لعبة البحر…!

3

عـادل عطيـة

   هوذا البحر أمامك يسترخي هادئًا ودودًا مناديًا، تسير إليه على رمال الشاطىء. ومع اقترابك يرتفع صوت أمواجه الرقيق أعلى وأعلى. إنه صوت ترامي المياه على الرمال في هتاف ترحاب.

   تتناهى إليك ضحكات أمواجه الصغيرة، وهي تطارد بعضها بعضًا، وتتدافع وترتمي، وتلوح لك ابتساماتها في الزبد الفوّار.

   يتلقاك البحر ويحتضنك بدفئه، ويزيح عنك متاعب حياة المدينة. يسمح لك بأن تداعب أمواجه، بل أنه يرسلها إليك لتلاعبك. ها هي تدفعك برفق، وتجذبك إليها، وترشك ماء، حتى يتلذذ كيانك في صميمه ببهجة الحياة.

   ثم تدرك أن الشمس تصدّرت قبة السماء، فتعود الى البيت على غير رغبة منك، ويتراءى لك أن أمواج البحر تناديك: “عد إلينا ثانية… إننا نحبك”.

   إغراء البحر كامن في قرارة نفسك، وأنت تسمع نداءه البعيد. وما أن يهبط الظلام حتى تيّم شطر الشاطىء من جديد. ولكن ألا تلاحظ أن نداء البحر هذه المرة أعلى نبرة من ذي قبل؟ بل أكثر خشونة؟ تسارع خطاك والبحر يزمجر هدارًا.

   أنت الآن لا ترى أمواجه الرقيقة تومىء إليك بمحبة، فهي كبيرة الآن، وهي تتدافع إليك لتتحطم أمام قدميك. أي قوة مسختها! الأمواج الرقيقة في الصباح، باتت كبيرة هرمة عاتية. إنها تندفع في كل اتجاه، وتتصارع وترمي بعضها بعضًا بالمقذعات.

   يرسل إليك البحر أمواجه، لكي تحاول ثانية إغواءك بعطايا تنثرها فضة من الزبد على قدميك. تندفع إليك، ثم تتراجع ببطء ومكر. لكنك تسير متجولًا على الشاطىء، وقد استحوذ عليك شعور بالأسى.

   وتغيب الشمس، ويبزغ القمر البارد متسلقًا قبة السماء. ويخلع البحر كل عذار، ويندفع إليك بأمواجه العاتية، فتهدر في وجهك وتحين منها ابتسامات تلتمع بألق شرير، كأنها تقول لك: “رويدك، سنصل إليك في المرة المقبلة”.

   وتبتعد عن الشاطىء ووراءك البحر يهدر في خيبته، ناقمًا على ضياع فريسة. وحين تتمدّد على فراشك لتنام، تسمع ذلك الهدير. أم تراه هتاف الابتهاج باقتناص فريسة أخرى غافلة؟

   ويأتي الصباح، وهاك البحر مرة أخرى… ودودًا كما كان، وطفلاته الأمواج تبتسم لك، وهي تتلاعب فوق صدره. أيعقل أن تكون هذه الأمواج الوديعة، هي عينها ذلك المارد المتوحش الذي كانته في الليلة السابقة؟ أم تراها الطبيعة، تظهر لك وجهيها الحافظ والمدّمر؟.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا