لا يحل لك

5

العدد 75 الصادر في ديسمبر 2011
لا يحل لك

    تتوالى الأحداث بأسرع مما يمكن تناوله في جريدة يومية، مهما كان حجم صفحاتها، فما بالك بمقال واحد في جريدة شهرية كجريدتنا “الطريق والحق”، لذا فلابد لي من اختيار موضوع واحد للكتابة عنه كل شهر، وهذا ما يجعل أمر الاختيار في غاية الصعوبة، وكما علمونا في كلية الإعلام، أن أهم  الموضوعات التي لابد من نشرها، هو الحديث في زمن وقوعه، وهو الذي يتناول ما يهم أكبر عدد ممكن من القراء، ولابد أن يكون موضوع حيوي يؤثر في حياة الناس تأثيراً مباشراً، و..و.. وغيرها من عناصر اختيار الموضوع الصالح للنشر من عدمه.

    ولاشك أن هناك كثير من الموضوعات المهمة والحساسة والمصيرية، التي يمكن أن أتناولها بالكتابة في هذا العدد، كالأوضاع الراهنة في مصر، أو الانتخابات، أو حقوق المسيحيين الضائعة، لكن موضوعاً مختلفاً عن كل هذه هو ما استحوز على عقلي وتفكيري طيلة الأيام القليلة الماضية، وترجع أهميته إلى أنه موضوع يخص الكنيسة في مصر، وحيث إن هذا الموضوع يخص الكنيسة ومملكة الله على الأرض، فهو بالنسبة لي أهم ما يمكن أن أكتب عنه، وهو ما يشغل فكري، وما له الأولوية في حياتي، وهو فوق كل الموضوعات الأخرى، حتى ما يتعلق منها بمصر، فبالرغم من مصريتي وحبي لها، وارتباطي بها الذي يفوق حد التصور، لكنني كائن مسيحي سماوي أولا، وطني الأول هو السماء، ودستوري الأول هو الكتاب المقدس، وولائي الأول لمملكة المسيح، ثم بعدها فأنا مصري ثانياً.

    لذا، فكثيراً ما كتبت للكنيسة، جسد المسيح على الأرض وملكوته الحقيقي، الذي هو داخل كل الذين قبلوه، من أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. وبالرغم من كل ما كتبته للكنيسة في الماضي من تحليلات وطلبات وتوسلات وصلوات ودعوات وتحذيرات واقتراحات، وما عرضته على المسئولين عنها من خدمات ومساعدات في مقالاتي “الكنيسة قاهرة أم مقهورة”، “صباح الخير يا كنيسة”، “الكنيسة والتحديات المعاصرة”، وغيرها الكثير، إلا أنني لا بد أن أعترف أن اليأس من إمكانية إصلاحها وتوبتها كثيراً ما يفرض نفسه على فكري، والإحباط من مواصلة السعي لإيقاظها وإنقاذها قد تسرب إلى نفسي، وكدت أكف عن مخاطبتها والاهتمام بها، ولابد أن أعترف أيضاً إنني فشلت في هذا أيضا، فلا الاهتمام بالكنيسة والتفاني في خدمتها أثر بها، ولا إهمالها والبعد عنها أراحني وأنساني إياها، فلا يمكن أن تحيا معها أو بدونها، لذا فالله المستعان.

    إلا أن ما عملته الكنيسة في أسبوع واحد من شهر نوفمبر الماضي 2011 فاق كل أعمالها خطراً وضرراً وشراً على كل ما عملت في الماضي القريب والبعيد، ففي أسبوع واحد رفضت الكنيسة الأرثوذكسية السماح للإنجيليين أن يشتركوا معها في الصلوات لله في اجتماع كانت فكرة إقامته نابعة منهم كإنجيليين، وعلى الجانب الآخر سمحت الكنيسة الإنجيلية للمسلمين أن يصلوا على منبرها للإله الذي يعبدونه، وهو المقاوم والمضاد لشخص المسيح وتعاليمه وكتابه وهو روح ضد المسيح، من ينكر صليب المسيح وقيامته ولاهوته وفدائه وكفارته وربوبيته. وللحقيقة أقول أنني ترددت أن اكتب في هذا الموضوع الشائك للأسباب التالية:

    1- لأن الوقت والأحداث لا تسمح بأن ننتقد بعضنا البعض كمسيحيين، ولا بد من أن نكون يدا واحدة للوقوف ضد أعداء المسيح (وليس أعداءنا نحن شخصياً، مع أن كل عدو للمسيح هو عدونا). فالمغيبون المسيحيون كثيرون، من يظنوا أننا لابد أن نتبع المبدأ الإسلامي، أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، أو المثل الأحمق الذي يقول “أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”.

     2- لأنه من يستطيع أن ينقد أو يناقد أو يعترض على ما يقوله أو يعمله رأس الكنيسة الأرثوذكسية، حتى لو كان منعه للمصلين والمرنمين والقادة الإنجيليين من مشاركة إخوتهم الأرثوذكس في ليلة صلاة للمسيح الواحد، الذي يؤمنون به جميعاً، حتى لو كان هؤلاء القادة الإنجيليون هم أصحاب فكرة إقامتها في هذا المكان الرائع، ولم يشفع لأشهرهم أنه أراد أن يبني جسورا بينه وبين الكنيسة الأرثوذكسية (كما قال هو شخصياً)، إلى درجة أنه ذهب إلى أقصى ما يمكن أن يذهب إليه شخص إنجيلي عادي، فكم وكم قس إنجيلي في شهرته ومكانته، إلى أن الضوء الذي ظهر فوق كنيسة الوراق كان هو ظهورا حقيقيا لجسد العذراء المطوبة القديسة مريم، ودلل على ذلك بآية كتابية هي أبعد ما تكون عن إمكانية استخدامها في هذا المقام.

    وعلى نفس المقياس، من يستطيع أن ينقد أو يناقد هذا الصديق، القس الإنجيلي الأشهر في هذه الأيام الأخيرة، والذي فاقت شهرته شهرة سابقه، ورؤساء طائفته الإنجيلية الأسبق، بما فيهم الرئيس الحالي ونائبه، وكثر أتباعه، حتى أن الأمريكان والمؤمنون في كل دول العالم والميديا يلقبونه براعي أكبر كنيسة في الشرق الأوسط، من يستطيع أن ينتقده حتى ولو كانت كنيسته تمثل دور الكاتدرائية الإنجيلية بلا منافس، وحتى لو قال إن ما ظهر من ضوء في الوراق هو شخص القديسة المطوبة، وأن ما يملأ الإنترنت الآن هو خبر صلاة ممرضات مسلمات على منبر كنيسته، ذات التاريخ العريق، وفى ذات البقعة التي وطأتها قدما العملاق الدكتور القس إبراهيم سعيد، ثم الدكتور مفيد إبراهيم سعيد، والدكتور القس منيس عبد النور، الذي علمنا يوما المقولة الشهيرة التي علمه إياها والده عندما ترك قريته، التي ولد فيه، ليذهب لدراسة اللاهوت في القاهرة وهي “إن جريت وراء الشهرة ستجرى منك، وإن جريت منها ستجرى وراءك، وإن جريت وراء المال سيجرى منك، وإن جريت منه سيجرى وراءك” هذا مع إننا لم نسمع منه رأيه هو شخصياً بوضوح في مثل هذه الأمور الحادثة من كنيسته وفيها. هؤلاء الأبطال وغيرهم ممن نادوا عبر الأجيال بكلمة الحق وفسروها بالاستقامة، غير مبالين بتهديد أو وعيد، ولم يساوموا يوماً على حق كتابي، متحدين الجميع من حكومة ومسلمين ومسيحيين ولم يخشوا في الحق لومة لائم.

    3- والسبب الثالث الذي جعلني أتردد في الحديث عن هذا الموضوع، هو إنني أعلم أن وراء كل مشهور ورئيس وقائد في هذه الحياة قلة من الحكماء والفهماء، وجماعات غفيرة من المغيبين والمؤيدين بلا تفكير لكل ما يعمله هذا الرجل العظيم، ولقد درسونا أيضا في مادة الرأي العام، التي تدرس في كليات الإعلام، عن نظرية الرجل العظيم هذه، وكيف أن الناس تتبعه وتدافع عنه وتكره كل من يقف أمامه أو ينتقده لأي سبب من الأسباب، حتى لو كان هذا العظيم مخطئاً، فجل من لا يسهو. وبالتالي فالتعرض حتى بإبداء الرأي المخالف لرأي الرجل العظيم، سيؤدى إلى فقدان الكثير من القراء والأصدقاء الذين يمكن أن يتهمونني بالتطرف، وسأواجه كثير من المشاكل التي أنا في غنى عنها، وعلى رأي المثل “ماحدش ناقص مشاكل الأيام دي”.

لكن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع الخطير كان ما يلي:

    1- لقد عاهدت الله والقراء، إنني لن أكف عن الكتابة وإبداء الرأي مهما كانت العواقب والمعوقات والخسارات الشخصية التي يمكن أن أتكبدها، ولعل تاريخي في الكتابة في “الطريق والحق”، حتى في أيام الرئيس المخلوع، يؤكد ذلك تماماً، فقد انتقدته هو وأولاده وعائلته وسياساته، وهو في أوج مجده، ولقد انتقدت كنيستي الإنجيلية والمسئولين عليها، غير مرة، وهذا لم يقلل من احترامي لهم، وثقتي أنهم رجال الله، لكنهم بشر يحتاجون إلى الرأي والرأي الأخر، انتقدت البعض من الكُتاب معي وشركائي في مجلس التحرير علناً وعلى الملأ، وهذا لم يفسد للود بيني وبينهم قضية، لذا فكان لزاماً علىَّ أن أكتب في هذا الأمر. وفى هذا المقام أؤكد أنني أكن كل احترام وتقدير لرأس الكنيسة الأرثوذكسية، ولقادة الكنيسة الإنجيلية في مصر، فهذا أمر مفروغ منه، حتى لو لم يفهمه المغيبون السائرون وراء الفريقين بلا تفكير.

    2- إن ما دفعني أيضا للكتابة في هذا الموضوع الشائك، هو أن الأمر يتعلق بكنيسة الله، وليس بأشخاص وطوائف ورياسيات، فلو كانت القضية شخصية أو طائفية لما أعرتها اهتماماً، فكم من قضايا طائفية ومجمعية حتى ومصرية لم ولن أكتب عنها، أما ما يتعلق بالكنيسة، فقد كان دائماً وسيظل إلى الأبد أول أولوياتي، مهما كانت العواقب والتداعيات كما قلت سابقاً.

     3- والحقيقة منذ أن سمعت بالواقعتين وأنا أصرخ داخلي “لا يا كنيسة لأ”، “كفاية يا كنيسة اصحي وميزي وفكري” “الشيطان طالبك لكي يغربلك كالحنطة، ولولا الرب الذي كان لنا لابتلعونا أحياء”، “كفاية يا كنيسة علشان خاطر المسيح، اللي خلصك واختارك وقدسك، وصلى لأجلك علشان تكوني واحد كما هو والأب واحد”، “يا كنيسة قومي ونوري، دا انت نور العالم المظلم وانت ملح الأرض اللي ماليهاش طعم”، “يا كنيسة احترمي دم المسيح وقدري عمله وما تهينيهوش بإرضاء أعداءه”، “يا كنيسة ميزي بين إنك مدعوة لإظهار كل محبة وتواصل للعالم أجمع، وإنك تدي الفرصة لرئيس سلطان الهواء أن يعلن في الهواء ويملى الكون بأكاذيبه، بأن لا الله إلا الله وأن محمد رسول الله من على منبرك، وكما منعنا الكتاب أن نستخدم نفس الفم الذي به نبارك الله في لعن خليقة الله، لا تستخدمي نفس المنبر اللي بتسبحي عليه وترفعي اسمه فوق كل عالي مهما يكون، في إعلان الأكاذيب المقاومة لإلهك”.

     4- لو كانت هذه التصرفات من رأس الكنيسة الأرثوذكسية أو قسوس الكنيسة الإنجيلية، ستعود عليهم هم وحدهم بالوبال والقصاص، لسكتنا وقلنا كل منهم لمولاه، لكن أن تتصدر الكنيسة الأرثوذكسية عرش المسيحية في مصر، ويتصرفون كما لو كانوا هم وحدهم الكنيسة، والمتحدثون باسم المسيحيين المصريين جميعاً، وهكذا الكنيسة التي سمحت للمسلمين أن يصلوا على منبرها، يرون أنهم مقدام الكنائس الإنجيلية، وما يعمله الاثنان يؤخذ على أن هذه هي المسيحية والمسيح، إذاً، فلا بد أن يقوم صوت صارخ في البرية، ليعلن لكل من لا يحل له أن يمثل الكنيسة في مصر، أنه لا يحل لك، إن كانت هذه التصرفات تزيد من الفرقة والانقسام في كنيسة الله فلا يحل لك.

    ويقيني أن من ارتكبوا هذه الأخطاء (من وجهة نظري على الأقل) ارتكبوها مخلصين بدعوى الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي، وهيكل الكنيسة الأرثوذكسية وأولادها، من الذئاب الخاطفة، والإعلان عن عدم الاشتراك مع بقية الطوائف في عمل موحد، حتى لو كان الصلاة لله في أحلك الأيام التي تمر بها مصر، وعلى الجانب الأخر أرى إن السماح للممرضات المسلمات بالصلاة على منبر الكنيسة، كان بسبب إظهار روح التسامح والمحبة لهن، فما أروع أن تكون الكنيسة في قلب الأحداث، وأن تساهم في علاج المرضى والمصابين وإنقاذ أرواحهم. وأغلب الظن إن المسئولين في الكنيسة فوجئوا بصلاتهم على المنبر، ولم يكونوا مستعدين، ولم ينتبهوا إلى أن هذا يمكن أن يحدث، مع إنه تسلسل طبيعي للسماح للمسلمين بالوضوء في الكنيسة لصلاة الجمعة (هذا رأيي الخاص وليتنا نسمع من المسئولين حوله). وحيث إنني افترضت حسن النية في هذا الفعل، فالمحبة لا تقبح ولا تظن السوء، ويعلم الرب إنني أكن كل محبة لقادة هذه الكنيسة الإنجيلية، لذا، فلقد حاولت أن أدرس بعض المقاطع التي ظن فيها أصحابها أنهم يعملون حسناً، إذ يعطون فرصة للمخالفين لتعاليم المسيح أن يمارسوا طقوسهم أو يشتركوا معهم بأي شكل من الأشكال في ممارساتهم، وأيضا حاولت أن أجد بعض ردود الأفعال لرجال الله، الذين كان عليهم أن يتخذوا موقفا حازماً ضد كل ما يتعارض مع تعاليم الله وروح المسيح، وإليك القليل منها لسبب ضيق مساحة النشر.

    1- عندما أقنع الأخوة اليهود المسيحيين والمشايخ، الرسول بولس أن يظهر محبة ويمد جسور العلاقات بينه وبين اليهود المسيحيين المتعصبين إلى يهوديتهم، قال له المشايخ: “وقالوا له أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين امنوا وهم جميعا غيورون للناموس. وقد اخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد فإذا ماذا يكون.لابد على كل حال أن يجتمع الجمهور لأنهم سيسمعون انك قد جئت. فافعل هذا الذي نقول لك.عندنا أربعة رجال عليهم نذر خذ هؤلاء وتطهر معهم وانفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع أن ليس شيء مما اخبروا عنك بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس”.

    والسؤال هنا ألم يكن بولس يعلم أن الختان لا ينفع شئ، ألم يقل للمؤمنين في غلاطية: “أيها المؤمنون الأغبياء” بسبب خلطهم لمبدأ النعمة مع مبدأ الأعمال، هل كان بولس سينفق على هؤلاء الأخوة ليحلقوا رؤوسهم وبعدها يقدموا ذبيحة عنهم حسب الناموس بدلاً من ذبيحة المسيح، الذي قدم نفسه لله مرة واحدة فوجد لنا فداءً أبديا. لكن من إحسان الله أن الجمع جاء واختطفوا بولس قبل أن يرتكب هذا الخطأ الشنيع في حق ذبيحة المسيح، وكانت هذه الحادثة التي ساوم بولس فيها هي سبب سجنه لسنين، صحيح أن الرب قد استخدمها، فهو لا يقهر أبدا، لكن لماذا لا نعطي الفرصة للرب أن يتمم مشيئته دون أخطاءنا وسجننا.

    لقد جاء بعض الزائرين لزيارة الملك حزقيا في القديم لأنهم سمعوا أنه مريض، جاءوا بهداية مجاملين ليطمئنوا على سلامة حزقيا الملك، جاءوا من أرض بعيدة، فأراد حزقيا أن يظهر لهم المحبة والاهتمام، ويبنى جسورا بينه وبينهم، فآراهم كل ما في بيته، فهل أخطأ حزقيا في ذلك، أليس من حسن الجوار أن نكون لطفاء مضيفين ودودين، حتى إذا سمحنا للغرباء أن يروا كل ما في بيوتنا، أو يستخدموا حتى منابرنا للصلاة لروح ضد المسيح، فلربما كان هذا سبباً في خلاصهم وقبولهم للمسيح مخلصاً لهم، لكن ماذا قال الكتاب في 2 ملوك 20 من العدد 12 إلى 18 “في ذلك الزمان أرسل برودخ بلادان بن بلادان ملك بابل رسائل وهدية إلى حزقيا لأنه سمع أن حزقيا قد مرض. فسمع لهم حزقيا وآراهم كل بيت ذخائره والفضة والذهب والأطياب والزيت الطيب وكل بيت أسلحته وكل ما وجد في خزائنه.لم يكن شيء لم يرهم إياه حزقيا في بيته وفي كل سلطنته. فجاء إشعياء النبي إلى الملك حزقيا وقال له.ماذا قال هؤلاء الرجال ومن أين جاءوا إليك.فقال حزقيا جاءوا من أرض بعيدة من بابل. فقال ماذا رأوا في بيتك.فقال حزقيا رأوا كل ما في بيتي. ليس في خزائني شيء لم أرهم إياه. فقال إشعياء لحزقيا اسمع قول الرب. هوذا تأتي أيام يحمل فيها كل ما في بيتك وما ذخره آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل.لا يترك شيء يقول الرب. ويؤخذ من بنيك الذين يخرجون منك الذين تلدهم فيكونون خصيانا في قصر ملك بابل “.وماذا عن رسول المحبة يوحنا في رسالته الثانية التي كان يعلم فيها عن المحبة تلك الوصية القديمة الجديدة، ماذا قال عن كل من لا يعترف أن المسيح يسوع جاء في الجسد، أي أنه الله المتجسد، وبما أوصانا في تعاملنا معهم، اسمعه يقول لنا بالروح القدس ” لأنه قد دخل إلى العالم مضلون كثيرون ، لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد . هذا هو المضل ، والضد للمسيح انظروا إلى أنفسكم لئلا نضيع ما عملناه، بل ننال أجرا تاما كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله . ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعا إن كان أحد يأتيكم ، ولا يجيء بهذا التعليم ، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة”.

    ترى ماذا كان سيكتب لنا نحن أعضاء كنيسة لاودوكية المصرية (وأقصد الكنيسة العامة في زمن لاودوكية) إذا علم إننا لم نسلم عليهم فقط، بل وفتحنا لهم دورات مياهنا ليغتسلوا وفقاً لتعاليم روح ضد المسيح، ورحبنا بهم في كنائسنا وعلى منابرنا لينطقوا بتعاليمهم التي لا تعترف بأن المسيح قد جاء في الجسد، وكنت أتمنى أن أعرف ما هي السورة القصيرة التي تلتها هؤلاء المسلمات المتدينات على منبر كنيستنا الإنجيلية، فلا شك أن أنسب سورة يمكن أن تتلى في هذا المقام والمكان هي “قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد” وختمنها بصدق الله العظيم.

    هل كان نحميا، عبد الرب، قاسياً مفترياً غير لطيفاً أو ودوداً مع النساء غير اليهوديات، اللاتي تزوج بهن الرجال اليهود عندما طردهن من بيوتهن هن وأولادهن.

    وماذا عن الوديع المتواضع القلب الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك، والذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، ماذا فعل عندما وجد الصيارفة وباعة الحمام في الدار الخارجية للهيكل، بالرغم من كونهم يهود وليس غرباء، ألم يقلب موائد الصيارفة وطرد باعة الحمام ألم يقل فيه الوحي: “فصعد يسوع إلى أورشليم ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصيارف جلوسا فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر ، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم وقال لباعة الحمام: ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتني”.

    ألا يوجد في الكنيسة اليوم من يستطيع أن يصنع صوتاً من حبال الحق ويطرد بائعي الحمام والمتاجرين بالدين، ويقلب موائد الصيارفة.

    إن ما يحدث اليوم في الكنيسة ليؤكد ما أراه وما قلته وما كتبته في عدة مقالات ومناسبات سابقة وهو:

    1- إن الكنيسة أدخلت السياسة في الدين، حتى طغت السياسة واللباقة والمساومة والمجاملة على رسالتها الحقيقية، التي هي تمجيد المسيح في أرض مصر، ونشر ملكوته، ومساندة الحق وإزهاق الباطل.

    2- إن الكنيسة كمؤسسة وكيان وتنظيم (وليس الجسد الحقيقي للمسيح) مازالت منقسمة، متنافرة، متصارعة، مشغولة بما لا ينفعها في الدنيا ولا الآخرة.

    3- الكنيسة بدون كبير أو مشير أو حكيم يزن الأمور دون تعصب أو تسيب، سواء أكان هذا الكبير فرداً أم جماعة من المشيرين الذين بكثرتهم الخلاص. وتحقق فيها القول “في تلك الأيام لم يكن ملك، كان كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه”.

    4- الكنيسة ساومت على الحق الكتابي، لتحقيق أهدافها، وللحصول على أموال غيرها، فلم تعد قادرة على أن تغير العالم أو تفتن المسكونة، أو تزعزع أساسات السجن وتفتح أبوابه، أو تقول لمفلوج، لك أقول قم.

     5- الكنيسة منحدرة إلى أسوأ أحوالها منذ تأسيسها، فلقد قالت بحق “لقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء”.

    6- الكنيسة فتحت أبوابها للأرواح الشريرة أن تدخل إلى مبانيها ومنابرها ودورات مياهها، وهياكلها ومقدساتها ولا بد أن تدفع حساباً لذلك إن لم تتب.

   7- الكنيسة في مصر لم تعد هي واجهة المسيح الحقيقية التي تعكس جماله وقدرته ومحبته ووحدته للعالم، لم تعد هي المرهبة كجيش بألوية، بل أصبحت خائفة مرتعشة ومرتعبة، حتى من أعضائها وطوائفها وخدامها.

    8- الكنيسة ضاع منها التمييز الروحي، والقدرة على عزل التبن عن الحنطة، و التمييز بين الغث والثمين، فهي لا تفرق اليوم بين إظهار المحبة للبشر، وترك روح الغي وروح التدين وروح ضد المسيح، وروح العالم (وهى الأرواح المسيطرة على الكنيسة في هذه الأيام) أن تعمل بداخلها. ولم تعد تعرف كيف تعيش في العالم دون أن يعيش العالم فيها.

    9- الكنيسة أصبحت اليوم خبيرة في إيجاد قنوات للتمويل المادي، ومخاطبة الممولين بالطريقة التي يريدونها ويملونها عليها، حتى أن أحد المؤسسين لقناة فضائية، يقول عنها أنها مسيحية، كان يصرخ بأعلى صوته وبالحرف الواحد على قناته ولمدة ساعات “افتحوا الشبابيك، العدرا أهي جت في نيوجرسي، عقبال ما تجيلنا في لوس أنجلوس إحنا كمان علشان ناخد بركتها” والكل يعلم وهو أيضا موقن أن هذه الدعاية الإعلامية هي فقط لجذب المزيد من الإخوة والأخوات الأرثوذكس والكاثوليك الممولين للحصول على أموالهم، فالكنيسة على استعداد أن تعلم ما يروق للممول، حتى لو خالف التعليم الكتابي، وهى تعرف كيف تتلون بكل الألوان، حتى تجذب الجميع. ولقد ساهمت جل المحطات الفضائية في إزكاء هذه الروح في الكنائس المحلية.

    إن مفهوم الآية التي يركن إليها الأحباء المجاملون على حساب الحق الكتابي والتي تقول ” فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود . وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس – مع أني لست بلا ناموس لله ، بل تحت ناموس للمسيح – لأربح الذين بلا ناموس صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء . صرت للكل كل شيء، لأخلص على كل حال قوما وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل ، لأكون شريكا فيه”، لا تعني إنني أعطي منبري وكنيستي للمسلم وكأنني مسلم.

    إن خطورة التعامل مع أرواح ضد المسيح لا تؤثر فقط على الأفراد أو الجماعات، بل والبلاد والأقطار. لقد عشنا سنين من حياتنا نصلي أن يفتح القادر على كل شيء أبواب الجحيم التي لن تقوى على كنيسته، حسب وعده، لكي نخطف النفوس الضالة من جوفها لكن يبدو أن العكس هو الحادث في هذه الأيام. يا كنيسة قومي، يا كنيسة توبي، يا كنيسة اتوحدي، يا كنيسة ارفعي صوتك واتكلمي ضد كل كذب وخداع، وارفضي كل خنوع وغي وضلال واستسلام، يا كنيسة فوقي وميزي حيل العدو وبلاش ضياع، يا كنيسة دا إلهك حي، ووليك مش هيموت، ينصرك ويرفعك ويفرحك بنفوس كتير، بس انت توبي وارجعي.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا