطلق عليها اسم بلاد المهجر، وبغض النظر عن حجم هذا الدور الذي تلعبه الفضائيات المسيحية في حياة الأفراد من المسيحيين والمسلمين، والذي يختلف اختلافًا كبيرًا بين بلد وبلد وبين شخص وآخر، وبين مسيحي ومسلم ومتنصر، لكن المحصلة النهائية أن هناك دورًا هامًا وخطيرًا لهذه الفضائيات، كما قلت سابقًا. وبكل أمانة وضمير صالح وإخلاص أقول إنني أشكر الله على هذا الدور، صغيرًا كان أم كبيرًا، مؤدَى بإخلاص وأمانة ورؤية وحرفية أم بعكس كل ذلك، فلقد تعلمت، ومازلت أحاول أن أتعلم، إنه سواء أكان ينادى بالمسيح بحق أو بعلة، كما قال رسول الأمم بولس، فأنا أحاول أن أفرح، مع أنني في مرات كثيرة، وللأمانة أقول، أنني أفشل في أن أفرح أن ينادى بالمسيح لأجل علة أو غاية أو مقصد سوى خلاص النفوس، وبنيان جسد المسيح، وإعداد الكنيسة ليوم لقائه القريب، لكن هذا هو الواقع الذي لا بد أن نتعايش معه، وأن نصلي إلى القدير ليغيره. ويرجع أيضًا سبب فرحي في أن وجود الفضائيات المسيحية، ما هي إلا نتيجة صلوات كثيرة لقديسين وقديسات في المسيح يسوع، كانوا ولا يزالوا يصلون أن يستخدم الله الميديا المسيحية والفضائيات في توصيل رسالة المسيح إلى أقصى الأرض، ليس لأي غرض سوى شفقة ومحبة للنفوس الغالية، التي مات المسيح لأجلها، أولئك القديسين والقديسات الذين ولدوا، مثلي، في عصر لم يكن فيه لا ستالايت، ولا أقمار صناعية، ولا كمبيوتر، ولا إنترنت ولا أية وسيلة أخرى لنشر رسالة المسيح عن طريق التليفزيون، أو الراديو إلا ما يحن ويمن به الحكام العرب على مسيحيي بلادهم من نصف ساعة في الأسبوع تذاع في صباح يوم الأحد، ومن كنيسة يتم الإتفاق معهم على التسجيل مسبقًا بشهور، ويخضع ذلك التسجيل إلى الفحص والتدقيق والموافقة بواسطة الرقابة الإذاعية قبل التصريح بإذاعته، مما يجعل القسوس والكهنة والخدام المسيحيين مقيدين بالمواصفات الإذاعية، التي يشدد على تنفيذها وزير الإعلام، فتخرج الكلمات من أفواه المتكلمين بها بحساب وقيود، وغالبًا ما تختفي منها كل إشارة أنهم صلبوه وقتلوه ولم يشبه لهم، وأنه سبحانه هو الله الظاهر في الجسد أو المتسلط في مملكة الناس، وأن غير كفرة، أولئك الذين يقولون إن المسيح عيسى ابن مريم هو الله، وغيرها من الأساسيات المسيحية التي لا حياة للمسيحيين بغيرها، ولا تقوم المسيحية بغيرها، والويل لمن يخرج عن النص، وعن ذلك الإطار الذي وضعه الحاكم، حتى لما يمكن أن يقال في الكنائس، ما دام سيذاع لمدة نصف ساعة على الملأ. ومع كل ذلك فلم يكن هناك أحلى لأذاننا من صوت أجراس الكنائس، وهي منبعثة من إذاعة صوت العرب، تلك الأصوات التي كانت تكفي أن تسمر كل منا في مكانه، تاركًا كل ما يمكن أن يعمل، وجالسًا أقرب ما يمكن إلى الراديو، وكأنه يرتوي من نهر صاف جاري مياهه تفرح القلب. أما اليوم فالفضائيات أصبحت في متناول الكثيرين، إن لم يكن في متناول الجميع، وتعددت القنوات الفضائية المسيحية العربية، وكثرت لدرجة أن المشاهد يمكنه أن يتابع 18 فضائية مسيحية على الأقل بالضغط على زر جهاز التحكم عن بعد (الريموت كنترول) وهو جالس أمام التليفزيون في بيته، أو حتى عشته الصفيح التي يعلوها الطبق المستقبل لهذه القنوات.

    لكن على قدر ما لهذا كله من تأثير وإيجابية واستجابة لصلوات القديسين كما قلنا، إلا إننا كشرق أوسطيين لم نُبَرْمَج على دراسة المشروعات من كل جوانبها، وما نقوم به هو دائمًا رد فعل وليس فعل، فنحن نبدأ المشروع ثم نفكر في سلبياته عندما تصعقنا تحت أقدامها، ونحاول إيجاد حلول مؤقتة لها، وقد تكون هذه الحلول أسوأ من المشكلة نفسها، كما أن لدينا مشكلة كبيرة في التعامل مع الشعور بالغيرة والتقليد، دون دراسة الجدوى لما نعمل، فكثيرًا ما تبدأ الفضائية دون حساب النفقة، ودون أمر أو إذن مباشر من الغني الذي يغني كثيرين، وتكون النتيجة أن يلقي مؤسس القناة ، إن كان هناك حقاً احتياج مادى، بالحمل ومسؤلية العجز فى ميزانية الفضائية في كثير من الأحيان، على المشاهدين، ويستمر في طلب التدعيم والتبرعات طوال العام، ويتفنن أصحاب الفضائيات في وسائل جمع الأموال فمنهم من يحاول أن يبيع لك عظاته بمائة دولار ويقنعك أن هذه العظات تستحق أكثر من ذلك بكثير، لكن فى هذا العرض هناك تخفيضات (أوكازيون) على العظات، ومنهم من يصور المظاهرات في مصر، ويقول للمشاهدين سينقطع الإرسال، ولن نستطيع أن نعيد البث إلا عند جمع قدر معين من المال، وأتذكر أحدهم كان يقول للمستمعين نحن نحتاج إلى كاميرا غالية جدًا حتى نستطيع أن نصور غدًا أحداث رابعة العدوية، إن لم ترسلوا لنا تبرعاتكم، فلن يكون هناك بث مباشر من رابعة العدوية، ضحكت وقلت لو كان ممكنًا أن أتصل بهذا الأخ المضل لكنت سألته، من أين ستشترى الكاميرا للتصوير في مصر غدًا، هل من أمريكا أم من مصر، وحتى لو قام أحد المغيبين وتبرع لك بثمن الكاميرا اليوم، فهل ممكن أن تكون الكاميرا غدًا في مصر لتصور بها أحداث رابعة، سألت نفسي هل يظن هذا المضل أن لا أحد يفهم أو يحلل ما يقول، وبالطبع فإذا كان معظم خدام اليوم يخرجون للخدمة بسبب ضيق ذات اليد، أو قلة فرص العمل أو طلبًا وبحثًا عن الرزق السهل والحلال، من وجهة نظرهم، ولم تعد لما كان يسمى بـ “الدعوة للخدمة” مكان في آذن أو قلب كثير من الخدام، وكان المقصود بالدعوة للخدمة، في الأيام الجميلة الخوالي التي بدأت فيها خدمتي في مصر، أن المسيح تبارك اسمه بنفسه وشخصيًا، هو الذي يدعو الخادم إلى ترك كل شيء ويتبعه، وأن يضع يده على المحراث، ويحمل صليبه ولا ينظر إلى الوراء، ولا يتكل إلا عليه هو وحده، تبارك اسمه، في تسديد كل احتياجاته، ولا يستعطي من أحد ولا يراوغ ولا يطارد الإخوة والأخوات للحصول على رزقه، وكان الخادم الحقيقي يصلي ويدقق ويتأكد من دعوة الرب له، ويقدم على اتخاذ قرار التبعية والخروج لخدمة الرب في خوف ورعدة وامتنان وحب وعرفان بالجميل للرب، الذي حسبه مستأهلا أن يوضع على عنقه نير خدمة سيده، ومع غياب كل هذه المفاهيم اليوم، وتكالب الهيئات الأجنبية، وخاصة الأمريكية منها، على الوطن العربي ورؤيته أنه فرصة ذهبية للاستثمار وجمع الأموال من المغيبين الأمريكان وغيرهم، الذين لا يرسلون للشرق الأوسط إلا 4 دولارات من كل 100 دولار تجمعها الهيئة الأمريكية لصالح الدول الفقيرة والمحتاجة حسب تقرير أحدى الهيئات المشرفة على متابعة الأموال الخاصة بالإرساليات الأمريكية،ولذا أصبحت وظيفة الخادم هي لمن يستطيع التحدث بالإنجليزية، ولديه جواز سفر، ويا حبذا لو استطاع أن يحصل على فيزا لأمريكا، وبالطبع لابد أن يكون نشيطًا في زيارة أماكن مختلفة في قرى مصر، وأن يعرف كيف يلتقط الصور للأطفال الذين تملأ عيونهم وأنوفهم وأفواههم أكبر كمية ممكنة من الذباب، فعدد الدولارات التي يمكن أن يحصل عليها الخادم يتناسب طرديًا مع عدد الذباب المتراكم على هذا الطفل المسكين، أي كلما زاد عدد الذباب زادت كمية الدولارات المدفوعة لهذا الخادم الشاب، وهذا كل ما يحتاجه الشاب ليصبح مؤهلا للعمل في هيئة مسيحية أجنبية أو أن يتفرغ لخدمة الرب (بحسب مقاييسه الشخصية).  فلا عجب أن تمتلئ الكنائس منهم والفضائيات من أمثالهم، وليس من يدرس هذه الظاهرة، ظاهرة تكدس الفضائيات المسيحية وتكالبها على نفس المستمع والمشاهد، وليس من كبير أو منظم أو ناظر أو بروتوكول أو ميثاق شرف أو غيره من مثل ذلك يخضع له تجار الفضائيات، وكلٌ يفعل ما بدى له، وما يحسن في عينيه، ، فالمعتبرون كبار معظمهم يعرفون ما لهؤلاء التجار من الاعيب لكن الفضائيات هى طريقهم ليعرفهم الناس أو ليظلوا فى الصورة حتى لا يسدل عليهم الستار فى منتصف حياتهم، أو هم من يحتفون بهم عند زيارتهم لأمريكا وغيرها من الأسباب التى لا داع للخوض فيها، وفي النهاية، شئنا أم أبينا، فالفضائيات أصبحت هي النافذة التي يطل منها العالم العربي على كنيسة الله، التي اقتناها المسيح بدمه، والأخطر من ذلك أن تدفع الأموال بعض الفضائيات إلى ارتكاب حماقات تؤدي إلى هياج العالم الإسلامي كله، وقتل المئات والانتقام من المسيحيين المقيمين في البلاد العربية، كتصوير أحد الأفلام المسيئة لنبي الإسلام مثلاً، فلو كان الفيلم صور بإرشاد من الله، أو أضاف للمسيحية وللمسيحيين شيئًا، لقلنا إن الله أعلم بما يريد، لكن أن ينفذ هذه العملية الإجرامية أشخاص غير مسئولة مستهترة، ويجلبون الشر على جسد المسيح، فهذا ما سيعطون عنه حسابًا في يوم الدين، إن الغالبية العظمى من فرق ومؤسسي الفضائيات المسيحية، وبكل ضمير صالح أقول، إن منهم أفاضل وممسوحين ومكلفين من الرب ببدء واستمرار بعض هذه الفضائيات، حتى لو لم يكونوا علميًا أو عمليًا مؤهلين لهذا العمل، الغالبية العظمى التي دخلت خلسة إلى هذا المجال شوهوا صورة المسيحية الحقيقة في عيون الناس، فمنهم من ادعى أنه متنصر، الذي كان ينزل إلى الاستوديو بالبيجاما ويخبئ نصفه الأسفل داخل مكتبه الذي يصور منه برنامجه، ذاك الذي كان يهوى الردح ويومئ بأصابعه وعيونه وهو لا يعرف أن يقرأ آية واحدة من الكتاب المقدس بطريقة سليمة، ويستخدم ما ساء من ألفاظ وعبارات وإشارات مقززه، أقل ما يقال عنها إنها لا تنبع إلا من قلب شرير، ولا يتكلم بها إلا اللسان الدنس، ومنهم من فشل في كل ما عمل في حياته، ولم يجد إلا الميديا الإعلامية المسيحية للتنفيس عن فشله وغشه وخداعه، مدعياً أنه حاصل على شهادة تدعى شهادة دكتوراه في اللاهوت، وهي غير معلومة المصدر، وأصبح بقدرة قادر يكتب لقب الدكتور قبل اسمه، واللهم لا اعتراض، ، ومنهم من كان يعمل حارساً ومنظفاً لكنيسة فى دولة عربية وادعى أنه كان قساً فى تلك الكنيسة واقنع من حوله أنه قساً مرتسماً وهو أحد مقدمى برنامج يعلم فيه الأخرين أن الفضيلة وأن المسيح لا يزال يشفى وهو من يحتاج إلى الشفاء النفسى والروحى والعائلى أولاً، ومنهم الخمسيني (من يؤمن بكل التعاليم التي تنادي بها الطائفة الخمسينية)، أبًا عن جد، وأصبح في ليلة وضحاها أرثوذكسيًا متمسكًا بالسنكسار والأجبية والصلوات السبع فجأة، وعمل المستحيل لإرضاء كهنة وقمامصة ومطارنة الكنيسة الأرثوذكسية بكل الطرق، حتى إنه كان يصرخ في قناته بأعلى صوته مناديًا، “العدرا ظهرت في نيوجرسي، افتحوا الشبابيك وشوفوها، وصلوا علشان تيجي لكاليفورنيا علشان ناخد بركتها في كاليفورنيا كمان”، وبالطبع ليس العيب فيما كان يقول، فلو كان هذا إيمانه حقيقة، وهو يؤمن بما يقول، لقلنا هو لمولاه وعمل كل واحد سيمتحن بالنار، ولا دخل لنا بإيمانه الشخصي، أما إذا كان في السر وبين الأصدقاء بوجه مكشوف يضحك بخبث على نفسه وما قاله، وعلى فضائيته يستعمل قناعًا آخر، فهذا مرفوض تمامًا، وهكذا فالقس الإنجيلي الخمسيني التعاليم، والذي كان متزوجًا بامرأة إنجيلية مشيخية، ابنة راع مشيخي، هذا القس من كان متخصصًا في الرؤى والإعلانات والتعليم والوعظ العميق الناري، والإرشاد، وانتقاد كل ما هو طقسي ومحفوظ، من علم أتباعه أن “لا تدعوا لكم أبًا على الأرض، ولا تدعو سيدي، فجأة يتحول إلى صاحب قناة فضائية، ويدعوا الرتب الكنسية سيدنا، ونقبل الأيادي يا قدس أبونا، وتذيع قناته الصلوات والتلاوات العقائدية، التي كان يقاومها بشدة، فهذا ما لا يحتمله حتى إلهنا الذي قال بفمه الطاهر، ليتك كنت حارًا أو باردًا، لكن لأنك لست حارًا ولا باردًا، فأنا مزمع أن أتقيأك من فمي، فكيف لمن لا مبدأ له، ولا أمانة عنده ولا إخلاص ونقاء في التعليم أن يكون معلمًا للآخرين، لأنه يمتلك فضائية فله أن يسمم أفكار الآخرين دون أن ينتبه أحد أو يقاومه أحد، ومرة أخرى أكرر، لو كانت هذه قناعات هذا القس الإنجيلي حقيقة، فلا اعتراض عندي عليه، هو لمولاه، وأنا لست موضوعًا لمحاكمة الأفكار، ولا عجب فإن الرسالة الفضائية اليوم، رسالة ضعيفة هزيلة تخرج من أفواه الكثيرين، الذين إما أنهم يجهلون ما يعلمون وإما إنهم يعلمون ما لا يؤمنون به، ولا يطبقونه على حياتهم أولاً، وهناك من الفضائيات من كانت ولا تزال تؤمن بسياسة “إننا ما نزعلش حد، ولا نعلم ما يغضب الإنجيليين، أو الأرثوذكس ولا الكاثوليك، وبالطبع ولا المسلمين” ولك أن تتخيل محطة تليفزيونية لا تغضب أحد، ولا تعلم ما يغضب أحد، فماذا تكون رسالتها، وأتذكر أنني علمت بسياسة هذه القناة من أحد المسئولين بها، وهو واحد من رجال الله الحقيقيين المتفانين في خدمة السيد، كان هذا عندما زارني في كاليفورنيا، وكان هذا من 15 سنة تقريبًا، وكان لدي يومها ستوديو للتصوير التليفزيوني في كنيستي التي استخدمني الرب في كرمه في تأسيسها ورعايتها حتى الآن، جاء صديقي العزيز وأخذته في جولة في الاستوديو، ورأى وسمع بعض التسجيلات التي كنت قد أعددتها، وكانت كلها دفاعيات وردود على أسئلة المسلمين حول الصليب والقيامة وإلوهية الرب يسوع، (يمكنك الاستماع إليها عزيزي القاريء على الموقع www.thelastharvest.com  أعجب صديقي جدًا بهذه التسجيلات، ثم طلب مني قائلاً، “ناجي أنا عاوزك تسجل لي دراسة في رسالة من رسائل بولس الرسول، ولتكن رسالة فيلبي، وسأذيعها في القناة الخاصة بنا “اعتذرت بلطف وقلت لصديقي أنا آسف، ليست دعوتي أن أسجل دراسات في رسائل، أنا تخصصي دفاعيات، وكتابة إجابات وردود على أسئلة الأحباء المسلمين عن المسيح والمسيحية، لماذا لا تأخذ بعض التسجيلات في هذه الدفاعيات، ابتسم صديقي وقال لي إن سياسة القناة هي أن لا تغضب أحد، لو أذعنا هذه التسجيلات سيحرق لنا المسلمون الاستوديوهات الخاصة بنا، قلت لصديقي هذه دعوة الله لي، ولن أنشغل بشيء آخر حتى لو كانت الدراسات الكتابية، وما هي إلا أقل من شهر، وتم حرق استوديوهات هذه القناة، بواسطة جماعة إسلامية، تحدثت مع صديقي وقلت له، لو كنت قد أذعت تسجيلاتي لكان الاستوديو حرق بسبب يستحق، لكن خوفكم من البث لهذه المواد، ما أفاد الناس وما أنقذ الاستوديو من الحريق، لكني وبرغم عدم اتفاقي مع سياسة هذه القناة، إلا أنني أحترمهم لأن لهم سياسة واضحة، أما أن تركب القنوات الفضائية الموجة الغالبة فهذا شر عظيم وعار، وهكذا فالأمثلة الخاطئة المشوهة تتوارد في ذهني عن تغيير الجلد والمحاكاة والمداهنة، التي لكثير من المسئولين ومقدمى البرامج فى القنوات الفضائية، ولست أريد أن أذكر أية أسماء لمعدي برامج أو مسئولي القنوات الفضائية، الذين يعلمون كيف يصبح الرجل فاضلاً، والمرأة فاضلة، وهم أبعد ما يكونون عن الفضيلة، فالفضيلة فى أذهانهم هى أن يكونون هم المتحكمون والمسيطرون على الميديا المسيحية، ويحاولون الوصول للقمة دون حق، ويتحالفون حتى مع الشيطان للوصول لطموحاتهم الزائفة، ولا يهمهم أن يدوسوا على الأصدقاء والأصحاب والرعاة الذين سهروا وتعبوا لأجلهم، المهم الوصول إلى أغراضهم، ولا عجب فهؤلاء تجدهم يتنقلون بين القنوات الفضائية، يختفون من أحدها ويظهرون فى الأخرى، وعلى الجانب الأخر فإننى انحنى بكل احترام للكثير من رجال ونساء الله العاملين والعاملات بكل إخلاص وتفانى ومحبة للنفوس ولإلههم، ومن أمثلتهم رجل شيخ، كنت أحضر اجتماعاته وهو في مصر، وأتذكر أن أول خدمة سمعتها له، وكان كاهنًا صغيرًا في السن يومئذ، كانت بعنوان “الأبرار يضيئون كالشمس” وقال إن وجه الذين اكتسوا ببر المسيح يضيء كالشمس، أما وجه من لا يعرف المسيح فيكسو جبهته السواد، كنا يومها في أيام السادات، من كانت جبهته تحمل قطعة كبيرة من السواد، فقلت في نفسي، هذا الكاهن مجنون، وسيحضر البوليس عربة السجن وسنحشر فيها جميعًا، متكلمًا وسامعين، وكنت مرعوبًا يومها، وشكرت الله عند نهاية الاجتماع، هذا الرجل صاحب المبدأ، مازال ينادي بنفس هذه الرسالة، بعد أكثر من أربع وأربعين سنة على هذه الحادثة، وقد رفض تمامًا أن يغير جلده أو أن يعمل أية نوعية أخرى من البرامج، بالرغم من علمه الغزير وشعبيته الكبيرة.

    وهناك مشكلة أخرى تواجهها الفضائيات وهي عدم توافر المواد والبرامج التي يمكن أن تذاع بها، ويبدو هذا واضحًا من تكرار الفضائيات لكثير من البرامج والعظات التي يحصلون عليها بطريقة أو أخرى، فالبرنامج الواحد يذاع على أكثر من فضائية، ومرات في نفس الوقت، وهناك من الشخصيات الفضائية المسيحية من يطل عليك 10 مرات يوميًا، لأنه يبث على خمس فضائيات في اليوم، وكل فضائية تعيد برنامجه مرتين في اليوم الواحد، والمشاهدون هم نفس المشاهدين، ويذكرني هذا بالفنان عادل إمام في مسرحية الزعيم، عندما كان يتكلم عن سيادة الزعيم ويقول له “انت ورانا ورانا، نفتح التليفزيون نلقاك هناك، نقرأ الجرنال تطلعلنا منه ننزل الشارع نشوف صورك في كل حته …..إلخ”. أما واحدة من أعجب الظواهر في الفضائيات، هو كمية المطلقات والمطلقين التي لا تخلوا منهم كثير من الفضائيات المسيحية تقريبًا على حد علمي، وأنا هنا لا أناقش قضية الطلاق والمطلقين والمطلقات، وأعلم أن لكل منهم ومنهن ظروفه الخاصة، التي ليس من حق أحد التدخل فيها أو مناقشتها، لكنني أقول إن المبدأ الكتابي يقول إن من لا يعرف أن يدبر بيته حسنًا فكيف يدبر ويعتني بكنيسة الله، والعجيب أن كثيرًا منهم ومنهن متخصصات في علم النفس وعلم المشورة، وبعضهن في الوعظ والإرشاد، وهن دائمي النصح والإرشاد للآخرين في كيفية التعامل مع أزواجهن وتربية أولادهن، وأنا لا أدين أحد، ولست بخالٍ من العيوب، فكلنا في الموازين إلى فوق، أما أن أكون في الميزان إلى فوق وأحاول أن أرشد الآخرين أن يعادلوا كفتي الميزان، فهذا أمر يحتاج إلى دراسة خاصة. ولقد كثر المعلمون الذين يحتاجون أن يعلمهم احد، وكثر المشعوذون الكاذبون الذين يبثون سمومهم على الفضائيات المسيحية، والتي يخدع بها البسطاء، وكثير ممن المتملقين ومرضى حب الظهور، والخونة لأحبائهم وأصدقائهم، الذين خدموهم وعلموهم وتعبوا لأجلهم، أولئك من خلت عقولهم من أبسط المعلومات الكتابية، ومن كنا نحاول تعليمهم كيف يقرأون الكتاب المقدس في أبسط ترجماته، أصبحت كلمة الإعلامي أو الإعلامية تسبق أسماءهم، والإعلام منهم براء.

    إن ما دفعني أن أكتب في هذا الموضوع الشائك والخطير هو رؤيتي للمنحدر الإعلامي المسيحي الذي تنزلق فيه الكنيسة، والتعاليم المسيحية، فيدمر ويشوه في عقول الناس دون أن ينتبه أحد إلى خطورة هذا الوضع. وإنني أهيب بمجلس الكنائس الموحد المصري أن يضع أسسًا وقواعد لميثاق شرف للإعلاميين المسيحيين، والفضائيات المسيحية يكون ملزمًا لكل من ينضم إليه ويقبله، وأن يكون هناك إعلان واضح عن كل من ينضم لهذا الميثاق، وإعلان واضح عن كل قناة إعلامية ترفض الانضمام والخضوع إلى هذا الميثاق، وأن يكون هناك ثواب وعقاب لكل من أحسن أو أساء استخدام وسائله الإعلامية في التأثير على المشاهد أو المستمع أو القاريء، مسيحيًا كان أم مسلمًا. أعلم أن مجلس الكنائس المصري ليس له سلطان على الفضائيات، وما يحدث فيها، ولن يكون، لكنه الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي مصداقية لوسائل الإعلام المسيحية، وإنني أهيب بالفضائيات والمسئولين عنها أن تحترم إنسانية المسيحي، وأن تتقي الله فيما تبث من مواد وبرامج، عالمة أن كل ما يقال أو يعمل سوف نعطي عنه حسابًا يوم نقف كمؤمنين أمام العرش، فينال كل واحد منا أكاليله التي أعدها لنا المبارك إلى الأبد، وإنني لأحني رأسي شكرًا واعترافًا بالجميل لكل خادم صادق متعلم يخرج من كنزه جددًا وعتقاء، أولئك الذين يردون كثيرين عن ضلالهم ويجهزون العروس لتكون عذراء عفيفة بلا دنس ولا عيب ولا غضن ولا شيء من مثل ذلك، قائلا لهم إن الله لا ينسى تعب المحبة، وإن كأس ماء بارد لا يضيع أجره، فإلى الأمام، وليكلل الله القدير مجهوداتكم بكل بركة ونجاح. ولولا خوفي من نسيان أحد لذكرت أسماء الكثير منهم، لكن الله يعرفهم وسيكافئهم بأسمائهم.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا