إلام توجهنا رغباتنا وتطلعاتنا في أيامنا هذه، أفلا نتعقل نحن البشر؟ كلا! فلقد أثبتت الدهور بخبراتها التي زينت رؤوسنا بأبيض اللون؛ بأن الإنسان كما هو على طول أزمانه، لم يغيره تقدمه كما لم ينقذه تأخره!!!
لحقه الخطأ؛ من جعل من غابر الأزمنة السالفة نبراسًا لحميد الأخلاق دون غيرها من الأزمان، فلكم طوت الدهور الماضية جمًا وكمًا من الجرائم التي تندت لها أجبنة الشاخصين لها، حين شخصوا وحدقوا أنظارهم في بحور الآثام، فكانت لهم الدهشة والصاعقة التي جعلت من عقولهم وأذهانهم قلعة لسوء الخبرات التي شوهت منهم أنفس الكثيرين، بينما صقلت نفوس الباقين من البشر وإن كانوا أقلاء دون غيرهم!!!
لم يكن بقديم السنوات وأيامها الضياء الذي تحتاجه بواطن البشر، فتستنير به أرواحهم وتستضيء منه أخلاقهم، حتى يتجلى ذلك في معاملات الإنسان وأخيه الإنسان، لكنه الشر حينما تباطأت خطاه ثم تسارعت إلى حيث يقصد و يؤول، صور عدم النقاء وقتما تعثرت خطواتها بأصول وعادات، فأخذت -الشرور- قسطًا ليس بهين من الوقت حين صوبت سهامها فأصابت ما قصدته ورمته من أهداف، نعم؛ إنها طرق وطرائق عدم النقاء حين تغيرت أشكالها وسرعة وصولها إلى مراكز القلوب، فجعلت منها أحجارًا لا تلين مع أصوات الحكمة ووخز الضمائر قبل انتقالها إلى مثواها الأخير، وهكذا كان ولا يزال الإنسان على طول عهوده، لم يردعه القديم كما لم يحجم آثامه الحديث!!!
لن تأتي الإرادة بالإيجاب على أصحاب العقول المريدة وذوي الإرادة العاقلة ما لم تعد بالنفع التام على من خُلِقوا لها وتواجدت هي لهم، لكنها الفاجئة المروعة التي أذهلت غير عواقل الأرض قبل من اتخذوا لهم العقل دربًا؛ أن الكثيرين والكثيرات -بدءًا فختامًا- قد اتخذوا من الإرادة سبيلاً للسير فيما لا سبيل له، بل نهاية وصدامًا وهلاكًا، أتو بكامل رغباتهم من كل حدب وصوب بكل ما لا ترغبه أو تستسيغه الإنسانية التي جُبِلوا هم عليها، بدأوا بالقتل وسوف ينتهون به! وما بين قايين القاتل وهابيل أخيه المقتول إلى عصورنا الآنية وما لم يأتي بعد؛ كم دمروا وزهقوا الأرواح واستحلوا الدماء وأحضروا من الهاوية كل الوسائل التي تؤدي بانسانيتهم لوهدة الهلاك، فضلًا عن أجسامهم المحفوظة ليوم سقوطها وطرحها في نار ضارمة، خلقوها وابتدعوها هم بأنفسهم لأنفسهم، وهكذا كان التاريخ ومفرداته التي تقر إقرارًا بظلامية وقتامة المنهج البشري التي لم تتغير فصوله أو أحداثه منذ أن وُجِدت نسمة الحياة بالإنسان مارًا بعصوره وأيامه المنصرمة والمنقضية إلى الآخرة والانتهاء والاختتام.
نتطلع إلى ذلك العصر الذي تعانق فيه إنسانيتنا سحب السماء في سموها لا لجج الجحيم في تدنيها، الذي تعلو فيه أحلامنا الحالمة فوق تلك الأبحر الهائجة المزبدة بالتشويش والفوضى، لتدرك مأربها وما تشتاق له……، نعم؛ فها هي خيالاتنا بل أعماقنا؛ تتوق إلى أيام فيها نرنو ركضًا لخدمة من يشاركنا ويقاسمنا الهواء عيشا، لا سعيًا وراء استحضار وإيجاد ما يلوث الكل حتى الهواء اختناقًا فموتًا واندثارًا، ليت الفضائل القابعة في محبسها دون انفراجة لها أن تخرج طليقة الأيدي، حرة الأجساد، ساعية في مسعاها دون قيد لها أو أغلال.