* كلنا نذكر جريمة القتل البشعة التي اهتز لها المجتمع حينما قام الطالب الجامعي محمد عادل بقتل زميلته الطالبة الجامعية نيرة أشرف أمام بوابة كلية الآداب يوم 20 يونيو 2022 لرفضها الارتباط بها، والمعروفة إعلامياً بجريمة جامعة المنصورة. ونظراً لبشاعة الجريمة التي تمت نهاراً جهاراً، تداولت محكمة الجنايات القضية في جلسات متسارعة وحكمت على القاتل بالإعدام شنقاً. وقام محامى الجاني بالطعن على الحكم أمام محكمة النقض والتي عقدت جلستها في أسرع وقت وأيدت حكم الإعدام. وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً يوم 14 / 6 / 2023، ووقتها أشاد الجميع بالعدالة الناجزة التي استغرقت قرابة السنة.
* لكننا لم نرَ العدالة الناجزة في قضية أخرى أكثر بشاعة وفظاعة اهتز لها المجتمع والرأي العام المصري بل والعالمي حينما قام الإرهابي نهرو عبد المنعم يوم 7 / 4 / 2022 بذبح رجل دين مسالم هو القمص أرسانيوس وديد رزق الله كاهن كنيسة العذراء وبولس الرسول بكرموز دون أي ذنب جناه ودون أي معرفة سابقة به، فقام بإزهاق الروح البريئة نهاراً جهاراً أمام أبنائه على رصيف الكورنيش بالإسكندرية بسيدي بشر. وتم تداول القضية، وبتاريخ 11 / 6 / 2022 سطرت محكمة الجنايات بالإسكندرية الدائرة 22 برئاسة المستشار الجليل وحيد صبري الحكم الصادر في القضية رقم 7429 لسنة 2022 جنايات المنتزه أول والمقيدة برقم 343 لسنة 2022 كلي شرق الإسكندرية والخاصة بمقتل القمص أرسانيوس وديد على يد الإرهابي نهرو عبد المنعم والمنتمي للجماعة الإسلامية والتي انتهت بنطق بالحكم على المتهم بالإعدام شنقاً. وتحضرني هنا كلمات سُطرت في الحكم التاريخي:
.. ففي ليلة 6 من شهر رمضان المبارك عام 1443 هـ الموافق 7 إبريل 2022 م الساعة الثامنة مساء والمسلمون يسعون إلى ذكر الله ويتضرعون إليه ويقومون بشعائر صلاة التراويح وتزينت المساجد بأصوات قراء القرآن وهم يتلون كتاب الله، إذ تدق أجراس الكنائس بالإسكندرية لتعلن خبرًا حزينًا لأهالي هذه المدينة بقتل نفس ذكية بغير نفس. إنه شيء نكراء بخبر مقتل المجني عليه وهو يرتدى ثياب رجال الدين المسيحي على يد غادر اقترف فعلة منكرة على طريق من القسوة والوحشية ترتعد من رؤيتها الفرائص تدل على استهتاره بالحياة ولأن قلبه قد نُزعت منه الرحمة فنسي قول الله تعالي: “ولتجدن أقربهن مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري وذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وذلك انهم لا يستكبرون” (سورة المائدة 282)….. وصعدت روحه إلى المسيح وكأنه أراد أن يلتقي بالعريس السماوي كما يحلو للأقباط توديع شهدائهم وفاضت روحه المؤمنة الطاهرة إلى بارئها لتسكن في سماء الخلد مع أمثالها من القديسين والشهداء والأبرار تعلن في زهو وفخر أن ثمرة كفاح غير متكافئ بين فتى أهوج هائج مجرم سفاح جائر ظالم ومجني عليه أعزل مسالم كل عمله أنه رجل يدعو إلى عبادة الله …..
* وفور النطق بالحكم وصياح الحاجب برفع الجلسة، وأثناء وجودنا في القاعة وجدنا محامى القاتل نهرو عبد المنعم ويدعى صلاح الدين حامد عبد العزيز المحامى يصيح أمام قفص المتهم قائلاً: “انت على حق يا نهرو. لسه النقض يا نهرو. أنا محاميك صلاح الدين حامد عبد العزيز”، مما أثار استياء وغضب كل مَنْ في القاعة، وكنتُ على وشك الاشتباك معه لكن منعني أحد الحضور. والغريب أن هذا هو المحامى الذي انتدبته المحكمة للدفاع عن الجاني وإن كان هذا حقه لكن ليس له أن يصيح موجهاً كلامه للقاتل: “أنت على حق.” وللأسف لم يجد مَنْ يعاقبه على فعلته النكراء لا من نقابة المحامين ولا من النيابة ولا من أي جهة أخرى.
* وتم الطعن على الحكم أمام محكمة النقض بالقاهرة وهنا نأتي إلى مربط الفرس، وهنا تأتي الأسئلة التي تطرح نفسها وبشدة، فرغم مرور أكثر من سنة بل 14 شهرًا حتى كتابة هذه السطور على الجريمة البشعة النكراء، لماذا لم تحدد محكمة النقض حتى الآن جلسة للنظر في الطعن على الحكم على ضوء أسباب الطعن؟ ومتى يتم تحديد هذه الجلسة؟ ولماذا يُترك الجاني القاتل كل هذه المدة حياً على قيد الحياة يستمتع بمزيد من أيام الحياة وهو يزهو بجريمته حتى وهو خلف القضبان؟
* فإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإننا نجد أنه في قضية نيرة أشرف ومحمد عادل تم تداول القضية في جلسات متسارعة ثم أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام، ونظرت محكم النقض أسباب الطعن ثم أيدت حكم الإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام في 14 / 6 / 2023، أي في أقل من سنة، بينما في قضية الأب الشهيد القمص أرسانيوس وديد ورغم مرور أكثر من سنة على صدور حكم محكمة الجنايات بالإجماع بإعدام القاتل إلا أن محكمة النقض لم تحدد حتى الآن (حتى كتابة هذه السطور) جلسة للنظر في الطعن بالنقض على الحكم مما ترك استياء وغصة في الحلوق لدى أسرة الشهيد ومحبيه بل والمتابعين للقضية في المجتمع. والتساؤلات هي: أين العدالة الناجزة؟ لماذا التسويف والمماطلة في تحديد جلسة النقض حتى الآن؟ ومع كامل احترامنا وتقديرنا للقضاء، لماذا تُحرم أسرة الأب الشهيد وشعب كنيسته ومحبيه في كل مكان من وجوده معهم بينما الجاني القاتل الإرهابي لا يزال يستمتع بمزيد من الحياة ويزهو بجريمته حتى وهو داخل السجن؟
* أتابع الأمر إعلامياً وصحفياً وإنسانياً ولكن قانونياً من خلال الدكتور سامح زغلول بسطاوي المحامى بالنقض والإدارية والدستورية العليا بصفته رئيس هيئة الدفاع عن أسرة الأب الشهيد وبصفته وكيلاً عن قداسة البابا والممثل القانوني لبطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية والمعني بالحق المدني، وأتابع سفرة للقاهرة لمتابعة تحديد ميعاد جلسة النقض بالمحكمة والذي لم يحدد حتى الآن.
* وفي انتظار عدالة الأرض ترنو عيوننا نحو عدالة السماء، وتحضرني بعض آيات من الكتاب المقدس:
“ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض.” (تك 4: 10)
“بل تأتى ساعة فيها يظن كل مَنْ يقتلكم أنه يقدم خدمة لله.” (يو 16: 2)
“ولما فتح الختم الخاص رأيتُ تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله وصرخوا بصوت عظيم قائلين: حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضى وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟” (رؤ 6: 9-10)
لماذا لم تحدد جلسة النقض في هذه القضية؟ ومتى تحدد؟ نحن في الانتظار بعد أن طال انتظارنا ونرجو ألا يطول أكثر من ذلك. “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”