دروس من أمن إسرائيل

3

العدد 98 الصادر في نوفمبر 2013
دروس من أمن إسرائيل

   مما لا مفر منه، على الأقل بالنسبة لي، أنه كلما حدثت في مصر تفجيرات أو اعتداءات، قتل وخطف وما شابه ذلك، سواء على الجيش، أو الأفراد أو أماكن عامة أو كنائس، كالاعتداء الذي حدث على كنيسة العذراء بالوراق، وفي احتفال عرس، والذي أدى إلى مقتل خمسة أبرياء، وإصابة العشرات من المدعوين، كلما حدث شئ من كل هذا أجدني أفكر في إسرائيل وأمن إسرائيل. أما لماذا إسرائيل وأمن إسرائيل بالذات؟ أولاً: لخجلي من المخابرات المصرية، التي دائمًا تتهم إسرائيل ومن وراء إسرائيل بأنها وراء حالة اللا استقرار في مصر والمنطقة العربية، ثانيًا: لأنها، أي إسرائيل، هي أصغر دولة في منطقتها المحيطة بها، ثالثًا: لأنها تواجه أكبر كمية من الأعداء يمكن أن تواجهها أية دولة في العالم، حتى لو كانت أمريكا نفسها، ولأنها محاطة بهؤلاء الأعداء من كل ناحية، ولأنها… ولأنها إلخ. ولعل المقارنة التي دائمًا ما أعقدها داخل عقلي الصغير بين إسرائيل وبين مصر وبقية دول المنطقة المحيطة بها، هذه المقارنة التي أخجل أن أشاركها حتى مع من حولي من الأقربين، لأنني، شئت أم أبيت، في النهاية أنا مصري، ولدت وتربيت في مصر، لعبت في حواريها، تعلمت في مدارسها وجامعاتها، عملت بمستشفياتها مع فقرائها وأغنيائها، تجندت في جيشها، خدمت إلهي في كنائسها، زرت مكاتب مباحثها الأمنية، كما أعتقد، أكثر من أي خادم مصري آخر، وحتى وإن كنت قد اضطررت أن أتركها وأعيش بغيرها من بلاد الله الواسعة، فمصر كما قيل عنها إنها وطن يعيش فينا، حتى ولو كنا لا نعيش فيه، ومهما كان، فأنا فرعوني قديم، من أصحابها الأولين، ومهما وصلت إليه مصر اليوم في كل المجالات والنواحي، ليس إلا نتيجة لتقاعس أجدادي المسيحيين الأولين، وكنيستي التي لم تستخدم سلطانها في ردع المستعمرين،  وشعبي القبطي الذي قبل مرغمًا حتى أن يدفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وعجز عن آداء الدور الذي كان لابد لهم أن يقوموا به في وجه كل من خولت له نفسه بأن يهاجم أو يستعمر أو يفتح مصر من قديم الزمان، وأن يدخلوا مصر إن شاء الله آمنين. هذه المقارنة بين مصر، وهي أعرق دول العالم وأطولها تاريخاً، وأعظمها حضارة، وكانت أقواها جيشًا في حقبة ما، وبين إسرائيل وهي التي لا تقارن بمصر من كل هذه النقاط سابقة الذكر، ولتخجيل المسئولين عن مصر اليوم أقول، هذه المقارنة دائمًا ما تجعلني أتعجب كيف لدولة صغيرة الحجم والعدد، لا يتعدى تاريخ تجميعها وإعلان وجودها كدولة، بعد أن تفرقت، ولازالت، في كل دول العالم، لا يتعدى تاريخها الحديث الـ65 عامًا، وكيف وهي تعيش محاطة بكل أنواع الوحوش البشريةـ أولئك الذين يريدون، إن استطاعوا، أن يلتهمونها حية أو ميتة، وهم الغالبية العظمى من المصريين، والشعوب العربية والتركية، والكلدانية والأشورية، والفارسية وغيرها ومن الديناصورات الإسلامية المتطرفة، والأسود العرقية والدينية والاجتماعية التي تنتظر التهامها، كيف لها أن تستمتع بحماية وسلام واستقرار داخلي وسياحة رائجة، وتعليم قوي يثمر أبحاثًا واختراعات، وديمقراطيات وحريات، تكسبها احترام العالم كله، تفتقدها كل الدول المحيطة بها بلا استثناء، ولا يزال رجالها يبدعون في كل المجالات، الإنسانية والسياسية والعلمية والفنية والصناعية والأدبية وغيرها من أمور الدنيا، ورجالها يحصلون على أكبر نسبة من جوائز نوبل في كل عام، ولهذا السبب، وحيث إنني قمت بزيارة إسرائيل ليس أقل من خمس مرات في الخمسة عشر سنة الماضية، قررت أن أعدد ما أعرفه وما لمسته شخصيًا بنفسي هناك، وما نعرفه جميعًا عن إسرائيل، لعله يكون محفزًا للمسئولين في مصرنا، على التعلم والتدبر والمحاكاة والشراكة التي تحقق في النهاية منفعة مصر ومصلحة أمنها القومي، وقد تقلل إن لم توقف تمامًا الاعتداءات على مسيحييها وغيرهم.

   أولاً: إسرائيل لا تفرق في المعاملة بين الإسرائيليين اليهود والإسرائيليين العرب، المعروفين باسم عرب 48 الذين آثروا العيش في الحدود الإسرائيلية، مع أنهم فلسطينيون أبًا عن جد، مع أن هناك فرقًا كبيرًا بين اليهود والعرب، في الدين والعادات والتاريخ والحضارة وغيرها، هذا حتى لو حصل العرب على الجنسية الإسرائيلية أو اندرجوا تحت أية من المسميات الحديثة. وهؤلاء العرب الإسرائيليون، موجودون في كل الهيئات والمؤسسات وحتى الكنيست الإسرائيلي، وكل المصالح الحكومية دون تمييز أو عنصرية، ولم يعامَلوا كما عُومِل المسيحيون المصريون على مر التاريخ والعصور والأزمان، وخاصة منذ أن قامت ثورة الضباط  الذين أسموا أنفسهم بالضباط الأحرار في 1952، فهناك، كانت ولا تزال، نسبة معينة في بعض الكليات والمعاهد الدراسية لأعداد المسيحيين المسموح لهم بها، ولا يمكن للمسيحيين أن يتعدوها، نعم هو ليس قانون مكتوب أو دستور معتمد من الشعب، لكنه عرف بقوة القانون، لا يمكن كسره، وذلك في الكليات التي تقبل طلبتها بعد إتمامهم ونجاحهم في كشف اللياقة وغيرها من الامتحانات التي لا يترك النجاح والرسوب والمجموع فيها لمعايير وقوانيين ثابتة يمكن قياسها، بل لأمزجة الممتحنين وخلفياتهم ودياناتهم، أما في الكليات التي ليس بها امتحانات لياقة، والتي تتوقف فقط على مجموع درجات الطالب، فيكفي اختراع جامعة الأزهر، وهو ما يحقق التمييز الديني الرهيب، ومهما قيل لي أن كل هذا كان قبل الثورة الأولى في يناير، أو الثانية في يونيو، فهذا أمر لابد من إثباته عمليًا، وهذا واحد من العوامل التي تولد الضغط على نفوس المسيحيين، والإحساس بالتمييز والعنصرية الدينية تجاههم.

   ثانياً: إسرائيل تحمي مؤسساتها ومبانيها ومتاجرها وشوارعها بكل أجهزتها، الحربية والشرطية والمخابراتية السرية والعلنية وغيرها، وتتوقع العدوان والغدر من كل الناس في أي وقت، ولا تنتظر حتى تقع الكارثة لتضع حراسة على موقع الحدث، ولا تهتم بالتصريحات والتبريرات والشعارات والمقابلات والرسميات، وأجهزتها المخابراتية تتشمم الحدث قبل أن يقع وتتعامل معه بكل صرامة وجدية، ولا يمكن أن تغفر لمعتدي عليها مهما  كان، وإن تجرأ فرد أو جماعة أو حتى بلد على مهاجمتها أو خطف جندي واحد من جنودها، لدمرته هو وبيته وعائلته، وإن استطاعت لدمرت بلده، كما عملت مع لبنان وحزب الله الذي تجرأ أن يعلن مسئوليته عن اختطاف جندي إسرائيلي، أما نحن في مصر، فيمكن أن نبيع سيناء بكل ما ومن فيها، و”يجعل بيت المحسنين عمار”، ونبيع ونسمح بتهريب الغاز والبنزين والبن والشاي عبر أنفاق إن كنا نعلم بوجودها، وسكتنا وتركناها لتهريب بضاعتنا، فهذه مصيبة وإن لم نكن نعلم فهذه مصيبة أكبر، ونحن لم نصدق المخابرات الروسية عندما أبلغونا أن إسرائيل سوف تضربنا الساعة التاسعة صباحًا فجر 6 يونيو سنة 1967، ولم يعرف عبد الناصر أن الإخوان المسلمين سوف يحاولون قتله في حادث المنشية، ولم يكتشف السادات أن هناك طابورًا خامسًا في جيشه سيقتله وهو في أوج مجده وعظمته ونفخته الكاذبة في احتفاله بنصره المزعوم في 6 أكتوبر 1981، ولم يتخيل مبارك ومرسي إنهما لن يصمدا أمام الإرادة الشعبية، حتى ألقي بهما خارج القصور. لقد ذكرني الهجوم المسلح المتكرر على الكنائس بما رأيته عندما كنا نزور إسرائيل يومًا ما أنا وعائلتي، وطلب مني ابني الأكبر أن يأكل في ماكدونالد، ذهبنا إلى إحدى فروع ماكدونالد في تل أبيب وعلى الباب وجدنا طابورًا من البشر ينتظر دوره في الدخول، تعجبت من المنظر، فلم أعهد أن أرى طابورًا يقف أمام باب ماكدونالد في أي من البلاد التي زرتها، ملت لأنظر السبب في وجود هذا الطابور، فوجدت على قمة الطابور واحدًا من رجال الأمن المعينين من شركة ماكدونالد لتفتيش الداخلين الذين لابد لكل منهم أن يمر في جهاز الكشف عن المفرقعات، وبعدها يتم تفتيش الحقائب والمحمولات مهما كان نوع أو جنسية الداخل، ولم يتذمر أحد، ولم يحاول أحد الواقفين أن يتخطى دوره أو أن يعترض على فترة الانتظار، لمجرد الدخول داخل المتجر، أما نحن في مصر فناس طيبين جدًا لدرجة إننا نثق في المجرمين والقتلة وأصحاب السوابق أن يدخلوا إلى قرانا وشوارعنا وكنائسنا ومطاراتنا وبيوتنا، ثم نتباكى على ما فعلوه من شر فيها.

   ثالثاً: إسرائيل تبدأ بتفتيش المسافرين إليها، وهم لا زالو في مطاراتهم في بلد الإقلاع، وقبل إقلاع طائراتهم المتجهة إليها، وهي لا تأتمن حتى بوليس بلد الإقلاع أن يقوم بمهمة التفتيش بدل من موظفيها، وإن أردت أن تسافر إلى إسرائيل على الخطوط الجوية الإسرائيلية، لا بد أن تتواجد في المطار قبل وقت الإقلاع بـ 3 ساعات على الأقل. أما طرق تفتيشهم لحقائب اليد التي ستصعد إلى الطائرة، فهي بفتح كل ما في الحقائب واحدة واحدة، المرايا المطوية، أقلام أحمر الشفاه، الأحذية، علب الكريمات الصغيرة والكبيرة، الأقلام والأوراق وغيرها، المهم أن لا يفلت منهم شئ. ولذا لم نسمع رغم كل المحاولات المتكررة أن طائرة إسرائيلية تم خطفها أو تفجيرها بسبب ركوب أحد المتربصين بهم. فإسرائيل تعلم أن شريان دمها الأساسي يجري من خلال السياحة، وأن مجرد تفجير واحد سيؤثر على دخلها سلبًا، لذا فهي على استعداد أن تعمل المستحيل لتؤمن طائراتها، أما نحن فالتفتيش في المطارات عندنا يكون مضحكًا بما فيه الكفاية، وبعض أمناء الشرطة بعد أن تضع حقيبتك وتمر على التفتيش الآلي يقولون لك “كل سنة وأنت طيب يا باشا” وإن لم تفهم هذا الأسلوب يقولون لك “تروح وتيجي بالسلامة يا باشا”. وإن لم تعطهم شيئًا أمسك بحقيبتك بالرغم من انتهائه من فحصها الصوري، وكرر هذه العبارات السابقة حتى عشر مرات، صدقوني حدث هذا معي في مطار القاهرة أكثر من مرة. ولأن إسرائيل تقوم بتفتيش المسافرين على أراضيهم وليس عند وصولهم تل أبيب مثلاً، فإن عملية دخول الزائر إلى إسرائيل لا تستغرق أكثر من خمس دقائق في أي مطار من مطاراتهم في الظروف العادية، لكن عند الخروج من المطار يخضع الشخص إلى تفتيش آخر دقيق، ولا أنسى أول مرة زرت فيها أورشليم القدس، لم يستغرق دخولي إليها إلا خمس دقائق كما قلت، لكن عند خروجي، وقد ظننت بالطبع أنه إن كان دخولي استغرق خمس دقائق، إذًا، فلابد أن خروجي سيكون في دقيقة واحدة، لكنه لم يحدث، جاءتني موظفة صغيرة السن أنيقة تتكلم الإنجليزية بطلاقة (ربما أحسن مني يومها) وابتدأت معي بالاعتذار قائلة “أنا أسفة إني سآخذ من وقتك دقائق لاستكمال ملف خروجك من إسرائيل، قلت في نفسي ما هذا الاحترام الذي أعامل به، والفتاة الصغيرة الجميلة تعتذر لتعطيلي دقائق، وتطلب أولاً موافقتي على الإجابة على أسئلتها، كانت تقف بجانبها فتاة أخرى أصغر منها سنًا، أشارت إليها محدثتي وقالت بالإنجليزية ما معناه “هذه فلانة، زميلتنا في العمل، وهي تحت التدريب للقيام بمهمة استكمال أوراق المسافرين، وإن لم يكن عندك مانع أود أن أستأذنك أنها تتواجد معنا في الدقائق القادمة لتتعلم هذه الجزئية في عملها المقبل، قلت في نفسى: “الله، الموظفة بتستأذن مني أنا الغريب لاستكمال عملها”. بالطبع وافقت على طلبها مسرورًا، وبدأت في أسئلتها: “كم يوم قضيت في إسرائيل؟ أية أماكن قمت بزيارتها؟ كم من الوقت قضيت في كل مكان؟ هل يمكن أن تصف لي شكل كنيسة القيامة من الخارج والداخل؟ هل زرت المسجد الأقصى؟ هل قضيت وقتًا أمام حائط المبكى؟ أين بت وأين أقمت وأين مشيت ومن قابلت ولماذا زرت إسرائيل؟ هل أساء أحد معاملتك في أية مصلحة أو مكان سياحي؟ هل وجدت كل ما كنت تريد رؤيته أو شرائه؟ هل تحب أن تكرر زيارتك لإسرائيل؟ هل ستوصي الآخرين بزيارة إسرائيل؟ هل لديك أية شكوى من أي نوع؟” وبعدها شكرتني وتمنت لي رحلة سعيدة. وهنا أريد أن أقرر، أولاً: فأنا لست أعلم إن كان هذا ما يعملونه مع كل مسافريهم أم لا، وإن لا لماذا اختاروني أنا بالذات، أيضًا لست أعلم، لكني أعلم شيئًا واحدًا أنني لم أشعر بأي ضيق من هذا الاستجواب، ومضيت فرحًا لأنني تأكدت أنني في ايدي أمينة. الأمر الثاني هو أنني أعلم أن إسرائيل ليست جماعة من الملائكة يسكنون أرضنا، ما هم ما إلا بشر مثلنا لكنهم يحترمون مواطنيهم وزوارهم، وحتى أعدائهم، وهذا جزء من الأمان الذي تتمتع به إسرائيل.

   4- إسرائيل تتعامل مع ملفات أمنية، وليست أحداثًا فردية، وما أبعد الفرق بين الملف الأمني وبين الاستجابة ومعالجة حدثًا أمنيًا، فهناك ملف اسمه ملف حماية السياحة والمواطن الإسرائيلي، تحت هذا الملف هناك ملف فرعي من ملف حماية السياحة والمواطن الإسرائيلي اسمه حماية الكنائس والمناطق الأثرية المسيحية والإسلامية واليهودية، وتحت هذا الملف يوجد هناك ملف حماية الكنائس والمقدسات المسيحية، وتحت هذا الملف يوجد ملف لكل كنيسة أو مكان أثري وكيفية حمايته، إن كان بقوات خاصة، أو كاميرات تجسس، أو دوريات عامة، أو.. أو.. أو، وإسرائيل لا تتسامح أبدًا لأي سبب أو علة مع من يقوم بالاعتداء على أراضيها أو سكانها أو حتى زائريها، وهي لا تضرب فقط المنفذين للاعتداء بل تضرب رؤوسهم المدبرة، ومصادر تمويلهم. فإذا ما أعلن حزب الله عن اختطافه لجندي إسرائيلي واحد، دكت إسرائيل لبنان بجملته وأرجعته 50 سنة إلى الوراء، وإذا أعلنت حماس مسئوليتها عن موت جندي إسرائيلي واحد اصطادت إسرائيل قيادات حماسية فيصبحون في عداد الموتى، وإن انطلق على إسرائيل صاروخ واحد من غزة، قامت الحرب ودمرت نصف غزة ردًا على هذا الصاروخ، وإن اختبأ متطرف واحد في بيت من بيوت الفلسطينيين، لهدمت إسرائيل البيت على رؤوس من فيه. نعم قد تبدو هذه الممارسات وحشية في بعض الأوقات، لكن العمل بمبدأ عين بعين وسن بسن هو مبدأ يهودي توراتي أصلاً، وأضاف عليه المسلمون “والبادئ أظلم” فمن فمك أدينك. كل هذا الاستعداد الأمني الإسرائيلي، ومع إنها قادرة على حماية نفسها وجيرانها ومع ذلك فإسرائيل ليس لديها مانع أن تطلب مساعدة بلاد العالم أجمع، وأن تتعاون مع كل الدول، وتطلب مساعدتها في الحفاظ على أمنها والقبض على مجرميها والمطلوبين لعدالتها، وليس عندها مانع بأن تستخدم كل إمكاناتها الاستخباراتية في خدمة المجتمع الدولي.

خامسًا: مما يضمن أمن إسرائيل أيضًا إنها تحترم الممارسات السياسية. فالعملية السياسية واختيار رئيس وزرائها يكون بعملية انتخاب حر حقيقي، لا يستقصى منه أقباط، أو شيعة أو مسلمين أو يهود، بسبب الدين أو العرق أو العقيدة، ولا يمكن أن ينجح شفيق في الانتخابات، ويعلن الجيش أن الناجح هو مرسي، خوفًا من تهديدات الإخوان المسلمين، أو حقنًا للدماء، أو استكمالاً لمخطط سري بين الجماعة والجيش. ولا دخل لرجال الدين عندهم في السياسة، فإذا قرر الجيش التدخل في أمر ما، لا يحتاج لكبير الحاخامات أو لشيخ المسجد الأقصى أو لأحد من البطاركة لكسب التأييد الشعبي لخريطة طريق، فالشعب الإسرائيلي يحترم قادته، ويثق بهم، وقد فوضهم في تولي شئونه، ولهم الأمر والطاعة. ولذا، إذا ما أراد الكنيست أو الجيش شيئًا كان معمولاً. والويل لمن يخرج عن الشرعية (الحقيقية) السياسية، لن يحصد إلا الفشل وخيبة الأمل من الجميع.

   سادسًا: إسرائيل لا يوجد في دينها، من قريب أو بعيد، فكرة نشر رسالتها الدينية بالقوة ولا بالسلم، فاليهودية بالنسبة لهم ليست دينًا ودولة، وليس لديهم جماعات مسالمة أو متطرفة تحاول أن تنشر اليهودية في كل مكان على الأرض، وبالتالي ليس لديها تاريخ من سفك الدماء في سبيل نشر ديانتها، ولا تعتبر من خالفها في الدين من الكفار من يحق عليهم الجهاد في سبيل الله، وليس لديها قردة ولا خنازير يجب أن تتعامل معهم على هذا الأساس، ولا علاقة للآخرة عندهم بما يعملونه في الدنيا. ومع أنه ليس عيبًا ولا حرامًا أن يكون عندهم كل ما سبق، لكن العيب والحرام يكون في استخدامه ضد الآخرين الذين لا يؤمنون به.

   سابعًا: أخيرًا أقول إن إسرائيل لا تتكلم كثيرًا، لكنها تعمل كثيرًا. هي لا تشجب، ولا تعاتب، ولا تحاور، هي تضرب وتحاكم، وتقتص وتقلع وتهدم، وفي المقابل هي تزرع وتبني وتعمر وتسمع لمواطنيها ورعاياها، وتحمي الجميع، بغض النظر عن أديانهم وخلفياتهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية.

    كل هذه العوامل السابقة منفردة ومجمعة هي التي تضمن أمن وأمان إسرائيل في الداخل والخارج. فلنتعلم من أصغر دول العالم، ولنطلب العون ممن لديهم خبرة واضحة وتاريخ من الحفاظ على بلادهم، ليعلمونا كيف نحمي كنيسة في الوراق وعرسًا قبل أن يتحول إلى مأتم، وصغاراً قبل أن يفقدوا حياتهم قبل وقتهم، ولنلغي من قواميسنا ألفاظًا مثل نشجب، ونجب، ونستنكر، ونعزي، ونبكي، المصالحة، جلسات النصح، جلسات الصلح، إلى آخر القائمة البغيضة التي مللنا من استخدامها، ولنستخدم بدل منها ألفاظًا تصلح للعصر الذي نعيش فيه، عندها فقط سنكون قادرين على الحفاظ على أمن مصر كما هو الحال مع أمن إسرائيل.

   اللهم علمنا طريقنا من أعدائنا قبل محبينا، وأنر دروبنا ونق نفوسنا، وأنقذنا من محبينا أكثر من أعدائنا، إنك أنت السميع العليم.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا