جَنَّةُ المُلْكِ… الحلقة (16)

11

د. أماني ألبرت

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا… كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم.. أضاع “أبيحائل” والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض..

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. فقد وجد أنه ما زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام.. واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء.. التحق مردخاي بالعمل في لقصر الملكي.. ذات يوم أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا فماذا رأت؟.. (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة..)

ارتبكت القاعة من هياج الأصوات… ولما زاد حماس الصراخ… رفع الملك يديه فسكت الجمع.

– سأخبركم بذوقي في النساء.

قاطعه أحد الجالسين:

– نحن نحكم… دعنا نحكم بأنفسنا.

ثم علت الهتافات:

– الملكة وشتي… الملكة وشتي

ضحك الملك… وقد شد الأمر انتباهه فقال:

–          سترون اليوم ما لم ترونه من قبل… وشتي الملكة… وهي لابسة تاج المُلك.

–          تاج المُلك فقط يا مولاي.

فهتف الجمع وراءه:

–          تاج المُلك فقط… تاج المُلك فقط

علا صوت الضجيج في القاعة… فاقترب حراس الملك وأحاطوا بالعرش كدائرة ووقف خلفه خصيانه وخدامه المقربون… فيما نظر مستشارو الملك لبعضهم البعض… فالملك قد يفعلها… وقد طاب قلبه بالخمر فهو لا يعي ما يقول أو يفعل… فتجرأ العامة وطالبوه بهذا.

رفع الملك يده من جديد… فانسكب بعض من الخمر على الأرض… فضحك الملك… وبادله الجميع الضحك.

تلفت الملك حوله مشيًرا لخصيانه (كانوا سبعة هم الواقفون بين يدي الملك: مهومان وبزثا وحربونا وبغثا وأبغثا وزيثار وكركس) بالذهاب ليأتوا أمامه بوشتي الملكة وهي لابسة تاج المُلك فقط… ليرى الشعوب والرؤساء جمالها… فانفجر الجميع في الهتاف باسم الملك وقالوا:

–          فليحيا الملك العظيم… “أحشويروش”.

أراد مستشارو الملك أن ينقذوا الموقف، فالملك ليس في وعيه ولم يصدر أمر مماثل من ملك يومًا.

انحنى “كرشنا” على “شيثار” وقال بصوت هامس:

–          ماذا نفعل؟.. الملك يسيء إلى نفسه هل يعرض زوجته عارية أمام العامة؟

–          هذه دائمًا طريقة “مموكان”… يدفعه لفعل شيء دون أن يقول له افعله.

–          لقد حاول “مموكان” إنقاذ الموقف فزاده سوءًا.

–          كلا، هو يقصد ما يفعل. لا يجب أن نعمل شيئًا ضد إرادة الملك. ابتسم وجارهم في الضحك.

–          ولكن علينا أن…

قاطعه “شيثار بلا مبالاة:

–          تذكَّر ما حدث مسبقًا لمن كان في مكانك.

عزفت الموسيقى ودخلت الراقصات من جديد وامتلأت القاعة بأصوات الغناء والتصفيق… وجلس الملك ومن قبله العامة منتظرين قدوم وشتي… وطال الوقت.. فانتهت الرقصة ولم تأتِ الملكة.

فأرسل الملك لاستعجالهم… وما هي إلا لحظات ودخل “مهومان” مقتربًا من عرش الملك فساد صمت في كل القاعة. وبناءً عليه/ بادره الملك بالسؤال:

–          أين وشتي الملكة؟ لماذا تأخرت هكذا؟ أيستغرق ارتداء التاج كل هذا الوقت؟

رد “مهومان” بصوت مرتجف:

–          رفضت المجيء مولاي

–          ماذا؟

–          رفضت أن تأتي حسب أمر الملك.

جن جنون الملك واغتاظ جدًا واشتعل غضبه فيه فصارت عيناه حمراء كالدم وصرخ بصوت عالٍ:

–          كيف تجرؤ على عدم إطاعة أوامري؟

أدرك كل مَنْ في القاعة أن الموقف لن يعبر بسهولة… فقد اشتغل غضب الملك… ثم صاح بصوت جهوري:

–          فلتُقتل… فلتُقتل وشتي الآن (لم تُقتل في الحال بسبب القانون، ولكن تشير السجلات التاريخية إلى أنها ماتت في وقت ما بعد هذا الحدث، ولكن في نفس العام، ويقال إن أم الملك اغتنمت الفرصة لقتلها لأنها كانت تكرهها).

ووجه نظره نحو كبير مستشاريه صارخًا:

–          ماذا يُعمل بها بحسب السنة والقضاء؟

قام “كرشنا” من مكانه ورد بصوت أسيف:

–          عش إلى الأبد يا مولاي… تنص قوانين مادي وفارس على أنه لا يجوز أن يبقى منصب الملكة شاغرًا بل ينتقل التاج من الملكة الحالية للملكة المستقبلية… وبما أننا لا نستطيع تنحيتها إلا بوجود ملكة أخرى للبلاد فيمكن أن يتم التحفظ عليها وتظل محتفظة باللقب مع إيقاف التنفيذ لحين اختيار ملكة أخرى للبلاد.

زادت إجابة “كرشنا” من هيجان الملك وصرخ بحدة:

–          أنا القانون وأنا القاضي… أنا مَنْ يقرر ما هو صواب وما هو خطأ. لقد أخطأت وشتي ولابد أن تعاقب.

كان غضب الملك شديد لدرجة أرجفت كل مَنْ حوله، فأجابه مموكان في حضرة العظماء، محاولاً أن يسترضيه:

–          إن الملكة وشتي لم تذنب في حق الملك وحده، بل أساءت إلى جميع الرؤساء وجميع الشعوب الذين في كل بلدان الملك أحشويروش. فما إن يذيع هؤلاء خبر تصرف الملكة بين جميع النساء، حتى يحتقرن أزواجهن، إذ يقلن: إن الملك “أحشويروش” أمر أن تمثل الملكة وشتي أمامه ولكنها لم تنفذ أمره. فتحذو في هذا اليوم سيدات فارس ومادي، اللواتي بلغهن خبر الملكة، حذوها، ومثل هذا يثير كثرة من الاحتقار والغضب. فإذا راق للملك فليصدر أمرا ملكيًا، يُسجَّل ضمن مراسيم مادي وفارس التي لا تتغير، يحظر فيه على وشتي المثول في حضرة الملك أحشويروش. وليُنعم الملك بمُلكها على مَنْ هي خير منها. وهكذا يذاع أمر الملك الصادر عنه في كل أرجاء مملكته الشاسعة، فتعامل جميع النساء أزواجهن صغارًا وكبارًا باحترام.

رد كرشنا بهدوء:

–          نعم، وحتى وقت اختيار ملكة جديدة للبلاد لا تمثل وشتي أمام مولاي… تمهيدًا لتنفيذ الحكم الذي تأمر به.

فاستصوب الملك وعظماؤه هذا الرأي، وعمل بمشورة مموكان، وفي الحال قرر إرسال رسائل إلى كل أرجاء المملكة، مكتوبة بلغة أقاليمها وبلهجة شعوبها، يأمر فيها أن يكون كل رجل السيد المطاع في بيته وأوصى أن يذاع هذا الأمر حسب لغة كل شعب.

وحتى يخرج الملك من هذا الموقف، وقف “كرشنا” وسأله:

–          مولاي… هل ترغب أن تعزف الموسيقى وتدخل الراقصات من جديد حتى نحتفل مسبقًا بالملكة الجديدة للمملكة؟

هز الملك رأسه بالموافقة… ثم علا الهتاف والصخب من جديد في القاعة وعزفت الآلات الموسيقى ودخلت الراقصات.

قرر “مردخاي” الرحيل الآن… فلن يصير أسوأ مما صار… كما أن لديه في الصباح الباكر كتابات قرارات الملك. حاول “إنليل” أن يبقيه قليلًا… فقد بدأ المرح للتو… لكنه شعر بأنه ليس على ما يرام… فاستجمع قواه وخرج متوجهًا نحو فرسه.

وبينما هو في الطريق أصابه دوار وغثيان غير طبيعي. وصل للفرس بصعوبة بالغة وفجأة بدأ يتقيأ ويتقيأ رغم أنه لم يأكل إلا شيئًا بسيطًا.

كانت حالة “مردخاي” تسوء وقد أدرك أنها لن تتحسن، فاستجمع قواه وركب فرسه منطلقًا نحو البيت، فقد بدأ يتصبب عرقًا بشكل غير طبيعي.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا