أطلق شعبي…. ليعبدوني

12

العدد 5 اصلادر في فبراير 2006
أطلق شعبي…. ليعبدوني

تعودت كلما مررت بموقف محير، أو وضع غريب، حالة مستفزة أو مشكلة صعبة الفهم ومستحيلة الحل أن أرجع لكتاب العزيز الحكيم، كلمة الله المعصومة من كل باطل، الكتاب المقدس، لأرى هل يذكر تنزيل العزيز مثل هذه المشكلة وما الطرق لفهمها والتعامل معها، وهل لها حل في الكتاب الكريم، فهو ملجئي وملاذي، وهو معلمي وأستاذي، وهو سراج لرجلي ونور لسبيلي.

والحقيقة أن وضع المسيحيين الغريب في مصر وغالبية البلاد العربية وحالتهم المتدنية ومشكلتهم التي يصعب على أي إنسان فهمها والتعامل معها، وليس لها مثيل أو شبيه في كل كتب المولى تبارك اسمه لا في قديمها أو جديدها.

ولعل أقرب الأمثلة لهذه الحالة الغريبة الفريدة هي حالة شعب الله المختار في القديم أيام وجودهم في أرض مصر، علماً بأنها لا تنطبق تطابقاً كلياً على حالة شعب الله الحديث اليوم في مصر ومعظم البلاد العربية، فالمقارنة البسيطة تثبت ذلك. فهنالك كثير من أوجه الشبه بين الشعبين والحالتين وكذلك من أوجه الاختلاف. فكلا الشعبين هما شعب الله المختار، شعب أرضي في القديم اختاره المولى وفضله على شعوب الأرض وخصه بالأنبياء والعهود والاشتراع، وشعب سماوي جديد قوامه من كل قبيلة وشعب وأمة ولسان ودين وملة، كل من يتقيه سبحانه وتعالى ويعمل البر، فهم الذين آمنوا برسالة السيد الرب يسوع المسيح كالمخلص الوحيد والفادي الوحيد واغتسلوا من خطاياهم وأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاده.

الشعبان متغربان في الأرض، شعب قديم نزل إلى مصر سعياً وراء الراحة والغذاء فتغرب فيها، وذلوا واستعبدوا للمصريين، وشعب جديد كان آمناً في أرضه ينشر السلام ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ومنه قسيسون ورهبان وهم لا يستكبرون، وسلطوا على رقابهم السيوف والأنيار فذلوهم أيضاً في مصر وخارجها وأصبح غريباً في بلده وأرضه يؤدي الجزية كالغرباء.

فأصبح غريباً في أرضه محرماً عليه وفقاً لما جاء بالشروط العمرية أن يلبس كما يلبس المستعمر أو يمشط شعره كما يمشط المستعمر، لا يسمح له بالسير على جانب الطريق بل عليه أن يخليه لأسياده من المستعمرين. فأصبح غريباً في شوارعه وعليه أن يقوم ويخلي مجلسه في الكنيسة إذا ما دخلها أحد مستعبديه وصار غريباً في كنائسه ولا يمكنه التنقل حراً في بلاده إلا بإذن من المستعمر فأمسى غريباً في أرضه وبلاده.

فكلا الشعبين مسخران لخدمة الفرعون في القديم ولنظامه السائد على بلادهم في الحديث، ويتفق الشعبان في أنه كلما طالب أحدهم بحقوقه، ونادراً ما فعلوا ويفعلون، كلما ازداد الفرعون في القديم والنظام في الجديد من اضطهاده، وقتل أطفاله في الكتاتيب والمدارس وشبابه في الجامعات والوظائف ورجاله ونسائه حيثما يوجدون.

شعب قديم أعطاهم المولى الأرض فتركوها ونزلوا إلى مصر ثم أرادوا أن يعودوا لأرضهم فتطلعوا إلى يوم الخلاص من عبودية المصريين، وشعب حديث ليس له إلا مصر ملجأً وملاذاً فهي تاريخهم وحضارتهم ولغتهم وثقافتهم، شعب لم يكن يفكر في اللجوء إلى بلد آخر إلا عندما يتم إجبارهم على ذلك. فالشعب القديم لم يكن يهمه مصر في قليل أو كثير، أما الحديث فارتبط بالأرض التي شربت من عرقه ودمائه فأصبحا نسيجاً واحداً يصعب فصله مهما كانت الأسباب.

شعب قديم كانت لديه من الحريات ما لم يتوفر للشعب الحديث اليوم، فبالرغم من استعباد أهل مصر لهم واضطهادهم إلا أنهم كانوا يملكون حرية التعبير عن رأيهم، فقائدهم نبي الله موسى كان يستطيع أن يدخل إلى عقر دار فرعون ومستشاريه ويتكلم معهم ويجاوبوه ويحاورهم فيسمعوه كلما شاء. كان بإمكانه أن يرفع صوته في محضر الفرعون ويقول له: “أطلق شعبي الذين في مصر ليعبدوني، وإن كنت تأبى أن تطلقهم فها أنا أضرب جميع تخومك”. ثم يعود ليقابله مرة أخرى ليقول له “هكذا يقول الرب، أطلق شعبي ليعبدوني، لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض، فإنه الآن لو كنت أمد يدي وأضربك وشعبك بالوبأ لكنت تباد من الأرض ولكن لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يخبر باسمي في كل الأرض. أنت معاند بعد لشعبي حتى لا تطلقه، ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن.

أما اليوم فالشعب الحديث لا يمتلك ليس فقط حرية التعبير عن نفسه بل لا يمتلك حرية التفكير في التعبير عن نفسه. وإن استخدم عقله في التفكير انهالت عليه فتاوي التكفير، واتهم بالخيانة والعمالة للصهيونية والإمبريالية، وكيف يفكر في التعبير عن رأيه وهو لايمتلك وسائل التعبير فلا صحافة خاصة لشعب الله في البلاد العربية، وإن تجرأ مجنون واحد بأن يصدر جريدة ولو شهرية فعليه أن يصدرها غير دورية وليوزعها بين أهله وكنائسه وكأنه (يبيع الماء في حارة السقايين)، وإن فكر في بيعها مع الباعة والمكتبات عليه أن يحصل على ترخيص خاص ليعلن عن رأيه، والمولى وحده يعلم متى يصبح هذا الترخيص متاحاً، أفي أيامه أم أيام أحفاده، فعليه وعلى أولاده وأحفاده السلام.

كيف يعبر شعب الله عن رأيه وقد حرم عليه أن يستخدم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، اللهم إلا نصف ساعة في الأسبوع تسجل سابقاً لمراجعتها والحكم عليها قبل إذاعتها. لذا جاءت للناس إما بلغة دمرها فرعون وعبيده فلم تعد ذات معنى لأهلها وأصحابها وبالتالي لن يفهمها الفرعون ولا يكترث بفهمها، وإما فلابد أن تمتلئ بعبارات المديح والإشادة بما أعطى لشعب الله من حرية التعبير عن الرأي! فهاهم يستخدمون المذياع أسبوعياً في بلاد لا تدين بالمسيحية. والعجيب أنه على شعب الله أن يدفع الضرائب بل قل الجزية صاغراً من أمواله للإنفاق على أجهزة الإعلام وتعضيدها، ولنشر كل ما هو مخالف ومقاوم ومهين ومزدري لتعاليمه وثقافته ولغته وديانته.

واليوم من يستطيع أن يدخل للفرعون ويتكلم معه، بل من يستطيع أن يدخل إلى قسم البوليس ليعلن عن رأيه لأمين شرطة مربوط على الدرجة السابعة.

وليس من حق شعب الله اليوم أن يعبر عن رأيه حتى داخل دور عبادته، وليس من حقهم أن يدعوا إخوانهم في البلاد العربية ليعبدوا الرب معاً وليصلوا لبلادهم ورؤسائهم حتى لا يوجه المولى ضرباته إلى قلوبهم، وإن تجرءوا ودعوا إخوتهم من البلاد العربية للالتقاء بهم في بلادهم مصر منعوا بكل الوسائل كما حدث هذا الشهر مع اثنين من ضيوف اتحاد الشباب المسيحي، الرابطة المسيحية المسجلة ضمن رابطة الإنجيليين بمصر. مسيحيان من العراق وجهت لهم الدعوة الرسمية لحضور رياضة روحية مسيحية، ودعوة من كنيسة رسمية مسجلة، راعيها هو الرجل الذي تستعين به السلطات المصرية كمثقف ومفكر مسيحي في مؤتمراتها ولقاءاتها بالداخل والخارج لتحسين صورة مصر أمام العالم، لكن السلطات الأمنية احتجزتهما في مطار القاهرة دون إبداء أسباب، ولم تنفع الوساطة أو الشفاعة أو الضمانات المقدمة لا من هذا القس المفكر فحسب بل ومن رئاسة الطائفة الإنجيلية متمثلة في رئيسها المحبوب، بل أصر الفرعون على حجزهما طيلة الأربعة أيام (مدة الرياضة الروحية) في مطار القاهرة، في غرفة بلا طعام أو شراب، حتى أرجعوهما إلى بلادهما غير مكترثين بمشاعر شعب الله في مصر وضاربين برغبتهم عرض الحائط، وحتى نشر هذا الكلام سيعتبره الفرعون أمراً محرماً، والحكيم العليم وحده يعرف رد فعله إن عاجلاً أم آجلاً.

وللمقارنة أيضاً بين الشعبين القديم والجديد نقول إن الشعب القديم كان له نبي واحد عاش كل حياته في قصر فرعون، لكن لم يستطع لا الفرعون ولا قصره ولا كل غنى مصر أن يحيده أو ينسيه إرساليته، وهي أن يطالب الفرعون بأن يطلق شعب الرب ليعبدوه. نبي كان يعرف ماذا يريد بالتحديد وهو إطلاق الشعب، كل الشعب، وكل ممتلكات الشعب ليخرج من مصر رمز العبودية والقهر والعالم في كتاب الله العزيز.

نبي شجاع لا يخاف الفرعون ولا نظامه رغم كل ما يعرف عنه وعن غطرسته وعناده، نبي يملك المعجزات والآيات التي بها يثبت حقه في الأرض وبها يستطيع أن يضمن نجاح إرساليته. نبي لا يحمل سيفاً ولا رمحاً، لا خنجراً ولا جنزيراً بل يحمل عصاة الله سبحانه وتعالى التي بها يستطيع أن يحل ويربط على هذه الأرض. نبي مثابر لديه من الصبر وقوة الاحتمال ما تعجز الجبال عن حمله، نبي متواضع يعرف أنه ليس بالقوة ولا بالقدرة بل بروح السيد الرب يستطيع أن ينتصر في معركته. نبي لا يكتفي بمجرد كلمات تكتب أو صرخات مبحوحة تطلق ولا تصل لأذن الفرعون والنظام بل نبي يصر على مقابلة ومواجهة الفرعون ونظامه وطرح الأمر عليه شخصياً وانتظار الإجابة الواضحة الصريحة المحددة من فمه. نبي لا يرضى بأنصاف الحلول أو حريات زائفة كاذبة ووعود خادعة يعرف قائلوها وسامعوها أنها لن تتحقق، نبي يعرف أن يستخدم عبارة: “وإن كنت تأبى أن تطلق شعبي….”.

نبي يخرج من لدن الفرعون ويرفع عصاه إلى السماء فينزل الجراد والذباب والبرد والوبأ والبواسير وتطلع الضفادع من البحار والبعوض من التراب. وهو أيضاً النبي الذي يستطيع أن يرفع يداه فتنزع كل هذه الضربات من الأرض، نبي لا يقبل المساومة على حق الله في الأرض، لا يكتفي بما يلقى له من فتات الحريات أو الصلاحيات بل يصر على تحقيق أوامر وشريعة الله كما أنزلت في التوراة والإنجيل.

لقد حاول النظام الفرعوني القديم أن يساوم ويقايض نبي الله موسى في القديم من خلال عروض قدمها الفرعون لشعب الله. فلقد حاول النظام إقناعهم بأن لا يفكروا في الحرية والإطلاق فهذا أمر مستحيل، فشعب الله القديم شعب قليل، أعزل، لا إمكانيات لهم، مسخرون في خدمة النظام، يعملون طيلة اليوم في الطين ليبنوا مملكة الفرعون وعبيده، فلا فرصة لهم للتفكير في الحرية والإطلاق وإن فكروا فعلى المسخرين أن يثقلوا من نيرهم حتى ذكر الحكيم العليم أن الشعب “تفرق في كل أرض مصر” لعلها صورة لشعب الرب الحديث اليوم الذي تفرق ولم تعد له اليد الواحدة التي يواجه بها الفرعون ونظامه بسبب الاحتياجات المادية والنفسية والجسدية فقبل أنصاف الحلول، لكن النبي المرسل من الله استطاع تجميعهم ودخل إلى الفرعون فساومه الأخير وقال: “اذهبوا أنتم الرجال واعبدوا الرب”. ورفض النبي ثم قال الفرعون: “اذهبوا اعبدوا الرب غير أن غنمكم وبقركم تبقى أولادكم أيضاً تذهب معكم”. فرد النبي: لا “نذهب بفتياتنا وشيوخنا، نذهب ببنينا وبناتنا، بغنمنا وبقرنا، لا يبقى ظلف، وأنت تعطي أيضاً في أيدينا ذبائح ومحرقات لنصنعها للرب إلهنا”.

أما الشعب الحديث فليس له من نبي أو قائد يدافع عنه ويقف في وجه فرعون فإن تعلق الأمر بمواجهة وتحد وصراع اختفى الجميع وخاف الكل، أما إذا كان في الأمر كرامة وحلاوين ظهر مئات الأنبياء لهذا الشأن لاهثين متصارعين.

وقبل أن أضع بعض الحلول العملية لإطلاق شعب الرب الحديث ليعبدوه ويعيدوا له، أرى أنه لابد من شرح بسيط لمن هو الفرعون وما هو نظامه، فالفرعون ليس رئيساً لدولة أو دين أو جماعة، والفرعون ليس جلاداً أو سجاناً يكره شعب الله ويزج بهم في غياهب السجون، الفرعون ليس وزيراً أو غفيراً يملك حق الاعتقال أو الأغلال. الفرعون ببساطة هو روح ضد المسيح، الروح الذي يحرك كل من يقف ضد كنيسة المسيح وشعب الله الذي اختاره تعالى لنفسه، الفرعون هو كل نظام لا يعرف كيف يترك الآخر حراً لممارسة عقيدته أو ديانته حتى ولو تخالفت معه في قليل أو كثير، الفرعون هو كل نظام يأخذ فيه الإنسان مكان المولى عز وجل ويظن أنه بإمكانه أن يحرم الناس من دخول السماء أو الجنة، والفرعون هو روح يظن أنه قادر أن يسيطر على مقاليد الأمور في أي دولة أو دين وكأنه الحاكم بنفسه على الأرض وينسى أن للسماء سلطاناً، الفرعون هو كل روح تعمل في إرهابيي القرن الواحد والعشرين وتمنع عن عبادة الله الواحد وشخص المسيح تبارك اسمه الذي لا شريك له سبحانه. وهذا الروح قد يظهر في رئيس أو مرؤوس، غفير أو وزير، حر أو محبوس. هذا هو الفرعون ونظامه الذي لابد من التصدي له، مواجهته وكشفه، وأيضاً أمره بأن “أطلق شعبي ليعبدوني”، حتى يحصل شعب الله على حريته في عبادته، ودراسته.

وكحل عملي لإطلاق شعب الله ليعبدوه لابد أن:

 أولاً: يدرك هذا الشعب عظم المأساة التي يعيشها، فمعظم المسيحيين اليوم لا يدرون فظاعة ما هم عليه، فلقد قبلوا مستوى ما، يعتقدون أنه حرية دينية… وهللوا للفرعون ونظامه وطلبوا “ديمها نعمة واحفظها من الزوال”. ويكفينا أن لنا كنائس تفتح أبوابها في بلاد تدين بغير المسيحية ويحضرها مئات الأعضاء على الأقل في أيام الآحاد. فهم لا يعرفون أن ما يسمونه حرية دينية ما هو إلا سراب يلهثون وراءه كل أيام حياتهم.

ثانياً: لابد لهذا الشعب أن يصرخ إلى المولى تبارك اسمه، وهذا لن يحدث إلا بعد إدراكهم لعظم مأساتهم. لابد أن يصرخوا حتى يصل صراخهم إلى أذني المولى فيسمع جل شأنه من سمائه ولا يسكتوا حتى يجعلوه يكرر ما قاله في القديم: “إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم، إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً”. ولكي يصرخ هذا الشعب للمولى تبارك اسمه عملياً لابد من تكوين جسد من الصارخين في كل كنيسة وبيت، محافظة ومدينة، قرية وشارع، مجموعات للصلاة والصراخ أمام الله. لماذا لا تضع الكنيسة الأرثوذكسية جزءاً في قداسها وطقوسها يمارسه كل أعضائها، فيه تعلم أبناءها أن يصرخوا للرب في كل صلاة بأن يطلق شعبه ليعبدوه، لماذا لا تضع الكنيسة جزءاً في صلواتها المختلفة تطلب فيه من فرعون أن: “أطلق شعب الله ليعبدوه في حرية مجد أولاد الله”. وإذا سألنا أولادنا لماذا وضعتم هذا الجزء في القداس الإلهي نقول لهم لأننا كنا مستعبدين نصرخ لإلهنا أن يطلقنا لنعبده. لماذا لا تكتب الكنيسة الإنجيلية صراخاً تعلمه لأبنائها وتردده مع قانون الإيمان في كل اجتماعاتها.

ثالثاً: لابد لشعب الرب أن يفهم أن الصراخ لله وحده، ليس للفرعون وليس للنظام، فالفرعون لن يسمع وإن سمع فلن يعمل مرضاة شعب الله. فسامع الصلاة والصراخ وحده سبحانه الذي معه أمرنا وبيده مقادير الأمور وقلوب الملوك في يده كجدول المياه يغيره كما يشاء.

رابعاً: لابد لشعب الله أن يعرف ماذا يريد، فحرية العبادة بكل أشكالها ودقائقها هي وحدها مطلبه، وحرية الالتقاء حول مذبح الإله الحي مع المؤمنين والمؤمنات هى وحدها غايته ومنيته. دعونا نكف عن المطالبة بمقاعد أكثر في مجلس الشعب أو وظائف أرقى في التعيينات أو التخصصات، فعندما يطلقنا إلهنا أحراراً بحرية لابد أن تتحقق كل مطالبنا الثانوية الفرعية.

خامساً: لابد للشعب أن يفهم أن الصراخ وحده لن يجدي نفعاً فلابد من الالتفاف حول نبي وكاهن ونبية في هذه الأيام الصعبة كما كان الشعب القديم يلتف حول كليم الله موسى وكاهن العلي هارون ونبية المولى مريم، ومع إيماني أن الأنبياء لا يمكن أن يقوموا ليضيفوا على وحي المولى سبحانه وتعالى الذي دونه في كتابه التوراة والإنجيل، لكنني أؤمن أيضاً أن عصر الأنبياء والكهنة لم ينته بعد، فالكنيسة تحتاج إلى جسد من الأنبياء الذين يستحضرون الضمير الإنساني إلى محضر المولى تبارك اسمه، أولئك الذين يتحدث لهم المولى بطرقه المختلفة ويكلفهم بأن يدخلوا أمام فرعون ويأمرونه بأن يطلق شعب الرب ليعبدوه. وليس أنبياء فقط بل نبيات يقدن النساء الشريفات المتعبدات للمولى في التسبيح والهتاف لأنه قد تعظم، فالفرس وراكبه سيطرحهما في البحر سريعاً. وهذا ما يؤكد أن للمرأة دوراً خطيراً رائعاً في قيادة شعب الله للحرية التي ينشدها وليس فقط الرجال.

وعلى الكنيسة الناهضة أن تعرف دور المرأة الخطير في هذه الفترة الحرجة وأنه بدون نهضتها ووقوفها جنباً إلى جنب مع الرجل لن يسمع الفرعون ولن يتغير الواقع.

وهذه دعوة للتوحد بين الطوائف والكنائس والاجتماعات والهيئات، فلابد من الالتفاف حول جسد واحد غير منقسم على ذاته، ولابد أن يطلق هذا الشعب أولاً من سيطرة كل روح للتدين، ذلك الروح الذي يفرق بين الإخوة في الشعب الواحد بدعوى عدم الاتفاق حول عقيدة واحدة أو تفسير لآية غامضة أو ممارسات أو طقوس لا يقبلها الآخر. توحد ليس بذوبان الطوائف المسيحية المختلفة لتنشأ طائفة واحدة، بل ذوبان الثلوج التي كونتها عصور من الجهل الروحي وجبال من الفتاوي المسيحية التي مزقت جسد المسيح الواحد إلى شيع وأحزاب.

لابد لشعب الله أن يلتف حول جسد واحد يخاطب فرعون بلغة صريحة وواضحة، جسد تتوفر فيه كل الصفات التي ذكرتها سابقاً عن ذلك النبي الذي اختاره المولى في القديم لإطلاق شعبه.

سادساً: لابد لشعب الله أن يؤمن أن عصر المعجزات الخارقات لم ينته. فالسيد الرب تبارك اسمه إله ثابت لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران. وأن يؤمن أنه بإمكانه أن يرفع يده فيرسل الله عجائبه من السماء ليتحدث إلى فرعون ويقلقه وأنه يستطيع أن يرفع أيضاً يديه فيمنع غضب الله المعلن من السماء على كل من يقف في وجه شعبه تبارك اسمه ليمنع حريتهم ليعبدوه جل شأنه.

وأخيراً أقول لكل فرعون يظن أنه بإمكانه أن يحتفظ بشعب المولى تبارك اسمه في حالة من العبودية ويمتنع عن أن يطلق شعبه تبارك اسمه ليعبدوه جلت قدرته، أقول لا تقس قلبك ولا تدفع نفسك ومن معك إلى خراب أرضك وبنيك ونفسك. فالله لا يشمخ عليه، فشعب الرب لابد أن يطلق ليعبدوه شئت أم أبيت في حرية كاملة، ولن تجنوا من قساوة القلب إلا المصائب والدمار وفي النهاية ستغوص في بحر لا قرار له كما غاص فراعنة القديم.

اللهم إنا نصرخ إليك ونستغيث بك، اللهم إننا نعود إليك ونستعيذ بك، اللهم أعطنا حريتنا التي فقدناها بجهلنا وغبائنا، واعف عنا وارحمنا ولا تؤاخذنا بتصلفنا وعنادنا، اللهم أعطنا أن نعبدك بفرح منقذين من أعدائنا، اللهم تقبل منا ذبائح حمدنا وشكرنا، اللهم خلصنا من كل فرعون أفسد علينا حرياتنا فإنك أنت السميع العليم وأنت مخلصنا وربنا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا