الإرهاب في الإسلام

7

العدد 38 الصادر في نوفمبر 2008
ليلة سقوط القاهرة 7
الإرهاب في الإسلام

     بعد أن رجع الحاج مصطفى الى قاعة الاجتماعات التى التقى بها قادة الجماعات السلفية لبحث الاستعدادت الخاصه بليلة سقوط القاهره لم يستطع أن يركز تفكيره في شيئ أخر سوى أحداث تلك اليلة التى كان يطلق عليها الليلة المشؤمة كلما ذكرها أو تحدث عنها. تذكرمصطفى أنه

     بعد أن استأذن والده للذهاب لإعداد خطبة الجمعة التي كان من المزمع أن يلقيها في مسجد القرية، أخذ الحاج محمود في التفكير فيما قاله له ابنه مصطفى، تساءل هل حقاً مخالطة النصارى والأكل معهم حرام، هل خدمة النصارى والعمل عندهم معصية ولا يتفق هذا مع روح القرآن والحديث وماعلمه الصحابة والخلفاء الراشدون ، سأل الحاج محمود نفسه: ما الذي جرى لك يا مصطفى يا ابني، مين لعب بعقلك، وإيه مصلحته عشان يملاك بالكراهية للنصارى بهذا الشكل، تساءل الحاج محمود مش يمكن يكون كلام مصطفى صحيح، وخصوصاً إنه قال إن الخليفة العادل عمر بن الخطاب بنفسه هو اللي أوصى بكده، هو انت يا محمود هتفهم أكتر من مصطفى، دا مصطفى الوحيد اللي فاهم فينا، مش بس في العيلة، لكن في البلد كلها، هو في واحد تاني دخل كلية الشريعة وبيدرس في الأزهر غيره، ربنا يحرسه، مصطفى ابني. لكن شيء بداخلي مش عارف إيه، شيء زي ضميري بيقول إن كلام مصطفى ده مش صحيح، وقلبي بيقولي إن فيه ناس مغرضين مكرهينه مش بس في العمدة أبو جرجس والنصارى، دول شكلهم هيكرهوه فينا احنا كمان، مصطفى بيقول علينا أنا وأمه وأخته إننا كفرة، رفع الحج محمود يديه للسما وقال يا رب يا قادر على كل شيء ماتسمحش إن حد يلعب بعقل ابني مصطفى، يا عليم يا سميع انت علام الغيب وساتر العيب وحامي الغريب وأنا عبدك اقبل دعائي من جهة مصطفى، ابعد عنا أولاد الحرام واحميه في غربته وفهمه في دراسته. قال الحاج محمود لنفسه والله ما انا عارف أروح أقول إيه للمقدس أبو جرجس، إزاي أقدر أقابله واقوله أنا مش هشتغل عندك تاني، الراجل يقول علي إيه، إني قليل الأصل ولا خاين للعشرة، بس لو مارحتلوش النهاردة زي ما قلت لمصطفى، مصطفى هيزعل وهيسيب البلد ويمشي ويمكن ما شفوش تاني طول عمري، تذكر الحاج محمود إن مصطفى في معرض حديثه مع أبيه قال له: “والجماعة لو عرفت إنك بتشتغل مع واحد مسيحي هيقتلوك ويقتلوني، ولما سأله: “مين اللي هيعولناا أنا وأمك واخواتك لو سبت الشغل عند المقدس أبو جرجس” رد مصطفى وقال الجماعة.

     استعاذ الحاج محمود بالله ثلاثة مرات من الشيطان الرجيم وقال لنفسه يا روح ما بعدك روح، لو قتلوني أنا يقتلوني، أنا راجل كبير وكل نفس ذائقة الموت، لكن لو قتلوا مصطفى أنا هموت بالحيا. والله ما عارف أعمل إيه أروح ولا ما روحش للمقدس أبو جرجس، لازم أروح وأمري لله.

     في طريقه إلى جامع القرية مر الحاج محمود بدارالعمده المقدس لمعي، دخل في الفناء الخارجي للمنزل ورفع صوته يا ساتر، يا رب يا ساتر، يا أهل الدار، يا حضرة العمدة، أجاب العمدة من الداخل، ادخل يا محمود انت ليه واقف بره، هو انت غريب يا راجل، ولا أول مرة تدخل البيت؟ أجاب محمود ما غريب إلا الشيطان، سلام عليكم يا حضرة العمدة، أجابه العمدة سلام ورحمة الله يا محمود، تعال اقعد، أجابه محمود العفو يا حضرة العمدة. كان الحاج محمود يقف أمام العمدة أبو جرجس وقد وضع كلتا يديه على عصاه التي وضعها أمامه والتي لم يكن يتركها أبداً من يديه كعادة أهل قرى الصعيد، عندما يخرج من بيته، ومع أن الأحوال قد تغيرت في القرية فلم تعد الكلاب الشاردة تجري في الشارع، فلا حاجة لاستعمال العصا لزجرها، ولم يعد رجل القرية يعتمد على الركوبة (الحمار) في تنقلاته وخاصة داخل شوارع القرية، فلم يعد هناك حاجة لاستعمال العصا لحث الحمار على السير السريع إلا

     أن العصا كانت لا تزال تصاحب الحاج محمود أينما يذهب بدى الحاج محمود وقد أسند ذقنه على كلتا يديه القابضتان على عصاه الطويلة كالتلميذ الذي يخاف الحديث مع معلمه، كان الحاج محمود ينظر إلى الأرض وهو شارد بعيداً، وكأنه قد غادر المكان. ناداه المقدس أبو جرجس بصوته الجهوري: جرى إيه يا ابو مصطفى فيه إيه، مالك واقف الوقفة دي ليه ومش عايز تقعد، في حاجة حصلت في البلد؟ مصطفى جرى له حاجة؟ ما تتكلم يا راجل. أبداً يا حضرة العمدة مفيش حاجة، كل حاجة على ما يرام. سأله لمعي: مصطفى جه بالسلامة من مصر؟ أيوه جه يا حضرة العمدة، سألت عليك العافية. قال العمدة: اتكلم يا محمود انت مش طبيعي. قال محمود: والله يا حضرة العمدة ما عارف ابدأ منين. العمدة: يا سيدي ابدأ من أي مكان المهم ابدأ علشان انت شاغلني بالطريقة دي. قال العم محمود: شوف يا حضرة العمدة انت عارف إني أنا خدامك المخلص، وعشت معاك بما يرضي الله، انت والمرحوم أبوك وجدك عليهم رحمة الله جميعاً. أيوه يا محمود وبعدين؟ وانت صاحب فضل على وعلى بيتي وولادي ولحم كتافنا من خيرك. لمعي: يا سيدي أستغفر الله كلنا عايشين من خير ربنا سبحانه وتعالى، لكن إيه لزمة الكلام ده؟ أنا لي عندك خدمة يا حضرة العمدة. قال العمدة اطلب يا محمود أنا من إمتى اتأخرت عليك في أي خدمة. قال محمود أنا بستسمحك يا حضرة العمدة إني ما اشتغلش هنا عندك بعد النهاردة، وزي ما أنا عشت معاك بالمعروف أخرج بالمعروف. سأله العمدة ليه يا حاج محمود هوه أنا ولا الواد جرجس ولا حد في عشيرتنا زعلك في حاجة، لو كان حد زعلك قولي. محمود: أبداً يا حضرة العمدة أنا مش زعلان ولا حاجة، بس زي ما انت عارف يا عمدة إني بقيت راجل كبير والشغل مش سهل علي، والمثل بيقول “إن كان حبيبك عسل متلحسوش كله” واحنا كفاية عشرتنا مع بعض واللي عملته معايا ومع مصطفى ومع العيلة كلها. أجاب العمدة: مثل إيه يا محمود وعسل إيه وتلحسه إيه، هو احنا غُرب على بعض، انت ناسي أبويا الله يرحمه كان يقولي إيه عليك يا محمود؟ كان دايماً يقولي وصيتك محمود، اوعى لما تبقى العمدة تضايقه ولا تزعله. أجاب محمود الله يرحمه أبوك ويبارك فيك يا عمدة. أجاب العمدة: اسمع يا محمود إن كنت تعبت من الشغل بلاش تشتغل في الأرض، خليك في الدار بس، واعمل اللي تقدر عليه، وانا واقف جنبك زي ما انا يا محمود، انت راجل عاقل وما يصحش منك الكلام ده. أجاب محمود معلش يا حضرة العمدة كتر خيرك والله يبارك فيك. يا محمود ما تركبش مخك، هو فين مصطفى، مصطفى عارف إنك هتسيب الشغل عندي؟ دا لو عرف هيزعل جداً وهيلومك على كده. سكت محمود وشرد بذهنه وتمتم بكلمات بداخله قائلاً: آه لو عرفت إن مصطفى هو اللي مصر على إني أسيب الشغل، هتقول إيه يا عمدة؟ قطع العمدة فترة سرحان محمود بالقول روح يا محمود استهدى بالله وصلي الجمعة وبعدين ربنا يحلها، ابقى خلي مصطفى يعدي علي بعد الصلاة، أنا عامل له مفاجأة هتعجبه أوي. لم يعلق محمود على كلام العمدة ولم يسأله عن المفاجأة التي أعدها لمصطفى. أجاب محمود بارك الله فيك يا عمدة وطول في عمرك، بس سايق عليك النبي لتعتبر إن كلامي كلام نهائي وحياة المسيح الحي يا عمدة ما تزعل مني، أنا مش بإيدي، لو كان بإيدي ماكنتش سبت الشغل في داركم أبداً. سأله العمدة: امال بإيد مين يا محمود؟ مش مهم بإيد مين يا عمدة المهم ربنا يتولانا جميعاً برحمته.. أنا آسف يا عمدة.. أشوف وشك بخير، سلام عليكم. ضحك العمدة وقال لمحمود سلام ورحمة الله وبركاته، روح يا راجل صلي واستهدى بالله وابعت لي مصطفى بعد الصلاة. خرج الحاج محمود من لدن العمدة وهو يناجي نفسه ويقول يا خسارة العيش والملح يا مصطفى، بقى بعد العمر ده تعمل في كده، الله يسامحك ويهديك يا مصطفى يا ابني. سار الحاج محمود في طريقه إلى البيت منكس الرأس، شارداً، لم ينتبه لكثير من أهل القرية وهم يلقون عليه السلام، وبالتالي لم يرد على أكثرهم. اقترب الحاج محمود إلى بيته، رأى مصطفى يقف ويحيط به ما يقرب من عشرة شباب كلهم في مثل عمره إلا أحدهم وكان يبدو عليه أنه أكبر منهم سناً بخمسة عشر أو عشرين عاماً على الأقل، جميعهم يلبسون الجلباب الأبيض الشرعي والطاقية البيضاء، بلا شوارب ولحاهم طويلة، جباههم جميعاً قد دمغت باللون الأسود، يلبسون الشبشب ويمسكون بعصا طويلة في يد كل منهم، كانوا جميعاً يلتفون حول مصطفى ويدورون حوله، وكل يهمس في أذنه. ارتعد الحاج محمود من رؤية هؤلاء الشباب وانقبض قلبه، لم يستطع أن يتعرف إلا على اثنين فقط منهم، وهما من أهل عزبة النصارى ممن وفدوا إليها حديثاً. عندما اقترب الحاج محمود من الجماعة قال: “السلام عليكم”، لم يرد عليه السلام سوى مصطفى الذي بادره بالقول: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يابا. نظر الجميع إلى الحاج محمود نظرة ريب واستعداد لاستعمال العنف إن لزم الأمر، وكانوا يريدون أن يتأكدوا أنه لم يسمع همساتهم وأن يعرفوا ما الذى أتى به إلى جوارهم، علم مصطفى أفكارهم فبادرهم بالقول: “يا إخوان ده أبويا الحاج محمود، راجل طيب ودعواته مستجابة بإذن الله”. لم يعلق أحد على ما قاله مصطفى، سأل الحاج محمود: خير يا مصطفى يا ابني فيه حاجة ولا إيه؟ أجاب مصطفى: أبداً يابا دول إخوة معانا في الجماعة يابا، حضروا عشان يصلوا معانا الجمعة بإذن الله في الجامع يابا. محمود: والإخوة دول منين يا مصطفى؟ من القرى اللي حوالينا يابا. نظر الإخوة بعضهم لبعض في غيظ وأومؤوا لقائد الجماعة أنهم لابد أن يكملوا حديثهم بسرعة قبل إقامة الصلاة. تدخل أمير الجماعة، كما كانوا ينادونه، وسأل الحاج محمود بصوت حاد يخلو من الكياسة والاحترام: انت اتوضيت يا حاج ولا تروح تتوضى وتيجي عشان تصلى معانا الجمعة؟ فهم مصطفى أن أمير الجماعة يصدر أمره للحاج محمود أن ينصرف وعلى مصطفى تنفيذ هذا الأمر. نظر مصطفى لأبيه وقال له: ادخل انت يا حاج اتوضى وتعال على الجامع واحنا هنسبقك لهناك. أمسك مصطفى بكتفي أبيه وأدارهما ليصبح وجه الحاج محمود متجهاً نحو بيته وظهره للجماعة، عندها بدأ كل فرد في الجماعة يشير بيديه في ظهر الحاج محمود بما يفيد الغضب أو السأم أو التعجيل بالأمور. تمتم الحاج محمود بكلمات وهو يبتعد عن الجماعة قائلاً: ربي لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ظل الحاج محمود يتمتم بهذه الكلمات حتى وصل إلى مدخل البيت. استدار مرة أخرى ونظر إلى الجماعة. رأى مصطفى أن أحسن الطرق لحل هذه المشكلة ومنع والده من متابعتهم أن ينصرفوا من أمام بيت الدار ويذهبون إلى الجامع. قال مصطفى: تعالوا بنا يا إخوان نذهب إلى الجامع لكي لا نثير الشبهات، لا تنسوا أننا في عزبة النصارى. ضحك مصطفى في محاولة لتلطيف الجو، بصق أمير الجماعة على الأرض وقال: لعنة الله عليهم إلى يوم الدين. قال ثالث: عزبة النصارى خلاص هتصبح عزبة المسلمين من اليوم. خرجت التعليقات المختلفة من أعضاء الجماعة تعلن عن بدء حركة جديدة في ذلك اليوم في عزبة النصارى. قال الأمير لا، يجب أن ننهي كلامنا قبل أن نصل إلى الجامع، قبل الوصول للجامع لابد أن نتفرق وندخل اثنين اثنين، ماحدش يضمن الظروف، اثنين اثنين وتوزعوا نفسكم بالتساوي على عدد الصفوف بين المصلين، لازم يقعد أحدكم في أول الصف مقابل الشيخ مصطفى، وواحد يقعد في وسط آخر صف من المصلين، وواحد يجلس في منتصف الجامع على اليمين وآخر في المنتصف على الشمال، والباقي في وسط الصفوف، وعند الهتاف نهتف جميعاً، لابد أن نهتف بقوة، وفي نفس الوقت ومع تقسيم الأصوات على صفوف المصلين كما قلت لكم سنظهر وكأننا مائة رجل بإذن الله، وسيتحد معنا كل المصلين، وبعدها ننفذ خطتنا، قال مصطفى للأمير: لماذا لا تخطب أنت فينا وتؤمنا للصلاة، فهذا أوقع وأنت أقدر على تسخين الناس وإلهاب عواطفهم فيحدث ما نريد، قال الأمير: هو انت خايف يا شيخ مصطفى ولا إيه، أقسم مصطفى بأيمانات المسلمين أنني لست خائفاً لكنى أرى أنك أقدر على هذه المهمة مني. قال الأمير في صوت حاد: أولاً، يا مصطفى ليس من حقك أن تعدل أو تغير في خطة وضعها الأمير، فلابد أن تطيع أولى الأمر كما أوصانا المولى تبارك اسمه في كتابه العزيز. قال مصطفى: أنا لا أعدل أو أغير، أنا أقترح. رد الأمير: ولا تقترح، إن كنت من جماعة المجاهدين عليك بالطاعة لله والرسول وأولى الأمر. قال مصطفى سمعاً وطاعة يا مولانا. قال الأمير: ثانياً، أنت أقدر على التأثير على أهل قريتك فهم يحبونك ويحترمونك ويجيئون لسماعك. قال مصطفى: معك حق. قاطعه الأمير: أما ثالثاً، وهي أهم الكل، فلو بدأت أنا بالكلام سيحضر البوليس والأمن المركزي في الحال تحسباً لما يمكن أن يحدث، فلقد عملوا معي ذلك في أكثر من قرية قبل اليوم، أما إذا تكلمت أنت فلن يأتي الخفر لمراقبتنا نظراً لأنك ابن الحاج محمود، من له علاقة جيدة بالعمدة، وأيضاً انت ابنه المُدلل. بصق مصطفى على الأرض ولعن أبو العمدة في التربة، وقال العمده هيشوف ابنه هيعمل فيه إيه.

     كانت الجماعة تسير مع مصطفى وهم يعدون لهذا الحدث الكبير في جامع القرية، عندما اقتربت الجماعة من الجامع قال الأمير: هل تنظرون هذه السيارة الميكروباص الخضراء الواقفة على هذا الجانب؟ قالوا: نعم. قال هذه سيارة أحد الإخوة المجاهدين بالجماعة، جهزناها لكي نهرب فيها إذا ما اقتضى الأمر. هز الجميع رؤوسهم  بالموافقة وفهم الخطة، وسأل أحدهم: وماذا لو تخلف أحدنا عن ركوب الميكروباص؟ قال الأمير: هناك ثلاثة موتوسيكلات ستكون حول الميكروباص، لو تخلف أحدكم يذهب ويركب الموتوسيكل وسيجد من يسوقه ويسرع به إلى أحد الأماكن المتفق عليها. سأل أحدهم أين هذه الأماكن؟ هذا غير مصرح لك أن تعرفه. فقط سائق الموتوسيكل يعرفه، وأنت هتعرفه لما توصل هناك.

     بدت الخطة واضحة، بسيطة، محبوكة. تفرق الجميع. دخلوا إلى الجامع اثنين اثنين. لم يكن منظرهم مثيراً للشك، فقد اعتاد كثير من شبان القرية وخاصة النازحين إليها من الخارج أن يرتدوا الجلباب الأبيض والشبشب وطاقية الرأس البيضاء في وقت صلاة الجمعة، دون أن يكونوا من المنتمين للجماعات السلفية الإسلامية، فبعضهم قد تعود على هذا الأمر دون التفكير فيه، والبعض الآخر يعمله كسنة يمارسها أيام الجُمع في الصلاة، وكثير من المرائين الذين يريدون أن يظهروا للناس أنهم من أولياء الله الصالحين يلبسون هذا الزي، وعدد ليس بقليل من الخطافين الزناة المحتالين والمرتشين يحاولون إخفاء حقيقتهم خلف هذا الزي، وكثيرون من المخلصين يرون أن ارتداء الجلباب الأبيض وطاقية الرأس البيضاء والشبشب في وقت صلاة الجمعة يسكن النفس ويعطيها هدوءاً وخشوعاً في وقت الصلاة، ومهما تكن الأسباب فقد اعتاد الناس على رؤية الكثيرين وهم يرتدون هذه الثياب إلا أن الشيء الوحيد الذي كان يميز أعضاء الجماعة السلفية هو أن لهم لحى طويلة دون شارب. وبعد افتتاح قسم خاص بالسيدات المؤمنات القانطات اللاتي يردن أن يكسبن ثواب الصلاة في المسجد يوم الجمعة أصبح من المعتاد أن ترى عشرات المحجبات والمنقبات يدخلن إلى الجامع يوم الجمعة. من المناظر المألوفة المتكررة كثيراً هو أن ترى الرجل وقد ارتدى الجلباب الأبيض والشبشب والطاقية وأمسك في يده مسبحة طويلة يسير في الشارع المؤدي إلى جامع القرية، وقد وضع يده اليسرى في جيب الجلباب وأمسك بيده اليمنى المسبحة، ويسير على مسافة خطوتين أو ثلاثة أمام زوجته المحجبة أو المنقبة، التي غالباً ما تسير معها ابنتها ذات الخمسة أعوام وقد تحجبت هي الأخرى، فالرجل لا يمشى بجوار زوجته. كانت هذه العادات هي التي سمحت لجماعة الإخوان التي ينتمي إليها مصطفى بالدخول إلى الجامع دون أن يلاحظهم أحد أو يكتشف أنهم غرباء عن عزبة النصارى.

     تجمع الرجال والنساء في الجامع، أتى وقت خطبة الجمعة. اعتلى الشيخ مصطفى منبر الجامع. بحث مصطفى بعينيه عن والده الذي قال له أن يأتي وراءهم للصلاة في الجامع بعد أن أجبره على الدخول إلى بيته. سرت قشعريرة في جسده وهو يسأل نفسه: أين ذهب والدي؟ فكر مصطفى أن والده سيبلغ شيخ الخفر عن ما رأى وعن الجماعة وأميرها. فكر مصطفى للحظات أن يغير الخطة ويتحدث في موضوع آخر. جاءه الصوت: “أطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم..” قال مصطفى في نفسه: حتى ولو أبلغ أبي الشرطة فالجهاد في سبيل الله فرض على، لعل الله كتب لنا الشهادة أنا ومن معي، فلن أتراجع.

     كان الحاج محمود يستشعر الخطر حين رأى هؤلاء الشباب يحيطون بابنه. ظن محمود أن هؤلاء الشباب سوف يصيبون مصطفى بأذى وأنهم يأخذونه إلى طريق التهلكة. فكر محمود كيف ينقذ ابنه من هؤلاء المجرمين السفاحين. ما إن انصرف مصطفى ومن معه وتظاهر محمود أنه دخل البيت للوضوء ليذهب لصلاة الجمعة، حتى خرج محمود مسرعاً ليلاقي شيخ الخفر في مركز الشرطة، شرح محمود الأمر لشيخ الخفر، سيادة المأمور غير متواجد فهو في ليلة الخميس لا يبيت في المركز، ليس له مكان محدد ولا تليفون للاتصال به، الوحيد الذي يعرف التليفون الخاص به هو الشاويش أبو سريع، وهو الوحيد المسموح له أن يتصل به عند الخطر، جرى شيخ الخفر ليطرق باب الشاويش أبو سريع الذي كان لا يزال نائماً، فليلة الخميس لها طقوسها من شرب وحشيش وخمر ونساء ورجال، استيقظ أبو سريع واستمع إلى قصة الحاج محمود: اعمل معروف يا شاويش أبو سريع الشباب دول هيقتلوا مصطفى ابني، والله العظيم كانوا بيتفقوا مع بعض على خطة، قلبي شعر إن مصيبة هتحصل في العزبة النهاردة، اقتنع أبو سريع بصعوبة بكلام محمود، لكنه خوفاً من المأمور قام بالاتصال به على تليفونه الخاص. أعطى المأمور أوامره بإبلاغ المديرية وإعداد عربة أمن مركزي، لكن لا تتحرك حتى يحضر هو بنفسه للمركز.

     بدأ مصطفى خطبته وقال: باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد، فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” وعنوان كلمتي إليكم أيها الإخوة المؤمنون في هذا اليوم الكريم، وفي هذا المقام القدسي الشريف هو “الإرهاب في الاسلام”. يتهم الجهلة والقردة والخنازير من لا علم لهم ولا دين، أولئك الذين سيسكنون الدرك الأسفل من النار خالدين فيها أبداً، يتهمون الإسلام والمسلمين بأنهم إرهابيون، وتتحدث الإذاعات والصحف والمجلات في بلاد الفساد والانحلال عن الإرهاب، ويلصقونه بالإسلام والمسلمين، وهم يتذرعون بالآية الكريمة التي ذكرتها لكم آنفاً، ويدللون على اتهاماتهم بما حدث لهم من انتقام المولى سبحانه وتعالى منهم عندما حطم الشهداء المؤمنون الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه أبراجهم وقتلوا رجالهم ورملوا نساءهم ويتموا أولادهم، فأمثالهم لا يجب أن يعيشوا على وجه الأرض. هل هذا الذي حدث للأمريكان يدعى إرهاباً أم عقاب المولى على يد المؤمنين؟ هل هذا إرهاب أم جهاد في سبيل الله؟ ألم يكتب الجهاد علينا كما كتب على الذين من قبلنا؟ ألم يأمرنا المولى سبحانه وتعالى أن نحارب ونقاتل الناس حتى يدخلوا ديننا الحنيف؟ فإن دخلوا فمالهم ودمهم يكون في مأمن من المؤمنيين وبهم، وإن لم يدخلوا ورفضوا الدخول والإيمان بما أنزل الله فأولئك هم الفاسدون وحق عليهم الجهاد والقتل حتى يؤمنون . هل إذا أجبر الناس على الدخول في دين الله حتى ينقذهم الله من ضلالهم ويدخلهم فسيح جناته، هل يسمون هذا إرهاباً أم محبة ورحمة من المسلمين للعالمين الضالين؟ نعم يقول المولى أن نعد ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل، فديننا الحنيف لا يعلمنا الاستسلام والخنوع والخضوع للكفرة وأعداء الله، بل يجب الاستعداد لإرهابهم. ومن هم أعداء الله وعدونا، أليس هم أولئك السحرة والمنجمون والنصارى واليهود الذين لا يؤمنون بما أنزل الله من الحق المبين في الإسلام؟ ومن هو عدونا، ألم تقل الآية الكريمة أن عدونا هم أعداء الله، فكل عدو لله هو عدو لنا، وكل من لا يعترف بالله ورسوله ودينه هو عدو لله ولنا، وكل عدو لله ولنا يحق عليه الجهاد واستخدام القوة والإرهاب. فهلا تعلمتم أيها الإخوة الدرس، هلا عرفتم من هو عدوكم، ألا تقوموا قومة رجل واحد وتخرجون في الشوارع والطرقات تحاربون وتقتلون وترهبون عدو الله وعدوكم، ألا تطيعون الله وأولى الأمر منكم، ألا تقاتلون الذين لا يؤمنون بالله ورسوله، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. ما إن وصل مصطفى إلى هذا المقطع من الحديث إلا وكانت هذه العبارة هي كلمة السر.. نهض العشرة أفراد الذين صاحبوا مصطفى إلى الجامع وهتفوا: لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر. انضم إليهم معظم من في المسجد وأخذوا يهتفون، ومعظمهم لا يعلمون لماذا يهتفون. وبعد الصلاة اندفع الجمع في شوارع القرية الآمنة وهم يصيحون، اقتلوا عدو الله وعدوكم أرهبوا عدو الله وعدوكم. سرت المظاهرات في شوارع عزبة النصارى كما تسري النار في الهشيم، أنضم ركاب عشرة عربات ميكروباص محملة بالشباب المتدين القادم من القرى المجاوره في تلك اللحظات الى الجمع الهائج. كان هذا جزء من خطة ألأمير لاءشعال الموقف, ذلك الجزء الذى لم يشارك به الامير حتى مصطفى نفسه لم يكن الجمع يعلم إلى أين يذهب . لم يكن الجمع يعلم إلى أين يذهب، لكن العشرة أصحاب يقودهم مصطفى كانوا يعلمون، كان مقصدهم بيت العمدة أبو جرجس، فقد عاهدوا الله وحلفوا بعضهم أمام البعض أن لا تقوم قائمة للعمدة وعائلته بعد اليوم. زحف أهل القرية تابعين الأصحاب إلى بيت العمدة، قذفوا أبوابه وشبابيكه بالحجارة وكرات الكيروسين الملتهبة، لم يكن في البيت سوى الست أم جرجس وابنتها الصغيرة ذات الاثنا عشر ربيعاً، أما العمدة فكان لا يزال في مركز بوليس القرية يحاول الاتصال بالمديرية لكي ترسل لهم النجدة وتنقذ البلد. لم تتمالك زوجة العمدة نفسها فأغمى عليها، أما الصغيرة فقد اختفت تحت السرير الحديدى الذي كانت تنام عليه كل ليلة في غرفتها الجميلة، كان مصطفى يعلم خبايا البيت، وجد أم جرجس ملقاة على بطنها ووجها ملاصق لقاع الغرفة فعبر عليها برجليه وركلها في وجهها فسالت دماؤها. دخل غرفة ست الحسن والجمال كما كان يناديها وهي صغيرة. نظر تحت السرير ووجدها تصرخ، قالت: الحقني يا عم مصطفى المجرمين قتلوا ماما. مد يده فأمسكها من شعرها، جرها خارجاً من تحت السرير، تقطعت خصل من شعرها في يده، ضرب رأسها بالقاع، فقدت الصغيرة الوعي، حملها وجرى ووضعها في عربة الميكروباس الذي كان يسير في وسط الزحام لإنقاذ المجاهدين. بدأت عربات الأمن المركزي في الظهور. أعطى الأمير أوامره للجماعة بركوب الميكروباس، وفي لحظات فارق الميكروباس مكان الأحداث، النار مشتعلة في بيت العمدة، عربات المطافئ ليس بها الاستعدادات الكافية لإطفاء الحريق. تفرق الناس عندما رأوا رجال الأمن الذين صدر لهم الأمر من المديرية بالتحرك لإيقاف الشغب، كانت عربات الامن المركزى قد وصلوا متأخرين كعادتهم الى مكان الحادث. كان جنود الأمن المركزي قد حاولوا صد هجمات الثائرين وتفادى الإصابة بالحجارة والأخشاب والعصى التي كانت تلقى عليهم من كل صوب وفج. صدرت إليهم الأوامر بضرب المتظاهرين بالعصى. تمكن رجال البوليس من القبض على مجموعة من المتظاهرين. احتجز الأمن العمدة في مركز البوليس لئلا يفتك به سكان القرية موجهين له اللوم على ما حدث لأنه لم يكن يقظاً بما يكفي حتى يبلغهم بأن هذا ما سيحدث قبل حدوثه بأيام، وكأنه هو رجل المخابرات وليسوا هم. دخل مأمور قسم عزبة النصارى إلى مركز البوليس ونظر إلى العمدة وقال: “والله لألبسك تهمة تروح فيها طول عمرك لأنك راجل خيخة وماتنفعش تكون غفير مش عمدة… قطع الحاج عارف تفكير الحاج مصطفى بالقول جرى أيه يا حاج مصطفى أنت روحت فين. أنت مش عاجبنى النهارده خالص. حاطب الحاج عارف الجماعه قائلا أنا شايف اننا نأجل الجلسه دى لوقت تانى يكون فيه الحاج مصطفى أحسن حالاً. وعلى كل حال عندنا كثير من المهام لابد من انجازها قبل أن يتركنا الأخوه الضيوف. وجد أقتراح الحاج مصطفى استحساناً من الجميع وتأجل النقاش حول موضوع ليلة سقوط القاهره.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا