العدد 110 الصادر في نوفمبر 2014 قوة الحلم The Power of the Dream
بينما كنت منهمكًا في معالجة واحدة من مرضاى، فوجئت على غير العادة بأن جهاز الإذاعة الداخلية في عيادتي الخاصة يذيع أغنية الفنانة الأمريكيةCeline Dion سلين ديون وهي بعنوان “قوة الحلم”.
كانت هذه هى أول مرة يذاع بها فى العيادة أغنية ما وهذا ما لفت نظرى وجعلنى أدقق السمع في ما يذاع، وبالرغم من انهماكي وتركيزي في علاج مريضتى إلا أننى لم استطع أن أقاوم التفكير في هذه الكلمات “قوة الحلم”، وأخذت اتمتم بالكلمات “قوة الحلم.. قوة الحلم” بصوت منخفض، نظرت إلي مساعدتي وابتسمت وظنت أن كلمات الأغنية قد أعجبتني فلذا كنت أكرر هذه العبارة، والحقيقة أننى لم استمع إلى بقية كلمات الأغنية ولست أدرى، حتى وقت كتابة هذه الأفكار، عما تتحدث هذه الأغنية بالضبط، لكننى في الحال بدأت أفكر في قوة الحلم، وكيف يمكن أن تكون عظم القوة الكامنة في طيات أي حلم قادرة على أن تغير مسار الإنسان وقد تغير مسار البلدان والشعوب والأوقات والأزمان، فسرحت بعيدًا في أحلام كانت تتزاحم يومًا ما برأسى واستمرت لسنين عديدة تلح هذه الأحلام علىّ لتحويلها لحقيقة ملموسة في حياتى وحياة الآخرين، وكيف أن معظمها قد تحقق بأكثر مما كنت أطلب أو افتكر بحسب غنى إلهي في المجد، وبعضها مازلت انتظر تحقيقه متمسكًا بالقول الكتابي: “إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي اتيانًا ولا تتأخر” ولست أظن أن هناك مخلوقًا إنسانيًا على وجه هذه البسيطة لم يكن لديه يومًا ما حلم أو أكثر كان يتمنى تحقيقه في حياته، ولست أدرى كيف يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا بلا حلم يسعى لتحقيقه أو كيف تستقيم الحياة الخالية من الأحلام، ففي رأيي أن من لا حلم له يسعى لتحقيقه، يكون كشجرة مغروسة في صحراء جرداء لا كلأ فيها ولا ماء، جافة، لا ثمر يأتي منها ولا رجاء.
وللتحديد والتركيز على ما أريد شرحه في هذا المقال فإني أقسم الأحلام إلى ثلاثة أنواع أولها، أحلام يحلمها الإنسان وهو نائم، غائب عن الوعى والإدراك تلك لا دخل له بها ولا يمكن افتعالها ولا التحكم في أحداثها ونهاياتها سعيدة كانت أم تعيسة. أما النوع الثاني من الأحلام فهو المبني أما على رغبة وتطلع واشتياق الشخص الحالم وهو واعٍ غير نائم، ومدرك لما يحلم به، وهذا ما نسميه بأحلام اليقظة، وقد سمى هذا النوع بالأحلام لكونه في أغلب الأحيان يبدو مستحيل التنفيذ أو الحدوث على أرض الواقع، ويؤخذ حتى من حالمه على أنه حلم ليلة وعبر، وفي معظم الأحيان يحاول حالمه أن ينساه ظانًا أن لا طائلة من تذكره أو العيش في حلم لا يمكن تحقيقه، فلو كان الأمر سهل المنال والتحقيق على أرض الواقع لما سمي حلمًا. ومع أن أغلبنا يرى أن أحلام اليقظة ما هى إلا خزعبلات لا تمت بصلة للحقيقة والواقع وينظر لحالمها في شرقنا العربي على وجه الخصوص وكأنه مجنون أو مريض نفسيًا يحتاج إلى طبيب لمعالجته إلا أن أكبر المشروعات والاختراعات والإنجازات العالمية تمت بهذا النوع من الأحلام، والتى بدأت كحلم في رأس منفذها ثم تحولت إلى حقيقة ملموسة واقعة.
أما النوع الثالث من الأحلام فلا علاقة له بالواقع ولا أساس له في عالم الأحياء، كالغلبان الذى عاش حياته يحلم أنه أصبح زوجًا لبنت السلطان وهو يجوب العالم والأوطان في أمان، حاكمًا بأمره في كل آن وينتظره في الآخرة سبعون من حور العيون الحسان وهو على كل وجه سواء فى الأرض أو في الجنة ربحان، وهذا النوع هو النوع المرضي من الأحلام الذي يمارسه كثير من الشباب العربي المغيب المسكين وهم يهربون به، بوعى أو بلا وعي من واقعهم ومعاناتهم وفشلهم ونقص إمكانياتهم في كثير من الأحيان.
وللأحلام في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس مكانة كبيرة، فبالرغم من قدرة المولى اللامحدودة وإمكانياته في عمل المعجزات دون مشير أو وسيط أو مساعد، فهو فعال لما يريد وهو الذي يقول للشئ كن فيكون والقادر على أن يكلم الناس وجهًا لوجه أو يرسل ملائكته لتنقيذ أوامره، سبحانه، دون الحاجة للإنسان، إلا أنه اختار، وله وحده الأمر، أن يكلم عبيده البشر في كثير من الأحيان بالأحلام، لأنه، سبحانه، يعلم قوة الحلم وتأثيره على البشر، وأنه بحلم بسيط يمكن أن تتغير حالة الإنسان فيصبح بعد اليأس والفشل جبار بأس، وبعد أن عاش جل عمره ذنبًا يصبح رأسًا، وإليك بعض الأمثلة الواردة في كتاب الله عن قوة الحلم ومدى تأثيرها على مجريات التاريخ والأحداث العالمية. فمنذ أول أيام التاريخ المدون في الكتاب تعامل الله – تبارك اسمه- مع شعبه ومختاريه بالأحلام، ففي بداية حياة يعقوب، إسرائيل أبي الأسباط، وفي يوم خروجه هاربًا من وجه أخيه عيسو وكذبه وغشه لأبيه إسحق، نام ورأى حلمًا، وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها، وهوذا الرب واقف عليها
فقال أنا الرب إله إبراهيم وإسحق. الأرض التى أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك، وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به. فاستيقظ يعقوب من نومه وقال” حقًا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم، ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء”. وتكمن قوة هذا الحلم في تمسك يعقوب ومن بعده شعب إسرائيل بالأرض التى أعطاها الله ليعقوب، ومن قبله إبراهيم وإسحق، والإصرار على الرجوع إليها هي بالذات بعد أن أطلقهم المصريون أحرارًا من عبوديتهم في أرض مصر حتى هذا اليوم، فكم من الحروب التى خاضتها إسرائيل على مدى آلاف السنين والمصائب التى حلت بها وبالعالم من جراء تمسكها بالأرض التى حلم يعقوب يوما بها! وأثبت الرب بكل الطرق أنه حقًا تراءي ليعقوب في ذلك المكان الذى أطلق عليه اسم “بيت ايل” أي بيت الله وهو هارب من بيت أبيه. أما يعقوب فقد تمسك بهذا الحلم والوعد الذي حصل عليه من الرب من خلاله كل أيام حياته، فعندما أراد المولى وهو فعال لما يريد أن يرجع يعقوب من أرض لابان حميه إلى أرض الميعاد يقول يعقوب في حديثه لامرأتيه قبل رحيلهما من أرض ميلادهما إلى الأرض الجديدة: قال لي ملاك الله في الحلم يا يعقوب. فقلت هأنذا. فقال ارفع عينيك وانظر. جميع الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومنمرة. لأني قد رأيت كل ما يصنع بك لابان. أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودًا. حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم اخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك وعندما هرب يعقوب من وجه لابان حميه وهو راجع إلى أرض الموعد وعندما جرد عيسو أخوه جيشًا من أربعمائة رجل وخرج لمحاربته في طريق عودته، صلى يعقوب إلى الله مذكرًا المولى من لا ينسى ولا ينعس ولا ينام ولا ينسخ قوله ولا يرجع في كلامه، بما جاء في هذا الحلم القديم قائلاً له سبحانه: نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يأتي ويضربنى الأم مع البنين، وأنت قلت- في حلم بيت إيل- إني أحسن إليك وأجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد من الكثرة.
وهكذا كانت “قوة الحلم” في حياة يوسف الصديق، فقصة يوسف وتغرب شعب إسرائيل وعبوديتهم في أرض مصر ثم صعودهم منها بيد قوية وذراع شديدة بدأت بحلم، يقول الكتاب إن يوسف رأى حلمًا وهو أن الشمس والقمر وإحدى عشر كوكبًا ساجدة له وقصه على أبيه وعلى إخوته. فانتهره أبوه وقال له ما هذا الحلم الذي حلمت؟. هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟ لقد كان يوسف ينظر إلى حلمه أنه مجرد حلم، ربما تخاريف ليل، لكن يعقوب صاحب الخبرة الطويلة في اختبار “قوة الحلم” عرف أن حلم يوسف ليس تخاريف ليل عبر بل هو قوة ستلاحق ابنه حتى يكون رئيسًا لإخوته وأنه، أي يعقوب، وفقًا لهذا الحلم سيأتي هو وإخوته ويسجدون له. ولقد كانت قوة الحلم الذي حلمه يوسف كافية لتجعله يتحمل العذاب لمدة ثلاث عشرة سنة من العبودية والسجن ولم يغب عن ذهنه هذا الحلم حتى رأى إخوته يسجدون له فعلاً بعد أن أصبح سيدًا على أرض مصر بعد فرعونها الرئيس، ولقد كانت قوة حلم يوسف كافية لإيقاظ قوة مضادة من الكراهية في قلب إخوته حتى إنهم عندما رأوه آتيًا ليطمئن على سلامتهم ويرد لأبيه جوابًا عن حالهم قالوا بعضهم لبعض هوذا هذا صاحب الأحلام قادم فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش ردئ أكله فنرى ماذا تكون أحلامه، وتوالت سلسلة الأحلام في تشكيل حياة يوسف حتى عرف عنه أنه مفسر للأحلام، فحلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين الذي فسره لهما يوسف وتحققا بحرفيتهما في حياتهما كان سببًا في ذكر رئيس السقاة ليوسف لدى فرعون عندما حلم فرعون حلمًا ولم يجد من يفسره له، وحلم فرعون وتفسيره كما جاء على لسان يوسف كان من القوة بما كان حتى يكفي أن يهز عرش فرعون ويجعل يوسف الرجل الثاني على أرض مصر، وينقذ مصر والعالم كله من مجاعة محققة. فلو شئنا لقلنا إن حياة يوسف كانت حلمًا كبيرًا بدأ بحلمه هو عن سجود أبيه وإخوته له وانتهى بحلم فرعون مصر.
فقوة الحلم يمكن أن تغير العالم كله سواء أكان للأفضل كما كان في حياة يعقوب ويوسف أو للأسوأ كما في حياة الإمبراطور قسطنطين الذى روى أنه رأى حلمًا، وفي حلمه ظهر له صليب مكتوب عليه عبارة بهذا تنتصر فجرد جيشًا وخاض حروبًا عرفها فيما بعد أعداء الصليب والمسيحية بالحروب الصليبية، والصليب منها بريء، وقاد قسطنطين حربًا خاسرة مازلنا نحصد ثمنها الفاسد حتى اليوم، والدليل على ذلك أن الصليب ما كان يومًا أداة للغدر والعدوان والحروب والانتصار بالسلاح والقوة ورباط الخيل بل هو رمز للتضحية والفداء والمحبة والبذل والعطاء والغفران وضمان الأبدية والسماء.
لقد تشكلت حياة سليمان الملك بعد حلمه الذي أنعم به الله عليه في بداية حكمه لمملكة إسرائيل بعد داود أبيه إذ يقول الكتاب المقدس “في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً. وقال الله اسأل ماذا أعطيك” وعندما سأل سليمان حكمة لقيادة شعبه أعطاه المولي القادر على كل شئ، مالاً وغنى وحكمة وهيبة وسلطانًا حتى إنه لم يكن مثله قبله ولا بعده.
وما أوضح عمل قوة الحلم في حياة نبوخذ نصر ملك بابل في القديم، وكيف أنه عن طريق حلم واحد لم يستطع السحرة والمنجمون والكلدانيون تفسيره، قتل الكثير من حكماء مملكته إلى أن أخبره بالحلم وتفسيره دانيال النبى وكان الحلم من القوة بما كان حتى تحول دانيال في لحظات من عبد أسير إلى رجل في مرتبة رئيس وزراء ملك الملوك الأرضيين في زمانه وأقصد نبوخذ نصر، وقد كانت قوة الحلم الذي حلمه نبوخذ نصر تكمن في أنه كان بمثابة خريطة لتوضيح تعاقب الممالك المختلفة منذ أيامه إلى مجئ المسيح الرئيس، أي الحجر الذي قطع بغير يدين فسحق تمثال الذهب الذي رآه نبوخذنصر في حلمه، وهو نفس الحجر الذي رفضه البناؤون والذي صار رأس الزاوية فسيسحق كل تمثال ومعبود وصنم ونبي غيره إلى الآبد. وما أعظم تأثير قوة حلم دانيال الذي رآه هو بنفسه عن ما سيحدث في الأيام الأخيرة كما هو مدون بسفر دانيال والأصحاح الرابع! وهذا الحلم هو أقدم الخرائط التى رسمها لنا المولى لنفهم ما كان وما هو كائن وما لا بد أن يكون.
أما قوة الحلم في العهد الجديد فتجلت في أحلام يوسف خطيب القديسة العذراء مريم إذ يقول الكتاب ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: يا يوسف ابن داود لا تخف أن تاخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. ولقد كانت قوة هذا الحلم كافية أن تقنع رجلاً يهوديًا يعرف أن امرأته التى لم يمسسها بشر ولم يكن هو قد مسها وقد وجدت حبلى قبل زواجها منه بأن يأخذها زوجة له مؤمنًا أن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس أي روح الله القدوس، تبارك اسمه.
وقد أنقذ القدير على كل شئ حياة المسيح، تبارك اسمه، من هيرودس وإجرامه عن طريق حلم، وهو فعال لما يريد، وله وحده الحق في اختيار طريقة إعلانه للبشر عن ما يريد، فقد أمر، سبحانه، المجوس الذين جاءوا وسجدوا لسيد الأرض والسماء المسيح يسوع الطفل، أمرهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس الشرير، فكانت قوة حلم المجوس كافية بأن تجعلهم يعصون كلام هيرودس الملك ووصايته لهم بأن يرجعوا إليه ويخبروه عن أين ولد المسيح، وهكذا أيضًا في طريقة أمره ليوسف خطيب العذراء المطوبة أن يأخذها وابنها ويهرب إلى مصر فيقول الكتاب: ثم إذ أوحي إليهم (إلى المجوس) في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم. وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: “قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، وهكذا كانت قوة الحلم الذي حلمه يوسف كافية بأن يقوم ويذهب إلى مصر في رحلة مضنية شاقة عليه فكم وكم على سيدة وابنها الصغير!.
وهكذا عندما أراد المولى أن يصعد يوسف والعائلة المقدسة إلى أرض إسرائيل يقول الكتاب: “فلما مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي» فقام وأخذ الصبي وأمهوجاء إلى أرض إسرائيل. ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضًا عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أوحي إليه في حلم انصرف إلى نواحي الجليل. وهكذا توالت الأحلام منذ القديم إلى أن أعلن القدير على لسان عبده بطرس في عظته الشهيرة في يوم الخمسين مؤكدًا اتمام ما تنبأ به يوئيل النبي قائلاً: “بل هذا ما تنبأ به يوئيل النبي، يقول الله ويكون في الأيام الآخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا. ويؤكد بطرس الرسول أن وعد الله هذا هو لنا حتى في هذه الأيام التى نعيش فيها قائلاً “لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا”.
ولعل سؤالى الذي يطرح نفسه بشدة هو، هل لك عزيزي القارئ حلم من الله تعيش لأجل تحقيقه؟ ، قد تكون إجابتك ليس من المهم أن يكون لدى كل الناس أحلام يريدون تحقيقها، وإجابتى هي أن الله على فم رسوله بطرس قال في يوم الخمسين إن المؤمنين به – تبارك اسمه- والمملوئين من الروح القدس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، قسم يرى رؤى وقسم آخر يحلم أحلامًا أما القسم الثالث فيتنبأون فمن أي قسم أنت؟ ، قد تقول لا هكذا كان الحال في أيام الكنيسة الأولى قبل كتابة العهد الجديد واكتمال الوحى المقدس، أما نحن الآن ففي عصر الروح القدس ولدينا الكتاب وبه كل ما نريد وإجابتى هى أننى اتفق معك وأؤكد على اكتمال الوحي وأننا في عصر الروح القدس إلا أن الروح القدس نفسه هو الذى أعلن على لسان بطرس في يوم الخمسين وبعد حلوله على التلاميذ أن الوعد هو لكم ولأولادكم وكل الذين هم على بعد، وبالرغم من كل ما يضمه الكتاب المقدس من كمال الوحي الإلهي إلا أنه ليس من المعقول أن تكتب فيه كل أحلام البشر ورؤاهم ونبواتهم التى يعطيهم إياها الروح. لذا فإني أكرر السؤال هل لك حلم شخصى من الله؟ ، وأعلم أن نوع الحلم الذي أسألك عنه هو النوع الثاني من الأحلام، تلك التى تأتي نتيجة للعشرة اللصيقة مع روح الله القدوس، تلك التى لا تحتاج أن تكون في سبات أو نوم لكي تحصل عليها بل تحتاج أن تكون على ركبك أمامه – تبارك اسمه- وفي محضره، اسمعه يهمس في أذنك بحلم قد يبدو عندك وعند من حولك مستحيل المنال والتنفيذ، لكن ليس عند الله مستحيل بل هو يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.
أسمعك عزيزي القارئ تسألنى وماذا عنك أنت يا كاتب هذه السطور؟، هل كان لديك حلم في يوم من الأيام وتحقق؟، وهل لازال في حياتك أحلام تنتظر تحقيقها حتى تطالب قراءك بأن يحلموا في محضر الله؟، وللإجابة السريعة على سؤالك أقول إنك عزيزي القارئ تمسك الآن بيديك بأحد أحلامي التى تحققت، بل إقول إحدى المعجزات التى تحققت في حياتي وهي الجريدة التى بين يديك، فلقد كانت جريدة (الطريق والحق) قبل ما يزيد عن تسعة أعوام مضت بقليل مجرد حلم أعطاه لى القدير منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، وقبل حتى إن أدرس دراساتي العليا في الصحافة والإعلام في جامعة القاهرة، الأمر الذي دفعنى للدراسة والحصول على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام قسم صحافة، ولو كان هناك مجال لحدثتك بالتفصيل عن هذا الحلم كيف بدأ، كيف حورب وكيف استمر بمعجزة من القدير، وكيف أننا نتكل (فريق العمل الصغير بقيادة المهندس ثروت صموئيل وأنا) على القدير وحده في استمراريته إلى الوقت المحدد من قبله.
لقد كانت قوة الحلم الذي أعطاه لي القدير بإصدار هذه الجريدة كافية إلى أن أبدأ من جديد في الدراسة لمدة سنتين، وأن اتحمل كل صعاب هذه الفترة العصيبة في حياتى، وكنت يومها أعمل في خدمة الرب وفي عيادتي بالقاهرة ورئيسًا ومسؤلاً عن إدارة اتحاد الشباب المسيحي بكل ما به من خدمات، وواعظًا بكلمة الرب في كنائس مصر المختلفة، ومساعدًا للقس سامي لبيب في إدارة كنيسة المسيح بشبرا، ونائبًا لرئيس رابطة الأطباء المسيحيين المصريين، وممثلاً للشباب بالمجلس التنفيذي لمجمع كنيسة المسيح، واستاذًا وسكرتيرًا بكلية اللاهوت لمجمع كنيسة المسيح، وزوج وأب لصغيرى أندرو، وغيرها، إلى جانب الحروب من الأصدقاء وبعض الخدام ومن كنا نثق جميعًا فيهم ونناديهم بأنكل فلان وأنكل علان وكانوا قادتنا في الخدمة ومثلنا الأعلى فيها، كل هذا كان في كفة والتعامل مع مباحث أمن المقتول السادات والمخلوع مبارك كان في كفة أخرى أثقل بما لا يقاس من الكفة الأولى لكن قوة العلي التى كانت تظللني والتي أعطاها لي مع الحلم بإصدار أول جريدة مسيحية في مصر والوطن العربي كان بها كل الكفاية لتحقيق هذا الحلم الذي بين أيدينا اليوم، لقد كنت في أذهان المقاومين وحتى الأصدقاء يوم أعلنت عن حلمي في طباعة جريدة مسيحية واضحة وصريحة في مصر والشرق الأوسط الشاب صاحب الأحلام، الذي حاولوا نزع قميصه الملون الذي منحه إياه المسيح يسوع وبيعه عبدًا للأفكار والمخاوف والحاسدين والمتملقين ومباحث الأمن لكن الفضل يرجع لمن لا ينعس ولا ينام، فمع أنه لم يستطع يعقوب أبو يوسف في القديم حمايته حتى من إخوته أو رؤية ابنه يتربى في أحضانه، لكن المسيح ابن الله كان به كل الحماية والحكمة وقد وقف معى وقواني وحسبنى أمينًا للخدمة فله منى كل المجد إلى أبد الآبدين.
أما عن الحلم الذي راودني بمجرد سماعي لأغنية “قوة الحلم” هو أن أقوم بزيارة مصر يومًا ما، وأدعى من أحد القادة الممسوحين من الروح القدس إلى حضور اجتماع للصلاة، يرفض داعينى أن يقول لي أين أو من الذي سيكون بهذا الاجتماع، كل ما يقوله لى تعال، إنها مفاجئة كبرى، يكفي أن تعلم أن الرب هناك وروحه سائد فيه، أفكر وأتردد قليلاً ثم أذهب معه، المبنى الذي يعقد فيه اجتماع الصلاة يبدو مكانًا بسيطًا في حي متواضع لا ينم عن أهمية الحاضرين به حسب الجسد، يبدو وكأنه مدرسة ابتدائية تحسبها مهجورة عند رؤيتك لها لأول وهلة، عند دخولنا لفناء هذا المكان لم يستقبلنا أحد، لا يكاد أحد يلتفت لنا، كنت اتوقع أن يعرفني أي شخص هناك وأن يستوقفنى أحد المتواجدين بالفناء كالعادة ليسألني عن (جريدة الطريق) وما أكتب فيها من مقالات، أو يسألنى عن أمريكا وأحوالها والسياسة وغيره مما اعتدت عليه ومما يدعوني في كثير من الأحيان إلى تجنب الوجود في الأماكن العامة وخاصة الكنسية منها.
لم يلتفت لي أحد، رأيت مجموعة من الشباب يجلسون في فناء المدرسة ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة على أكثر تقدير، منهم من تشابكت أياديهم وصلواتهم، كانت أصواتهم عالية، منهم من كان راكعًا على أرض فناء المدرسة غير مبال بالتراب الذى غطى أحذيتهم وبناطيلهم وحتى قمصانهم وبلوزاتهم، ظننت أن هذا هو اجتماع الصلاة الذي دعاني صديقي إليه، المكان يبدو وكأنه يتحرك من تحت قدماي، سرت في جسدي قشعريرة أعرف معناها جيدًا فكثيرًا ما شعرت بها عند التلامس مع الحضور الإلهي في أماكن كثيرة في اجتماعتنا في مصر، يا إلهي ما هذا الذي أرى وأشعر به في هذا المكان، هل أنا في السماء أم على الأرض، من أين جاء كل هؤلاء، عرف صديقى ما يدور برأسى، وقبل أن تمتد يدي لأحد المقاعد الخالية بجوار ثلاثة من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن منتصف العشرينات، أمسك صديقي بيدي وقال لا، مكاننا مش هنا، الاجتماع مش هنا، الاجتماع بالقاعة التى أمامك، سحبت يدي بلطف منه ومشيت وراءه وقلت: “اومال ده يبقى إيه لو كان مش ده الاجتماع، أنا عايز أصلى معاهم مع الشباب دول هنا” تشبث صديقي بيدي وقال: “الإخوة والأخوات دول بيصلوا علشان اجتماع الصلاة اللى بالداخل، اللي هنحضره أنا وأنت”، قلت: دول بيصلوا علشان اجتماع الصلاة، قال: نعم تعال ورائي، فتح صديقي باب أحد فصول المدرسة، غرفة كبيرة خالية من المقاعد، الأرض مفروشة بالحصير الصعيدي المشهور، الحضور كل في صلاة بصوت مرتفع، البعض يجلس على الأرض يطلب الرحمة والغفران على ما أساء به لجسد المسيح، البعض يطلب النهضة ويصرخ لأجلها، البعض يطلب أن يعطي الروح القدس للكنيسة مرة أخرى أن تختبر الوعد الذي هو لنا ولأولادنا ولكل الذين على بعد، لا صلوات محفوظة، لا ألحان ولا ترانيم بؤس واكتئاب وموات، الكثير يترنحون كترنح السكارى، البعض يتكلم بلغات غير مفهومة والبعض يصرخ هكذا قال الرب، البعض ملقى على وجهه في الأرض وكأنه قد فارق الحياة، وما أن دخلت إلى هذه القاعة حتى امتلأت من الروح القدس وأعلنت أن هذا بيت الله وهذا باب السماء، هذا ما قيل بيوئيل النبي: “ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر” لم ينتبه لي أحد، لم يرحب بي أحد، بعد أكثر من الساعة بدأت انظر إلى وجوه الحاضرين، قسوس وكهنة وأساقفة وشمامسة وأسماء شهيرة رؤساء الطوائف والمجامع والمذاهب المختلفة، قادة وساسة وشيوخ وسلفيين سابقين. استمر الاجتماع لمدة ساعات، لم ينته ولم يتعجل أحد بالخروج، عرفت أن الاجتماع مستمر لأكثر من 24 ساعة، لا أحد يريد أن يفارق القاعة، في قليل من الأحيان كان أحدهم يبدأ بترنيمة صغيرة، الجميع يرنم لم يعترض أحد، لم يقل أحد إن هذه الترنيمة أرثوذكسية أو بروتستانتية، البعض يرنم، والبعض مازال يتمخض في الصلاة لله أن يغفر له كبريائه وتصلفه في معاملة الخدام والمؤمنين غير التابعين لطائفته، وأن يسامحه لأنه لم يعلن الحق الكتابي كاملاً لأغراض طائفية أو شخصية، اضطر بعض الإخوة للتسلل خارج القاعة دون أن ينتبه المصلون لخروجهم، كاهن مسن خرج يرنم بصوت منخفض جدًا بينه وبين نفسه وكأنه يتكلم وجه لوجه مع المسيح يسوع – تبارك اسمه- لذا لم يجد سببًا لرفع صوته، طال انتظارنا والشوق مالينا، نوصل ديارنا عند فادينا، خرج إلى باب المدرسة، لم يكن أحد من المتجمهرين أمام الباب الخارجي للمدرسة يعرف من هو هذا الرجل الوقور، فهو لم يكن يرتدي زيًا أسود ولا قميصًا بنفسجيًا ولا روب أسود مزخرف أو مزركش، لا زيًا قرمزيًا أو إسمانجونيًا،أو غيره من الألوان والأشكال، رأسه عاريًا فلا غطاء رأس من أي نوع أو لون أو شكل أو حجم أو صناعة، الكل يعرفون ويخاطبون بعضهم البعض بالأخ والإخوة وقديسي العلي، لا حضرتك، أو جنابك أو قدسك أو نيافتك أو سيدنا، وجد هذا الرجل الوقور مجموعة من الناس أمام الباب الخارجي تتساءل ما هذا الذي يحدث في هذا المكان؟، قال أحدهم بصوت خشن جهوري: سمعنا أصوات صراخ ثم أصوات أغاني ثم صراخ وهكذا، منبعثة من هذا المكان، شعرنا أن هناك أثقالاً على أكتافنا وقلوبنا وضمائرنا نحتاج للخلاص منه، شئ جذبنا إلى هذا المكان، وبينما كان الرجل يتكلم بصوت مرتفع، بدأ المارة يتزاحمون يريدون أن يعرفوا ماذا يحدث بالضبط في هذه البقعة، وما أن رأى أحد الشباب المتجمهرين الرجل الوقور وهو يرنم تلك الترنيمة حتى وقع على الأرض وأخذ في الصراخ والتشنج وعض اللسان والبنان، تجمع أناس حوله فمن قائل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقائل واحد يقرأ له في أذنه، وآخرون غادروا المكان بأقصى سرعة خوفًا من فتك الأرواح الشريرة بهم، تجمع جمهور أكبر، وقع ثان فثالث على الأرض كاد الناس يدوسون بعضهم البعض، حاول أحدهم أن يرفع صوته صارخًا، يا خلق هو النصارى هيبنوا كنيسة هنا بدلاً من هذه المدرسة، نظر إليه الرجل الوقور وقال بكل جرأة: أنا آمرك باسم يسوع المسيح الناصرى أن تخرس وأن تكون أخرس إلى حين، ففي الحال خرس الرجل، حاول الكلام فلم يقدر، وقع عند قدمي الرجل الوقور كأنه ميت، قال أحدهم: يا سبحان الله الراجل اتشل في الحال، وقعت رعبة وخوف على الجميع، طلب الكاهن من الشباب المسيحي الواقف بجواره أن يذهبوا ويقولوا للإخوة في اجتماع الصلاة إنه محتاج لمعونة من المصلين ولأناس يصلون معه خارجًا للعشرات التى كانت قد تجمعت وبعضهم ساقط على الأرض، وما أن أبلغ الشاب الرسالة حتى استجاب نصف الحضور تقريبًا في الاجتماع على الفور وخرجوا للصلاة للجمهور، سرت كهرباء في بقية المصلين فأخذوا يتضرعون إلى الله صارخين أن يمنح الإخوة الخارجين للقاء الجموع أن يتكلموا كلامه بكل مجاهرة ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع، ويالها من أعداد غفيرة جاءت في لحظات من كل صوب وفج! ، علت الأصوات في الخارج، صراخ من نفوس معذبة تطلب الخلاص، شياطين تطلب من المصلين أن يسمحوا لهم بالخروج السريع من أجساد كانوا ساكنيها لعشرات السنين، مرضى تلقى بعكاكيزها وترقص للمسيح الشافي في شوارع القاهرة، خرج شاب من اجتماع الصلاة، رفع صوته وأشار للجموع بالسكوت، كثيرون يعرفونه لأنه يملأ الفضائيات المسيحية والتليفزيونية بلقاءاته، أعطى الناس استماعًا أحرى، أعطى القسيس الشاب توضيحًا بسيطًا لما يحدث، قال إن المسيح يسوع مازال يخلص ويشفي ويحرر من عبودية الشيطان والخطية وإنه الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا ويرجعوا لتمحى خطاياهم متغاضيًا عن أزمنة الجهل، لـتأت أوقات الفرج من قبل الرب، نخس الجمع في قلوبهم، صراخ التائبين المعترفين بخطاياهم يسد الآذان، انتشر الشباب المسيحي المكرس بين الناس يصلون معهم، يحررونهم من قيودهم ويردون أنفسهم للإله الحي الحقيقي وحده يسوع المسيح، تبارك اسمه، أخذتني الدهشة وصرت أمجد الله بكل قواي، أخيرًا تحقق الحلم، جاء مشتهى الأمم إلى مصر، لذا سيعرف المصريون الرب وسيعرف الرب في أرض مصر، كان الوقت قد حان للانصرف، خرجنا بعدها للشارع بالكاد استطعت أن أنفذ بين الجموع، أفقت من حلمي على هذه الكلمات قوة الحلم لنفس المغنية وقد أعادت سكرتيرتي إذاعتها بعد أن سمعتنى اتمتم بالكلمات “ قوة الحلم” فظنت أننى معجب بالأغنية، حقًا قالوا في قديم الزمان إن من الأحلام ما يتحقق أما أنا فأقول إن كل الأحلام التى يعطيها لنا الروح القدس بفضله وبنعمته لا بد أن تتحقق أن قمنا بعمل ما لابد لنا أن نعمل لتحقيقها، وعرفنا كيف نوجه قوة الحلم الديناميتية إلى مكانها الصحيح. فأحلم يا شعب الرب، احلم بما يتناسب مع قدرة إلهك فإلهك يجيب بأكثر مما نطلب أو نفتكر بحسب غناه في المجد، احلم وانقش أحلامك على الصوان واكتب رؤاك على الألواح، ليركض قارؤها وإن توانت فانتظرها. لأنها ستأتي اتياناً ولا تتأخر، احلم واعمل ما لابد لك أن تعمل لتجعل بنعمة الله حلمك يتحول إلى حقيقة واقعة. وللحديث بقية.