مجلس الكنائس المصرية خمرًا جديدًا في زقاق عتيق

7

العدد 92 الصادر في مايو 2013
مجلس الكنائس المصرية خمرًا جديدًا في زقاق عتيق

    ما أجمل هذه الفكرة الرائعة، فكرة إنشاء مجلس الكنائس المصرية، التي طالما ناديت بعملها وتحقيقها، أنا والمجانين، من أمثالي، والحالمين المسيحيين المصريين الذين يرون أن الكنيسة لا بد أن تكون وحدة واحدة كما أراد لها السيد المسيح أن تكون، وهي متغربة على الأرض، بغض النظر عن اختلاف طوائفها وجماعاتها في كثير من العقائد واللاهوتيات والحاليات والأخرويات. وبالرغم أنني لا أعلم إن كان هناك من سبقني بالمناداة لتكوين هذا المجلس أم لا، إلا أنني لا أدعي أنني كنت أول المطالبين للكنيسة بتكوين مجلس كنسي موحد في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الكنيسة المصرية، على اختلاف طوائفها ومذاهبها، ولا يفرق معى إن كنت أنا الأول أو الأخير، إلا إنني أعلم أني لم أضع فرصة واحدة في أي حديث تليفزيوني أو مقال أو حديث صحفي إلا وطالبت المسئولين عن الكنيسة أن يكونوا مجلسًا كنسيًا موحدًا يديرون به شئون الكنيسة. وكان آخرها مقالي “أحلم بالبابا الجديد” بالطبع قبل انتخاب البابا تاوضروس ليكون بابا للكنيسة الأرثوذكسية القبطية، فقد كتبت بهذا المقال “الكنيسة تحتاج إلى قيادة موحدة من كافة الطوائف المسيحية، فلتَدر كل طائفة مسيحية مصرية كنائسها بنفسها، ولتولي رئاستها لمن تشاء، ولتعلم تعليمها، ولتحافظ على شعبها ونظامها، لكن عندما تتعلق الأمور بمصير المسيحيين المصريين ككل أو في القضايا المسيحية العامة فلتعلم الكنيسة أنها مطالبة بالتعامل مع هذه القضايا كوحدة واحدة تجمع بين ضفتيها كل الطوائف المسيحية المصرية المتعددة الهوية، مهما كانت حقيقة هذه الطوائف أنها في معظم الوقت مختلفة في فهم ومعالجة الأمور، بل ومتناحرة أيضًا، فلم تعد طائفة واحدة بقادرة على قيادة الشعب المسيحي المصري، وإدارة المسيحية في مصر لا يمكن أن تنفرد بها طائفة واحدة مهما كان تنظيمها، وعظمة إمكانياتها، وكثرة كنائسها، وازدياد أتباعها، وقوة تأثيرها، فالمسيحيون جميعًا، على اختلاف طوائفهم، هم في قارب واحد، ما يواجه هذا القارب سيؤثر عليهم جميعًا في نفس الوقت وبنفس الكيفية والمقدار، فعدونا واحد، ومصيرنا واحد، وبلدنا واحدة، وكتابنا واحد، وإلهنا واحد ومسيحنا واحد، هذا الذي صلى للجالس على العرش، قبل صلبه، طالبًا أن يكون أتباعه المسيحيين واحدًا كما أنه هو والآب واحد. فلا بد من لجنة كنسية لقيادة الكنيسة المصرية، تجلس هذه اللجنة حول مائدة مستديرة، ينسى فيها الكل طائفته، ومعتقده وخلفيته، واضعين نصب أعينهم المصلحة العامة للكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية”. راجع مقال “أحلم بالبابا الجديد”.  لذا فلقد كان سروري عظيمًا عند سماعي بأن هذه الفكرة قد بدأت تأخذ حيز التنفيذ. ولا شك أن أمام هذا المجلس الموقر الكثير من المهام الجسام في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الكنيسة في مصر. إلا أن ما سبب لي اضطرابًا حقيقيًا حول تكوين وعمل هذا المجلس الموقر يتلخص فيما يلي:

    1- إن المسئولين عنه، ولهم مني كل احترام وتقدير، هم نفس الشخصيات المسئولة عن الكنائس المختلفة منذ عشرات السنين، باستثناء غبطة البابا تاوضروس الذي تولى أمر الكنيسة الأرثوذكسية حديثًا، ولا داعي للشرح والتفصيل في كل منهم وإن كان يصلح لما هو فيه أم لا، وخطورة هؤلاء الأشخاص أنه حسب تنزيل الكتاب المقدس أنه لا ينبغي أن يضعوا خمرًا جديدة في زقاق عتيقة، ولست أتكلم عن عدد السنين، فكلما ازداد المشيب من المفترض أن تزيد الحكمة، وأقول الصدق في المسيح، ولا أكذب، ولست أشكك على الإطلاق في إخلاص أو حكمة أو أقلل من أهمية التقدم في السن والخبرة والنعمة عند الله والناس للأحباء رؤساء الطوائف؟ الممثلة في هذا المجلس، لكني فقط أتساءل، أين هم الشباب من هذا المجلس، لماذا يتناوب رئاسة المجلس حضرات رؤساء الطوائف، لماذا لا يختار هؤلاء الرؤساء مجلسًا تنفيذيًا من شباب غيور مخلص لله وللكنيسة ليكونوا هم قادة هذا المجلس الحقيقيين؟! فالكنيسة اليوم تضم من الشباب أضعاف ما تضمه من الكبار، والكنيسة، مع أنها تحتاج إلى حكمة ومهابة ومكانة الكبار، إلا أنها تحتاج إلى سواعد وأفكار وإمكانيات الشباب، فالذين قاموا بالثورة المصرية هم الشباب، والذين غيروا تاريخ مصر هم الشباب المسيحي الذي خرج بالحجارة والطوب في العمرانية، وكانوا أول من تحدوا الرئيس المخلوع وعسكره وقذفوهم بالحجارة، ثم بدأت شرارة الثورة، نعم لا يذكر ولا يعترف أحد في مصر اليوم بهذا، إلا أن هذا هو التاريخ، ولو كره الحاقدون. والذين تحدوا حكومة مبارك، وهو حي وأصدروا الجرائد بدون ترخيص، وفضحوا أعمال الظلمة في مصر هم الشباب المسيحي،  والذين تحدوا أوامر الكنيسة بعدم الاشتراك في الثورة، خوفًا من مبارك وأتباعه أو حكمة وقراءة مسبقة للسيناريو الحادث اليوم، هم أيضًا الشباب، ومهما كانت الأسباب التي أدت بهؤلاء القادة أن يطلبوا من الشباب أن لا يشتركوا في الثورة، فالحمد لله أن هؤلاء الشباب رفضوا الخضوع لأوامر هؤلاء الكبار، وإلا لكان التاريخ سيذكر أننا لم نشارك فيها، ولحصدنا ما ترتب على ذلك من ذل ومهانة أضعاف ما نحن فيه اليوم، لماذا لا يكون الأحباء الأجلاء رؤساء الطوائف المسيحية هم هيئة مستشارين أو مجلسًا للشورى، ويترك هذا المجلس تحت إشرافهم، للقيادات الشبابية في الطوائف الخمس لتقود الاتحاد بين هذه الكنائس؟! فهذا لن يقلل من شأنهم، بل سيحفظهم على رأس القمة في كرامتهم، وسيعطهم فرصة للتواري عن العيون إذا لزم الأمر في حالة من حالات التحدي المباشر للأحداث الجارية أو الشخصيات الحاكمة، فمن الأفضل أن يظل الكبير بعيدًا عن العراك حتى يصل الأمر إلى طريق مسدود، فيكون هناك خط للرجعة والتفاوض. ثم أين هي المرأة في هذا المجلس الموقر؟! قد تكون عضوة أو حتى رئيسة في إحدى لجان هذا المجلس الموقر، لكنها بالطبع لن ترقى لأن تكون ممثلة لإحدى الطوائف المسيحية، حيث إنها من رابع المستحيلات أن تكون قسيسة حتى يمكن أن تكون رئيسة طائفة من الطوائف الخمس، وهذا ما يمكن تحقيقة إذا ما تولى الشباب قيادة هذا المجلس، لقد كنت لا أزال في سن الخامسة والعشرين، وبعد تخرجي من كلية طب الأسنان بسنة واحدة، يوم أسست الهيئة المعروفة “باتحاد الشباب المسيحي” وتحديت مبارك وحكومته ورجال أمنه ومباحثه وقدنا اتحادًا حقيقيًا بين شباب مسيحي نسي طوائفه، ووثق في ربه، ووقف وتحدى الصعاب حتى أصبحنا على ما نحن عليه اليوم. فبالرغم من سعادتي الغامرة بإنشاء هذا الاتحاد، إلا أن صدمتي كانت كبيرة إذ رأيت أن أعضائه يتكلمون بنفس الأسلوب القديم من الخوف والتحفظ، ويؤكدون أن هذا المجلس ليس رئاسيًا، ويعلنون عن لجان تقليدية من اجتماعية وروحية و… و… وغيرها. وهذا طبيعيًا بالنسبة لهم بارك الله فيهم (أقول هذا بكل احترام وتقدير لهم والله على ما أقوله شهيد) فخبراتهم، واستعداداتهم، وكثرة ما عانوه من الحكومات المصرية، والخلافات الكنسية، تجبرهم على التفكير بهذا الأسلوب الذي لا يتناسب مع الواقع المصري اليوم ولا مع التقدم العلمي ووسائل الاتصال المختلفة، نعم لا يمكن أن توضع خمرٌ جديدة في زقاق عتيقة، وليس عيبًا أو جريمة أن أكون أنا زقاق قديمة بالرغم أنني ما زلت في الخمسينيات من عمري، لكن الغلط هو أن أصر على أن أضع خمرًا جديدة في زقاقي العتيق، فإما أن يتغير الزقاق وإما أن يتغير الخمر، إما أن يتجدد الزقاق فيصبح زقاقًا جديدًا، والمولى قادر على كل شئ فهو يقول للشئ كن فيكون، وإما أن يتغير الخمر إلى خمر جديد، لأن الخمر الجديدة في الزقاق العتيق ستتسبب في شق الزقاق وانسكاب الخمر وتعم الخسارة الجميع.

    ومما أثبت لى أن المجلس الموقر لكنائس مصر يضع خمرًا جديدًا في زقاق عتيقة هو تصريح أحد القسوس أعضاء المجلس الموقر أن “المجلس، أي مجلس الكنائس المصرية، لا علاقة له بالسياسة إنما يختص بالمسائل الرعوية فقط”. وبالرغم من مناداتي بأن الكنيسة غير مدعوة لتلعب سياسة، وأنها ليست المسئولة الأولى عن إرشادنا من ننتخب ومن نرفض، كما كتبت في مقالات عدة سابقة، إلا أنني من تحليلي لهذه الجملة أرى أولاً: أن نفس الأشخاص الذين يعلقون على كل الأحداث، بنفس الطريقة ولنفس الأسباب، هم أنفسهم الذين يستخدمون نفس الكلمات ليصفوا عمل هذا المجلس. ثانيًا: إن هذا المجلس الموقر منفصلٌ تمامًا عن الواقع الذي تعيشه الكنائس ويعيشه المسيحيون في مصر، فالشعب المسيحي المصري ينقسم إلى قسمين، قسم لا تهمه المسائل الدينية أو الرعوية في شئ، وهؤلاء يمثلون، في تقديري 90% من الشعب المسيحي المصري، فمن يحيا في بلد لا يجد فيها لقمة العيش، ولا مياه نظيفة، ولا أنبوبة بوتاجاز، ولا مكان آمن ليصلي، ولا أمان على ابن أو زوجة أو ابنة، لا يهمه في كثير أو قليل المسائل الرعوية بين الكنائس أو حتى على مستوى كنيسته. فالشعب المسيحي المصري يريد من ينير له الطريق ويقوده في هذه الفترة الحرجة من تاريخه في مصر، فهو يريد أن يرى رأس كنيسته وقد وقف مدافعًا عنه مطالبًا برجوع ابنته المخطوفة، أو ابنه المختفي، ويرى رأس الكنيسة وهو يتكلم بكل حزم وصرامة وإصرار، حتى لرأس الدولة، مهما كان منصبه واسمه، ويطالبه برد المسلوب للمسيحيين، وهو يريد من هذا المجلس أن يقف أمام الظالم والعاتي ويدافع عنه ويقول لخفافيش الليل لا يحل لكم، هل يشعر المجلس الموقر باحتياجات هؤلاء الناس ومخاوفهم ومطالبهم وإحباطاتهم؟! فالشعب المسيحي المصري شبع من الكلام والتصريحات، وأتجرأ وأقول حتى من الصلوات التي لا يصاحبها عمل ما بإرشاد من الله لرد المسلوب منه. ثم ما معنى أن هذا المجلس لا علاقة له بالسياسة؟! كنت أتمنى أن المصرح بهذا كان قد أوضح ما يقصد، فالسياسة اليوم يا أحبائي هي الخبز اليومي لرجل الشارع البسيط المقهور والمغلوب على أمره، فماذا ينتفع المصري البسيط من مجلس لا علاقة له بالسياسة؟! وكيف يكون هذا وكل خصومه من إخوان مسلمين، وسلفيين، وغيرهم يقودونه بالسياسة، ويؤكلونه بالسياسة، ويضربونه على وجهه بالسياسة، ويطردونه من بيته ومدينته بالسياسة، ويخطفون ابنته ويؤسلمونها بالسياسة؟! ثم تأتي الكنيسة في تصريح لأحد رجالاتها، محترفي التصريحات في كل المناسبات، ويقول إن هذا المجلس لا علاقة له بالسياسة، دون توضيح لما يقول، فهل يفهم الرجل المسيحي المصري المتعلم ما هي السياسة؟! فكم وكم رجل الشارع العادي حتى نخاطبه بأن الكنائس تتحد مع بعضها، لكن لا علاقة لها بالسياسة، ألا يساوي هذا في ذهنه أن هذا المجلس لا علاقة له بكل ما يعاني به في الدنيا، بل هو مجلس يهتم بالناحية الرعوية فقط، وبالعيش في سلام مع إخوتك المسيحيين، وبعدها لنتقابل في نعيم أعده الله للمسيحيين الطائعين الخاضعين لكنائسهم ورعاتهم ورؤساء طوائفهم؟! إن مشكلة المسيحيين قاطبة ليست مع إخوانهم المسيحيين، بل مع البعض من أعدائهم المسلمين، وهم يحتاجون من يدافع عنهم ومن يمثلهم ويتحدث باسمهم أمام أعلى السلطات في البلاد، وليس من يتخلى عنهم ويعيش في نعيمه وملايينه ورحلاته ومؤتمراته ومشروعاته وسفرياته ولقاءاته وخطبه وعظاته. أليس كثير من أعضاء هذا المجلس الموقر هم أنفسهم من عاشوا تحت حكم مبارك، وما استطاعوا يومًا أن يخاطبوه ليرفع الظلم عن المسيحيين الذين هم لهم بممثلين أمام الله والناس؟! ألا نضع نحن الآن الخمر الجديدة في أزقة عتيقة؟! أما ما أتوقعه أنا وغيري من الغلابة أمثالي، الذين لا ننتظر أن يدافع عنا أحد هو:

    1- أن يهتم هذا المجلس أولا بالدفاع عنا ضد كل اعتداء واضطهاد يقع علينا وعلى أولادنا.

    2- أن يؤمن لنا هذا المجلس الحصول حتى على المستوى الأدنى من حقوقنا، كما نقوم بواجباتنا.

    3- أن يضمن لنا هذا المجلس أننا نجتمع في كنائسنا وأماكن عبادتنا، حيثما نشاء وكيفما نشاء، ولا نخشى من عساكر الأمن المركزي، بعصيهم وقنابلهم المسيلة للدموع لتفريقنا، فلقد سالت دموعنا بما فيه الكفاية منذ قيام ثورتنا المباركة على أيدى الضباط الأشرار في 1952.

    4- أن يضمن لنا هذا المجلس الموقر حرية الحركة والعبادة بين كنائسنا، دون تحليلات وحرمانات واستفسارات عن طوائفنا ومعتقداتنا وإيماناتنا.

    5- أن يرفع هذا المجلس الموقر معاناتنا ومطالبنا واحباطاتنا لرؤسائنا وأولى الأمر منا، ويصر على استلام استجابات لرسائلنا واستغاثاتنا.

    6- أن لا يتنازل عن حقوقنا ويطالبنا بجلسات صلح ليس لها من فائدة سوى أن ينجو المجرمون بجريمتهم ويجرش المظلومون حصى مآسيهم وخساراتهم من أبناء وأملاك ومقتنيات.

   7- أن يعلم قسوس طوائفه، على اختلافها، أن يحترموا مرتادي كنائسهم ولا يتنازلوا عن حقوق رعاياهم إرضاءً لوزير أو غفير أو عمدة أو شيخ بلد.

    8- أن يعيش أعضاء هذا المجلس الموقر معاناة أبنائهم ويضعون مطالب محددة للحكومة المصرية، ويصروا على تنفيذها.

    أعلم أن كل هذه المطالب تبدو غير واقعية، بل ومستحيلة، وغير قابلة للتنفيذ، لكن على الأقل فهي مطالب عادلة، وهي أولا وأخيرًا ما يحتاجه المسيحيون المصريون في هذه الفترة الصعبة، ومن حقهم أن ينتظروا رؤية قادتهم، وهم على الأقل يصارعون من أجلهم لتحقيق مطالبهم العادلة، فإن وفقوا كان خيرًا لهم، وإن لم يوفقوا كانوا على الأقل قد أدوا واجبهم أمام الله والناس، ولله الملك من قبل ومن بعد.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا