يعيش المسيحيون في هذه الفترة في جميع أنحاء العالم أفراح القيامة، حيث تمتلئ الكنائس بالمصلين والزائرين الذين يذهبون للاحتفال بمناسبة عيد قيامة السيد المسيح من الأموات، وهو الحدث الفريد الذي لم يحدث إلا مرة واحدة طوال التاريخ البشري.
ولهذا العيد طقوس فريدة، فأغلب المسيحيين حريصون على ممارسة الفرائض من عبادة وتسبيح وصلاة بل والخدمة داخل أنشطة الكنيسة. ولكن البعض منهم يمارس هذه الطقوس بروح التدين، وكأن الحياة المسيحية تتلخص فقط في كل ما يتعلق بهذه الممارسات، وهكذا يتحول الإيمان المسيحي إلى مجرد عبادة للطقوس والفرائض دون اختبار لقوة الحياة في قيامة السيد المسيح والتي تغير القلب الداخلي وتنقل من الموت إلى الحياة. لذلك يظل القلب يحمل من الخطايا الروحية والنفسية الكثيرة، فالشعور بالذنب والإحساس بعدم القيمة وعدم الغفران ومشاعر المرارة والبغضة والكراهية من العلامات التي تؤكد عدم التغيير الحقيقي للقلب.
وهكذا نجد أن الشخص الذي يحمل روح التدين يعيش حياة مزدوجة بين حياة خارجية يمارس فيها قوانين العالم المزيفة من غش وخداع ونفاق وأنانية ومحبة للذات وبين حياة أخرى يلبس فيها روح التدين ولا تظهر إلا في أوقات العبادة فقط، حيث يمارسها داخل الكنيسة. لذلك فهو يعيش حياة منفصلة تمامًا عن الأخرى، أي شخصية يحمل جزء منها روح التدين ويحمل جزء آخر يحمل روح العالم.
لذلك ففي رأيي أن الشخص الذي يحمل روح التدين يمكن أن نعتبره مصابًا باضطراب ازدواجية الشخصية.
الاضطراب الانشقاقي Dissociative Identity Disorder
يُعتبر اضطراب ازدواجية الشخصية من الأمراض العصابية المعروفة والمنتشرة على مستوى العالم، ونسبته في السيدات أعلى من الرجال. وقد قامت السينما العالمية بعرض أفلام متعددة لمثل هذه النوعية من الاضطراب.
وازدواجية الشخصية تعني انقسام النفس إلى شخصيتين أو أكثر لا يعرفان عن بعضهما البعض أي شيء، فهما يختلفان في السلوك والمشاعر والانفعالات والأدوار وحتى في الملابس الخارجية. فقد يكون شخصًا يحمل صفات رجلًا يتسم بالهدوء والوداعة والاتزان، ولكن في أحيان أخرى نجده يعيش شخصية الطفل العدواني والعنيف والفوضوي.
ويرجع أسباب هذا المرض إلى تعرض الشخص في طفولته إلى صدمة شديدة Trauma أو ضغوط متكررة، كالاعتداء البدني أو الجنسي، أو قد يكون نتيجة الحرمان العاطفي الشديد. وقد تؤدي هذه المشاعر في منطقة اللاشعور، لذلك فهو يعاني من رغبات مكبوتة لا يستطيع التعبير عنها حتى تخرج إلى حيز الوجود، حيث يخرج جزء من الشخصية في حالة تمرد على باقي الشخصية المعتادة، أي يحدث انشقاق لها فيخرج بملامح وصفات جديدة تختلف عن الشخصية الأصلية. والهدف الأساسي هو تخفيف الضغط النفسي وتفريغ حدة التوتر العصبي والهروب من الذكريات التي تهدده، علمًا بأن ما يحدث يتم لا شعوريًا دون إرادة أو معرفة من الشخص المريض.
وقد تظهر أعراض المرض في أشكال مختلفة منها الشلل الهستيري، أي شلل أحد أعضاء الجسد كالساق أو الذراع، أو يصاب الشخص بالاضطرابات الحسية أو التوهان أو تشويش الوعي.
ولازدواجية الشخصية أنواع مختلفة من أهمها:
– اضطراب الهوية Identity Disorder
حيث يشعر المريض وكأن شخصية أخرى بداخله، وأن هويته لم تعد ملكه، فيصنع ذكريات بديلة وأحداثًا مختلفة لحياته.
– الأمنيزيا Amnesia
وفيها ينسى المريض مرحلة من مراحل حياته بالكامل، أي أن جزء من حياته يحدث له بلوك، وقد يهرب من هذا الجزء فنجده مثلًا يترك بيته وعمله وعائلته ويبدأ حياة جديدة في مكان آخر بشخصية جديدة.
– الشخصية العميقة Deep Person
يشعر المريض فجأة بأنه ليس هو، فهو خارج جسده وكأنه شخص آخر، وقد تستغرق هذه الفترة نصف ساعة أو أكثر، وفيها يذهب المريض إلى عمله المعتاد ولكنه يشعر بغرابة المكان أو غرابة الزملاء، وقد يحدث هذا مع أفراد عائلته.
– تعدد الشخصيات Multiple Personality
ونرى فيها المريض يظهر بعدة شخصيات منفصلة تمامًا عن بعضها، ولا يعرف بعضهم عن بعض شيئًا، فكل شخصية تختلف تمامًا عن الأخرى، فقد تعيش كامرأة ليل تمارس الرزيلة ومرة أخرى تعيش كامرأة فاضلة ذات سمعة حسنة، وفي أحيان أخرى نراها امرأة شريرة تسيء للآخرين وترتكب الجرائم، وهكذا تعيش بشخصيات متعددة. إلا أنه من الملاحظ أن الأغلب يخلط بين اضطراب ازدواج الشخصية وبين مرض الفصام أو الشيزوفرينيا رغم الاختلاف الشديد بينهما، فالشيزوفرينيا مرض عقلي يصيب الشخص بالاختلال في التفكير، فيفقد المريض القدرة على تجريد المعنى والاستبصار بمرضه، لذلك نجده يهذي بكلمات جمل غير مفهومة وغير مترابطة، كما أنه غير مسئول عن تصرفاته، بالإضافة لإصابة المريض بالهلاوس السمعية كأن يسمع أصواتًا تدفعه للقتل أو هلاوس بصرية وكأنه يرى أشخاصًا يتحدث إليهم، علاوة على إصابته بالضلالات، فيعتقد أنه المهدي المنتظر أو المرسل من الله لتخليص البشرية، لذلك سُميت الشيزوفرينيا بسرطان العقل.
وأخيرًا، وبعد استعراضنا لطبيعة مرض الازدواجية الشخصية، نعود مرة أخرى للهدف الأساسي من كتابة هذا المقال، وهو أن نسأل أنفسنا ونفحصها: هل الدافع وراء احتفالنا بقيامة السيد المسيح هو مجرد حدث تاريخي نتذكره ونمارس فيه الطقوس والعادات المتوارثة كالذين يحتفلون في وسط الزفة مدفوعين بروح التدين، أم نحتفل بشخص المسيح ملك المجد الذي ملك على حياتنا بالكامل، وأصبح سيدًا عليها مستمتعين بقوة الحياة التي أعطانا إياها بقيامة من الموت، عالمين أن الروح الذي أقام يسوع من الأموات هو نفس الروح الساكن فينا والقادر على أن يحيي أجسادنا المائتة ونقلنا من الموت إلى الحياة؟
وهكذا يمكننا أن نهتف مع الرسول بولس: “أَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (أف 2: 6).