34.4 C
Cairo
الثلاثاء, يوليو 15, 2025
الرئيسيةتحقيقاتقانون تنظيم الفتوى... هل يقضي على فوضى الفتوى أم دعوة لجمود الفكر...

قانون تنظيم الفتوى… هل يقضي على فوضى الفتوى أم دعوة لجمود الفكر الديني

قانون تنظيم الفتوى… هل يقضي على فوضى الفتوى أم دعوة لجمود الفكر الديني
السجن لمن يفتي من غير لجنة علماء الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث

تحقيق: إيهاب أدونيا

لا أحد ينكر أن النص الديني وخاصة الإسلامي يحمل في أغلبه أوجهًا مختلفة ومتعددة للفهم، ويخضع لتفسيرات وقراءات متنوعة تختلف من فقيه أو عالم إلى آخر ومن زمن إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر.

من هنا جاءت فكرة قانون تنظيم الفتوى في مصر، ولكن كما أنه قد يواجه حالة السيولة والفوضى في الفتاوى لكل مَنْ هب ودب، سواء كانت الفتاوى لها علاقة بالآخر في المجتمع أو فتاوى طبية علمية أو مجتمعية، ولكنه على الجانب الآخر يؤدي إلى احتكارها وقصر الاجتهاد على جهات وأشخاص معينين؛ الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الجمود في الفكر الديني في ظل مرحلة تشهد العديد من الانتقادات الحادة أحيانًا لآراء وأفكار دينية مستقرة، لكنها أصبحت في نظر البعض بحاجة إلى التجديد وإعادة النظر والمرونة بما تجعلها قادرة على التكيف مع التطور الحاصل في حركة الاجتماع البشري.

ومن جانب آخر فإن هذا القانون، وكما يرى العديد من المفكرين، يحرم الكثير من أصحاب الرأي في نقد تلك الفتاوى ويجعل هناك سيفًا مسلطًا على رقابهم يمنعهم من الحديث وإبداء الرأي حتى على مواقع وسائل التواصل أو في البرامج المختلفة تجاه العديد من القضايا، نظرًا لوجود مادة الحبس والغرامة في مواد هذا القانون.

 بل إن القانون يقف عقبة أمام الاجتهاد في قضايا مستجدة تحتاج إلى رؤية وقراءة جديدة للنص الديني، ويجعل الرأي السائد فقط هو رأي المؤسسة الدينية الرسمية، وهذا يؤدي إلى الجمود الفكري وقد يعود بنا إلى الوراء أو يتجه بنا خطوات تجاه الدولة الدينية بدلًا من الدولة المدنية .

بموجب قانون تنظيم الفتوى دخلت مصر في نفق مظلم وسقطت الحريات بالضربة القاضية من الفاشية الدينية وأصبحنا أسوأ من أيام حكم المرشد.

مواد القانون المثيرة للجدل والاعتراض

يتألف مشروع القانون من 13 مادة بعد إضافة 3 مواد مستحدثة مقدمة من الأزهر الشريف، حيث كان مشروع القانون عبارة عن 10 مواد فقط.

المادة 3: يختص بالفتوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية.

ويختص بالفتوى الشرعية الخاصة في الأزهر كل من هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أو دار الإفتاء المصرية، أو اللجان المشتركة التي يتم إنشائها أو أئمة الأوقاف الذين ينطبق عليهم الشروط والمنشأة بموجب أحكام المادة (4) من هذا القانون.

المادة 8:

مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، ومع عدم الإخلال بقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر بالقانون رقم 180 لسنة 2018 يعاقب كل مَنْ يخالف حكم المادتين (3) و(7) من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.

المعارضون

خالد منتصر: القانون جعل الطريق إلى قندهار صار أقرب من حبل الوريد

انتقد الطبيب والكاتب الصحفي خالد منتصر قانون تنظيم الفتاوى، حيث أكد أن أي شخص سيكتب منشور على مواقع التواصل فيه رأي ديني غير ما نص عليهم القانون سيُسجن ويدفع غرامة، وأعطى أمثلة: لو كان كبار العلماء من مدرسة جاد الحق نزلوا فتوى تبيح ختان البنات، أو لو من مدرسة الإمام علي جمعة وقالوا إن مدة الحمل أربع سنوات، واعترضت أنت كطبيب نساء على هذا الرأي ستُسجن وتدفع غرامة.

وأكمل منتصر: لو أنت أستاذ فقه مقارن ولكن لست عضوًا في الهيئة الموقرة لاحتكار الفتوى مثل د. سعد الهلالي وقلت رأيك في الحجاب، فستُسجن وتدفع غرامة.

واستطرد: لو أنت مواطن ومعترض على أن بول الإبل يعالج فيروس سي، أو إن جناح الذبابة به مضاد حيوي ستُسجن وتدفع غرامة.

لو أنت مقتنع بأن “الشطاف” لا يبطل الصوم، أو إن مجدي يعقوب سيدخل الجنة، أو إن البرص لم ينفخ النار على سيدنا إبراهيم، أو أن الفار لم يكن يهوديًا ولُعن، فستُسجن وتدفع غرامة. ولو كتبت منشورًا تدافع فيه عن رفيقك في الوطن المسيحي، وتقول إنه ليس بكافر فستُسجن وتدفع الغرامة.

واختتم خالد بقوله إن الطريق إلى قندهار صار أقرب من حبل الوريد، والتاريخ سيحكم عما قريب.

 سامح عسكر: القانون محاولة إخوانية من داخل الأزهر لتحويل مصر إلى دولة دينية

من جانبه أكد سامح عسكر الباحث التاريخي أن قانون تنظيم الفتوى الجديد، نسخة من الوثيقة القادرية للخليفة العباسي التي منعت الاجتهاد ونشرت الجهل، وأشاعت العنف الطائفي، وانحط المسلمون بسببها عدة قرون، مضيفًا أن القانون هو محاولة إخوانية من داخل الأزهر لتحويل مصر إلى دولة دينية قولًا واحدًا، والهدف أن تعود كل الآراء الدينية والسياسية والعلمية في الأخير للهيئة الإخوانية، حتى شرعية الرئيس والحكومة ستكون مرهونة برأي علماء الهيئة الذين يمكنهم بفتوى واحدة وفقًا للقانون الجديد نزع الشرعية القانونية والدينية عن النظام السياسي أو إبطال الدستور المدني.

واستشهد سامح بالتاريخ حيث إن هيئة كبار العلماء بالأزهر منذ إنشائها سنة 1911 كان لها دور سياسي وتشريعي، ويتكامل هذا الدور مع المحكمة الشرعية لترسيخ الدولة الدينية التي كان يشرف على إحيائها العثمانيون.

عندما جاء عبد الناصر وأراد تعزيز الجانب المدني بمصر ألغى الاثنين، يعني ألغى المحكمة الشرعية سنة 1955 واكتفى بالقضاء المدني، وألغى هيئة كبار العلماء سنة 1961 واستبدلها بمجمع البحوث، وذلك لأن الهيئة هي نفسها جماعة الحل والعقد في دولة الشريعة، والتي تعطي المشروعية للإمام ورئيس الدولة، ولذلك أعادها الإخوان مرة أخرى سنة 2012 وجعلوا لها صلاحيات انتخاب شيخ الأزهر والمفتي.

وأشار عسكر إلى معاناة المسيحيين والكُتَّاب والفنانين والمثقفين قريبًا من هذا القانون، فسوف تختفي مظاهر الحياة المدنية من مصر بالتدريج

وأضاف أنه لا يستقيم بناء دولة مدنية تعددية مع وجود هيئة رجال دين لها كل هذه الصلاحيات الواسعة، ومَنْ يسعى لتوسيع صلاحيات تلك الهيئة على حساب أمن وفكر وعقيدة المصريين هو عدو للدولة

واختتم حديثه بأنه يجب تطبيق بنود الدستور فورًا وإبطال هذا القانون المشبوه، فهو غير دستوري، وينزع من مصر ما تبقى من طابعها المدني، وربما نفيق في المستقبل وفد تحولت مصر لسوريا أخرى بتفصيل قانون يمكّن رجال الدين من حكم مصر.

 زينب أبو الفضل: القانون زاد من روح الإقصاء والاستبداد الديني الذي طالما حاربه المصلحون

تقول الدكتورة زينب أبو الفضل، أستاذة الفقه وأصوله بكلية الآداب جامعة طنطا، إنه وفق هذا القانون لا يحق لنا نحن أساتذة الفقه وأصوله، أو العلماء المتخصصين في الفقه والفتوى، أن نفتي إذا سُئلنا، ما دمنا لسنا أعضاء بمجمع البحوث الإسلامية، أو هيئة كبار العلماء، أو دار الإفتاء، أو في لجان الفتوى التابعة للأزهر تحديدًا، وهذا معناه أن مصر لم تتخلص من روح الإقصاء والاستبداد الديني الذي طالما حاربه المصلحون، بل سوف نتعرض نحن أساتذة الفقه وأصوله للعقاب القانوني إن سُئلنا فأفتينا، أو حتى إذا أبدينا رأينا الديني في نازلة من النوازل مثلًا، بينما يحق لتلاميذنا ممن يعملون بدار الإفتاء المصرية أو بلجان الفتوى التابعة للأزهر، ولاحقًا الأوقاف، أن يفتوا بما يشاءون حتى وان كان خطأً أو مضرًا بالمجتمع.

المؤيدون

جبالي: القانون يؤكد أن الدولة المصرية لها مرجعية دينية راسخة وسطية تنشر الفكر المستنير

أشاد المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب بالقانون، وأكد أنه ليس مجرد تشريع، بل هو بداية جديدة في مسار الفتوى في مصر، وهو خطوة نابعة من ضرورة ملحة لمواكبة التحديات الراهنة، قائلًا: “نحن اليوم، أمام فرصة تاريخية لنؤكد أن الدولة المصرية لها مرجعية دينية راسخة، تمثل الوسطية والاعتدال، وتحرص على نشر الفكر المستنير.”

وتابع رئيس مجلس النواب: “نحن في مرحلة تحول حاسمة، ومجلس النواب أمام مسئولية عظيمة، فما نقرره الآن سيكون له صدى بعيد في تاريخ أمتنا … ولذا، نحن على يقين بأن هذا القانون سيأخذ الفتوى إلى آفاق أرحب، ليكون أداة فاعلة في نشر نور الدين الصحيح والتوجيه السليم للأمة.”

 هيام الطباخ: القانون لحماية المجتمع من الفتاوى العشوائية والشاذة

أعلنت النائبة هيام الطباخ، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، موافقتها على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، المقدم من الحكومة، مؤكدة أنه يمثل خطوة مهمة نحو ضبط الخطاب الديني وحماية المجتمع من الفتاوى المتطرفة.

وقالت الطباخ، إن مصر تمثل قبلة العالم في طلب العلم، بما تمتلكه من مؤسسات دينية قوية، وفتاوى منضبطة وموثوقة المصدر، ورغم ما شهدناه مؤخرًا من فوضى في إصدار بعض الفتاوى من غير المتخصصين الذين يتخفون تحت عباءة الدين، فإننا نثق تمامًا في قدرة الدولة ومؤسساتها على التصدي لهذا الخطر، وندرك أن هذه الظواهر عارضة وستزول سريعًا بإذن الله.

وأضافت: “القانون ضرورة حتمية لكل المواطنين، باختلاف دياناتهم، لأنه يرسخ مفهومًا للدين الوسطي المعتدل، ويحمي المجتمع من الفتاوى غير المنضبطة أو المتطرفة، والتي قد تؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي.”

 رئيس الوفد: ننتظر تعديل القانون لإضافة حقوق المسيحيين وفقًا للدستور

أشاد الدكتور عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، بإقرار مجلس النواب مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، مشيرًا إلى أن الواضح من نصوص مشروع القانون سالف الذكر وجود قصور، ويؤكد هذا القصور نص المادتين 2 و3 من الدستور، فإذا كانت الفتوى هي إعلان حكم الشريعة والعقائد والعبادات والمعاملات، بين حدي الحلال والحرام، فإن نص المادة 2 من الدستور يقرر أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، والمادة 3 من الدستور تنص على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية، فمعنى ذلك أن نطاق الفتوى لا يقف عند حد الشريعة الإسلامية، وهو ما قننته المادة 2 من الدستور، ولكن يمتد إلى مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود، حيث كان يتعين أن يتضمن قانون الفتوى الجديد حدود الفتوى ونطاقها ومَنْ له حق الفتوى فيما يتعلق بمبادئ شرائع المسيحيين واليهود على النحو الوارد في المادة 3 من الدستور.

فوضى الفتاوى تقود إلى الجمود والتخلف… فبما بالك باحتكارها

عندما يُترك الأمر في يد فرد أو مؤسسة حتى دون إعمال العقل لمجرد إن هذا أو تلك هي الآمرة الناهية، تتحول الدولة المدنية بالكامل إلى الدولة الدينية ببين ليلة وضحاها.

 وكم من فتاوى جعلت الدولة المصرية في انحدار وتخلف عن دول العالم أجمع، وسنعرض أهم تلك الفتاوى الرجعية وليس كلها:

التمسك بتجارة الرقيق بفتوى

رغم الجهود التي بذلها الخديوي إسماعيل في محاربة تجارة الرقيق، كان شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية على رأس مَنْ يقود الحملة الضارية ضد الخديوي، وانضم لهما هيئة كبار العلماء بأكملها!! وأصدر شيخ الأزهر فتوى قال فيها: “إن الرق باقٍ مع بقاء الجهاد إلى يوم الدين”!! وعند هذا الحد، أدرك الخديوي إسماعيل أنه لا جدوى من الحوار بالحسنى مع مشايخ الأزهر، وأنه لا مفر من مواجهتهم بصرامة وعنف، فقام بعزل شيخ الأزهر والمفتي عن منصبيهما، وهدد بإلغاء هيئة كبار العلماء، وهنا فقط تراجع المشايخ وقبلوا بالأمر الواقع ووافقوا مرغمين على إلغاء الرق!!

الدراجة الهوائية هي حصان إبليس

عند ظهور الدراجة الهوائية لأول مرة، أطلقوا عليها اسم “حصان إبليس” وقالوا إنها تسير بواسطة الجن، واعتبروها رجسًا من عمل الشيطان، وكانوا يستعيذون بالله منها 7 مرات، وأمروا النساء بتغطية وجوههن عنها، وفي تركيا أطلقوا عليها مسمى “سيارة الشيطان”.

مياه الصنبور بدعة وضلالة

في عام 1884، قامت الحكومة بإقامة شبكة من المواسير لتوصيل المياه النقية للمنازل والمساجد، ولكن رجال الدين أفتوا بأن هذا بدعة وضلالة، وأن مياه الصنبور لا تصلح للوضوء، وظل المشروع متوقفًا إلى أن أفتى أئمة الفقه الحنفي (الحنفية) بأن مياه الصنبور تصلح للوضوء، ومنذ ذلك الحين أطلق المصريون على الصنبور اسم الحنفية.

مَنْ يرتدي البنطال فهو كافر

عند ظهور البنطلون لأول مرة، أفتى الشيخ الألباني بأن البنطلون بدعة لأن النبي والصحابة لم يرتدوه، ووصف البنطلون بأنه من المصائب التي أصابت المسلمين بسبب غزو الكفار لبلادهم، وحذر الألباني الرجل “المبنطل” من ارتداء ملابس الكفار لأن النبي منع التشبه بالكفار، وأن كل مَنْ يتشبه بهم فهو منهم.

القهوة حرام

حارب رجال الدين مشروب القهوة لأكثر من 400 سنة، وقالوا عن القهوة إنها مثل الخمر ومنافية للمروءة، وإنها تتسبب في السهر الذي يؤدي إلى إضاعة صلاة الفجر. وفي منتصف عام 1572، أدت خطبة أحد الأئمة الموالين للفقيه أحمد السنباطي عن القهوة إلى هياج شعبي ضدها، وأصابت عدوى التحريم عموم القاهرة، حين هاجم فقيه متشدد آخر القهوة ومَنْ يشربونها على المنابر وهو ما دفع المستمعين له لتحطيم المقاهي لتعيش القاهرة حالات شغب من أجل القهوة!!

تحريم تطعيم شلل الأطفال

وعند ظهور لقاح شلل الأطفال، أفتى مشايخ السلفية في كثير من البلاد الإسلامية بتحريم استخدامه بدعوى أنه مستخرج من شحم الخنزير، وأنه مؤامرة على الإسلام، والغرض منه تعقيم الأطفال جنسيًا وقطع نسل المسلمين، وانطلقت الميكروفونات في الجوامع في باكستان وإندونيسيا ونيجيريا وغيرها من البلاد تحذر من اللقاح الذي يفقد الرجال قدرتهم الجنسية ويحرم النساء من الأمومة، وبالفعل استجاب الآباء، وكانت النتيجة إصابة مئات الآلاف من الأطفال الأبرياء بالشلل حتى ظهرت العديد من الفتاوى في العشرين عامًا الأخيرة التي تجيز استخدامه وتحذر من الفتاوى السابقة التي كانت تحرمه.

الطماطم هي مؤخرة الشيطان

فتوى تحريم الطماطم التي ظهرت لأول مرة بالمنطقة العربية في بلاد الشام في القرن التاسع عشر، وكانت مثار استغراب واستهجان الشاميين لكون لونها أحمر وهي من الخضروات، لذا سماها الناس بـ”مؤخرة الشيطان”. ولما كان لزامًا على أهل العلم أن يقولوا فيها قولتهم، فقد خرج مفتي حلب بفتوى تحرم أكل “مؤخرة الشيطان”، لكن الناس تجاوزوا الفتوى الرسمية خلال سنوات فانتشرت الطماطم وتوسعت زراعتها وعُرفت تحت اسم “البندورة”.

الطباعة نجسة

 اخترع الألماني جوتنبرج أول آلة طباعة في القرن الخامس عشر (1455)، وبعد 35 عامًا من ظهورها في أوروبا، طُرح أمر استيرادها في بلاط السلطان بايزيد الثاني، وقال علماء الدين قولهم بحرمتها وتكفير مَنْ يستخدمها، ليصدر فرمان سلطاني بذلك استُثنيَ منه اليهود فيما بعد على اعتبار أنهم غير مسلمين، كما أصدر مفتي مراكش محمد بن إبراهيم السباعي فتوى بتحريم هذا الاختراع. ولم يكن الأزهر بمعزل عن فتاوى التحريم، فأقر عدد من شيوخه حرمته بحجة الخوف من تحريف القرآن والكتب الشرعية، وقالوا إن الحبر الذي تستخدمه المطبعة نجس، ولا يجوز استخدامه في كتابة القرآن، ليتأخر دخول هذا الاختراع الذي أسهم بشكل كبير في نقل الحداثة الغربية إلى العالم الإسلامي 200 سنة. وفي ذلك الوقت، كانت المطبعة قد انتشرت في كل دول أوروبا وكانت من أهم أسباب النهضة الأوروبية، بينما كانت الشعوب الإسلامية تسبح في جهل بسبب فتاوى الدولة الدينية.

الاتصالات هي وسائل شيطانية

وفي عشرينيات القرن الماضي، وقف رجال الدين في الحجاز ونجد ضد الاتصالات اللاسلكية واعتبروا أن إرسال البرقيات وسيلة شيطانية. وفي الأربعينات، ظهرت فتوى تحريم الراديو، وقالوا عنه إنه قطعة من الحديد تنطق وتتكلم، واعتبروا أن هذا كفر، لأنه اختراع يضاهي قدرة الله لأن الله وحده هو القادر على إنطاق الجماد، كما اعتبروا أن جميع الأجهزة الكهربائية وسائل شيطانية يديرها الجان والأبالسة.

تحريم الفونوجراف والتليفزيون والستالايت

وفي الخمسينيات، ظهرت فتوى تحرم الفونوجراف (مشغل الأسطوانات)، وفي الستينيات تم تحريم مشاهدة التليفزيون وتحريم بيعه، وفي الثمانينيات تم تحريم الفيديو، وفي التسعينيات تم تحريم الستالايت، وفي أول الألفية الثالثة تم تحريم الإنترنت. والمدهش أن مشايخ السلفية كانوا هم أول مَنْ استخدم كل هذه الاختراعات، كما أنهم استخدموا شرائط الكاسيت لنشر أفكارهم وخطبهم، وكانوا هم الأكثر ظهورًا على شاشة التليفزيون، كما امتلكوا القنوات الخاصة، وأصبح لكل منهم موقع على الإنترنت.

تحريم غسيل الكلى والتبرع بالأعضاء

ولا ننسى فتوى الشيخ الشعراوي بشأن تحريم غسيل الكلى، حيث اعتبر أنه محاولة لمنع قضاء الله، فطالب بمنع غسيل الكلى حتى لو أن المريض سيموت، لأن الآفات مقصودة في الكون لكي يعرف الناس قدر نعم الله عليهم. وكذلك حرم في فتواه التبرع بالأعضاء بحجة أن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وإنها أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي. وأكد الشعراوي في فتواه أن التبرع بالأعضاء “كُفر بالله”، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.

وأخيرًا… فعلينا ألا ننكر أن قانون تنظيم الفتوى الجديد في أصل فكرته جاء ليوقف كل مَنْ هب ودب في تقديم الفتاوى، خاصةً تلك الفتاوى التي تهدد السلم العام والأمن المجتمعي ولكننا علينا أن ندرك كذلك أن بين طيات مواده أيضًا رعاية رسمية لسلطة الكهنوت المؤسساتي، مع تدشين قانوني لمحاكم تفتيش رسمية تقضي بالسجن والغرامة كعقوبة لمن يقول أو ينشر رأيًا فقهيًا أو حتى ينتقد ذلك الفتوى -بشكل تقليدي أو غير تقليدي- وهو من غير المنتمين لمؤسسات دينية معينة كل الفاعلين فيها أو غالبيتهم من الحرس القديم الذي يعادي حرية الفكر وينزعج من الآراء غير التقليدية.

وبجملة العبث والتناقض فالقانون يخلو كذلك من مادة تمنع أو تحجم أو تضبط وتنظم برامج الإفتاء على الهواء مباشرة ردًا على اتصالات هاتفية للمواطنين، وهي البرامج التي تفتقر إلى أدنى شروط الإفتاء الموضوعي الذي يتطلب إحاطة ودراسة متأنية وعميقة للمسائل المطلوب فيها فتوى، فلا ضمانة أو رقابة لتلك المؤسسات التي نص عليها القانون، وهناك احتكار وتربص لأي انتقاد لأي فتوى يقدمها هؤلاء وكأنهم أنبياء أو ملائكة نزلوا من السماء!

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا