الحل الثالث

7

العدد 97 الصادر في أكتوبر 2013
الحل الثالث

    هل اجتزت يومًا، عزيزي القارئ، في موقف صعب واحتجت أن تتخذ قرارًا مصيريًا، أو تختار حلاً من الحلول المتاحة لديك لمشكلة ما تمر بها، أو أن تختار وتسلك في إحدى الطرق لحل هذه المشكلة، واحترت في أي الطرق تسلك، وأي الاختيارات تختار؟ أعلم أن إجابتك لابد أن تكون بنعم، فمن منا لم يمر بهذا الأمر من قبل، وخاصة في هذه الأيام التي تتوالى فيها الأحداث بأسرع من القدرة على متابعتها، وأسرع من التفكير السليم المتأني فيها، وأمام الإلحاح المستمر، والحاجة الملحة إلى اتخاذ قرارات متعددة، مع كثرة الاحتياجات، و قلة الفرص المتاحة، ومحدودية الاختيارات المتوافرة أمام كل منا في كل ما يتعلق بحياة الفرد والمجتمع، ومع الإلحاح الشديد، في معظم الأحيان، في الاختيار بين أمرين أحلاهما مر، تصبح عملية الاختيار عملية مرعبة، وقد تكون مستحيلة في كثير من الأحيان. فكم من مرة قمت باختيار أمر ما، ثم حدث ما لا يحمد عقباه، وقال لك من حولك “هو فيه حد يعمل كده؟! ما لقتش إلا الحل ده وتختاره وتعمله؟!” ألم تكن إجابتك عندئذ “هو أنا كان قدامي حل تاني وما عملتوش؟! هو أنا كنت أقدر أعمل غير كده؟!”، وعادة تنتهي إجابتك “أهو ده اللي حصل وخلاص، اللي فات مات، إحنا دلوقت قدام الورطة اللي أنا فيها”، وقد تكون الاختيارات التي أمامك أفضلها مدمر لحياتك فمثلاً، إما أن تختار بين أن تترك القرية التي ولدت، وتربيت، وتعيش فيها منذ نعومة أظفارك، وتبحث لك عن مكان آخر داخل مصر أو العراق أو سوريا وغيرها، تجنبًا للمعاناة والاضطهاد وسوء المعاملة من جيرانك، الذين أصبحوا أعداءك، لا لشئ إلا لأنك تخالفهم في العقيدة أو الدين أو المذهب، أو لأن رمز من رموز دينك، أو كاهن كنيستك، وافق على خريطة الطريق وأيدها، وأوصى باحترامها وتطبيقها، والمتمردون من جيرانك يرفضونها شكلاً وموضوعًا، ونكاية فيك وفي ذاك الرمز أو الكاهن، يقرر زبانية الليل أن يخطفوك، أو يقتلوك أو يفجرون كنيستك أو يجبرونك على ترك قريتك، و يكون خيارك الثاني، إن لم يعجبك هذا الحل الأول، هو أن تختار أن تحيا في مكانك وقريتك، ولتتحمل الضغط والاضطهاد، والمتابعة والتدخل في كل شئون حياتك. والخياران والحلان أفضلهما ظالم ومعيب، ولا يقبل به إنسان سليم العقل. ولعل الموقف الذي مرت به مصرنا الغالية على قلوبنا في 30 يونيو 2013، خير مثال لما أريد أن أوضحه في هذا المقال. فبين اختيار وقبول غطرسة الإخوان المسلمين، كحكام لمصر، بالرغم من جهلهم في أساليب القيادة، وشرههم وحبهم للتملك والحكم، وإفسادهم للحياة الاجتماعية والسياسية، وحتى الدينية فيها، والخوف منهم ومن تدميرهم لمصر وقتلهم لشعبها من جهة، وبين اختيار وقبول خروج شعب مصر متمردًا عليهم، والقيام بثورة 30 يونيو، والإطاحة بهم بهذه السرعة المذهلة، وفي رأيي، بأقل الخسائر الممكنة، لم يكن الاختيار سهلاً، ففي كلا الاختيارين تضحية ودماء مصريين ستهدر وأرواح ستزهق، أما ما حدث بالفعل، فلم يكن اختيارًا ثالثًا، نعم كان حلاً ثالثًا، ولكنه لم يكن مطروحًا على الساحة السياسية في مصر،  ولم يخطر على بال بشر، ولم يتوقعه إنسان ولا في أحلامه، لا في مصر ولا في خارجها، ولا حتى للشعب المصري نفسه، الذي قام بالثورة باعتراف الجميع، فالخياران اللذان كانا متاحين أمام المصريين أحلاهما مر، ومكلف تكلفة باهظة، إن بقي الإخوان المسلمون أو أجبروا على الرحيل. أما ما حدث، وهو أن ينضم الجيش إلى صفوف المتظاهرين، ويحسم الأمر لصالحهم، فهذا هو الحل الثالث الذي اختاره الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ولم يكن متوقعًا، وهذا ما هو غير مفهوم حتى الآن من قبل العالم كله، وخاصة للمصريين، فكيف يقف الفريق أول السيسي، وهو من ولاه المخلوع مرسي قيادة الجيش في وجهه، وينحاز إلى الشعب ضده؟! وكيف لم يكتشف مرسي أن السيسي سينضم إلى الإرادة الشعبية؟! ولماذا لم يخلعه من منصبه ويولي غيره في غضون دقائق، وبحركة غادرة، كما تعود الإخوان المسلمون أن يعملوا؟! وأعتقد أن مرسي كان قادرًا على أن يفعل ذلك، كيف لم يكتشف مرسي أن هناك حركة اسمها تمرد، وأنه يمكن لها أن تهز عرشه الذي حارب وحاربت جماعته بكل إمكانياتها وخداعها للحصول عليه؟ وكيف ترك مرسي السيسي يتدخل في الشئون السياسية للبلاد، وهو الرجل العسكري الذي يحتم عليه منصبه أن يكون بعيدًا عن الجدل السياسي، وليس عليه إلا أن ينفذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة؟! وكيف وكيف وكيف حدث ما حدث بهذه السرعة، وبأقل الخسائر كما قلت سابقًا؟ أسئلة قد يجيب عليها التاريخ، وقد لا يفعل ويترك الإجابة للتحليل والآراء السياسية والدينية المختلفة. المهم أن هذا اختيار الحل الثالث الذي يلهم به علام الغيوب الإنسان، فيختاره إن أحسن الاختيار.

    لقد تعلمت من القدير أنه عندما لا يكون أمامي سوى اختيارين أحلاهما مر، أن أنتظر حله هو سبحانه، وهذا ما أطلقت عليه نظرية “الحل الثالث”.

    أما كيف توصلت أنا لنظرية الحل الثالث، وأقرر هنا أنني لست بمخترعها، ولا أول من اكتشفها أو طبقها، فهي نظرية سهلة في فهمها، قديمة قدم الخليقة، ولكنها في معظم الأوقات ما تكون في غاية الصعوبة في تنفيذها، لكنني لم أتعلمها من أحد، بل من خلال تعاملات إلهي القدير معي في مسيرتي معه، تبارك اسمه. ويرجع الفضل في استيعابي لهذه النظرية واستخدامها في حياتي في أمور ومواقف كثيرة، إلى أخت لي في المسيح، الأمر الذي أنقذني من كثير من المشاكل والإحباطات التي كانت من الممكن أن تؤثر سلبًا في حياتي. وإليك القصة كاملة، كانت لي صديقة، وأخت في المسيح في كنيستي، عندما كنت في شبابي قائدًا لاجتماع الشباب، وكانت هي واحدة من جماعة هذا الاجتماع، جاءتني هذه الأخت تعرض عليّ مشكلتها، قالت لي، ناجي أحتاج إلى رأيك في مشكلة خطيرة أمر بها في هذه الأيام، قلت: هات مشكلتك. قالت: أنت تعلم أنه قد تم تعييني في أحد البنوك التي كنت أحلم بالتعيين بها منذ ما يقرب من شهر مضى. قلت: مبروك هذا أمر رائع وعظيم. قالت: اصبر، فمن الواضح أنني سوف أجبر على تركه في خلال أربعة أيام، وهذه الوظيفة لكم انتظرتها وأريد أن أبقى فيها. قلت: وما السبب الذي قد يجبرك على ترك وظيفتك؟ قالت: أنت تعلم القانون الذي يحتم على البنت أن تقضي سنة في الخدمة العامة قبل التعيين في وظيفة حكومية. قلت: نعم. قالت: لقد أنهيت سنة الخدمة العامة، وذهبت لاستلام شهادة إتمام الخدمة العامة من الموظف المختص لتقديمها للبنك حتى يكمل أوراق تعييني في المدة الممنوحة لي حسب القانون، وهي مدة 30 يومًا من تاريخ التعيين، فرفض الموظف المختص إعطائي هذه الشهادة بالرغم من إتمامي سنة الخدمة العامة، وبالرغم من وجودها في مكتبه جاهزة، كما قال لي هذا الموظف. قلت: وما السبب الذي يجعل الموظف يرفض إعطائك الشهادة؟ قالت: صدق أو لا تصدق، لقد طلب مني الموظف بلسانه وبكل وضوح أن أعطيه خمسة جنيهات، على سبيل الرشوة، للحصول على شهادتي، وعندما سألته “الخمسة جنية حضرتك عايزها ليه؟” قال لي بكل بجاحة ووضوح: الخمسة جنيهات دي يا هانم رشوة، إن دفعتيها أخذت شهادتك، وإن لم تدفعيها لن ترين الشهادة، وهيضيع عليك تعيينك في البنك. كانت صديقتي مازالت في حالة الصدمة والذهول من موقف وطريقة هذا الموظف، ففي تلك الأيام القديمة الجميلة كان الموظفون أكثر خجلاً وتحفظًا، وكانت الرشوة لا تطلب باللسان، بل بالغمز واللمز، وفتح الدرج، أو بين طيات الأوراق المطلوب اعتمادها أو الحصول عليها، وكانت تعطى في السر والخفاء، وسرعان ما يدسها الموظف في جيبه، وهو يتلفت يمينًا وشمالاً للتأكد أن أحدًا لم يره، لكن أن يطلب موظف حكومي من سيدة بلسانه، وبهذه الطريقة الوقحة السافرة رشوة، وأن يحدد قيمتها 5 جنيهات، والتي تساوى 500 جنيهًا بأسعار هذه الأيام، وأن يهدد صاحبة الطلب بخسارة مستقبلها في البنك إذا ما لم ترضخ لابتزازه، هذا ما لم يكن أحد يسمع عنه في تلك الأيام الخوالي الجميلة، التي عشتها في مصر.

    أكملت صديقتي حديثها وقالت: ألم يعلمنا الكتاب المقدس أن تقديم الرشوة أمر محرم، وأنها خطية يحاسب عليها الرب، الراشي والمرتشي؟! قلت: لها نعم، هذا صحيح. قالت: لقد رويت قصتي هذه “لأنكل  فلان” وطلبت نصيحته قال لي: “يا بنتي ما تضيعيش وقتك ومستقبلك، والرشوة مش حرام لو إنك بتدفعيها للحصول على حق لك”. كان أنكل فلان هذا أحد القادة المشهورين في الكنيسة الإنجيلية، وقد ذاع صيته حتى تعدى حدود مصر إلى خارجها، فمن يقدر أن يقول رأي مخالف لرأي أنكل فلان في أية قضية يفتي فيها. قالت صديقتي: أنكل فلان قال ادفعي وأنت ماذا تقول؟ كنت أعلم أن أية حلول أو اختيارات يمكن أن أقولها لهذه الصديقة مخالفة لرأي أنكل فلان ستسبب لها بعض الاضطراب في تفكيرها، وستسبب لي بعض المشاكل معها، وبالتأكيد معه إذا سمع أن لي رأيًا مخالفًا لرأيه. أجبت صديقتي بكل ما لدي من حكمة بسيطة، وقلت: دعينا نعدد الخيارات الموضوعة أمامنا للحصول على الشهادة. قالت: ليس أمامي سوى حلان، أن أدفع لهذا الرجل الخمسة جنيهات كرشوة وآخذ الشهادة، أو تضيع الشهادة وأرفت من البنك. قلت لها: لماذا لا ترسلين تلغرافًا إلى وزيرة الشئون الاجتماعية وتحكي لها القصة، وتطلبي مساعدتها في حل هذه المشكلة؟ قالت صديقتي: أرسلت لها ثلاثة تلغرافات، ولم تجبني بشئ. قلت: لماذا لا تذهبين لمقابلتها؟ قالت: ذهبت، ولم أتمكن من مقابلتها، عندها كان على أن أختار حل من الاثنين، إما أن أثني على رأي أنكل فلان وأنحاز إلى جانبه، وأخالف إيماني وكتابي المقدس وضميري وقناعاتي الشخصية، وأخلص من هذا الموقف الذي لم أكن أحسد عليه، وإما أن أتمسك بكل هذا وأصر على أن الرشوة حرام وأمر مخالف لتعاليم الكتاب المقدس. لكني كنت أعلم أن إيماني وقناعاتي لابد أن تطبق علىّ أنا وليس على من حولي، وإنه لا يمكنني أن أجبر الآخرين على قبول اختياراتي، لكنني في نفس الوقت أنظر إلى صاحبة المشكلة كصديقة وأخت وواحدة من اجتماع أنا قائده الروحي، ولابد لي أن أكون مخلصًا أمينًا فيما أقوله لها. ووقعت في حيرة لبضعة ثوان، سألتها ما عليك من رأيي أنا، أنتِ صاحبة المشكلة إلى أي رأي تميلين، إلى رأي أنكل فلان أو إلى رأيي أنا، وهو أن ما نهاني عنه المولى القدير لا مفر من تنفيذه، حتى لو كان بالنسبة لنا مستحيلا؟! قالت صديقتي: الحقيقة أنا أميل إلى رأيك انت، وهو ألا أدفع الرشوة، ففي رأيي أن هذا هو الرأي الكتابي. صمتت قليلاً ثم قالت: لكني سأخسر وظيفتي. أحنت رأسها إلى أسفل، وبدت عليها الحيرة، وقليل من الاكتئاب، وكادت تستدير وتتركني أنظر إليها وهي تغيب عن أنظاري دون أن تحصل مني على حل شاف لمشكلتها، تسارعت في عقلي الكلمات، فماذا أقول لها؟! هل أقول لها ادفعي ولا تخسري وظيفتك؟! وكيف لي أن أخالف كتابي وضميري وأدمر صورتي الروحية في ذهنها؟! وكيف تثق فيّ بعد اليوم، وفي مشورتي لها في أي أمر آخر؟! أم أصر على موقفي وأنهاها عن أن تدفع الرشوة، وماذا لو فصلت من عملها؟! ماذا ستقول عني، وربما حملتني مسئولية فصلها من عملها؟! لكني لست أدري كيف نطقت بالكلمات التالية وقلت لها: عندما يكون أمامنا حلان وأحلاهما مر لابد أن يكون لدى الرب “الحل الثالث”. قالت: ماذا تعني؟! قلت: إن الحلول المتاحة لك إما أن تدفعي وتأخذي الشهادة، وإما أن لا تدفعي وتفصلي من عملك. قالت: نعم، قلت هذا ما أسمعه من إلهى الآن، هو سبحانه لديه الحل الثالث الذي لا أعرفه أنا ولا أنتِ، فهو مكتوب عنه أن له في الموت مخارج، وأنه يدعو الأشياء غير الموجوده كأنها موجودة، ما علينا إلا أن نصلي ونتضرع إلى الله أن ينقذ الموقف بطريقته هو، بالحل الثالث. استراحت صديقتي وبدت عليها ابتسامة جميلة، وقالت: سأصلي وأنتظر الحل الثالث، وانصرفت إلى بيتها. صلينا “تدخل يا مولانا وإلهنا وربنا واعطنا “الحل الثالث” الذي لا نعرفه نحن”. قابلتها في اليوم التالي سألتها هل هناك جديد في حل هذه المشكلة؟ قالت: لا. أنا منتظرة الحل الثالث. لم أتمكن من مقابلتها أو الاتصال بها لمدة ثلاثة أيام بعد مقابلتنا الأخيرة، كنت أعلم أن هذا هو اليوم الأخير لحل هذه المشكلة، وكنا ما زلنا نصلي أن يتدخل القدير، وفي اليوم الأخير جاءت صديقتي إلى الكنيسة، كانت فرحة ومبتسمة، بادرتني بالقول: لن تصدق يا ناجي ما حدث. قلت: ماذا؟ قالت لقد حدث الحل الثالث. قلت: احكي لي. قالت: اليوم كان آخر يوم في المدة الممنوحة لي من البنك لاستكمال أوراقي، وتقديم شهادة الخدمة العامة، وفي نحو الساعة الواحدة ظهرًا دخلت سيدة لاهثة إلى البنك، وكان يبدو عليها علامات التعب، وكانت تتصبب عرقًا وهي تسرع الخطى إلى القسم الذي كنت أعمل به، وسألت عني بالاسم، فأحضروها إلى مكتبي، سألتني: هل أنتِ فلانة؟ قلت: نعم. فقالت لي: إن السيدة وزيرة الشئون الاجتماعية أرسلتني خصيصًا للاعتذار لكِ عن تأخرها في الرد على تلغرافاتك وتلبية طلبك لها في الحصول على شهادة الخدمة العامة، وقد كلفتني أنا شخصيًا بالمجئ إليكِ للاعتذار إليك وإحضار الشهادة لكِ بنفسي. قالت صديقتي: علمت بعدها أن هذه السيدة التي أحضرت لي الشهادة كانت برتبة وكيلة وزارة الشئون الاجتماعية، وقد جاءت بنفسها لتسليمي الشهادة في مكتبي، مجدنا إلهنا معًا، ومنذ ذلك اليوم وأنا أطبق ما أسميته بنظرية “الحل الثالث”. وبعدها قادني المولى، تبارك اسمه، في رحلة عبر كتابه، الكتاب المقدس، للتأكيد على أهمية السير بنظرية الحل الثالث، وفي رحلتي مررت بإبراهيم خليل الله، وقد وعده المولى أن يعطيه ولدًا، وطال زمن تنفيذ وعده، سبحانه وتعالى، فاختار إبراهيم حلاً من الحلول المتاحة لديه، فكان عليه إما أن يشك في كلام المولى، ويصرف النظر عن الإنجاب، فقد أصبح ابن 99 سنة، وسارة امرأته بنت 89، أو أن يدخل بهاجر المصرية وينجب منها الولد، ولم ينتظر الحل الثالث من الله، وأنجب إسماعيل، وما أدراك ما عمله ويعمله إسماعيل، لكن المولى القدير عاد فقال له إن حلي أنا هو”الحل الثالث” فبإسحق يدعى لك نسل، وبأن تنجب سارة الولد، بالرغم من مماتية مستودعها واستحالة حملها وولادتها، إلا أن غير المستطاع لدى الناس مستطاع لدي، وأنا على كل شئ قدير. وهكذا لم يكن أمام موسى كليم الله عند عبوره البحر الأحمر ببني إسرائيل إلا اختيار حلا من اثنين، وكان فرعون وراءه يلاحقه ليقضي عليه، والبحر الأحمر أمامه، فماذا عساه أن يفعل، فإن حارب فرعون لأباده الأخير وقضى عليه وعلى شعبه، وإن ألقى بنفسه ومن معه في البحر الأحمر لغرقوا جميعًا، لكن الحل الثالث من المولى القدير على كل شئ كان بأن يضرب موسى البحر بعصاه فينشق ويعبر بني إسرائيل على اليابسة بأرجلهم، الأمر الذي لما شرع فيه فرعون وجنوده غرقوا جميعًا وغاصوا في أعماق البحر. لم يكن أمام دانيال نبي المولى القدير إلا أن يتوقف عن الصلاة لإلهه في كواه المفتوحة كعادته أو أن يلقونه في جب الأسود الجائعة، فاختار أن يرضي إلهه وينتظر الحل الثالث، وكان الحل الثالث بعد أن ألقي دانيال في جب الأسود أن يرسل القدير ملاكه إلى الجب ليسد أفواه الأسود فلا تأكله. لم يكن أمام الفتية الثلاثة شدرخ وميشخ وعبد نغو إلا أن يقبلوا أحد الحلين المقدمين لهما من الملك نبوخذنصر في القديم، وهما إما أن يسجدوا إلى تمثال الذهب الذي صنعه، ويكسروا الوصية الكتابية “للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” أو أن يلقونهم في أتون نار محمى سبعة أضعاف، فكانت إجابتهما “يا نبوخذنصر لا يلزمنا أن نجيبك على هذا الأمر، هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك”. وكانوا بذلك قد اختاروا الحل الثالث، وهو التدخل الإلهي في قضيتهم مع الملك. ويعوزني الوقت ومساحة النشر للكتابة عن كثير من رجالات الله في العهدين القديم والجديد، الذين انتظروا الحل الثالث من السماء، فنجحوا في حياتهم وخدمتهم وتوصيل رسالاتهم، وأيضًا عن آخرين قرروا أن يختاروا لأنفسهم أحد الحلول المتاحة لديهم دون الانتظار للحصول على الحل الثالث من السماء، فكانوا في النهاية من الخاسرين.

    ولابد من الاعتراف أن هناك عدة مشاكل في تطبيق نظرية الحل الثالث، أولها يكمن في طريقة اكتشاف الحل الثالث، فكثيرًا ما يكون الحل الثالث موجود بين أيدينا لكننا لا نعلم أن ما لدينا هو الحل الثالث، كعصى موسى التي كانت في يده، والتي كان قد صنع معجزات سابقة باستخدامها، لكنه لم يفكر في استخدامها لشق البحر الأحمر، فقضى الليل صارخًا للمولى، تبارك اسمه، في صلاة لإيجاد حل لمشكلته. فقد يأتي الحل من خلال آية تقرأها في الكتاب المقدس، ضمن قراءاتك اليومية، وقد يحتاج معرفة الحل الثالث إلى أن تسأل أحد رجال أو نساء الله القديسين المملوئين من الروح القدس، وتستمع إلى مشوراتهم، وغيرها من الطرق الكثيرة التي يتكلم بها علام الغيوب. والمشكلة الثانية تكمن في وقت الانتظار المصاحب لاكتشاف الحل الثالث، وفي وقت تنفيذه، ففي معظم الأحيان لا يأتي الحل الثالث إلا في الهزيع الرابع من الوقت المسموح به لاتخاذ القرار أو حل المشكلة. لكنني أؤكد أن أمانة إلهنا لا تجعله يتأخر عن التدخل بإعطائنا الحلول الصحيحة في حينه، إن تعلمنا أن نصبر له. وهناك أيضًا إشكالية في غرابة الحل الثالث، في كثير من الأحيان. نعم فحلول الله عادة ما تفوق إدراك عقولنا، فما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، نعم قد يكون الحل الثالث بسيطًا، وفي متناول يدك، لكنه غريبًا مدهشًا في نفس الوقت، إن الطريق الوحيد لاكتشاف الحل الثالث هو في شركة روحية سليمة مع السيد الرب، تبارك اسمه، والانتظار أمامه والإصرار على تنفيذ الحل الثالث، مهما كانت التكلفة والمعاناة في تنفيذه.

    اللهم افتح عيوننا لنكتشف حلولك لمشكلاتنا، وأنر أبصارنا حتى نحسن اختياراتنا، واعطنا صبرًا جميلاً حتى لا ننحاز إلى قناعاتنا وانفعالاتنا، فأنت إلهنا وربنا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا