العدد 56 الصادر في مايو 2010 يا صديقي كلنا كباش على طريق الكباش
يخطئ من يظن أن هناك طريقاً واحداً للكباش يبدأ وينتهي في مدينة الأقصر، ذلك الذي بناه أجدادنا الفراعنة، كما يخطئ من يتخيل أن عملية رسم وتخطيط وتحديث طريق الكباش بدأت منذ شهور أو سنين وجاري تنفيذها الآن، ويجانبه الصواب من يفكر فقط في نوع واحد من الكباش تلك المصنوعة من الحجارة أو الصخور. والحقيقة أنه يا صديقي كلنا كباش في طريق الكباش. فمن منا لا يعرف التعبير الدارج “كبش الفداء” ومن منا في مصر لم يقف في موقف كبش الفداء في حادثة أو أكثر لا يتسع المجال لسرد بعضها.
ففي رأيي أن طريق الكباش بدأ مكانياً وزمانياً بالغزو والاحتلال الإسلامي لمصر، فعندما تم النصر والفتح المبين كما يراه الغزاة، أو القهر والقتل والاحتلال ومحو التاريخ والحضارة والشخصية المصرية القديمة كما نراه نحن المسيحيين أصحاب الأرض والتاريخ، بدأ مشروع رسم طريق الكباش، فعامل المستعمر أهل البلاد كالكباش مثل غنم للذبح، ساقوهم بالعصى والسيوف من فوق الخيول حتى استسلموا للظالم وأصبحوا تفرقهم عصا وكرباج وتجمعهم حزمة من البرسيم أو الوعود الخادعه الكاذبة، فيجرون وراءها ويشكرون المولى تبارك اسمه علي المستعمر وما يعمله معهم، فهو القاضي والجلاد والمنعم والمحجم، العاطي المانع، الجبار المتجبر، الرافع الخافض … إلخ.
إن المتتبع لخط سير طريق الكباش في الآونة الأخيرة يجده قد اتخذ انحدارات وانحناءات خطيرة منذ بداية مصر الحديثة، ماراً بالخط الهمايوني، ثم تأسيس جماعة الإخوان المسلمون، ثم قيام الثورة المباركة, كافأ المولى تبارك اسمه قادتها علي قدر إخلاصهم وأدائهم، ورصفهم لطريق الكباش بأسفلت التمييز الطبقي والديني، وخلط هذا الأسفلت بدم الكباش التي لا حول لها ولا قوة. كما أسأله تعالى مجازاتهم على بناء هذا السور الشاهق الذي وضعوه وأرسوا أساساته للفصل بين عنصري الأمة مسلميها ومسيحييها علي جانبي طريق الكباش.
ولربما كانت أخطر منحنيات هذا الطريق قد حدثت عندما بدأ من أطلق علي نفسه كبير العائلة المصرية، والرئيس المؤمن!! والرئيس المسلم لدولة مسلمة، ولبس العباءة، وأمسك بالمسبحة وعرض زبيبة جبهته، وبدأ بمساومة المتطرفين ومساعدة القتلة والسفاحين، وتركهم يذبحون من يشاءون من الكباش في الزاوية الحمراء، وحدد إقامة رئيسهم عندما امتنع عن الصلاة في ليلة العيد، فأنى للعيد أن يكون عيداً وفرحاً وأبناؤه وأتباعه يذبحون ويسجنون؟ وحاول أن يعمل انقساماً بين قادتهم وصفوفهم، تماماً كما كان غير المأسوف عليه صدام حسين يجبر الأم الثكلى أن تمشي في جنازة ابنها المقتول في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وأن تطلق الزغاريد متقمصة دور الأم المبتهجة الفرحة لموت ابنها شهيداً ودخوله الجنة وتمتعه بحور عين وأولاد مخلدين، وهي من كانت تموت كل لحظة وتخترق كبدها وقلبها السهام علي ابن خرج ولن يعود، أو زوج ذهب ولن يعرفه موضعه بعد. ثم توالت الانحناءات والانحدارات مارة بالخانكة والإسكندرية، والكشح، وطحا العمودين، ونجع حمادي و.. و.. حتى وصل الطريق الآن إلي الأقصر، وبالتحديد أمام مبنى الكنيسة الإنجيلية المشيخية، ويعلم المولى وحده إلي أين سيتجه الطريق، طريق الكباش، بعد هذا. لا أظن أو أتوقع أنه سيقف عند حد ما، اللهم إلا إذا وضع عدد كبير من الكباش أنفسهم كضحايا وشهداء وسدوا الطريق بصلواتهم وبأجسادهم وأرواحهم وأنهوه عند نقطة معينة لا يعرف مكانها إلا علام الغيوب تبارك اسمه.
ولي بعض الملاحظات والتعليقات علي ما حدث في النقطة الأخيرة، التي يقف عندها اليوم طريق الكباش. إن ما حدث في الأقصر مع القس محروس كرم يدل علي ما وصلت إليه الطائفة الإنجيلية (ولا أقصد المشيخية فحسب بل الطائفة كلها) من ضعف وفشل وانقسام وتشويش في الأذهان وصراع علي إظهار الذات والمساومة علي الحق والخوف من جلاد الكباش الذي قد يتخذ صورة محافظ أو ضابط للشرطة أو وزير أو غيره. وهذه الحالة التي وصلت إليها الكنيسة هي التي تهمني في المقام الأول، حيث أنني ابن وخادم وعامل لهذه الكنيسة المعروفة بالإنجيلية منذ عشرات السنين، فلو كان محافظ الأقصر الذي ظهر كالفارس وكعنتر طريق الكباش والفاتح المغوار لموقعة مبنى الخدمات التابع للكنيسة الإنجيلية المشيخية بالأقصر يعرف أن الكنيسة الإنجيلية كنيسة قوية قادرة علي حل مشاكلها بنفسها واتخاذ قرارات ملزمة لقسوسها والعاملين بها، وللمسئولين عن مدينة الأقصر بل والحكومة المصرية، لما قاد هذه الحملة التي ظن فيها كبشا الفداء راعي الكنيسة وزوجته أنهما سيؤثران في خط سير طريق الكباش. ففشل الطائفة الإنجيلية في الماضي والحاضر في إيقاف الإيذاء النفسي والبدني والاعتقالات والاستدعاءات لخدامها والعاملين بها، وإغلاق كنائسها دون إبداء أسباب، ومنع أعضائها من السفر وزوارها من الدخول لمصر في مناسبات كثيرة، وضعفها عن مواجهة هذه المواقف بحكمة وحزم وقوة، أدى إلي هذا المنعطف الخطير علي طريق الكباش. فهب أن هناك مفاوضات بين محافظة الأقصر والكنيسة ممثلة في راعيها، ولنفرض جدلاً أن هذا القس معاند ورافض للتعاون مع عنتر الكباش، ألا يوجد من الأساليب المتحضرة لمخاطبته بالقانون، ثم مخاطبة رؤسائه والمسئولين عن الطائفة الإنجيلية في مصر والوصول إلي كلمة سواء؟ ألا تستطيع الكنيسة الإنجيلية المشيخية أن تتفق علي حل وقرار واحد تواجه به عنتر الكباش الذي جر القسيس وزوجته لينفذ مخططه؟ ثم، ماذا تتوقعون في المستقبل من بقية عناتر الكباش في محافظاتهم؟ ألا يحفز هذا كل عنتر في محافظته ليزيد علي ما فعله عنتر الأقصر؟ هل كان طلب القس محروس طلباً مستحيلاً، بأن يتم تعويض الكنيسة عن خسائرها قبل الهدم، وإثبات ملكية الكنيسة لما يراد إزالته؟ أليس من التحضر والمنطقي أن تجد الحكومة مكاناً مناسباً لسكن راعي الكنيسة، والحضانة الملحقة بالمبنى، والمدرسة، وبيت المغتربات، والنادي، وكل ما تم تدميره، قبل تدميره؟ أليست هذه هي غوغائية التفكير والمنطق والتصرف التي نعيش فيها في مصر في هذه الأيام؟ أليس من المضحك المبكي أن يضع واحد من أقدم وأقدر القسوس الإنجيليين وهو القس باقي صدقه، خطاباً حكيماً حازماً صادقاً لعنتر الأقصر وطريق الكباش، ثم تقوم لجنة من نفس المذهب بالذهاب والتفاوض معه، تحت أي سبب من الأسباب، أو غرض من الأغراض؟ ولو كانت هذه الحادثة المشينة تخص الكنيسة المشيخية المصرية فقط لربما كنت قد أحجمت عن الكتابة عنها، لكن أحداث الأقصر هي أحداث شعب مسيحي، طائفة إنجيلية علي اختلاف مذاهبها وكنائسها. أين المجلس الملي العام للطائفة الإنجيلية في مثل هذه الأحداث وغيرها من الأحداث؟ ألا يحق لنا أن نطالب كشعب مسيحي إنجيلي باستجواب أعضائه وأن نجلس المحتقرين في الكنيسة أولاً لمحاكمتهم كما علمنا تنزيل الحكيم العليم -الكتاب المقدس؟ ألم يحن الوقت لحل ما يعرف برئاسة الطائفة الإنجيلية أو المجلس الملي الإنجيلي العام؟ فماذا قدم هذا المجلس للكنيسة الإنجيلية في مصر؟ ما هو السبب الحقيقي وراء وجوده حتى الآن؟ هل يستطيع أحد القراء أن يذكر لنا موقفاً شجاعاً واحداً اتخذه هذا المجلس في مواجهة أي اعتداء علي جماعة أو قرية أو كنيسة مسيحية أو حتى إنجيلية؟ ألم تمتلئ قاعات المحاكم بقضايا لمذاهب مختلفة للانفصال عن هذا المجلس الموقر وهذه الرئاسة الشرفية، وقد حصل بعضها بالفعل علي حكم الانفصال؟
هل استطاع هذا المجلس أن يحل مشكلة مذهب واحد أو كنيسة واحدة تابعة له علي اختلاف مذاهبه وكنائسه؟ وعلي مستوى المذهب أو الكنيسة الواحدة؟ ألم يُصدر هذا المجلس قرارات عديدة في قضايا كثيرة وضرب بها عرض الحائط ولم تنفذ؟ ألم نسمع عن رشاوى وتزوير وشللية ومحسوبية في انتخاب أعضائه وقادته؟ ألا يحظى مذهب واحد بنصيب الأسد في عدد أعضاء هذا المجلس ويستأثر برئاسته وقيادته؟ أما الآن وبعد ما حدث في كنيسة الأقصر، فإنني أطالب الشعب المسيحي الإنجيلي بالتعبير عن رأيه ووضع حد لقيام هذا المجلس. وليحكم الرسوليون كنائسهم الرسولية، وليحكم الإخوة كنائسهم، وليحكم نهضة القداسة رعاتها وقادتها، وليتفرغ سنودس النيل الإنجيلي لما يتعلق بسنودسهم، فلكل مذهب رجاله الأتقياء القادرون علي إدارته، العارفون بالأزمنة والأوقات والظروف الخاصة بهم، فلا حاجة لرئاسة للطائفة الإنجيلية، ولا داعي للصراع والرشاوى والتزوير والانقسام ونشر الغسيل الإنجيلي القذر علي الملأ في صفحات المجلات وبرامج التليفزيون، ولتكن الفترة الباقية لرئاسة الدكتور القس صفوت البياضي هي مرحلة تمهيدية لتصفية رئاسة الطائفة الإنجيلية. رحم الله أياماً كان يسمى فيها رئيس الطائفة بوكيل الطائفة الإنجيلية، لأن الطائفة الإنجيلية كانت تؤمن أن رئيسها هو المسيح، ولا يحق لأحد أن يستخدم هذا اللقب سواه.
لقد صدق المسيح تبارك اسمه عندما أطلق علي أتباعه اسم الخراف، وصدق المولى تبارك اسمه عندما أراد أن يصور جهل الإنسان وسيطرة الخطية والأفكار المغلوطة عليه عندما قال عنا: “كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه”. أليس من المضحك أن تظن بعض الكباش أنها مميزة عن غيرها وأنها قادرة علي الوصول والتواصل مع جلادها عنتر الكباش، وعلي التفاوض معه واقتطاع حقوقها منه؟ فهل يذكر التاريخ البعيد أو القريب حادثة واحدة ذهب فيها عدد من الكباش للتفاوض مع عنتر الكباش وخرجوا بأية فائدة تذكر؟ ليت من يتذكر حادثة ولو واحدة يشاركها معنا نحن عامة الكباش حتى نحاول تكرارها. ألا يحصل الكباش على مجرد وعود وكلام معسول من عنتر طريق الكباش؟ ألا تكف الكباش عن عمل نفس الشيء في كل مناسبة وحادثة؟ قد يعوض عنتر الكباش عن بعض خسائرها حتى لا يجذب أنظار العالم إليه، لكن ما هو الشيء أو المبلغ الذي يعوض قساً يعتدى عليه وعلي زوجته؟ هل تحتاج الكنيسة أن تذهب إلي جلسات صلح وخضوع وخنوع لتتقبل وعوداً برد المسلوب منها؟
لقد تساءل عنتر طريق الكباش في مقابلته مع سيدات!!! نادي الليونز عن، لماذا لما هدم أربعة مساجد للمسلمين محدش فتح بؤه؟ ولا أظن أن إحدى السيدات اللاتي مثّل أمامهن دور عنتر الذي لا يخاف من الصحافة والقنوات الفضائية ولا من حد (على حد قوله)، أجابته أو كانت تستطيع إجابته علي سؤاله الساذج المضلل. دعني أجيب أنا عن سؤالك: لم يفتح أحد المسلمين بؤه يا سيادة العنتر للأسباب الآتية:
1- لأننا يا صديقي كلنا كباش في طريق الكباش، والكباش لا تعرف أن تتكلم في دولة البوليس، فالبقاء للأظلم في بلادنا والسكوت للأحكم.
2- ليست هناك أية مشكلة في هدم أربعة مساجد، ففي كل حارة وشارع يوجد مسجد أو أكثر، ولا شك أن هناك أربعة شوارع في الأقصر يمكن أن تبنى فيها مساجد بدلاً من المهدومة علي حساب الدولة ومن نقود دافعي الضرائب.
3- ليست هناك أية إعاقات في بناء المساجد، فالمترددون علي هذه المساجد يمكنهم أن يقيموا غيرها في غضون أيام، فهم لا يحتاجون إلي قرار محافظ أو رئيس جمهورية.
4- هذه المساجد قد تم تعويضها وتحديد أماكن لإقامتها، إن لم يكن اخلاصاً من المعطين والمعوضين لهؤلاء المسلمين ولدينهم فإنه يكون بسبب خوفهم منهم، فلو لم يعوض أصحاب هذه المساجد مقدماً لانهالت عليك وعلي مبنى محافظتك الحجارة وربما الرصاص، وكسرت المحال وأحرقت السيارات، وتحولت محافظتك إلي طريق للأشباح بدلاً من طريق الكباش. أما المسيحيون فلا يقومون بشئ من هذا، فليس لديهم إلا الكلام والجرائد والفضائيات التي تخاف منها، حتى لو انكرت ذلك في خطبة عنترية أمام مجموعة من السيدات.
دعنى أهمس في أذنك يا سيادة العنتر: إن العنتر الحقيقي لا يكذب، وإن من يدعي أنه لا يخاف من الجرائد والمجلات والفضائيات لا يكذب، ومن يكذب وينكر الحقائق فيدعي أن ما هدمته البلدوزارات الخاصة بمحافظتك ما هو إلا غرفة واحدة فهذا خواف وليس بعنتر، ومن يدعي أن هذا المبنى ليس ملكاً للكنيسة فهو كذاب وخواف وليس بعنتر. ومن لا يعرف أن يحافظ علي شعب محافظته وكرامتهم حتى لو كان قساً وزوجته فليس بعنتر، ومن يحتمي في الكبار ويختفي بينهم ويؤكد أن قرارات الإزالة قرارات جماعية فبعيد كل البعد عن صفات عنتر الذي نعرفه. من يخدع الناس بعدم سرد الحقائق، ومن يتخذ قوته من رجال الأمن المركزي والبلدوزارات الهادمة والمخبرين وضابط البوليس فلن يكون عنتراً في يوم من الأيام.
دعني أختم أفكاري بالقول: أن التاريخ لن يخلد اسمك يا سيادة المحافظ كمن عمل علي تطوير الأقصر وتجميلها، بل ستلتصق باسمك هذه الفعلة النكراء بالطريقة التي تعاملت بها مع هذا الحدث، سيكون القس وزوجته في احتفال تدشين مدينة الأقصر الجديدة، لكنك لن تكون أنت ومعظم الذين ساندوك وشجعوك بالقول أو الفعل أو السكوت علي ما حدث، وعندها سيعرف العالم من هو عنتر الحقيقي.
أما أنت أيها الزميل العزيز القس محروس وزوجتك الفاضلة، فيكفيك فخراً أنك وقفت في وجه من ظن نفسه عنتر طريق الكباش ولم تتخل عن موقعك ولم تتركه إلا محمولاً، فسيظل تاريخ الكنيسة الإنجيلية يذكر لك هذا، وستكافئك عليه السماء.
ولا تنس يا صديقي أننا كلنا كباش.. على طريق الكباش.
ولن تصلح الأوضاع إلا بمجيء راعي الكباش العظيم الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده، فالرابع الشبيه بابن الآلهه ما زال حياً وقادراً علي التمشي مع فتيانه في أتون النار، ولابد لنبوخذ نصر الملك مهما كان بطشه وغطرسته وعناده وكبريائه أن ينحني أمامه ويسجد له تبارك اسمه, وليعلم الجميع أن كل آلة تصور ضد الكنيسة لن تنجح وكل لسان يقوم عليها سوف تحكم عليه فى القضاء الآتي سريعاً ولا بد للكل أن يعترفوا أنه هو الله وأن أتباعه هم المؤمنون الرابحون الخالدون إلي أبد الآبدين. آمين.