ملوك إسرائيل في العهد القديم(32): (21) الملك فقحُ

17

 الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

     يرصد الوحي المقدس عن الملك فقحُ أنه مَلك على إسرائيل في السامرة عشرين سنة “وعمل الشر في عيني الرب. لم يحد عن خطايا يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ” (2مل15: 28).  كما يسجل أيضا أنه “في أيام فقح ملك إسرائيل، جاء تغلث فلاسر ملك أشور وأخذ عيون وآبل بيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي، وسباهم إلى أشور” (2مل15: 29).

نعم! إن سيرة ومسيرة الملك فقح ملك إسرائيل وإن كانت سجلتها ريشة الوحي المقدس في كلمات معدودة وعبارات محدودة إلا أننا يمكن أن نستقي منها الكثير من المبادئ الروحية، ونستخلص منها الكثير من القيم الإيمانية ونخرج منها بالعديد من الدروس الكتابية أذكر منها الآتي:

أولاً: من لا يتعلم من التاريخ لا يصنع تاريخًا

    وأسفاه! كان الملك فقح ملكًا شريرًا في سلسلة ملوك إسرائيل الأشرار، الذي لم يتعظ ولم يأخذ خبرة من الماضي، ولا عبرة من الحاضر فمكتوب “وعمل الشر في عيني الرب. لم يحد عن خطايا يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ” (2مل15: 28). ينطبق عليه القول: “من لا يتعلم من التاريخ… لا يصنع تاريخًا… وإنما سيُطرح في مزبلة التاريخ، ولعل هذا يفسر كلام الرسول بولس الذي جاء في (غلا6: 7، 8) “لا تضلوا! الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا، ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية”.

لقد زرع الملك فقح الشر فحصد الخراب والدمار لأنه مكتوب “أجرة الخطية هي موت”(رو6: 23)… “والشر يُميت الشرير” (مز34: 21). فالخطية والعقاب يتلازمان، كما أن التوبة والغفران لا يفترقان.

    ففي عام 745ق.م تولى تغلث فلاسرُ الثالث المُلك على أشور، وبدأ بخطوات مدروسة وخطة طموحة يرسم ملامح مملكته، ويحدد تخومها وحدودها، وبهذا يعتبر هو المؤسس الحقيقي للإمبراطورية الأشورية الذي أخضع بلادًا كثيرة لمملكته، ففي عام 743ق.م قام تغلَثَ فلاسِرَ بعدة غزوات واستطاع أن يخضع ولايات سورية، وشمال فلسطين بما في ذلك حماة وصور وبيبلوس ودمشق.

كما يذكر لنا الكتاب المقدس عنه قائلاً: “في أيام فقح ملك إسرائيل، جاء تغلث فلاسر ملك أشور وأخذ عيون وآبل بيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي، وسباهم إلى أشور” (2مل15: 29).

ثانيًا: الله ضامن العهود والوعود

    عندما تولى الملك فقحُ بن رمليا المُلك على مملكة إسرائيل (عام 742ق.م)، تحالف مع رصين ملك أرام، وأراد عزل الملك يوثام ملك يهوذا عن المُلك والإتيان بدلاً منه بواحد ليس من بيت داود… بالطبع كان هذا القصد هو قصد شيطاني لإبادة السلالة الملكية فمكتوب في (2مل15: 32 و37) “في السنة الثانية لفقح بن رمليا ملك إسرائيل، ملك يوثام بن عزيا ملك يهوذا… في تلك الأيام ابتدأ الرب يرسل على يهوذا رصين ملك أرام وفقح بن رمليا”.

  كل هذه المؤامرت الخبيثة الماكرة، قد أحُبطت طبقًا لقصد الله ووعده… فللرب خطة في حياتنا، ولابد أن يتممها.

   عندما نصل إلى نهاية كلمة الله قد نتسائل مَنْ يضمن تحقيق كل ما جاء في أرجاء الكتاب المقدس من عهود ووعود؟!.

هنا نجد أنفسنا أمام الخاتمة الرائعة التي جاءت في (رؤ21: 5، 6) “قال الجالس على العرش” “اكتب: فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة”. ثم قال لي: “قد تم” “أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية”.

وهذا معناه أنه ضامن عهده على مر السنين فمكتوب في (تث7: 9) “فاعلَمْ أنَّ الرَّبَّ إلَهَكَ هو اللهُ، الإلَهُ الأمينُ، الحافِظُ العَهدَ والإحسانَ للذينَ يُحِبّونَهُ ويَحفَظونَ وصاياهُ إلَى ألفِ جيلٍ”.

وتعبير “ألف جيل” بمعنى في كل عصر وجيل إلى ما لا نهاية، إنه يقول ما يعني، ويعني ما يقول… ليتنا نثق في مواعيده بإيمان عميق.

كيف لا؟! ألم يقل في موعظته على الجبل “فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت5: 18).

نعم! كلمة الله ثابتة إلى الأبد، ألم يسطر الوحي قائلاً: “ليس الله إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟” (عدد23: 19). فهو الإله القدير وقدرته تضمن تنفيذ ما وعد به.

ثالثًا: ملعون كل مَنْ يتكل على ذراع بشر

      في عام (732ق.م). بدأ تغلَثَ فلاسِرَ حملته ضد رصين ملك أرام، وكان “الملك فقحُ” في ذلك الوقت ملكًا على إسرائيل، (والملك آحاز) ملكًا على يهوذا، وقد حاول ملكا إسرائيل وأرام أن يرغما آحاز ملك يهوذا على الإنضمام لهما لمحاربة “تغلَثَ فلاسِرَ” ملك أشور، ولكن آحاز رفض ذلك، فتآمروا معًا وهجموا على أورشليم، ويقول الوحي في (2مل16: 5) “حينئذ صعد رصين ملك أرام وفقح بن رمليا ملك إسرائيل إلى أورشليم للمحاربة، فحاصروا آحاز ولم يقدروا أن يغلبوه”. وقد طلب الرب من إشعياء أن يخرج لملاقاة “الملك آحاز” ويقدم له رسالة الاطمئنان (إش7: 1-9).

ويحذره من الانضمام إلى حلفى أرام وإسرئيل أو حلف أشور، وأوصاه أن يقف على الحياد ويتمم مشيئة الرب، ولكنه كان ملكًا ضعيفًا أعوزته الثقة بالنفس، والثقة في الرب، فبعث بهدايا إلى تغلَثَ فلاسِرَ ملك أشور وطلب منه أن ينقذه من أرام وإسرائيل قائلاً له: “أنا عبدك وابنك. اصعد وخلصني من يد ملك أرام ومن يد ملك إسرائيل القائمين عليّ”. فأخذ آحاز الفضة والذهب الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وأرسلها إلى ملك أشور هدية “(2مل16: 7، 8).

كانت هذه جريمة في حق المقدسات وحق الشعب، ولقد كان الأشوريون ينتظرون هذه الفرصة من عشرات السنين، ولذلك انتهزها ملكهم تغلَثَ فلاسِرَ الثالث وتقدم إلى دمشق وقتل رصين ملكها (2مل16: 9).

   وقام شخص اسمه هوشع بن أيله وقتل الملك فقح ملك إسرائيل (2مل15: 30) وتولى المُلك، وخضع لملك أشور، ودفع الجزية له، ولم يمض وقت طويل حتى شهد آحاز القضاء على مملكة إسرائيل في الشمال، والتي تكبدت خسائر كثيرة على يد تغلَثَ فلاسِرَ الثالث المذكور في (2مل15: 18-20).

لقد كانت سياسة أشور ومن بعدها بابل محددة وواضحة في معاملة الشعوب الخاضعة لها، فكانت تعرض على الدولة المهزومة الجزية دليلاً على خضوعها، وعلامة على أنه صارت تابعة لها، وأن أرضها ومالها وشعبها لم يعد ملكًا لها وكان لملك أشور الحق في أن يطلب جيش هذه البلاد لتشارك في حروبه، وإذا شعر أن أي دولة تحاول التآمر ضده كان يغزوها ويؤدب ملكها بقسوة وعنف.

وكانت سياستها أيضًا أن تأخذ أفضل رجال البلد التي غزوها، وتسيطر عليها وتبدد شعبها، وتنقله إلى أي بلاد أخرى من المملكة، ويأتي بأناس من بلاد أخرى تسكنهم مكانهم حتى تضيع هوية البلد، لا يستطيع شعب أن يقوم بثورة أو مؤامرة ضد ملك أشور.

عبرة في عبارة

المساواة في الظلم                    ظلم لقيمة المساواة

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا