لماذا لم يحم الله كنيسته؟

11

العدد 65 الصادر في فبراير 2011
لماذا لم يحم الله كنيسته؟

    لقد روع العالم المسيحي بحادثة كنيسة الإسكندرية في ليلة رأس السنة عندما تناثرت الجثث والأشلاء عقب انفجار العبوة الناسفة في المصلين الآمنين، وفي مثل هذه المناسبات يمتلئ العقل بالعديد من الأسئلة التي تتضارب الإجابات عنها فيكاد المرء يفقد عقله، ولعل أهم هذه الأسئلة التي نواجهها عندما تنفجر كنيسة ويموت الأبرياء هو “لماذا لم يحم الله كنيسته؟” لماذا لا يدافع المولى عنها ويسحق أعداءها؟ لماذا يسلم الصديق في يد الشرير؟ لماذا يرضى بنجاح القتلة والمجرمين سافكي الدماء وميتمي الأبناء وقاهري المسالمين والأبرياء؟ أليس هو المعروف بأنه العالم بكل شيء، من لا تأخذه سنة ولا ينام! لا ينعس ولا يغفى ولا يغيب عن علمه شيء، فهل كان يعلم بما يدبر لكنيسته في الخفاء أم لا؟ والمفروض بل والمؤكد أنه يعلم، وإن كان يعلم فلماذا لم يخبر الذين لا يعلمون، المساكين الذين ماتوا في هذه الحادثة؟ أليس هو الذي وعد “أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”؟ فلماذا سمح بأن تهدم كنائسه، ولأبواب الجحيم أن تهاجمها وتقوى عليها؟ أليس هو القادر على كل شيء، فلماذا لم يوقف المجرمين مفجري الكنائس وقاتلي الشهداء عند حدهم؟ لماذا لا يظهر قدرته فتخافه المسكونة والساكنون فيها؟ ألم يكن يقدر أن يفجر عبوة الدمار الناسفة فيمن أعدوها لغيرهم؟ الذي هو القدير، أيقف عاجزاً عن أن يفعل شيئاً تماماً كما صرخ إليه أرميا النبي في القديم قائلاً: “لماذا تكون كغريب في الأرض، كمسافر يميل ليبيت، كجبار لا يستطيع أن يخلص؟”. ألست أنت المنتقم الجبار من منعت أتباعك من الانتقام لأنفسهم وقلت: “لي النقمة أنا أجازي يقول الرب” فأين تحقيق هذا الكلام؟ لقد سكتنا وسكتنا فتجبر العدو، وتمادى المجرمون في إجرامهم والظلمة في ظلمهم، ولسان حالهم يقول الله لا يرى، القدير لا يعلم ولا يجازي. ألست أنت صانع المعجزات من فتحت أبواب السجن وأطلقت عبدك بطرس ونجيته من كل انتظار اليهود؟! ألم تفتح أبواب السجون وتطلق تلاميذك حينما قبض عليهم في القديم وأمرتهم أن يذهبوا ويقفوا في الهيكل ويبشروا الناس باسمك الكريم؟ فلماذا سمحت وتسمح، والواضح أنك سبحانك ستظل تسمح لدولة البوليسيين أن يضعوا أبناءك في السجون والمعتقلات تحت ما لا يقاس من العذاب والاضطهاد مما لا تستطيع الجبال أن تحتمله. كيف تترك السجان في غطرسته وكبريائه يؤذي أبناءك المساجين؟ لماذا يا الله العليم السميع القدير المنتقم الجبار، لماذا لم تحم كنيستك؟

    هذا هو سؤال الأسئلة وأهمها في مثل هذه الأحداث، ويكذب من يقول أنه يعرف الإجابة الكاملة الشافية الكافية لهذا السؤال، لذا فباب الاجتهاد في الإجابة مفتوح لكل من يريد أن يجتهد، أما من ناحيتي فقد حاولت قدر استطاعتي أن أجيب عليه وأتدبره من كل النواحي، وهذا ما توصلت إليه:

    عند وقوع هذا الحادث وغيره مما يتعرض له المسيحيون في هذه الأيام وخاصة في مصر والعراق وغيرها يكون السبب هو:

    أولاً: عقاب للكنيسة

    إن الكنيسة، وأقصد الكنيسة العامة بجميع طوائفها، في حالة من النوم أو الشر والفساد، مما يجعلها خارج نطاق الحماية الإلهية، فمواعيد الله بالحماية وغيرها هي لكنيسة مستيقظة لا نائمة. نعم طالعة من البرية من التعب والكد والحر والاضطهاد، لكنها “مشرفة مثل الصباح جميلة كالقمر قاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية وهي مستندة على حبيبها”. أما الكنيسة المستبيحة التي شابهت عروس النشيد وقالت في قلبها وفي كثير من الأحيان بعلو صوتها “أنا نائمة وقلبي مستيقظ، صوت حبيبي قارعاً، افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل” فكان جوابها الغبي تجاه رقة الحبيب ومحبته “لقد خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟ قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما؟” حتى كان جزاؤها “حبيبي تحول وعبر، نفسي خرجت عندما أدبر، طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني” فإنها تستحق كل العقاب الحال بها، وتستحق كل ما فعله بها الحرس الطائف في المدينة وحفظة الأسوار فقالت: “وجدني الحرس الطائف في المدينة ضربوني جرحوني حفظة الأسوار رفعوا إزاري عني”، فالكنيسة التي لا توقر حبيبها ولا تتكل عليه ولا تستند على ذراعه تخرج من نطاق حمايته فإنه يسلمها للحرس الطائف في المدينة (أي بوليس الدولة) لكي يضربها ويجرحها (تماماً كما حدث للكنيسة في مصر على اختلاف طوائفها في الزاوية الحمراء، ونجع حمادي والاقصر، في العياط والمنيا، في العمرانية والاسكندرية وغيرها من الأمثلة الكثيرة) ولحفظة الأسوار (أي جيش الدولة)، الذي هو منوط بحمايتها والدفاع عنها لكي يرفع إزارها عنها فيهينها ويجعلها أضحوكة للناظرين إليها وإلى عورتها، فالكنيسة إن لم تستيقظ من نومها وشرها وخداعها لنفسها ومن حولها وتفيق من غفلتها وغيبوبتها وتتحد بعضها مع بعض في طلب وجه الرب والرجوع عن الطرق الردية والتواضع والصلاة فلن يسمع المولى من السماء ولن يغفر خطيتها ولن تبرأ أرضها. فلقد ساومت الكنيسة في مصر وتنازلت عن حقوقها خوفاً من السلطات والبوليس والجماعات، وخاصة منذ قيام الثورة المباركة في 52. فلعشرات السنين وإلى الآن، كل ما يقوله ضابط المباحث حتى ولو كان ملازماً أول لا يعرف يمينه من شماله هو الذي يطاع، ما يمنحه يكون مباحاً وما يمنعه يكون ممنوعاً، فلم أر من الكنيسة من يقف في وجه الطغاة ويقول لهم: “لا يحل لك” كما قال يوحنا المعمدان لهيرودس خوفاً من أن تقطع رقبته كما قطعت رقبة يوحنا، فبناء الكنائس وإقامة الصلاة مرهون بموافقة الحرس الطائف في المدينة، مشاركة إيماننا مع الآخرين مرهون برضاء الحرس الطائف في المدينة عنا، دخول الأبرياء السجون وتعذيبهم بتهم لا أساس لها من الصحة يتم عند غضب الحرس الطائف في المدينة. واكتفينا بالسكوت أو البكاء والاعتكاف أو عبارات الخضوع والاستسلام من “ربنا موجود” وغيرها، أو تجاهلنا الأمر (كما يحدث من بعض الطوائف المسيحية الذين لا نسمع صوتهم في أي أحداث تحدث في مصر وكأنهم ينتمون إلى قطر أخر) وكأن الأمر لم يكن وعقدنا اللقاءات والاحتفالات في ذكرى عيد الميلاد واستقبلنا من عُين ممثلاً ورئيساً لمجلس الشعب، والذي قال: “أنا لم أر مشروع  قانون دور العبادة الموحد ولم يعرض على مجلس الشعب” ( مما اضطر غبطة البابا شنودة الثالث في قفشاته المعهودة أن يجيبه قائلاً: ولا سمعت عنه يا دكتور، أي عن مشروع قانون دور العبادة الموحد)  واستقبلنا من عاشت الكنيسة لعشرات السنين تترجاه أن يمنحها 2/1 ساعة في الأسبوع في التليفزيون المصري لإذاعة صلاتها فلم يقبل طيلة فترة تحكمه في وزارة الثقافة والإعلام وحتى الآن، استقبلنا علماء الأزهر وممثليهم لتهنئتنا بالعيد وهم الذين لا يألون جهداً في طباعة ونشر كل ما يسيء للعقيدة المسيحية، ومن لم يقدم أحدهم فتوى حتى الآن بأن قتل المسيحي لا يصنع من القاتل شهيداً يدخل بحور العين في الجنة بل مجرماً يتلقى عقاب شره إلى الأبد في جهنم أعدها المولى له ولأمثاله إلى أبد الآبدين. وحاولت الكنيسة أن تمسك بالعصا من المنتصف، فمن ناحية تخضع وتقبل وتطيع الحرس الطائف في المدينة وتقيم احتفالات العيد، ومن الناحية الأخرى يلبس فريق ترنيمها زياً أسود وتلقى الكلمات من على المنابر، كلمات أقرب للسياسة منها للإيمان والروحانية. ولزوم الشيء لابد للمتحدث أن يشكر الكل بدءاً من سيادة الرئيس في شخص مندوبه، من أوفده لحضور الاحتفال، إلى آخر عسكري أمن مركزي يقف على باب الكنيسة لكي يخلي المكان للقتلة والمفجرين ليقودوا عملياتهم دون أية إصابات في الحرس الطائف في المدينة دون أدنى اعتبار لأسر الضحايا والجرحى والمتضررين الذين يرون أن القيادة المصرية بكل أفرادها هم المسئولون عن ما وصلت إليه الأمور مع المسيحيين والمسئولون الأول عن موتى أحبائهم وذويهم، فما أحداث اليوم إلا تراكمات لأخفاقات وتقصيرات القيادة المصرية بالأمس. إذاً أفلا  تستحق الكنيسة التأديب والعقاب على هذه الشرور من المولى تبارك اسمه إما في صورة تحكم السلطات فيها وفي مصيرها أو عقاب الحرس الطائف في المدينة لها واهانتها أو في تفجيرها بواسطة أعداء الحياة؟

    ثانياً: أداة لإيقاظ الكنيسة

    قد يكون السبب الثاني لعدم حماية المولى لكنيسته في حالة كونها بلا غضن ولا دنس ولا خطئة أو شر أو فساد أنه يستخدم مثل هذه الأحداث لإيقاظها، فلقد انشغلت الكنيسة بكل ما في العالم لكن لم تذهب للعالم أجمع ولم تكرز بالإنجيل للخليقة كلها، حتى أن أحد قادتها رفض وبشدة أن توصف كنيسته بأنها كارزة أو مبشرة وكأنها تهمة وفرية من الشيطان الرجيم يريد أن يلصقها بالكنيسة، واكتفت الكنيسة بأن تقوقعت داخل جدرانها إما إطاعة للحرس الطائف في المدينة، وقد جاهدت وناضلت ضد انفتاحها على غيرها من الكنائس أو الطوائف واتهمت الطوائف الأخرى بأنهم الكارزون المبشرون خارج جدرانها، وإما لخوفها من ردود أفعال الجماعات الإسلامية ضدها، فتحولت عبادة الكنيسة وكرازتها إلى صيامات وطقوس وفرائض وأعياد وممارسات أبعد ما تكون عن الخطة الإلهية التي رسمها سبحانه لها لكي تسلك فيها.

    لذا كان حتماً على المولى تذكيرها بزمن الشهداء الأولين الذين بإيمانهم قهروا ممالك، صنعوا براً، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود. أطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء.. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة.. وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود وحبس رجموا نشروا، جُربوا، ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين، مكروبين، مذلين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم أن يكونوا فيه.

    لقد تناست الكنيسة رسالتها وأنها هي ملح الأرض ونور العالم، لذا فلها دور أساسي فعال حتى في السياسة والاقتصاد والمجتمع ككل، فالكنيسة قد فقدت نورها وملوحتها فما عادت تصلح لشيء إلا للسمع والطاعة للحرس الطائف في المدينة، فلو اتحدت الكنيسة كقوة انتخابية تضم 4.5 مليون ناخب له بطاقة انتخابية على مرشح بعينه لأنجحته أو أسقطته حسب إرادتها ولصعدت من عملة تزوير الانتخابات التي يراها ويعرفها ويعاني منه الجميع. الكنيسة لا تطالب بحقوقها المسلوبة وإن طالبت اكتفت بهمسات قد لا تصل لآذان المسئولين الذين لا يسمعون إلا قرع الطبول على آذانهم، طبول العنف والتفجيرات، طبول المسيرات والمظاهرات، طبول الاتصالات الدولية والاستغاثات، فلم نسمع عن مطالب محددة مكتوبة من الكنيسة كوحدة واحدة على اختلاف طوائفها تعطى لأعلى مستويات القيادة في مصر أو العراق وغيرها، ثم يتم متابعة استجابة المسئولين عن البلاد، وفي حالة عدم استجابتهم كما هو المعتاد يكون هناك عدة خطوات لإجبارهم على الإجابة والاستجابة بكل الطرق الشرعية السلمية.

    لقد اخترقت الحكومات التجمعات المسيحية وصفوف المسيحيين في الداخل والخارج عن طريق أناس مرضى بحب الشهرة وحب الظهور والتملق والكبرياء، فعقد المسئولون الحكوميون الصفقات الواحدة بعد الأخرى مع هؤلاء المرضى المسئولين في الكنائس والهيئات والمؤسسات والخدمات المسيحية فأصبح أمنهم وآمانهم تكمن في علاقة هؤلاء القسوس والقادة المسيحيين بوزير أو مأمور قسم في داخل البلاد أو قنصل أو سفير في بلاد المهجر، ونسوا أنه ملعون من يتكل على ذراع البشر، اخترقوا الفضائيات المسيحية فبات بعضها يعزف عن قول الحق الكامل حتى لا يغضب هؤلاء المسئولين عليه أو مجاملة لهم.

    لقد أقنعت السلطات المسيحيين أن بقاء الحال على ما هو عليه هو أفضل ما يمكن أن يكون في البلاد، واستخدمت حالة الرعب والخوف التي تسود الكنيسة من الأمن والجماعات الإرهابية وغيرها للتمكن من إبقائها نائمة ومرتعبة شاكرة الله والحكومة على اعتنائهما بها.

    ثالثاًً: ربما سمح الله أن يحدث هكذا في الكنيسة لأن ذنب المصريين لم يكمل أمامه، فلقد نهى المولى تبارك اسمه كليمه موسى حينما أصعد شعب الله من مصر أن يمدوا يدهم ويستفزوا ويستثيروا الأموريين للقتال، وقال له لأن ذنب الأموريين لم يكمل أمامي، وعندما كمل ذنب الأموريين أمام الرب سمح لشعبه أن يفنيهم. فما تركه سبحانه وتعالى لكل ما يحدث دون تدخل منه إلا لكي يكمل ذنب المصريين أمامه حتى إذا ما تدخل سبحانه وأفنى منهم الظالمين يكونون قد أخذوا بذنوبهم وباستحقاق ينالون جزاء ما فعلوا، فدم القتلى والجرحى من المسيحيين لا يزال يصرخ إلى الله، وقد وضع مصر كلها تحت لعنة من القدير، فلقد قال جل شأنه لقايين عندما قتل أخاه هابيل: “ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك، متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها”.

    رابعاً: ربما سمح الله بكل ما يحدث في مصر لينبه القادة والمسئولين أنه هو سبحانه وتعالى الجالس على العرش المتسلط في مملكة الناس يترك صدام حسين ينعم بخيرات العراق وينهبها لصالحه وصالح عائلته وحاشيته لعشرات السنين ثم تنتهي أيامه فجأة في مغارة تحت الأرض، ثم في سجن طالما زج بكثير من الأبرياء فيه ثم إلى مقصلة لا ترحم الرقاب ولا تعمل حساباً لرئيس أو مرؤوس، لغني أو فقير يحدث كل هذا بعد أن يقتل ابناه في حياته. وها هو النميري يخرج من بلاده مكرماً ولا يعود إليه بل ينفى في بلاد ليست بلاده، ثم رئيس دولة تونس الذي ولى الأدبار وهرب إلى بلاد بعيدة عن بلاده بلا عودة. ومن أطلق على نفسه كبير عائلتنا المصرية، الرئيس المؤمن الراحل السادات يظن أنه القادر على استئصال المسيحيين من مصر فيستأصله جنوده وضباطه الذين وثق بهم، بل قل استأصله إله المسيحيين الذي جدف عليه ووضع خدامه وكهنته في السجون وفي الأديرة ظاناً أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مصر وفي مصير المسيحيين المصريين، غير أن إله المسيحيين لا يشمخ عليه فقد يظن البعض أنه غير موجود أو أنه لا يلاحظ أو يهتم، لكن الساكن في السموات يضحك والرب يستهزئ بهم، وهكذا يفعل الله لكل من يقف ضد شعبه في مصر، وهوذا السيد الرب آت على سحابة سريعة فتهتز أوثان مصر وسيصنع أحكاماً بآلهة المصريين فالذي ضرب جميع أبكار مصر من بكر الفرعون الجالس على العرش إلى بكر الجارية الجالسة على الرحى مازال حياً وهو المتسلط في مملكة الناس وهو الذي معه أمرنا وهذا يكفينا.

    وفي النهاية أقول إن كل وعود الله تبارك اسمه صادقة وأمينة، فلقد وعد السيد المسيح الصادق والأمين من لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه ولا ينسخ وحيه وعد أتباعه ومريديه قائلاً: “في العالم سيكون لكم ضيق” “ستأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله” فهو لم يعدهم بأنه عندما يتوبون إليه ويؤمنون به سيأخذهم إلى جنات تجري من تحتها الأنهار بل بالعذاب والاضطهاد وبضيقات كثيرة ينبغي أن يدخلوا ملكوت السموات.

    لو لم يكن سبحانه قد حمى كنيسته ويحميها وسيظل يحميها لكانت قد اندثرت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً على يد الغزاة الوافدين من الجزيرة العربية ومن كانوا قبلهم، وهو يحمي كنيسته رغم أنه يضطر سبحانه وتعالى في مرات كثيرة أن يضعهم أحياناً في الماء والنار ويركب أناساً على متونهم لكن إلى حين حتى يخرجهم إلى رحب لا حصر فيه.

    أما الذين ماتوا في هذه الحادثة وغيرها فهم ينقسمون إلى قسمين: أولهما أناس ولدوا ثانية من الله ويحملون طبيعة المسيح داخلهم، وهؤلاء هنيئاً لهم بالموت، فمع المسيح ذاك أفضل جداً.

    وثانيهما: أولئك الذين لم يختبروه تبارك اسمه ولا علاقة شخصية بينه وبينهم، فأولئك ينتظرهم مصير مرعب حتى لو قتلوا وهم في ممارسة دينية يظنون أنها تشفع فيهم يوم القيامة.

    فإن الإله ذاته الذي أنقذ بطرس رسوله من انتظار كل شعب اليهود لقتله هو هو الذي سمح بأن تقطع رقبة يعقوب رسوله، وهو ذاته الذي سمح بأن يموت 11 من تلاميذه الـ 12 قتلاً بطرق مختلفة وهم يدافعون عن إيمانهم، ولم يعتبر هذا عدم حماية من المولى بل وهبهم هذا الشرف العظيم ليموتوا وهم متمسكون برسالة الإنجيل، وتأكيداً لصدقها وإظهاراً لقيمتها بأنها تستحق أن يضحي الجميع بالغالي والنفيس وحتى النفس من أجلها فحماية المسيح لكنيسته لا تعني أننا لا نكابد ضيقاً واضطهاداً وقتلاً وسجون بل بأنه يبقى حتى في وادي ظل الموت فلا نخاف شراً لأنه هو معنا يعزي قلوب النائحئن ويعبر بنا للميناء السعيد سالمين، فله سبحانه في ذلك حكم، فما أبعد أفكاره عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، له التعظيم إلى أبد الآبدين آمين.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا