تقسيم مصر بدأ من الداخل، من زمان

7

العدد 146 الصادر في نوفمبر 2017
تقسيم مصر بدأ من الداخل، من زمان

    تتلاحق الأحداث بأسرع مما يمكن لكاتب أو محلل سياسي أو دينيأو مفكر أن يحيط أو يلم بها جميعًا، وكثيرًا ما يوضع الكاتب في مأزق حول أي الأحداث والقضايا، وكلها أهم من بعضها، يكون لزامًا عليه أن يتناولها بالكتابة، ومثال عملي حالي للتدليل على هذه الحقيقة، هو أن لدىَّ العشرات من الأمور والأحداث والقضايا الهامة لأكتب عنها، فهل أكتب عن مذبحة الواحات وكل الأطراف المسؤولة عنها والتي كان لابد لهم من علاجها حتى قبل حدوثها؟، هل أكتب عن الكتب الدينية المحرضة على القتل وأكل المرتد ودارسيها ومدرسيها؟ هل أكتب عن الاقتصاد المصري والأزمات الطاحنة التي لست أعتقد أنه سيشفى منها أبدًا؟ ناهيك عن الكنيسة العامة وما يحدث بها ولها، هل أكتب عن قتل أحد كهنتها وهو يسير في الشارع في أمان الله، أعزل لا حول له ولا قوة، وعن كيفية المعالجة المحزنة المؤسفة لهذه المذبحة من الدولة والمسؤولين بها أو الأزهر وولاته أو حتى الكنيسة ورياساتها والمسؤولين عن قطيعها الصغير من المساكين والغلابة المغلوبين على أمرهم، ومعالجتهم جميعًا لهذا الحدث الإجرامي؟ هل أكتب عن المسيحيين الذين يصلون في الشارع لأن السلطات المصرية أغلقت لهم كنائسهم، بغض النظر عن الأسباب الواهية الكاذبة المقدمة لهم لإجبارهم على قبول الأمر الواقع؟ أم أترك كل هذا الخضم من الأحداث والقضايا وأكتب عن طرح فكرة إجراء استفتاء قبطي حول قيام دولة قبطية في مصر؟

    فقد يبدو أن طرح هذا الأمر للمناقشة وإبداء الآراء ليس في وقته المناسب وهو أقل الموضوعات المطروحة على الساحة المصرية أهمية، وأكثرها بعدًا عن الواقع وعن إمكانية التنفيذ، وليس له أي مساحة في العقول المفكرة لكثرة ما بها من موضوعات وتحديات وكأنه درب من دروب المستحيل لعشرات الأسباب المنطقية والدينية والعاطفية. لكن بالرغم من كل ما تقدم فأنا أرى أن هذا الأمر هو من أهم موضوعات الساعة وأكثرها إلحاحًا لما فيه من إمكانية لحل الكثير من المشاكل المميتة المزمنة التيأصابت الشعب المصري، أي القبطي، وخاصة الشعب القبطي المسيحي منذ دخول الإسلام والمسلمين إلى مصر آمنين، وذلك للأسباب الآتية:

1     – إن كأس اضطهاد المسيحيين قد امتلأ وفاض وبدأ في الانسكاب على أرض الواقع بأسوأ ما تكون صوره، حتى لو صور المسؤولون الحكوميون والدينيون الأمر بعكس ذلك وقالوا إننا نعيش في أزهى عصورنا كأقباط، حتى للدرجة التي معها أن مسلمًا بلطجيًا متطرفًا دينيًا يطعن كاهناً أمام المتواجدين بالشارع في وضح النهار ولا يجرؤ أحد على الدفاع عن الكاهن، ثم يخرج من المسؤولين الحكوميين من يقول إنه مختل عقليًا، ولم نسمع عن مسلم واحد، سواء أكان سليمًاأو مختلاً عقليًا حقًا يحاكم بسبب اعتدائه على مسيحي!!

2     – إن العالم لم يعد بعد كما كنا نصفه في الماضي بأنه “قرية صغيرة” أو كما كنا نراه قبل انتشار الميديا والفيس بوك والقنوات الفضائية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، بل قد أصبح العالم غرفة صغيرة واحدة من بيت واحد في زقاق ضيق واحد من قرية صغيرة واحدة.

3     – يتحدث العالم كله في الوقت الحالي عن استفتاءات وأعراق وتقسيمات ودويلات وبلدان جديدة نشأت وستنشأ في القريب العاجل بالرغم من رفض، أو التظاهر برفض، ملوك ورؤساء و قادة وشعوب معظم دول العالم لمثل هذه التقسيمات.

4     – إن لدينا اليوم أمثلة عملية واقعة أمام عيوننا لتطبيق مثل هذه الأفكار في السودان، والأكراد وانفصال بريطانيا عن دول السوق الأوروبية وغيرها الكثير مما يحدث في عالمنا، ومع علمي الكامل بالتحديات والمعوقات والمحاربات والتدميرات والمعاناة والخسارات للأعراق المنفصلة بعضها عن بعض…إلخ، إلا أنه إذا كانت معاناة أي جماعة على الأرض هي معاناة يومية، معيشية، مستديمة ومن كل المستويات شعبية وحكومية ودولية يكون الحديث عن الانفصال أكثر قربًا لأصحاب العرق الواحد عن دفن الرؤوس في الرمال وادعاء أن المصريين نسيج واحد أو أننا لا يمكننا الاستغناء عن إخوتنا المسلمين.

    وبالرغم من كل ما تقدم، فما أن طرحت استفسار عن إمكانية مجرد التفكير في  عمل استفتاء مسيحي شعبي حول القيام بتكوين الدولة القبطية المصرية على غرار الاستفتاء الذي أجراه الأكراد في العراق حتى قامت الدنيا ولم ولن تقعد، وكأنني أتيت شيئًا فريًا ليس بواقع حالي أليم، وكأن مصر غير مقسمة أو منقسمة على ذاتها حتى الآن. وكعادة الغالبية العظمى منا كمصريين وخاصة أرباب الفيس بوك، فهم يبدأون بإصدار الأحكام في أية قضية أو موضوع مطروح للمناقشة ويبدأون في إصدار الاتهامات والإهانات والتعليقات والعبارات المحفوظة والأحكام المبسترة والمعدَّة سابقة التجهيز والحفظ، من شعارات وتمنيات غيبت عقولنا حتى لا نستوعب الأمور، “كمصر وطن يعيش فينا وليس وطنًا نعيش فيه”، وأن “الأقباط يعيشون أزهى عصورهم”، أو “سنصلي في المساجد إن حرقوا لنا الكنائس”، أو “نحن نسيج واحد لا يتجزأ”، أو “يا حبيبتي يا مصر”، ثم يتهمون صاحب الرأي بالعمالة والخيانة والتحريض على الفتنة فيلعنونه ويطالبون بتوقيع أقصى العقوبات عليه وسحب الجنسية المصرية منه ووضعه في غياهب السجون إن وجدوه، ويطالبونه بترك دولة إقامته وعدم أحقيته بالدفاع عن الأقباط لأنه لا يعيش معهم، وعليه سيبنا في حالنا ومالكش دعوة بينا، وغيرها مما يعبر عن مدى التشويش العالي جدًا في أذهانهم كأقباط مصريين يعيشون تحت سيطرة صغر النفس وأرواح العبودية والفشل والغي والخوف. وما أدل على ذلك من تصريحات بعض القيادات الكنسية في الصحف والمجلات والتبرؤ من معرفتي من الأصل وكأنني شبح ظهر فجأة على شاشة الطوائف المسيحية، وكما كتبت في تعليق سابق فأنا ألتمس لهم كل العذر فهم لا يستطيعون أن يعترفوا بالحقيقة المرة أن القيادات الكنسية في مصر مسيرة لا مخيرة.  فقد كتبت عليهم مصائرهم وأقدارهم وتعليقاتهم واتجاهاتهم وعلقت في أعناقهم كتابًا موقوتًا وسبحان مغير الأحوال.

    ثم بعد كل ما تقدم ذكره من ردود الأفعال، وبعد أن تهدأ الأمور قليلاً وفي الكواليس تبدأ مجموعة صغيرة من الحكماء والفهماء في سماع صلب الموضوع وتفاصيله وحيثياته ومقارنة الأحداث وقراءة التاريخ والواقع الحي وفهمه بنسب متفاوتة بحسب إمكانية استيعابهم وسعة مداركهم واستعدادهم لتغيير أفكارهم في حالة اكتشافهم أخطائهم في الحكم في موضوع أو قضية ما قبل دراستها. وبالرغم من كل هذا، فالغالبية العظمى تستكثر أن تعترف بخطئها وتصحح قراراتها فيركبها الكبرياء وجنون العظمة وتستمر في التمسك بأحكامها الخاطئة وتعليقاتها التي لا قيمة لها من أساسه، بالرغم من اكتشافها خطأها وإيمانها بحتمية تغييره والتوبة عنه والتطهر منه.

    والسبب في كل ما تقدم أنه عادة ما يكون هناك موضوع ما في ملف من ملفات عقل الإنسان لا يريد أن يسمع عنه أو يتناوله أو يتذكره أو يفكر فيه بأي شكل من الأشكال ويظل مبتعدًا عن المساس به وكأنه خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه. وفي رأيي الخاص أن ملف مصر وتقسيمها إلى دولتين أو أكثر هو أهمها وأخطرها وأكثرها حساسية عند فتحه أو حتى التفكير فيه، على الأقل لدي أنا شخصيًا وعند المصريين المخلصين الوطنيين جميعًا. فقد كتبت عن هذا الأمر في مقال سابق وقلت “إنني كنت أتمنى أن لا تخطر هذه الفكرة، فكرة تقسيم مصر بعقلي على الإطلاق”، لكنني كجراح للفم والأسنان أعلم، كما يعلم غيري من الجراحين أن السرطان لا يبدأ بجسم المريض عندما تراه بعينيك أو بأنواع الأشعة المختلفة، وأن الضرس يبدأ به التسوس قبل أن تتمكن عيوننا المجردة أو أشعتنا من اكتشافه، وأن العلاج في الحالتين ينبغي أن يكون سريعًاوناجحًا بقدر المستطاع، ومع ذلك فكثيرًا ما رفض المريض العلاج لأسباب تبدو غبية وغير منطقية لنا كجراحين، أما بالنسبة للمريض فتبدو منطقية جدًا، فمثلاً عندما تطلب من مريض أن يقبل تنظيف السن من التسوس وحشوه غالبًا ما يجيبك: هذا الضرس لا يؤلمني على الإطلاق. فيبدأ الطبيب المعالج بشرح أهم أسباب حتمية حشو الضرس، وبسرعة، فيقول للمريض إن لم تقم بالتخلص السريع من التسوس الذي في الضرس وحشوه سيمتد التسوس ليصبح قريبًا جدًا من عصب الضرس وعندها سيؤلمك آلامًا مبرحة وتندم وتتمنى لو كنت قد قمت بعلاجه سابقًا، وقد تصل آلام الضرس إلى أقصى درجاتها التي قد تهدد الجسم كله والتي لا تنفع معها كثير من المهدئات أو حتى المنومات بعد، وعندها لن نتمكن من حشوه ولابد من علاج  واستئصال ما بداخل قنوات جذوره وحشو هذه القنوات العملية المعروفة بعلاج الجذور، وإذا اضطررنا، لكبر مساحة التسوس أن نستأصل جزءًا كبيرًا من الضرس فلابد من وضع غطاء أو طربوش فوق الضرس لحمايته، وإلا لا بد من انفصال الضرس عن الفم تمامًا بالرغم من وجوده سنين هذا عددها في نفس المكان متعايشًا مع غيره من إخوته الأسنان، وبالرغم من تعرضه لنفس الضغوط الناتجة عن مضغ الغذاء وإحساسه بالسخونة أو البرودة أو تغيير الأحوال تمامًا ككل الأسنان التي تشاركه المكان والزمان والتقلبات. وعادة ما يسألك المريض وماذا لو لم نعمل كل هذه العمليات الجراحية، ماذا سيحدث؟ يقول الطبيب لابد من استئصال الضرس كله وكثير من المرضى عندما يسمعون كم المال والوقت والمعاناة وفي معظم الأحيان الآلام التي سيكلفهم علاج الضرس يفضلون تركه، والسبب الرئيسيأن الضرس لا يؤلمهم بعد بالقدر الكافي الذي يستحق معه أن يخوضوا كل هذه الآلام. أقول كل هذا من نحو الأقباط في مصر وما وصلوا إليه اليوم من مختلف النواحي والعلاقات والمعاناة، الذين يبدو أنهم لم يصلوا إلى نقطة خلع الضرس من أساسه بعيدًا عن الفم المريض.

    والسؤال الملح هو: هل مصر بالفعل مقسمة منقسمة الآن أم لا؟ وإن كانت إجابة السؤال السابق بالإيجاب فلا بد أن تتوالى الأسئلة المترتبة على إجابته،  فماذا يعني التقسيم، ومن الذي بدأ التقسيم أو حتى فكرة التقسيم؟ هل الأقباط أم الفاتح الإسلامي؟ ومتى بدأ التقسيم، وهل هي فكرة جديدة أم لها جذور عميقة ممتدة متشابكة؟ وما شكل التقسيم الذي ممكن أو لا يمكن أن يحدث؟ ومن سيتولى القيام بنشر فكرة التقسيم؟ وما هي آليات التقسيم وشروطه، وما هو موقف الأقباط المصريين، رياسات وشعب من هذه الفكرة؟ وهل هذا التقسيم القبطي هو تقسيم على أساس دينيأم عرقي أم طائفي؟ ومن هي الطائفة التي ستسيطر على مصر القبطية، أهم الأرثوذكس أم الإنجيليين أم الكاثوليك؟ وعلى هذا المنوال فيمكنني أن أملأ صفحات من الأسئلة والاستفسارات ومجلدات من الإجابات والتحليلات والمقارنات، الأمر الذي ليس لدي مانع من عمله، إلا أن الهدف الأساسي من هذا المقال هو توضيح ما يلي:

1    – إن التقسيم يبدأ من الداخل وليس من الخارج، من داخل الإنسان وليس من خارجة. فعلى المستوى الفردي، يبدأ التقسيم والانقسام داخل النفس البشرية الواحدة من داخلها فيصبح الفرد، امرأة كانت أم رجل، منقسم على ذاته، ذورأيين متقلقل في جميع طرقه يحتاج أن يلملم نفسه بعضها إلى بعض ليعيش في اتفاق وانسجام معها. والتقسيم والانقسام بواسطة الطلاق يبدأ أيضًا من الداخل، فعندما يبغض طرف ما في داخله الطرف الآخر يكون قد بدأ في عملية الانفصال والطلاق قبل أن يفصح عما بداخله أو يذهب إلى محاكم ليحصل عليه، والخطية والمعاصي والذنوب تبدأ من الداخل كما علمنا السيد المسيح تبارك اسمه في القول:”الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر. فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه. وقيل أيضًا:”لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل، سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان”. ولأن الفساد يبدأ من الداخل لذلك دعانا السيد المسيح أن ننقي داخل الصحفة أولاً ولا نشبه القبور المبيضة التي تبدو من الخارج مبيضة وجميلة ولكن من الداخل تكون مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. وبالرغم من إنكار الغالبية العظمى من المصريين مسيحيين ومسلمين بأنهم منقسمون على أنفسهم من الداخل إلا أن هذه هي الحقيقة التي لا تخفى على كل ذي عينين.

2     – إن مصر والمصريين حاليًا منقسمون من الداخل، داخل الفرد والجماعة والجمهورية إلى شعبين، وأمتين، تختلف كل منها عن الأخرى تمام الاختلاف حتى في أدق التفاصيل، أمة تدين بدين الله المسيحية منذ أوائل القرن الأول وتحملت في سبيل الدفاع عن دينها وإيمانها أن يلقى أبناؤها وأتقياؤها للأسود الجائعة لتلتهمهم وأن تطلى أجساد رجالها ونسائها وأطفالها بالقار ويشعل فيها النار طوال الليل ليكونوا وقودًا للهيب لإنارة شوارع الإسكندرية، أمة حفظت الإيمان المسيحي القويم ودافعت عنه ضد الهراطقة في مجامع ومحافل دولية ونشرت الحق والعدل والمحبة والسلام وتصدت لبائعي صكوك الغفران من باباوات الغرب والمتاجرين بالدين ومصائر الأحياء والموتى لتكوين ثرواتهم الخاصة ولتغليف كاتدرائياتهم بالذهب الخالص من أموال تابعيهم من المغيبين الذين صدقوهم واشتروا منهم صكوك الامتلاك لأرض السماويات. وأما الشعب الآخر والأمة الثانية فقبلت الدين الجديد واعدت المحاربين من البدو وسكان الخيام، وجردت الجيوش ونشرت الخوف والرعب في قلوب الأنام، وفرضت دينها وما تؤمن به أو تلوذ به من شظف العيش وقسوة الشمس وسواد بشرة النساء وغزت العالم المعروف يومئذ بما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل فأرهبوا بها من ظنوهم عدو الله وعدوهم من أمم وممالك وحضارات وأديان سابقة لوجودهم واتخذوا من أهلها أعداء لهم وآمنوا وصدقوا ما كتب لهم أنهم خير أمة أخرجت للناس، فكيف لا يكونون وهم الأقوى عضلات والأعلى أصوت والأسرع خيول ومُهَرَات حتى لو كانوا الأقل مودة ورحمة وشفقة ومحبة للبشر أجمعين. وبدأت هذه الأمة التقسيم على أساس ديني، مؤمن وكافر، مسلم وذمي، موحد ومشرك،  أصحاب النار وأصحاب الجنة، حتى نوع الدماء أصبح  غير متكافئ أو له نفس القيمة، فدم المسلم أغلى الدماء ولا يجوز أن يهدر مهما ارتكب من جرائم تقشعر لها الأبدان، ولا يسفك دم مسلم عقابًا لسفكه دم غير مسلم، ليس ذلك فقط بل تناول التقسيم المؤمنين أنفسهم، فهذا مؤمن قوي وذاك مؤمن ضعيف، والمؤمن القوى أحب عند الله من المؤمن الضعيف، وهذا رجل وتلك امرأة والرجال والنساء لا يتساوون في الميزان فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض درجات. والعجيب أن المسلمين لا يعتبرون هذا تقسيم للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، لكن على الجانب الآخر فمجرد طرح فكرة، مجرد فكرة، لعمل استفتاء شعبي قبطي لتقسيم طين مصر ومياه نيلها ومصادرها وثرواتها لا لشيء إلا لإيقاظ الأقباط أولاً ثم المسلمين والسلطات لما يمكن أن يحدث أن بقى الحال على ما هو عليه لبعض السنين المقبلة، مجرد الفكرة تصنع صدمة كهربائية دماغيه فيبدأ الكل مسيحيون ومسلمون بالهزيان والهيجان وكأني -كما قلت سابقًا- جئت شيئًا فريًا.

3     – أما عن زمن بداءة التقسيم فقد بدأ بالفعل منذ لحظة الغزو الإسلامي لمصر ، وإن غضب أحد الأصدقاء المسلمين من كلمة الغزو الإسلامي لمصر وفضل أن يستخدم عبارة الفتح الإسلامي، فهل يمكن أن يوضح ويعرف لنا الغاضب ما معنى الفتح الإسلامي، وإن كان الفتح الإسلامي لمصر هو بسبب وصية المولى بنشر دين الله في الأرض، وأنه قد كتب الجهاد على أصحاب الدين الجديد كما كتب على الذين من قبلهم، فلماذا أقام الفاتح في مصر بعد أن دخل إليها ودعا الناس إلى دينه الجديد، أما كان عليه أن يأتي ويدعو الناس إلى دينه الجديد ويترك لهم حرية الاختيار، وإن قلنا إنهم بقوا في مصر ليعلموا الناس مبادئ الدين الجديد، فلماذا اضطهدوا الأقباط وقطعوا ألسنتهم عندما أصروا أن يتكلموا بلغتهم القبطية؟ ولماذا طبقوا عليهم الشروط العمرية لأعدل خليفة إسلامي بالرغم من أن لا عدل فيها ولا حتى مساواة، ويمكنني أن أسطر المئات من الأسئلة التي لا إجابة شافية عليها سوى أن ما يطلق عليه  المسلمون المصريون اليوم صفة الفتح الإسلامي لم يكن سوى غزو إسلامي أسفر عن احتلال مصر واتسم بإذلال شعبها ومحاولة القضاء عليهم كعرق قبطي على مر العصور حتى يومنا هذا.

4     – بالرغم من كل ما سبق ذكره أعلاه فسيظل البعض يسأل: وما دليلك على أن تقسيم مصر بدأ من الدخل من زمان؟ لهؤلاء أقول إن هناك مظاهر ودلائل وحقائق حياتية يومية على تقسيم مصر من الداخل ما يعجز أي باحث أن يلم به أو يعدده، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دون شرح أو تفسير لها، لضيق مساحة النشر:

1     – من أهم مظاهر التقسيم الواقع في مصر هي الإصابة بحساسية مفرطة وتشنجات عصبية وطفح لصديد دماغي من مجرد بداية الحديث عن فكرة التقسيم وطرحها للنقاش، فما بالك بطرح فكرة عمل شيءعمليكاستفتاء لمعرفة رأي العامة في التقسيم؟ فلماذا يتشنج الجميع لمجرد طرح الفكرة؟ فلو كنا بحق أمة يغلب عليها استعمال العقل والمنطق وليس العاطفة واللامنطق لناقشنا الفكرة بكل حرية وانفتاح وخرجنا بتوصيات يتفق عليها الجميع ويلتزم الجميع بتنفيذها.

2     – أليس من مظاهر التقسيم القائم أن ينص دستور الدولة على أن دينها هو دين معين، سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية؟ فهل للدولة دين، وماذا عن الذين لا يدينون بدين الدولة؟ أليس هذا تقسيمًا لجماعة تدين بدين الدولة وجماعة لا تدين بدين الدولة؟، ألا تتكلم هذه المادة عن تقسيم للشعب إلى قسمين؟

3     – من مظاهر التقسيم أن لا تتكافأ الفرص أمام الجميع في الدولة الواحدة، ففي الوظائف السيادية ينص الدستور على أن رئيس البلاد ونائبه ورئيس الوزراء لا بد أن يكون مصريًا مسلمًا، وماذا عن المسيحيين الذين لا ينتمون لهذا الدين؟أليس هذا تقسيمًا في مجال التعيينات والانتخابات؟

4     – وماذا عن فئة يمكنها أن تدخل إلى معاهد وكليات وجامعات لا يسمح لفئة ثانية أن تدخلها،أليس هذا تقسيمًا في مجال التعليم؟

5     – ماذا عن اختصاص جزء من الناس بأنهم خير أمة أخرجت للناس؟، أليس هذا مظهرًا من مظاهر التقسيم في المستوى الاجتماعي والأخلاقي والعرقي والديني؟

6     – أليس من مظاهر التقسيم أن يكون هناك برامج إذاعية وتليفزيونية تخص جماعة واحدة في الدولة ولا يسمح بمثلها للجماعة الأخرى؟، أليس هذا تقسيمًا في مجال الإعلام؟

7     – وماذا عن تقنين الزواج بين الرجل والمرأة ألا يعد تقسيمًاأن يسمح لزواج المسلم بغير المسلمة ولا يسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، بل مجرد وجود علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وفتاة غير مسيحية، بالطبع لابد أن يكون الشاب مسيحيًابالاسم فقط وليس مسيحيًا حقيقيًا مولودا من الله، فالمسيحي “الحقيقي” لا يتزوج ولا يقيم علاقة عاطفية مع غير المسيحية “الحقيقية المولودة من الله”، حتى لو كانت ديانة الفتاة في البطاقة الشخصية مسيحية مثله.أليس، مجرد وجود هذه العلاقة قد تؤدي إلى حرقه وحرق أهله وبيته وتعرية أمه في قرية حتى من صعيد مصر؟،  أليس هذا تقسيمًا في مجال العلاقات الاجتماعية والبنية المجتمعية؟

8     – ألا يعد إصرار الحكومة على إصدار قانون يعرف بقانون بناء الكنائس أو قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين لدلالة على أن “تقسيم مصر بدأ من الداخل من زمان”؟

     وفي نهاية مقالي أقول بما أن تقسيم مصر بدأ من الداخل من زمان إذن، فلابد لنا من اتخاذ واحدة أو أكثر من الخطوات التالية حتى يتحقق العدل والمساواة ونصبح شعباً يحترم أحدنا الآخر بغض النظر عن خلافاتنا الدينية والمجتمعية والعرقية والمزاجية:

1     – لابد من مواجهة الواقع والاعتراف أن “تقسيم مصر بدأ من الداخل من زمان”وأننا في ورطة حقيقية لأن مظاهر التقسيم ونتائجه على أرض الواقع أصبح شيئًا غير محتمل للشعب المسيحي القبطي المصري.

2     – لابد من بحث ودراسة الأسباب التيأدت بنا إلى هذا التقسيم وتقييمه والوصول إلى كلمة سواء بيننا ومساواة حقيقية في كل مناحي الحياة.

3     – لابد من بحث كل الوسائل المتاحة لبقاء مصر دولة واحدة، ليس كأمر افتراضي أو شيء نتمنى حدوثه، بل كواقع نتمنى جميعًا حدوثه.

4     – في حالة عدم التمكن من تغيير أوضاع الأقباط واندماجهم في المجتمع المصري الجديد على المصريين جميعًا التفكير الجاد في خلق دولة قبطية يستريح معها كل الأطراف بالرغم من كل المساوئ المتعلقة حتى بالتفكير في إقامة استفتاء.

5     – كما أن الفساد يبدأ من الداخل هكذا الإصلاح أيضًا يبدأ من الداخل من الأقباط أنفسهم. فإن لم يتحد الأقباط معًا وينبذوا خلافاتهم، وإن لم يقدر الأقباط ما هم عليه في بلادهم من كافة الجوانب وإن لم يطالبوا بحقوقهم، وإن لم يكن لديهم النية والعمل للتضحية بكل ثمين وغالٍ فلن يتغير الحال إلى ما شاء الله.

    إن مصير الشعوب لا يحدد بالغزو والاستعمار والقهر والحكم بالحديد والنار، “فإذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر”، فكم وكم لو كان شعب له إله يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة! إله أثبت نفسه بأنه الله الغيور على شعبه والذي لا يترك قطيعه في مستنقع الاضطهاد للأبد بل هو على استعداد أن يخلصهم بذراع رفيعة ويد قديرة وقد صنعها عشرات المرات مع شعبه سابقًا.

    اللهم احفظ لنا ما تبقى من مصر والمصريين، وأعطنا حكمة حتى ندبر شؤننا بحكمتك يا أحكم الحاكمين، واعفُ عنا وعن جهالاتنا يا إلهنا سيد العالمين، فأنت السميع العليم وأنت أرحم الراحمين.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا