الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الحياة النفسية

2

د. فيولا موريس

تردد في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ تعبير “الذكاء الاصطناعي”، وهو تعبير مستحدث علميًا. ورغم أن هذا المصطلح أصبح واسع الانتشار إلا أن الأغلب منا يجهل معرفته واستخداماته وكيفية تطبيقه في شتى مجالات الحياة، وكذلك تأثيره على البشرية وهل يعمل على تقدم الإنسانية أم يصيبها بالضرر والأذى، وهذا ما سنحاول مناقشته في هذا المقال.

الذكاء الاصطناعي هو فرع من فروع علم الحاسبات الذي يعمل على تطوير أنظمة وبرامج تسمح للشخص بالتعلم والتكيف وتطوير إنتاجيته واتخاذ القرارات. وللذكاء الاصطناعي القدرة على التفكير الفائق وتحليل كم هائل من البيانات، إذ يعمل بصورة تشبه الأدمغة البشرية بل تجعله أكثر ذكاءً من العقل البشري، كما أن لديه القدرة على المحافظة على الخبرات البشرية. وتُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي (الروبوت) كبديل عن الإنسان البشري وذلك في تقديم الخدمات في كافة المجالات. ومن أشهر أنظمة الذكاء الاصطناعي نظام Chat GPT الذي قام بإنشاء منصة له (سام ألتمان) بمدينة سان فرانسيسكو بأمريكا ورصد لها 20 مليار دولار. وقد اشترك في هذه المنصة عدد ضخم من الأشخاص يُقدَّر بالملايين للحصول على قدر هائل من المعلومات والبيانات التي يمكن أن يستفيد منها. فهي مثلًا تقدم للطالب إمكانية الحصول على إجابات لأسئلة معقدة يمكن أن يجتاز بها أصعب الامتحانات بنجاح. كما يمكن أيضًا أن تقدم للشركات الكبرى نظام محاسبي لدفع ضرائبها ومديونياتها دون الاستعانة بمحاسبين أو متخصصين في المجال الضريبي. كذلك يمكن لهذه الأنظمة أن تقدم برامج تساعدها على كتابة الدعاوي وتقديمها للقضاء دون الاستعانة بالمحامين المتخصصين في قضايا الشركات. وبذلك فإن هذه المنصة تساعد على توفير مبالغ ضخمة لهذه الشركات بالإضافة إلى تعزيز إنتاجيتها. إن نظام الذكاء الاصطناعي يقدم برامج وبيانات أكثر تفصيلًا وسهولة من منصات أخرى مثل جوجل. ولهذه الأنظمة تطبيقات متعددة في كافة المجالات، على سبيل المثال:

المجال الصحي:

استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات مثل إشارات القلب والإشارات الكهربائية في الدماغ لاكتشاف العوامل المؤثرة على صحة الإنسان. وأيضًا قامت بتشخيص أمراض الجهاز العصبي وجهاز المناعة والأوعية الدموية والأمراض الوراثية والجينية، كما ساعدت على تطوير وتحسين أداء هذه الأجهزة والتنبؤ بحدوث النوبات التي تصيب المريض مثل نوبات الصرع وأزمات الربو، ثم قامت بتصميم برامج للعلاج التخصصي الفردي. وقد استعانت هذه الأنظمة بـ(الروبوت) لتقديم الخدمات الطبية بالمستشفيات بديلًا عن طاقم الأطباء والممرضين، وذلك مثل ما حدث أثناء جائحة كوفيد 19.

مجال التجارة والتسوق:

قدمت تقنية الذكاء الاصطناعي لأصحاب الأعمال أفضل البرامج للاستثمار الجيد والربح السريع في وقت قصير ودون تكلفة عالية ودون الحاجة إلى الاستعانة بالخبراء أو دراسات الجدوى. وفُتحت الأسواق العالمية لكل من المشتري والبائع بأقل تكلفة وبأفضل جودة، وبذلك فقد تفوقت على أمازون وجوجل هوم. ومن أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي تصميم سيارات تعمل بالعقل الإلكتروني وتستخدم الكهرباء بديلًا عن الغاز، ومن أشهرها سيارات Tesla. وتتجه الحكومة الأمريكية إلى تعميم تلك التوعية من السيارات في خلال العشرة أعوام القادمة، وذلك توفيرًا للطاقة وللقضاء على التلوث البيئي.

المجال التعليمي والبحث العلمي:

يقدم لنا نظام الذكاء الاصطناعي أفضل وسائل للتعليم والشرح المفصل للمواد الدراسية بحيث يمكن للطالب الاستغناء عن المدرسين والدروس الخصوصية، كما يقدم خدمات متعددة في مجال الترجمة الفورية وبرامج خاصة بالتأليف وكتابة المقالات والقصص وترجمة الكتب العلمية. وكذلك يقدم بيانات وبرامج تساعد الباحثين الأكاديميين لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه في وقت قصير للغاية بعد أن كانت تستغرق سنوات طويلة في إعدادها، وبذلك يمكن الاستغناء عن المتخصصين في جميع هذه المجالات.

المجال السيكولوجي:

استطاعت تقنية الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات النفسية تشخيص الحالات المرضية والاضطرابات النفسية كما استطاعت أن تستعين بـ(الروبوت) ليقوم بمساعدة المريض وتهيئة بيئة أكثر تفهمًا وتفاعلًا له. كذلك فإن هذه التطبيقات أمكنها تحديد الأساليب الأكثر نجاحًا وفاعلية للأشخاص الذين يحتاجون للعلاج النفسي، كما أنها تعمل على فهم السلوك الإنساني والتنبؤ بحدوثه وتحديد الأنماط النفسية، إلى جانب أنها قامت بتصميم برامج للتجارب السيكولوجية.

وباختصار فإن هذه البرامج تعمل كبديل عن المتخصصين في مجال الطب النفسي والإكلينيكي. ورغم أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد أحرزت نجاحًا فائقًا وتقدمًا مذهلًا يفوق التوقعات في مختلف مجالات الحياة الإنسانية إلا أن هذا أثار لدى المتخصصين قدرًا كبيرًا من القلق والانزعاج حتى أن أغلبهم يطالب بتوقف تطورها، حيث تسعى شركات كبرى منافسة لأن تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي في أغراض غير إنسانية قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على البشر، إذ أن بعض هذه الشركات شرعت في تصنيع أدوية بواسطة هذه التطبيقات تكاد تتفوق على التصنيع البشري، كما أمكن الاستعانة بهذه الأنظمة في إجراء جراحات دقيقة دون الحاجة إلى أطباء متخصصين. هذا وقد ساعد (الروبوت) على استنساخ الأصوات وتزييف الصور، وقد حدث أن ظهرت صور للملك تشارلز والمليونير إيلون ماسك وهما يرقصان مع فتيات شبه عاريات، وهو ما يفوق صور الـ Photoshop في الدقة المتناهية.

هذا بخلاف عمليات الاحتيال والتزييف التي تتم في الحسابات البنكية وسرقة أموال طائلة من عملاء البنوك، بالإضافة لحوادث الابتزاز وأشهرها حادثة فتاة بلجيكا التي نجح اللصوص في استنساخ صوتها للحصول على مبالغ مالية من أسرتها. كما نجحت هذه الأنظمة في المجال العسكري، حيث استُخدمت طائرات حربية بدون قائد لتدمير المواقع العسكرية والإستراتيجية في أي مكان في العالم. كما أن انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تفاقم أزمة البطالة نظرًا لاستغناء الشركات والمصالح عن عدد كبير من العاملين والموظفين المهنيين وإحلال الروبوت بديلًا عنهم مما يصل بالبشرية إلى كارثة اقتصادية عالمية.

لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يوحي بتقنين أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصةً في مجال الرعاية الصحية والمسح الاجتماعي، وذلك لعدم اقتحام خصوصية الأفراد، كما أوصت إيطاليا بتحريم هذه التطبيقات، حيث وُجِدَ في استفتاء عام أن 75% من الشباب يعترفون بأن الذكاء الاصطناعي يشكل خطرًا على البشرية.

والخلاصة التي أجمع عليها الأغلبية أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي حتمًا إلى كارثة بشرية بل سيعمل على تدمير البشرية وانقراضها، وهو ما تحدث عنه الوحي الإلهي في الكتاب المقدس حين ذكر لنا بأن المعرفة ستزداد جدًا في نهاية الأيام، وأن النهاية قد اقتربت، وأن العناصر ستنحل وتحترق. وفي رأيي الشخصي أن وراء ذلك هو استقلالية الإنسان عن مصدر المعرفة الحقيقية، وهو الله، ليصبح العقل البشري هو مركز المعرفة الأوحد، فانحصر الإنسان في ذاته وأصبحت أهدافه هي تحقيق ملذاته وسعادته منفصلًا عن مصدرها، فتنازل عن قيمه ومثله الأخلاقية معطيًا الأولوية للماديات بكل أشكالها وبالتالي تجرد من مشاعره وأحاسيسه وعلاقاته الإنسانية حتى تحول إلى آلة ميكانيكية كـ(الروبوت) بلا صفو أو أحشاء رأفات أو قلب يتسم بالحب كما قال الكتاب: “لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين”، وقبل أن يعيش تحت سلطان الظلمة مما دفعه إلى أن يبدع في خلق إنسان آلي يتعامل معه. وهكذا فقد الإنسان لغة الحوار والتفاعل ولغة الحب (اللغة السماوية)، وبالتالي فقد بصيرته الروحية وهويته الأصلية التي هي على صورة الله، وتحول البشر إلى مخلوقات بدون حياة. لذا علينا أن نسترد هويتنا وإنسانيتنا التي فُقدت وذلك بالرجوع إلى شخص المسيح مصدر الحياة والمعرفة لتخرج الخليقة من ظلمة الموت إلى ملكوت الحياة.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا