دروس من ڤيروس كورونا (كوڤيد ١٩)

4

العدد 175 الصادر في أبريل 2020

دروس من ڤيروس كورونا (كوڤيد ١٩)

     فجأة وبدون مقدمات، ضرب الأرض ومن عليها واحد من أصغر وأخطر الفيروسات التي عرفتها البشرية حتى الآن، فقلب موازين كل الأمور في المسكونة كلها، وكأنه عفريت أو روح شيطاني من أقسام الأرض السفلى، أتحدث عن ڤيروس كورونا، الذي حضره الصينيون فيما يعرف بالسوق المبلل  أو The Wet Market ، وهو السوق الذي فيه يبيعون ويشترون ويأكلون الطيور والحيوانات، الحية والميتة، التي تؤكل والتي لا تؤكل.

     حضروه ولم يستطيعوا أن يصرفوه، وفي سرعة البرق خرج هذا الڤيروس عن سيطرتهم وأصبح ماردًا جبارًا وأقوى وأسرع العفاريت انتشارًا، وأكثرها تدميرًا لاقتصاد العالم الذي غزاه هذا الڤيروس من شماله لجنوبه ومن شرقه إلى غربه، وأجبر رؤساءه على الانتباه إليه، والرعب منه، والتعامل معه، وفقًا لشروطه وأوامره لهم، وهم صاغرون كارهون مستسلمون له ولتأثيره المدمر الشرير، وأجبر حتى القسوس والخدام والمؤمنين بالمسيح في كل الطوائف والمذاهب المسيحية على مستوى العالم على غلق كنائسهم، وكسر الشركة الروحية بينهم في اللقاء معًا في اجتماعاتهم التي تعودوا الحضور بها في مكان وزمان واحد، وألزم الغالبية العظمى منهم بالجلوس في بيوتهم مشلولي الحركة، شاردي الذهن، مرتعشي الركب، يعيشون في خوف له عذاب لمن استسلم له.

     وأعاد هذا المارد للأذهان السؤال الشهير القديم المتجدد، كيف يسمح الله الصالح بكل ما هو غير صالح فيما يحدث على الأرض من ظلم وقتل وحروب وأوبئة ومجاعات؟، السؤال الذي يسأله الغالبية العظمى من البشر عند حدوث فاجعة شخصية أو عالمية لا يمكن تفسيرها، كانتشار وباء أو نشوب حرب بين البلاد المختلفة، أو قتل أطفال ونساء لا حول لهم ولا قوة وسحقهم بين رحى حروب لا ذنب لهم في إشعالها، أو في حادث تدمير لكنيسة يقف فيها المصلون خاشعين أمام إلههم، طالبين عفوه وصفحه ورحمته، وغيرها من الأمثلة الكثير. غير عالمين، أي سائلي هذا السؤال، أن الله، تبارك اسمه، غير مجَرَّب بالشرور، وهو أيضًا لا يجرب أحدًا من البشر بالشرور، فهو إله صالح في كل طرقه، حكيم ورحيم في كل أعماله، صالح للكل ومراحمه إلى الأبد لبني البشر. إنما يجرب بنو الإنسان إذا انجذبوا وانخدعوا من شهواتهم ونهمهم في اختراع أسلحة الدمار الشامل، والتي من بينها الأسلحة البيولوجية الڤيروسية أو البكتيرية، أو نشر الفساد الأدبي والأخلاقي والديني في الأرض، أو محاولة التسلط بدلاً من الله سبحانه في مملكة الناس، وبعيدًا عنه، تبارك اسمه، أو العيش كالحيوانات، فاعلين الفحشاء بعضهم ببعض دون استخدامهم، بل ورفضهم المتعمد، للحكمة الإلهية السماوية النازلة من فوق، من عند أبي الأنوار، والتي تضع للإنسان حدودًا لا يجب أن يتعداها، الأمور التي هي ضد إرادة الله وتدبيره الصالح للإنسان والتي تجلب غضبه وعقابه على فاعليها.

    الكنيسة وكورونا

    وكعادتي، عندما يتعرض العالم، أو جزء أو جماعة منه، لحادث، أو مرض أو وباء جسدي أو روحي، فإنني أجد نفسي مقارنًا لكل ما يحدث حولي، بسيطة وخطيرة، صغيرة وكبيرة، بما يحدث في الكنيسة اليوم، ومدى تأثيره وانعكاساته عليها، وما إذا كان قد حدث نفس هذا الأمر في العالم من قبل، وما دونه الكتاب المقدس عن أسباب حدوثه في القديم، وكيفية علاجه، والشروط الملزمة والقوانين الكتابية التي وضعها القدير للتغلب على مثل هذا الشر أو الحرب أو الظلم أو الوباء.

    وبكل أسف أقول، إن الكنيسة كجسد المسيح متجاهلة أو متناسية قول المسيح تبارك اسمه: “أقول لكم يا أحبائي: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر. بل أريكم ممن تخافون: خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنم. نعم أقول لكم: من هذا خافوا!”.

    أجد الكنيسة كجسد وأعضاءه أفرادًا، في الغالبية العظمى من مثل هذه الأوقات والأزمات، هي من تحصد النتيجة الأكبر من فقدان الرؤية الثاقبة، وعدم تمييز الأمور بطريقة روحية صحيحة، وبالتالي فهي تحصد الكثير من الخسارة والحيرة والفشل والعجز عن الإصلاح والرجوع إلى ما كانت عليه من قوة وتأثير في المجتمعات من حولها قبل وقوع الحدث.

     والغريب أن الكنيسة، قادتها والغالبية العظمى من شعبها، تهتم وتحتاط وتنشغل وتقاوم وتجتمع لتصلي ضد ڤيروس واحد، مميت فتاك، مع أنه لا يستطيع إلا أن يقتل الجسد فقط، أكثر جدًا من اهتمامها ككنيسة بمجموعة ڤيروسات مميتة فتاكة، تجول حرة داخل جسدها، وتسيطر عليه وتقوده وتجبره على عمل ما يغضب إلهها ومسيحها، تلك الڤيروسات التى لا تقتل فقط الناس غير المولودين ثانية من الله بل ولها سلطان أن تلقيهم  في جهنم النار، وهي أيضًا تهاجم عقول المؤمنين، ومراكز تركيزهم الروحي، وتمسح من عقولهم كل ما خزنوه فيها من تعاليم صحيحة منذ نعومة أظفارهم في مدارس الأحد حتى بلوغهم من العمر عتيًا كما يُمسح ملف ما مخزون منذ عشرات السنين في كمبيوتر الحياة، وما من شك أن هذه الڤيروسات الروحية تضعف المؤمنين فيعيشون في حالة من الحيرة والفشل والارتداد عن الله الحي الحقيقي، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر ڤيروسات التعاليم الدينية الصوفية في المسيحية، ولاهوت المحبة الحر أو العداوة المُر، الذي هو، في رأيي الخاص، أخطر بما لا يقاس على الكنيسة، كجسد المسيح، من ڤيروس كورونا الذي نحن بصدده، هذا بالطبع إلى جانب ڤيروسات أخرى كثيرة مصاب بها جسد المسيح على الأرض، الكنيسة، كمجموعة ڤيروسات الترجمات الشريفة، وغير الشريفة، للكتاب المقدس، ومجموعة ڤيروسات التقارب بين الطوائف المسيحية المختلفة المبني على أي طريق آخر سوى الخضوع الجماعي للروح القدس الواحد والوحيد القادر على عمل وحدة روحية حقيقية متينة بين المؤمنين من كل الطوائف والمذاهب المسيحية في العالم أجمع، ومجموعة ڤيروسات تشجيع المسيحيين في مختلف الطوائف والمذاهب على الاستمرار والتمسك بإيماناتهم بالصلوات للموتى وطلب شفاعاتهم لأجلهم، أو طلب ظهور القديسين والقديسات الراقدين فوق كنائسهم الإنجيلية كلها، أو خزعبلة الدم والماء الذي مازال ينضح من قبر القديس شربل، أو استحالة الخبز والخمر المستعمل في مائدة الرب إلى جسد حقيقي ودم حقيقي للمسيح، الأمر الذي دفع أحد الكهنة هذا الأسبوع أن يشرب الماء الملوث الذي استخدمه في غسل الآنية المستخدمة (حسب إيمانهم) في تحضير “الحمل” جسد الرب ودمه على مذبح كنيسته إيمانًا منه (وفقًا لتعاليم طائفته) أن الخمر الذي يقوم بغسل الآنية منه قد تحول وأصبح هو فعليًا وبالحقيقة دم المسيح، وعليه فكيف يمكن أن يغسل دم المسيح بالماء ويلقي الماء المختلط بدم المسيح في الصرف الصحي لبالوعة الحوض الذي يغسل فيه هذا الكاهن المسكين وأمثاله الإناء؟، الأمر الذي أنهى حياته على الأرض، نعم أتحدث عن تلك الڤيروسات التي تقتل الروح والنفوس وفي بعض الأحيان الجسد، وتحرم  المؤمنين من العيش الصحي الروحي السليم على الأرض كما تحرم الخطاة من نعيم أعده الله لهم إذا ما رجعوا إليه سبحانه بقلب صادق طالبين صفحه وعفوه وغفرانه، مؤمنين أن الله قرر أن يكون المسيح، والمسيح وحده، تبارك اسمه هو الطريق الوحيد لقلب الآب، والباب الوحيد لدخول السماء، وبره سبحانه الذي في المسيح هو البر الوحيد الممنوح للبشرية، وخلاصه الذي بالمسيح هو طوق النجاة الوحيد للخطاة والآثمين.

     أهم الدروس التي نتعلمها من كورونا

أخذت أعدد بيني وبين نفسي الدروس الكثيرة التي يمكن أن نتعلمها من ڤيروس كورونا، فوجت أن أهمها على سبيل المثال لا الحصر هو:

    ١- ڤيروس كورونا هو ڤيروس صغير جدًا:

    لا يُرى الفيروس بالعين المجردة، لكنه يهاجم الأجساد، كبيرها وصغيرها، ويؤدي إلى هلاكها كلها إن لم تعالج هذه الأجساد بطريقة صحيحة، وهكذا حذرنا بولس الرسول بالروح القدس من ڤيروسات روحية خطيرة، لا ترى بالعيون المجردة، من خلط التبن مع الحنطة، المسيح مع بليعال، الترانيم والتواشيح والغناء بمديح الناس والفنانين وما علمونا إياه من خلال أغانيهم وتواشيحهم وسلوكياتهم، وخاصة أعداء المسيح منهم، وقبول تعاليمهم الشيطانية ومحاولة دمجها بالحق الكتابي المدون بكتاب الله الوحيد، الكتاب المقدس بعهديه، حذرنا الرسول بولس بالقول: “كنتم تسعون حسنًا. فمن صدكم حتى لا تطاوعوا للحق؟”. “خميرة صغيرة تخمر العجين كله”. نعم كنت مساقًا بالروح القدس أيها الرسول العزيز بولس فيما كتبت لنا، فها نحن نرى عجين الشر والخبث والضلال والهرطقات قد اختمر حتى طفحت الآنية الحاملة لهذا العجين الشرير المختمر، وانسكبت فوق رؤوس وفي عقول السلماء من المؤمنين بالكنائس، فصدتهم حتى لا يطاوعوا الحق ويرونه وكأنه الباطل، ويقبلون ويدافعون عن الباطل وكأنه الحق بعينه، ولم يدركوا، أو تعاموا باختيارهم، عن أن هناك خميرًا فاسدًا في التعليم في قلوب وعقول المعلمين به، لا يصلح لعلاجه سوى أن ينتبه معلموها وعامة الناس لخطورتها على المحيطين بهم، وعلى سامعيهم ومتشربي آرائهم، من المرضى، وحاملي لڤيروسات هذه التعاليم، وطارشيها، وموزعي ومشاركي عدواها لمن حولهم، ويعترفون بوجود الخمير في قلوبهم وعقولهم، وأن يقوموا هم والذين اعتمدوهم خدامًا وقسوسًا ومعلمين ومرنمين في طوائفهم ومذاهبهم وكنائسهم بنزع الخمير من قلوبهم وعقولهم بالملء بالروح القدس وغسل أوانيهم وتطهيرها من كل آثار باقية للخمير في قلوبهم بماء الكلمة النبوية التي هي أثبت وهكذا يرجعون إلى حالتهم الأولى كآنية للكرامة نافعة للسيد مستعدة لكل عمل صالح.

    ٢- هذا النوع من الڤيروسات لا يرحم كبيرًا أو صغيرًا:

 على العكس، فإنه يمكن أن يطلق عليه ڤيروس الكبار، بالرغم من إصابته لبعض صغار السن أيضًا، فكلما كبر الشخص في السن، وبالتالي في المقام والخبرة والشهرة والتأثير على الناس كلما أصبح احتمالية إصابته بالڤيروس أكثر من غيره، وكلما كانت إمكانية مشاركته وإعطائه للآخرين لإصابتهم به أخطر وأسرع وأكثر تدميرًا، فهذا الڤيروس لا يعير أي التفات أو اهتمام أو تقدير لمكانة المصاب به، ولا تشفع له إمكانياته، ولا إنجازاته، ولا عظاته، ولا ترنيماته، ولا مشوراته، ولا مؤلفاته، كلها لا تشفع له لدى الڤيروس. فالذين يصابون بأخبث الڤيروسات، كما نراهم اليوم في الكنيسة الناطقة بالعربية، هم أشهر المرنمين، وأشهر القسوس والخدام، وأشهر المشيرين، وأشهر رجال السياسة المسيحيين.

     ٣- درس ثالث هو طريقة انتشاره:

     مجرد وجودك في محيط شخص مصاب به حتمًا ستنتقل لك العدوى، لأنه سريع الانتشار والتأثير، ففي كثير من الأحيان لا يتخيل أحد أن رئيس بلد ما أو وزير الصحة أو نائبه فيها،  قد يكون مصابًا بڤيروس كورونا، كما حدث مع رئيس البرازيل، ونائب وزير الصحة الإيراني وغيرهم الكثير، ولهذا قامت الكثير من الدول بأمر مواطنيها بالتقيد بالوجود في البيت وعدم الخروج إلى الشارع وعدم الذهاب حتى إلى العمل والكنيسة، في محاولة منها لفصل المصاب وعزله عن الأصحاء حتى لا تتضاعف أعداد المصابين به في وقت سريع. ولربما كان هذا ما قصده الروح القدس عندما ساق بولس الرسول لكتابة  وحيه المبارك في القول: “كتبت إليكم في الرسالة أن لا تخالطوا الزناة. وليس مطلقًا زناة هذا العالم، أو الطماعين، أو الخاطفين، أو عبدة الأوثان، وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم! وأما الآن فكتبت إليكم: إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟ ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟ فاعزلوا الخبيث من بينكم”. مع علمي الكامل أن الصفات الت وضعها بولس الرسول بالروح القدس لمن هو الخبيث، كزان أو سكير أو عابد وثن، لا تنطبق جسديًا على الكثير من أصحاب الخمير الذين يظنون، أو يظن عنهم الناس، أنهم المقصودون في هذا المقال، لكن مع ذلك فمنهم من تنطبق عليهم أغلبها روحيًا، وبعضها ينطبق عليهم من الناحيتين الجسدية والروحية، كصفات الشتامين أو الطماعين أو الخاطفين. وما من شك أن العزل للمصاب في هذه الحالة ليس عقابًا له أو لها فقط ولا تقليلاً واستهانة بحجمه أو مكانته في مجتمعه أو كنيسته أو محيط خدمته، بل لإعطائه فرصة للتوبة وللراحة والعلاج ومراجعة النفس واكتشاف الأسباب الحقيقية التي جعلته يصاب بهذا الڤيروس أو ذاك، وطلب المساعدة والمعونة من رجال الله القديسين الأصحاء وقبول ما يصفونه لهم من علاج مبني على كلمة الله، واتخاذ القرارات السليمة فيمن يخالط أو لا يخالط، وليكن لديه الفرصة للاهتمام بوسائل نظافته الصحية الشخصية من الناحية الجسدية والنفسية والروحية حتى يتماثل للشفاء السريع. إن كل ما يقال في هذه الجزئية عن ڤيروس كورونا والمصابين به يقال عن الڤيروسات الروحية التي ذكرت بعضها سابقًا والمصابين بها في داخل كنائسنا ومجتمعاتنا الروحية وولائمنا المحبية، فمجرد وجود أخ واحد فقط مصاب بڤيروس روحي معين في محيط جماعة من الإخوة أو حتى في محيط شخص واحد مؤمن حقيقي خال من الأمراض لابد للعدوى أن تنتقل إليه أو إليهم لا محالة، فالترانيم والعظات والمناقشات والمقابلات التي نشترك فيها مع أشخاص مرضى بهذه الڤيروسات تترك العدوى في آذاننا وعقولنا وقلوبنا وأرواحنا وتؤدي إلى تسريب للڤيروس داخلنا. علمًا بأن هناك من هم حاملين للڤيروس ولكن لا تظهر أي أعراض للمرض عليهم، مع أن المرض يمكن أن يكون متأصلاً فيهم منذ شهور أو سنين، فماذا نتوقع وننتظر من أشخاص تركوا عائلاتهم لمدة شهور كثيرة وسافروا لأراض بعيدة وتعرضوا لأخطر الفيروسات المتواجدة في أسوأ الكتب والمكتبات التحت أرضية، في أماكن عبادة منعزلة عن العالم وما فيه، تلك المكتبات التي لا يسمح إلا لأشخاص بعينهم أن يدخلوها أو حتى أن يقتربوا منها وأن يتطلعوا على كتبها والتي أقل ما يقال عنها إنها كتب شيطانية في مكتبات إبليسية في أماكن عبادات وثنية؟  فمجرد تواجد مثل هؤلاء الأشخاص  بين جماعة الله في أي كنيسة أو احتفالية لتقديم خدماتهم أو عظاتهم أو ترانيمهم أو مؤلفاتهم ولو لمرة واحدة سينقل العدوى والڤيروس الروحي المميت إلى هذه الجماعة مجتمعة أو متفرقة.

    وبالرغم من تحذير القسوس والأفراد والجماعات والكنائس والطوائف من بعض الأشخاص المرضى ببعض هذه الأمراض والڤيروسات، والذين يدعونهم إلى كنائسهم وفي بعض الأحيان يعيشون معهم، وبالرغم من نصيحتهم أن لا يقوموا بدعوة أي من هؤلاء المصابين إلى فضائياتهم أو كنائسهم والسماح لهم بالوقوف على منابرهم لتقديم تعاليم أو ترانيم أو ندوات أو محاضرات، فإن كثيرًا من الرعاة والقسوس والقادة لا يزالون، وسيظلون، مصرين على دعوتهم بل والتباهي بوجودهم معهم في كنائسهم، واستضافتهم والظهور معهم في الفضائيات والاجتماعات والمؤتمرات.

    ولعل السؤال الذي لابد من إجابته هو، لماذا يصر الخدام والمسؤولون عن الكنيسة العامة على عدم عزل المصابين بالڤيروسات الروحية وتحجيم خدمتهم واتصالهم بالناس ونشر تعاليمهم وكشف مخططاتهم على الأقل حفاظًا على صحة كنائسهم ورعيتهم التي ائتمنهم عليها الروح القدس؟:

    وللإجابة على هذا السؤال أرى أن هناك أسباب تدينية أي مصممة ومنتشرة بروح التدين إلى جانب أسباب أخرى عاطفية نفسية وأسباب ثالثة اجتماعية ومادية إلى آخره، فمن الأسباب التدينية هو أن تشعر مجموعة من المؤمنين المسيطر عليهم بروح التدين أن تعاليم هذا الأخ أو ذاك لا ترقى لدرجة الهرطقة، وأن العزل حتى المؤقت سيسبب لهم آلامًا نفسية وهم لا يريدون أن يكونوا السبب في إيلام أي من الإخوة أو الأخوات مهما كانت حالتهم الصحية الروحية متدنية وعلامات المرض ظاهرة عليهم لكل ذي عينين، والبعض يقول لئلا نعثرهم، والبعض الآخر يقول إن روح الله يدعونا للتجميع والالتفاف حول بعضنا البعض، فلا للتفريق والعزل، والبعض يشعر بعقدة ذنب في الاشتراك في الموافقة على عزل أحدهم بصورة أو بأخرى، والبعض لا تهمهم هذه الموضوعات من قريب أو بعيد، والبعض يحرفون الكلام عن موضعه ويستخدمون الآيات الكتابية في غير موضعها الصحيح فيقولون: “من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر” أو “اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات”، أو “مكنوا له المحبة” و.. و.. و.. غيرها الكثير.

    ومن الأسباب العاطفية النفسية التي ليست فقط تمنعهم عن عزل المرضى من الإخوة والقسوس والخدام والمرنمين والمشيرين، بل تدفعهم إلى المغالاة في الارتباط بهم والظهور معهم في الفضائيات وعلى المنابر، هي محاولة تحقيق ذواتهم، بغض النظر عن الطريقة التي يحققون بها ذواتهم، وخلق مكان أو مكانة لهم في وسط القطيع، فعلى سبيل المثال قد يشعر قسيس أو خادم بأنه نكرة في وسط القسوس والخدام، بالرغم مما هو حاصل عليه من شهادات علمية أو لاهوتية هو دائم الافتخار بها والحديث عنها وعن الأساتذة العظام الذين درسوه ومنحوه الدكتوراه، وبالرغم من ملئه الفضائيات بتعاليمه وبرامجه، لكنه يشعر أن رائحة موته قد فاحت في كثير مما يعمل أو يقول، فيحاول أن يخلق لنفسه حضورًا شخصيًا، وثقلاً أدبيًا، ومكانًا روحيًا وكنسيًا مرموقًا في عالم الخدمة الكنسية فيستميت في ربط نفسه بأحد المصابين بالڤيروس للدرجة التي يقبل فيها أن يصاب هو أيضًا بنفس الڤيروس من المريض به حتى يشار إليه، ويلتفت الناس له، ويمدحونه على أنه أخذ نفس حالة ومكانة وأفكار فلان أو فلانة، حتى لو كان الأمر كله أنه اشترك أو ظهر مع المريض بالڤيروس في اجتماع كنسي أو حلقة تلفزيونية أو ندوة نفسية نفسانية وهذا يكفيه. وقد يرى بعض الأصحاء الأمناء المخلصون أن التصاقهم ببعض المرضى بهذه الڤيروسات سيعجل من شفاء هؤلاء المرضى، وأن الصحة وسلامة التعليم الذي بداخلهم كأصحاء سوف يطهر المرضى من ڤيروساتهم، لكن هيهات!، فالاختلاط بالمرضى حتمًا سينقل العدوى للأصحاء ولن يشفى أو يسارع من شفاء المرضى من أمراضهم، فالأطباء الذين يعالجون المصابين بڤيروس كورونا لا يخالطون مرضاهم بأي شكل من الأشكال، لكنهم يعزلون أنفسهم عنهم تمامًا من أعلى رأسهم إلى أسفل قدمهم بما يلبسونه من ملابس واقية، واتباع تعليمات السلامة والوقاية العلمية الصحية الصحيحة والمعتمدة من المتخصصين الدارسين. أسباب كثيرة يمكن أن تقال في هذا المقام، لكن النتيجة النهائية هي أن مخالطة المرضى المصابين بالڤيروسات الروحية لا بد بأن تنقل للأصحاء العدوى ثم المرض نفسه، علموا أو لم يعلموا، قبلوا أو لم يقبلوا. ولربما كان الأخ السليم لا ذنب له في التعرض للمرضى أو حاملى الڤيروس لجهله بإصابتهم كخدام، حيث أن السلماء البسطاء تعودوا على وضع الخدام في مرتبة أعلى وأقدس من عامة المؤمنين، يظنون معها أن من الاستحالة بمكان أن يصاب هذا الخادم أو القسيس أو المرنم بمثل هذه الأمراض والڤيروسات، غير عالمين أن أكثر الناس تعرضًا للإصابة بالڤيروسات والأمراض الروحية ونقلها للآخرين هم مشاهير الخدام والقسوس والمرنمين، لمخالطتهم الجموع الغفيرة، والتفاف الناس حولهم، وعدم اهتمام أغلبهم بنظافتهم الشخصية الروحية اليومية بسبب مشغولياتهم في الخدمة، وسفرياتهم الكثيرة، وظهوراتهم على الفضائيات، واشتهاء بعضهم ونهمهم لسرعة الانتشار، ومحبتهم الجامحة واحتياجهم المُلِّح في أن يكونوا مركز الدائرة في أي مجتمع يتواجدون فيه، وغيرها من الأسباب الكثير.

   وما من شك، أنه كما هو الحال بين اتهام الولايات المتحدة الأمريكية للصين بأنها مصدر هذا الوباء والڤيروس واتهام الصين بدورها لأمريكا بأنها مصدره، هكذا الحال مع الڤيروسات الروحية المنتشرة في الكنيسة اليوم، من الصعب جدًا تقصي الحقائق لمعرفة مصدرها ومن هم المرضى الأول أو المريض الأول، الذي تسبب في إيجاد ودخول هذه الفيروسات في المجتمع الكنسي، والذي نشر هذه الڤيروسات، حتى نستطيع أن نتتبع خطواته أو خطواتهم لمعرفة كيف بدأ معه أو معهم المرض، ومحاسبته أو محاسبتهم على نقل أمراضه أو أمراضهم للآخرين، سواء بعلم أو غير علم منه، وعزله أو عزلهم تمامًا عن الاجتماعات واللقاءات والفضائيات وعن الاختلاط بالإخوة والأخوات حتى يشفى أو يشفوا تمامًا نفسًا وروحًا وجسدًا، وحتى نتمكن من معرفة كيف نعالج ضحاياه  أو ضحاياهم، وبعدها يمكنه ويمكنهم أن يخرجوا ليعتذروا علنًا لكل من  أساءوا إليهم، بعلم أو بجهل، على نقل العدوى لهم، ويشكروا أولئك الأطباء والإخوة الذين نصحوهم وحذروهم وعالجوهم وصلوا بدموع، ليلاً ونهارًا، لأجلهم ولأجل الذين نقلوا لهم العدوى والمرض بتعاليمهم ومخالطتهم، ويشكروا الأطباء والإخوة لأنهم أصروا على محبتهم وإصلاحهم وعلاجهم من ڤيروساتهم، بالرغم من كبريائهم وعجرفتهم واتهامهم لهؤلاء الأطباء والإخوة بالغباء وعدم الدراسة وبأنهم جهلة، خونة، ومراؤون.

    ٤- درس آخر هو: لا نستمع لكل ما يقال على وسائل التواصل الاجتماعي عن أي موضوع مهما كان:

 خاصة في موضوعات تمس الخدمة والخدام والكنيسة جسد المسيح الحي، بل أن نفحص كل ما يكتب في ضوء شعاع النور الساطع الذي قال عنه كاتب المزمور: “سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي” ولعله ليس سرًا أو اكتشافًا جديدًا أن الغالبية العظمى مما يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي يكتبها أناس إما يجهلون ما يكتبون، وإما كاذبون وهم يعلمون أو لا يعلمون أنهم كاذبون، وإما مستهترون مستهزءون، والغالبية العظمى والأخطر من الكل هم المغيبون، الذين إذا كتب شخص مخلص أن أحد القادة أو القسوس أو الخدام ظهرت عليه أعراض الإصابة بڤيروس ما وعلى الجميع توخي الحذر في التعامل معه أو معها يصرخون في وجهك ويذكرونك بإنجازاته وخدماته وكراماته عند شعب الكنيسة، وإذا حاولت أن تشرح لهم أن الأمر لا يتعلق بشخص أو خدمة أو إجازات أو مكانة خادم أو قسيس أو مرنم أو مشير ما بل ما أنت إلا منبه للناس لحالته خوفًا عليه، ومحاولة مساعدته ليقتنع أنه مريض ويحتاج إلى علاج سريع، والالتزام بقواعد الحجر الصحي، خوفًا عليه وعلى من حوله من الإخوة والأخوات البسطاء لن يسمع لك أحد، وتكون كمازح في أعينهم، أو مغرضًا أو حتى شريرًا لأنك تتكلم على أخيك أو أختك بما يظنونه أنه السوء. ومنهم من يقولون لك، لماذا تتكلم معه أو معها عن مرضه بينك وبينه بالتليفون الخاص، غير عالمين أن علاج الڤيروسات الخطيرة هذه لا يمكن علاجه بالتليفون الخاص، ولا بالاتصال بكل من أصيبوا من هذا الخادم أو القس أو المرنم بهذا المرض الڤيروسي الخطير عن طريق اتصالات خاصة بهم، فلا أحد يستطيع أن يحصي عدد المرضى الذين أصابتهم هذه الڤيروسات المختلفة، لذا فوجب الإعلان العام لا الخاص.

    الفيروسات لا تعالج بالنوايا الطيبة

    لقد حاولت كثير من الدول معالجة مرضاهم أو وقاية السلماء والتخلص من هذا الڤيروس بطرق عدة، فمنهم من أخفى حقيقة إصابة أي من مواطنيه حتى انزاح الستار وانكشف المستور، وحاول بعضهم تحقيق ذلك بترديد الآيات الكتابية المسيحية وزيارة الأديرة والبعض الآخر استخدم الآيات القرآنية الإسلامية وزيارة الأضرحة، وحاولت جماعة أخرى بعمل التعاويذ والأسحار، ومنهم من شرب بول البعير والبقر وغيرها من الطرق لكن هيهات!، فعلاج الڤيروس لا يمكن تحقيقه لا بالنوايا الحسنة، ولا بإخفاء حقيقة إصابة شخص ما به، ولا بزيارة الأضرحة والأديرة والأحجبة  ولا بترديد الآيات والتعاويذ وشرب بول البقر أو البعير، بل بالسمع والطاعة والتنفيذ لوصايا الدارسين والمتخصصين والعلماء أصحاب العلم والخبرة والتاريخ الطويل في علاج مثل هذه الڤيروسات، وهكذا أيضًا الحال مع الڤيروسات الروحية التي تصيب الكنيسة جسد المسيح، لا تعالج بالنوايا الطيبة، ولا بترديد آيات كتابية ولا بانتهار إبليس وتقييده كما يظن البعض، لكنها تعالج بمتخصصين ودارسين لكلمة الله ولهم مواهب الروح القدس القادرة على كشف خبايا وخفايا قلوب المصابين بالڤيروسات الروحية، ومن لهم الدراية باستخدام السلطان الممنوح لهم من القدير على انتهار وتقييد الأرواح الشريرة وإخراجها من محيط عملها بين المؤمنين ومن خلالهم، ولابد أن تكون الحلول والعلاج لمثل هذه الڤيروسات الروحية حلولاً كتابية علمية وعملية مبنية على أساس ما جاء في كتاب الكتب، الكتاب المقدس، ولا يستطيع علاج هذه الڤيروسات إلا الممتلئين من الروح القدس أولئك الذين يداومون ويمارسون النظافة الشخصية مع أنفسهم كل يوم، ويغسلون أيديهم وينقونها من كل إثم عملاً بالقول الإلهي: “اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني كفوا عن فعل الشر” وقوله تعالى: “اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. نقوا أيديكم أيها الخطاة، وطهروا قلوبكم يا ذوي الرأيين”. أولئك الذين يعرفون كيف يضعون كمامة على أنوفهم وأفواههم عملاً بالقول الإلهي على فم داود النبي والملك: “قلت أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني. أحفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي”، وطلبه من المولى تبارك اسمه حين قال: “اجعل يا رب حارسًا لفمي. احفظ باب شفتيّ”.

    من يوقف قيروسكورونا؟

    أما آخر ما أكتب في هذا المقال هو أن الكنيسة هي الكيان الوحيد المتواجد على الأرض القادر أن يوقف مثل هذا الڤيروس، إذا تابت من القلب وتواضع قادتها ومرنموها وقسوسها وشعبها، الذين دعي باسم المسيح عليهم، وصلوا وطلبوا وجهه، ورجعوا عن طرقهم الردية، عندها يتحقق لهم الوعد الإلهي المؤكد والمضمون بفم القدير: “فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم”. لأن الكنيسة ببساطة هي الكيان الوحيد الذي أوصاه العلي نفسه وأعطاه قدرة خارقة للطبيعة مكلفًا إياهم قائلاً: ”اشفوا مرضى. طهروا برصًا. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا”. وهو ما تم حرفيًا مع تلاميذه – تبارك اسمه – في القديم.

كما إنني أرى أن على الكنيسة اليوم أن تؤسس مذابح للترنيم والتسبيح في كل الأرض، فهذه المذابح قادرة بالله على إيقاف الأوبئة ليست الروحية في الكنيسة فقط، بل والجسدية المرضية والنفسية أيضًا في العالم أجمع عند حدودها ووفقًا للخطة الإلهية التي يضعها لهم القادر على كل شيء. فمكتوب عنه – تبارك اسمه – “قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى”.

     لقد كان المذبح الذي بناه داود في بيدر أرونة اليبوسي وتقديمه ذبائح حيوانية عليه سببًا في إيقاف الوباء الذي ضرب شعب الله القديم، حيث قال الكتاب: “فجاء جاد النبي في ذلك اليوم إلى داود وقال له: اصعد وأقم للرب مذبحًا في بيدر أرونة اليبوسي…. وبنى داود هناك مذبحًا للرب وأصعد محرقات وذبائح سلامة  واستجاب الرب من أجل الأرض فكفت الضربة عن إسرائيل”.  فكم وكم تكون قدرة عمل المذابح الروحية التي ترفع عليها ذبائح التسبيح والهتاف للرب في اسم المسيح يسوع الذبيح الوحيد العظيم بقوة الروح القدس لله الآب سيد كل الأرض المتسلط في مملكة الناس.

    صلاة

    أيها الإله الرحيم القدير المحب، أخطأنا أنا وبيت أبي، وشعب كنيستك الوحيدة الواحدة الرسولية، نتوب ونعترف أننا سمحنا للڤيروسات الروحية المدمرة أن تدخل إلى عقولنا وقلوبنا وبيوتنا، وتركنا أصحاءنا ليمرضوا وقتلنا الجريح منهم بلا رحمة أو شفقة، ولم نعد نميز بعقولنا بين الخير والشر، ولم تعد قلوبنا لك العرش المريح، ولم تعد بيوتنا محصنة ضد سهام إبليس الملتهبة، فاعفُ عنا وارحمنا، اغفر ذنوبنا وطهر قلوبنا وأيدينا من كل شر وشبه شر، اللهم أوقف عمل ڤيروس كورونا، هذا المدمر في كل الأرض وتمجد إلى الأبد، أصلي في اسم المسيح العظيم القدير. آمين.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا