تدور القصة في مدينة شوشن عاصمة بلاد فارس في عهد الملك “أحشويروش” المعروف باسم زركسيس الأول الذي حكم 127 مملكة.
(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا… كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم.. أضاع “أبيحائل” والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض..
وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. فقد وجد أنه ما زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام.. واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء.. (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة)..
حضرت العمة “رفقة” اليوم الجمعة مبكرًا لمنزل “مردخاي”. ففترة الصباح هي فرصتها للانتهاء من ترتيب جميع أطعمة (الشبات).
نقعت العمة “رفقة” اللحوم وملَّحتها استعدادًا لطهيها.. ثم جهزت الخضروات وتناولت الدقيق لتجهيز الخبز، وأخذت كل احتياطاتها حتى لا تصنع “هداسا” أمرًا خارجًا عن المألوف مثل الأسبوع الماضي، فقد فرشت أرضية الحجرة بالدقيق بحجة أنها ترسم أشكالاً.. وانفجرت في البكاء حينما كنستها العمة “رفقة” لأنها لم تقدّر رسوماتها الثمينة.. والأغرب أن “مردخاي” لم يعنفها بل كان يناقشها في الطريقة التي رسمت بها هذه الأشكال التي لا يفهمها أحد!!
ثم غطت مائدة الطعام بمفرش أبيض اللون.. ووضعت شمعدانين بكل واحد سبعة شُعب.. وقبل غروب شمس يوم الجمعة، قامت العمة بإشعال نور السبت، وكان الصراع واضحًا بينها وبين “هداسا” التي ظلت تحاول أن تأخذ منها الشمعة لتضيء هي الشمعدانين حتى يتم الأمر دون خسائر..
وكلما أنارت شمعة ابتسمت “هداسا” فرحة بالنور.. فمضاعفة عدد الشموع من بركات السبت -بحسب معتقدهم- كما تقول لها العمة “رفقة”.. فاليوم يوم بركة وبهجة وسرور. وظلت تردد:
– يا الله يا ربنا يا مالك الكون.. يا مَنْ قدستنا بوصاياك وأوصيتنا أن نضئ يوم السبت.. أنر حياتنا..
اطمأنت العمة “رفقة” لانتهاء إعداد الوجبات الثلاث الخاصة بـ(الشبات)، فقد أعدت الشولنت للجمعة مساءً، وجهزت الجبن ومكونات الألبان للسبت صباحًا، والسمك المخلي لوجبة السبت بعد خدمة صلاة الظهر..
وهذا أعطاها وقتًا كافيًا لترجع منزلها وتحتفل بالسبت مع أسرتها الكبيرة.. فيما أنهى “مردخاي” الصلاة الجماعية وبدأ يغسل يديه استعدادًا لتناول وجبة العشاء الموضوع على المائدة ..
رفع “مردخاي” يده لأعلى ثم بدأ في طقس الاغتسال، حيث صب الماء فوق يده ثلاث مرات: الأولي لتنظيف اليد، والثانية لإزالة النجاسة، والثالثة لإعادة اليد لحالة الطهارة. وبينما كان يفعل ذلك كان يتلو صلاته:
– مبارك أنت هو أيها الرب إلهنا الذي أمرنا أن نرفع أيدينا إلى فوق ونصب فوقها الماء.
غادرت العمة “رفقة” إلى منزلها، وجلس “مردخاي” و”هداسا” على طاولة الطعام، فيما كانت “هداسا” متحمسة أو بالأدق جائعة.. تريده أن ينتهي سريعًا من الصلاة حتى تأكل..
بدأ “مردخاي” بالدعاء..
– يا الله يا ربنا، يا ملك الكون، يا مَنْ قدستنا بوصاياك، وأوصيتنا أن نضيء يوم السبت.
ثم تناول كأس النبيذ، حيث ردد “مردخاي” (الكيدوش) وشرب مستخدمًا كأسًا له صحن صغير، كان قد ورثه عن أبي جده كجزء من ميراثه العائلي الثمين..
ثم بارك رغيفي الخبز “حالا” الموضوعين على المائدة.. وقال:
– مبارك أنت أيها الرب إلهنا الذي قدسنا بهذه الوصية وأمرت أن نأكل فطيرًا.. مبارك الرب إلهنا الذي أخرج لنا خبزًا من الأرض.
ورفع القماش المطرَّز الذي يغطيه وكسر وناول “هداسا” التي تناولت قطعة كبيرة في فمها.. فقد كانت جائعة ومتحمسة لرائحة الطعام.. ولكنها لم تبدأ قبل أن يغمس “مردخاي” لقمته الأولي في صفحة الملح حسب العادة.
حاولت أن تكسر قطعه الخبز التي أخذتها نصفين فلم تسعفها أصابعها الصغيرة.. لذا همت بأخذ السكين لمساعدتها في أداء مهمتها.. قال لها “مردخاي”:
وتناول منها خبزها وقطعه قطعًا صغيرة تتناسب مع أصابعها وظل يتأملها وهي تأكل بشهية مفتوحة.. سرح بأفكاره على حياته التي تغيرت تمامًا.. هل هذا هو نفس الشخص؟ لقد أصبح الآن طويل البال.. لديه اهتمامات مختلفة، بل إنه يستمتع بمحاورتها والإجابة عن أسئلتها الكثيرة المزعجة.
بعد أن تناولا وجبه (الشبات) الأولى تلا “مردخاي” صلاة الشكر، ثم دخلا معًا لحجرته الخاصة حيث الرقوق الثمينة التي ورثها عن آبائه..
فتح أحد الصندوقين الخشبيين المزخرفين بمنتهى الإجلال، وتناول الرق الثمين.. ووقف بوقار يقرأ بصوت عالٍ مقتطفات من توراة موسى ذات علاقة ببدء الخليقة والراحة الخاصة باليوم.
وكعادة اليوم، بدأ يردد الكثير من الأدعية والتراتيل.. و”هداسا” تصغي وتسمع وتسجل كل شيء في ذاكرتها المتقدة بالذكاء.. فاليوم -بحسب معتقدهم- مخصص للصلاة والدراسة والترانيم، والقصص الجميلة التي أحبتها “هداسا”.. وتذكار الله الذي حررهم من العبودية.
– “احفظ يوم السبت لتقدسه كما أوصاك الرب إلهك. ستة أيام تشتغل وتعمل جميع أعمالك، وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك، لا تعمل فيه عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وثورك وحمارك وكل بهائمك، ونزيلك الذي في أبوابك لكي يستريح، عبدك وأمتك مثلك. واذكر أنك كنت عبدًا، فأخرجك الرب إلهك بيد شديدة وذراع ممدودة. لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك أن تحفظ يوم السبت”.
– “اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك.” كان “مردخاي” يلبس قميصًا ومنطقة وفوقهما رداء، وقد غطى رأسه بمنديل طويل لتلاوة صلاة البركة، كما وضع الطليت الكتاني المطرز بخيوط زرقاء على كتفه الأيسر، وقد بدا في قمة بهائه.. خاصةً أن ياقته مطرزه بخيوط فضية مكتوب عليها بعض الكلمات التي يصلي بها.