سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة

4

العدد 82 الصادر في يوليو 2012
ليلة سقوط القاهرة
قصة طويلة جداً

الفصل الأخير
سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة

ليلة سقوط القاهرة، هي قصة طويلة جداً نشرت تفاصيلها على صفحات الطريق في الفترة من مايو 2008 إلى نوفمبر 2008، تنبأ فيها الدكتور ناجي يوسف عن سقوط القاهرة في يد التيارات الدينية، وقد اعترض البعض على أحداث الرواية، نافين إمكانية سقوط القاهرة. واليوم ننشر الفصل الأخير من هذه القصة الطويلة جداً. يمكنك متابعة الفصول الأولى على موقع الطريق والحق على شبكة الإنترنت:

www.eltareeq.com

    جلس الدكتور حكيم في الحديقة الخلفية لبيته الجميل، العصافير تغرد على لحن الأمل اليومي الذي اعتادت على أدائه بأصوات جميلة كل صباح، منذ أن خلقها المولى سبحانه وتعالى، الكبير منها يطعم الصغير ويعتني به، والصغير فيها يقفز فرحاً متكلاً على كبيره في العناية به، السنونة أيضاً وجدت عشاً لنفسها حيث تضع فراخها، الماء المنساب من نافورة بيته يعزف لحن الخلود، فالماء هو أصل الوجود ومادة الخلق، الورود تتراقص في انسجام مع خرير المياه وصوت العصافير، كل شيء حوله يدعوه للاستمتاع بما أوجده المبدع الأعظم، الخالق سبحانه، إلا أن قلبه كان مثقلاً بكثير من الهموم التي ينوء بحملها أكبر الجبال، جلس شارداً مثبتاً عينيه على لا شيء في الأفق البعيد، فلم تستطع العصافير ولا السنونة ولا خرير المياه وتمايل الورود والأشجار أن توقف تفكيره في القاهرة عاصمة أرض الكنانة، وما يحدث فيها ولها الآن، القاهرة التي كانت أرض ذكرياته، فهناك عاش، تعلم في المدارس والجامعات، عمل في المستشفيات والعيادات، تزوج من أجمل البنات، رزق بأرق وأجمل الأبناء، أحب الناس فأحبوه، ضحى بالثمين والغالي لأجلهم، اضطهد فلم ييأس ولم يكف عن المناداة بالحرية، أسس جماعات الدفاع عن المضطهدين وواجه مباحث أمن الدولة المصري في أوج عظمته وغطرسته وكبريائه وشره، بكل أشكالها وقيادات النظام البائد وحزبه على اختلاف كوادره، الذكريات الجميلة والقبيحة، المسرة والمحزنة، عاشها بتفاصيلها في القاهرة، كل هذه الذكريات تجمعت معا دفعة واحدة في هذا العضو الصغير والمعروف بالمخ المختبأ داخل جمجمته، ذات العظام الصلبة الجامدة العريضة، المخ الذي لا يراه أحد لكن يرى بعيونه كل من حوله، فهو مصدر الأحاسيس والتفكير والتدبر والتهور وغيرها من الانفعالات البشرية، القاهرة أو قل المقهورة اليوم، التي أصبحت مصدراً ومركزاً لكل جماعة متطرفة، وروح شرير بدءاً بروح السبات العميق الذي سمح له المولى بأن يُغَيِّب الناس عن وعيهم، والكنيسة وقادتها عن تمييزهم له، والقادة والشعب عن قراءة التاريخ والتعلم من أخطائهم، ومروراً بروح الغي الذي مزجه المولى في وسطها، والذي دفع المصريين للقيام بحركة التمرد على أوضاعهم المزرية والعصيان الشعبي، تنفيساً عن ما في صدورهم من حقد وغل ضد الاضطهاد الذي عانى منه الجميع، وللإطاحة برئيسه المخلوع فيما يعرف بثورة 25 يناير، دون حساب للعواقب والتداعيات، ودون التخطيط للمستقبل، والاستعداد لمواجهة الأزمات والمشكلات، ظانين أنه بإمكانهم أن يبنوا مصر الجديدة، غير عالمين أنهم بسبب عدم استعدادهم لكل هذا قد ساهموا في عودة مصر لعصور ما قبل الجاهلية بقرون، ثم إلى روح القتل الشرير الذي لا يأبه بمن يقتله، مسيحياً كان أم مسلماً، كبيراً كان أم صغيراً، بريء لا شر فيه أو مجرم يستحق في الأصل حبل المشنقة، أو حتى الموت البطيء حتى يدفع الفلس الأخير، ذلك الروح الذي سيطر على الكل فأصبح العنف والبغضة والعراك سمة من سمات المصريين، إلى روح الكذب الذي سيطر على الأغلبية الساحقة من الشعب المصري قيادة وشعباً، وأصبح الرجوع في الوعود والعهود، والتنكر للأصدقاء والتنكيل بالأعداء سمة هذا العصر الشرير الذي نعيش فيه، تفكر حكيم في الانتخابات الرئاسية، التي كانت قد انتهت، وفي انتظار إعلان نتائجها، مرشحان اثنان، مختلفان في كل شيء، أحدهم من مجموعة “طظ” في مصر، والثاني يصفونه بأنه من الفلول، منصتان وميدانان التحرير ومصر الجديدة، وأنصار يرقصون في الميدانين، كل يهنيء مرشحه بالفوز المبين، طعون أمام المستشارين والقضاة في انتظار البت فيها، أحد المرشحين يعلن فوزه في الانتخابات قبل أن ينتهي فرز أصوات الناخبين، ويحذر الجميع من التلاعب في نتيجتها ويتوعد مصر ومن فيها بأشر أنواع الانتقامات إن قررت اللجنة العليا للانتخابات عدم فوزه بأغلبية الأصوات، وليس من المهم كم من الأصوات قد حصل عليها، ولا كيف حصل عليها، إن كان بتسويد البطاقات قبل خروجها من المطابع، أو بوجود أعداد كبيرة منها في صناديق الانتخابات قبل بدء العملية الانتخابية، أو باستخدام ما يعرف بالحبر السري المستورد من الصين خصيصاً لهذا الوقت بالذات، أو حتى عن طريق الجائعين للبطاطس والأرز والمواد الغذائية المستوردة بأموال غير معلومة المصدر، أو بالبسطاء من الفلاحين والمغيبين الذين لم يسمعوا عن هذا المرشح أبداً، إلا أنهم قد أخبروا أنه ممثل للإسلام والمسلمين، وخصمه من الأشرار الليبراليين أعداء المولى والدين، ليس من المهم كل هذا، المهم أن يفوز هذا المرشح، فإن فاز فالانتخابات حرة نزيهة، والشعب قال كلمته واختار رئيسه وتحيا مصر وظهر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، وإن لم يفز فالانتخابات مزورة لصالح منافسه، والكل متواطيء ضده وضد جماعته، التي تتوعد الجميع بوضع بعضهم تحت الأحذية، وإراقة دماء الكثيرين، وبداية حرب أهلية لا يعرف مداها إلا الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، من إياه نعبد وإياه نستعين. النتائج الأولية تؤكد أن المصريين بالخارج، وخاصة في الأمريكتين قد امتنعوا عن التصويت كعادتهم، فالقلة القليلة هي من تهتم بما يحدث في مصر، أو أن يكون على استعداد أن يتعب يسيراً من أجل مصر للإدلاء بصوته، فلكل قصته مع مصر القادة والإسلاميين، والكل ساخط على كل الأوضاع والناس والجماعات، السعودية الوهابية ترسل نتائج انتخابات المصريين بها للجنة الانتخابات، وكأنها تقف على الحياد، وعلى مسافة متساوية من المرشحين، الإشاعات والأقاويل تتضارب حول التلاعب في نتائج فرز أصوات المصريين المنتخبين في السعودية، حزب الله ينتظر نتائج الانتخابات المصرية وكأنها نتائج انتخابات لبنان المفقود، حماس تعلن عن تأييدها للمرشح الإسلامي، ولما لا وهو وحزبه وجماعته يدافعون عنها ليلاً ونهاراً، ويؤكدون على أن القدس عاصمة لدولة فلسطين، وهم لن يهدأوا إلا باسترداد القدس الشريف، إنشاء الله، فهذه هي رسالتهم ومقصدهم، وجل آمالهم كما أوحى لهم مؤسس جماعتهم منذ عشرات السنين، فيتدفق رجال حماس عبر سيناء إلى أرجاء القاهرة انتظاراً لإعلان النتيجة، إيران تؤكد انتصار مرشحها وتهنئه بالفوز قبل الإعلان عن نتيجة الانتخابات، وترسم الخطط لعودة العلاقات المصرية الإيرانية في القريب العاجل، رئيس المخابرات الحربية القطري يأتي إلى مصر في زيارة تجاهلية للمجلس العسكري والقادة المصريين، وقد اختصر الطريق وتعامل مع من يريد مباشرة، مؤكداً على مبدأ “طظ” في مصر الذي أرساه من تقابلوا معه في محادثات لا يعلم تفاصيلها سوى من كانوا في المقابلة، وفي حادثة ليس لها مثيل، ولم تحدث في أية دولة من دول العالم، ليس الثالث فقط بل والرابع والخامس وإلى ما لا نهاية، فمصر دولة من المفترض أنها محترمة ومن المفترض أن لها سيادة على أراضيها، المهم أن تصل قطر إلى ما تريد، حتى لو كانت امتلاك قناة السويس الذي مات الآلاف من المصريين في شقها وتأمينها وتأميمها والدفاع عنها، وكأن قناة السويس معروضة للبيع في مزاد علني، وكأنه ليس لدى المصريين من الرجال من يستطيعون أن يديروها، وأنهم في حاجة إلى أصغر دول الدنيا لتعلمهم، وتقوم بدلاً عنهم بالعناية بها، فالمصاري، أو بلغة مصر، الفلوس، تتكلم ودائماً، الصوت الأعلى من صوت الأخلاق والمنطق والعلم والإيمان.

    القاهرة لم تنم منذ أسبوع، نتيجة انتخابات الرئاسة ستعلن في خلال ساعتين، الدكتور حكيم تعب من تقليب القنوات الفضائية المحلية والعالمية، الكل يتطلع للقاهرة، من سيفوز بتورطة الرئاسة، العالم كله يقف على أطراف أصابعه، المذيعون في الراديو والتليفزيون ومقدمي البرامج المحلية والعالمية منقسمين، وكل فريق يؤكد فوز مرشحه، ومن يتمنى فوزه، حتى لو لم يكن مرشحه، والناس في حيرة، والمولى يبدو والعياذ به منه أنه لا يكترث بالأمر كله، ولا يهمه مصر في قليل أو كثير، وكأنه مسافر يميل ليبيت، وكغريب في الأرض، وجبار لا يستطيع أن يخلص، الكنيسة في مصر تخشى من اتهامها أنها تعادي أحد المرشحين، وخاصة من لا يريد لها الوجود إن أمكن، تحاول أن تلعب سياسة دون خبرة لديها تمكنها من لعب هذا الدور، يكذب بعض قادتها ويقولون إننا كمسيحيين نقف على مسافة واحدة من المرشحين، وكأنهم يمثلون المسيحيين المصريين ومسئولون عنهم ويعملون لصالحهم، والكل، مسيحيون ومسلمون ومرشحون، يعرفون أن هذه التصريحات أكاذيب من كنيسة لاودوكية التي نعيش في رحابها هذه الأيام، الكنيسة المغيبة الكاذبة المخادعة المرتعبة والمتملقة، فالكنيسة لا تقف على بعد واحد من المرشحين، فكيف تتساوى المسافة بين مرشح لجماعة ترى أن الدين عند الله الإسلام، وأن مصر بلد إسلامي، وأن المسيحيين ليس لهم حق الولاية ولا حق الالتحاق بالجيش والوظائف العليا، وغيرها من الأمور المخزية التي قبلت بها الكنيسة، صاغرة على مر السنين منذ الغزو الإسلامي لمصر، فإن كانت الكنيسة حقاً تقف على مسافة واحدة من المرشحين، فهذه مصيبة كبرى تدل على ما وصلت إليه من تدني على كل المستويات، وتستحق عقاب المولى الغاضب عليها، أما إذا لم تكن، فهذه كذبة لا يصدقها عاقل وسيعاقبها عليها المولى الآن وإلى يوم الدين، لكن الأمر كله لا يعدو إلا لزوم الشيء وضرورية اللعبة السياسة، فلابد للكنيسة أن تقول هذا القول.

    أخذ الدكتور حكيم في التفكير في أحداث العام الماضي، شعر أن رأسه سينفجر، وكأن التفكير فيما مضى أصبح مطرقة تنزل على رأسه بكل قسوة ولا يعرف كيف يتخلص منها، فكلما حاول أن يطرد الفكر عنها ويتتبع خطوات عصفور مغرد صغير أو قطرة مياه في خضم محيط شلالها، عاوده التفكير بكل قسوة، أخيراً قرر أن يقرأ كتاباً، أي كتاب، فمهما كان نوع الكتاب الذي سيقرأه لن يكون ما به أسوأ مما في رأسه، سيقرأ لكي يساعد نفسه على الخروج من تفكيره، دخل حكيم إلى غرفة مكتبه، الكتاب المقدس مفتوح أمامه قابع على المكتب، وكأنه في انتظار لجوء حكيم له ليهتدي بهديه، فكر حكيم في نفسه، الكتاب المقدس، خير كتاب للتعزية والتسلية والفهم الصحيح للأمور، فوصاياك جعلتني أحكم من أعدائي، وفتح كلامك ينير يعقل الجهال، وهي تفرح القلب وتنير العينين، أمسك حكيم بكتابه المقدس، وقعت عيناه على بعض سطوره وقد تلونت بالحبر الأحمر لأهميتها القصوى، رفع حكيم الكتاب المقدس وأغمض عينيه، سالت دموعه قبل أن يناجي ربه، اختنقت العبارات وعصت عن الخروج من بين شفتيه، قال لنفسه، لا يهم أن أرفع صوتي بالكلام، إلهى يسمع حتى أنات القلب، ويقرأ فكر الإنسان، وفي حديث صامت رفع قلبه إلى الله وقال، ياربي الكريم تحدث إلىّ من كتابك المقدس، فنفسي حزينة جداً على بلدي وما يجري بها، أهلي وكنيستي، والغلابة الذين لا يعرفون شمالهم من يمينهم، أعلم أنك أنت المتسلط في مملكة الناس، أنت تعزل ملوكاً وتنصب ملوكاً، أنت تقول فيكون، تأمر فيصير، أنت تحي الموتى وتدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة، أنت الذي معك أمرنا، أنت لا تنعس ولا تنام، أنت ملك الملوك ورب الأرباب، لا يمكن أن يحدث شيء في الخفاء وأنت لا تعلم به، ولا يمكن أن يحدث شيء إلا بسماح منك، فتكلم إليّ، فتح حكيم عينيه وبدأ بقراءة الكلمات الملونة بالحبر الأحمر والواردة في سفر الرؤيا والأصحاح الرابع عشر والآيات 6 و7 و8 القائلة ” ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية ليبشر الساكنين على الأرض وكل أمة وقبيلة ولسان وشعب قائلاً بصوت عظيم خافوا الله واعطوه مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونته واسجدوا لصانع السماء والأرض والبحر وينابيع المياه، ثم تبعه ملاك أخر قائلاً سقطت سقطت بابل المدينة العظيمة لأنها سقت جميع الأمم من خمر غضب زناها».

    ارتعد حكيم وهو يقرأ هذه الكلمات، وقد أعاد قراءة هذه الآيات مراراً وتكراراً، وقد ملأ كيانه وعقله وآذانه صوت مرتفع كمياه كثيرة يصرخ قائلاً سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة، أجاب حكيم بصوت عال ومرتفع لا الآية تقول بابل ليست القاهرة، التي سقطت بابل وليست القاهرة، بابل، لكن الصوت عاود ترديد الآية في داخله، سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة، علم حكيم في قلبه بأن المولى يعلن سقوط القاهرة وأن مصر تحت التأديب الإلهي، وضع كتابه المقدس في مكانه على المكتب وجرى خارج الغرفة، نتيجة الانتخابات تعلن الآن، حبس حكيم أنفاسه وهو يسمع البيان الختامي للجنة الانتخابات، وبدأ في عتاب طويل مع الله، أين أنت أيها القادر على كل شيء، ما هو مستقبل الكنيسة والمسيحيين، ماذا تريدنا أن نعمل الآن، لماذا تسلم الكنيسة إلى مرام أعدائها، ألست أنت القائل أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، لماذا لم تستجب إلى صلوات المخلصين من شعبك، لماذا تضع مصر تحت كل هذا التأديب، هل جرحها عديم الشفاء، أليس بلسان في جلعاد أم ليس هناك طبيب، ظل حكيم في حالة من فقدان التوازن حتى جاءت زوجته من عملها في نهاية اليوم لتجده في نفس المكان الذي تركته فيه منذ الصباح الباكر، هناك في الحديقة الخلفية لمنزلهما، لم يشعر صديقنا بالوقت الذي أصبح مساء، الشمس التي غابت وكأنها توارت خجلاً وحزناً لما حدث في مصر، والعصافير وقد خبى صوتها بعد أن قدمت للمولى شكرها على الاعتناء بها ليوم مضى، وكأن المفاجئة قد أعقدت ألسنتها التي اعتادت التغريد في الأغصان، وبدون أن تسأله عرفت زوجته نتيجة الانتخابات من منظره، حاولت أن تخفف عنه قائلة، ألا تؤمن أن الله مازال يجلس على العرش وهو فعال لما يريد؟ هز حكيم رأسه إيجاباً، قالت: إن كان هكذا فلماذا الحزن والاكتئاب والحيرة والخوف، لماذا لا تترك الأمر لصاحب الأمر وتشكره على ما سمح به، ألم تعلمني أنت الصبر والإيمان والإيجابية وانتظار الأحسن. كان حكيم قد قرر أن لا يتناقش حتى مع زوجته في هذا الأمر حتى يلملم أفكاره ويسترجع توازنه، لكن كلماتها التي وصفته بها من الحزن، للاكتئاب والخوف كانت بمثابة طعنات من سكين غير محدد قد وخذته به، ففتح حكيم فاه وقال: حبيبتي أنت تعلمين مدى حبي لمصر وأهلي المصريين، وما كنت يوماً سلبياً أو خائفاً أو يائساً من رحمة الله، إن ما يحزنني هو ليس نجاح المرشح الذي ما كنت أود نجاحه، إنما يحزنني وقوع مصر ليس فقط في يد جماعة هذا المرشح، بل في يدي الإله الغاضب على مصر ومن فيها، لأنه قد جاء يوم دينونته العظيمة، ومن يستطيع الوقوف أمامه، تساءلت زوجته: وكيف عرفت أن الله غاضب على مصر وشعبها، أخذ حكيم يعدد لزوجته مظاهر غضب الله على المصريين، روى لها ما قرأه في كتابه المقدس، قالت زوجته: أعلم ياعزيزي أن كل ما تقوله صحيح، وأننا في مصر نرى غضب الله وإنذاراته للناس عامة، وللكنيسة خاصة ولم نتعظ أو نتب، بل انغمسنا في ما لا فائدة منه، فماذا يعمل الله حيال رؤساء صوعن ومشوراتهم البهيمية كما جاء في سفر إشعياء، والأصحاح التاسع عشر، أولئك الذين قد أذلوا شعبه في القديم، ومازالو يذلونهم حتى الآن، كيف ينقذ الله شعب مصر من السقوط، وقد اختاروا روح الضلال وقالوا للمسيح ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر، كتابك المقدس ليس مقدساً بل مكدساً، الكرازة باسمك جريمة يعاقب عليها القانون، بناء بيوتك في الأرض، الكنائس، أصبح من رابع المستحيلات، تجمعات أبنائك للعبادة تعامل وكأنها تجمعات لتنظيمات حربية سرية لا بد من مراقبتها والوقوف ضدها، وأن هناك بين الأنبياء من هو أعظم منك، ومن الأديان ما يسمو عن دينك، وقد تطاول عليه، جل شأنه، الكثيرون إذ تجبروا على المسيحيين، وكأن لا إله لهم، وماذا يفعل المولى لكنيسة تغط في النوم العميق، فرحبت في باديء الأمر بروح ضد المسيح أن يشاركها بلادها، ففتحت له أبواب مصر وأبواب كنائسها، ثم خافت وخنعت فاختفت في الجبال والوديان، وتركت للعدو أمر البلاد، وعاشت كل أيامها بلا لون ولا طعم، ولم تظهر رائحته الكريمة، وانقسمت بعضها على بعض ملل ونحل وطوائف، واتهمت كل منهم الأخرى بالفساد والمحسوبية والعبادات الشكلية، أليس هذا كله بكافٍ حتى يضعها جلاله تحت تأديبه الإلهي لحين استيقاظها وتوبتها ورجوعها إليه ليغفر خطاياها لتأتي أوقات الفرج من قبله سبحانه. أليس من العدل الإلهي أن يضع المولى مصر والكنيسة المصرية تحت العقاب والتأديب، قال حكيم: نعم ياحبيبتي، لقد سقطت القاهرة في 25 يناير 2011، واليوم تأكد نهائياً سقوطها مرة أخرى وأخيرة، فقومي ننطلق من ههنا عن ديار مالنا فيها حبيب، فلو سمعت الكنيسة لتحذير المحذرين، وصوت الصارخ في البرية، واعترفت بأخطائها وآثامها لغفار الذنوب لما “سقطت سقطت القاهرة المدينة العظيمة” وما كنا أتينا إلى هذه الليلة الليلاء، ليلة سقوط القاهرة.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا