عندما يعظ الشيطان

40

العدد 34 الصادر يوليو 2008
عندما يعظ الشيطان

عزيزي القارئ، هل سمعت يومًا الشيطان يعظ؟ قد تسألني وهل يعظ الشيطان؟ ومن هذا الأحمق الذي يعرف أن الشيطان يعظ ويسمعه؟ لا لم أسمع الشيطان يعظ من قبل ولن أسمعه ولا أحب أن أسمعه. دعني أقول لك، عزيزي القارئ، مهلاً، فالشيطان شئت أم لم تشأ يعظ، ويعظ البشر أجمعين قسرًا وليس برغبتهم، وللأسف دعني أقولها صراحة، إننا جميعًا بطريقة أو بأخرى وفي وقت أو آخر سمعنا الشيطان يعظ، وفي معظم المرات صدقناه، بل منا من صدقه وقبل غوايته وكذب المولى الصادق الأمين!

إن أول عظات الشيطان لبني البشر كانت بعنوان “لا لن تموتا”، وفيها تكلم الشيطان للخليقة كلها المتمثلة في آدم وحواء، كانت عظته الأولى في الجنة التي خلقها الرب الإله لآدم ولبنيه من بعده، كما أعد جهنم النار لإبليس وملائكته وزبانيته بعد أن طردهم – سبحانه- من محضره وأسقطهم ورئيسهم الوسواس الخناس من عرشه، تسلل الرجيم في جسم الحية القديمة وأتخذ من جسدها منبرًا له ليلقي عظته الأولى على آدم وحواء، مع أنه يعلم أن الجنة ليست جنته والمخلوقات ليست عمل يديه وليس من حقه أن يعظهم ويتكلم إليهم بخير أو بشر، لكنه تجاهل كل هذا ووجه خطابه بل قل بيانه الذي أصدره لهم متخطيًا بذلك حدوده وعائثاً في الأرض فسادًا، ليغوي الخليقة التي خلقها المولى لمجده وعبادته. لقد تذكرت هذه الحادثة بل قل أم الحوادث عندما قرأت البيان الذي أصدرته الجماعة المحظورة بالقانون والقرارات الجمهورية، والمسموح لها أن تتحكم في مستقبل الناس ومصائرهم بل وتمثيلهم في مجلس الشعب ومجالس الهيئات والنقابات. وبالتأمل في البيان الذي أصدرته هذه الجماعة وجدت فيه عدة أمور يستخدمها ويروج لها الرجيم ليغوي ويخدع بها الكنيسة جسد المسيح.

أولاً: أنه كما أعطي الوسواس لنفسه حق التسلل في أرض المولى والتحدث إلى خلائقه وكأنه يتكلم عن أرضه وشئونه وما يخصه، هكذا عملت هذه الجماعة، فإن مجرد تفكير هذه الجماعة في أن تكتب بيانًا للمسيحيين بعد أحداث أبو فانا يؤكد هذه الحقيقة. وفي البيان تتكلم هذه الجماعة وكأن مصر أرضها وكأنه من شئونها أو من حقها أن تتكلم إلي المسيحيين في مصر، ونسيت أنها دخيلة علي مصر، وأن المسيحيين في مصر هم أصحاب الأرض وأصحاب الجنة، وتلك هي الحقيقة المعروفة،  لكن من كثرة المظالم في أرض مصر، أصبح أصحاب الأرض هم الأغراب، تلك الحقيقة التي لن أمل أو أكل من تكرارها حتي يقضي الله أمرًا كان مقضيًا.

ثانيًا: أرى في عظة الشيطان أنه دائمًا ما يوجه نصائحه لأولئك البشر الذي يعمل ضدهم ليلاً ونهارًا ويتمنى أن يفنيهم في لحظة ولا يتورع أن يعلن عن ذلك في كتبه ومطبوعاته ومواقع الإنترنت الخاصة به، فكيف لهذه الجماعة أن تأخذ دور من يهمه أمر المسيحيين في مصر، ومن يوجه لهم النصح، حتي لو جاء في صورة تحذير؟!. ألم يعمل الشيطان نفس هذا الأمر عندما وعظ عظته الأولى لآدم وحواء وكأنه يهتم بشئونهما ويخاف علي مصلحتهما، وقال لهما أنهما لن يموتا إذا عصيا الله، سبحانه وتعالى؟!. كيف تخاطب هذه الجماعة المسيحيين في مصر؟ بأي حق ومن أعطاها هذا الحق، كيف تنصحهم مع أن يديها مخضبة بدمائهم منذ عشرات السنين وتحملهم  وزر ما اقترفت أيديها منذ زمان طويل؟

ثالثًا: عندما يعظ الشيطان لا يقول إلا أنصاف الحقائق، يكذب ويخفي الحقيقة الكاملة، فلقد قال لآدم وحواء نصف الحقيقة وهي:”يوم أن تأكلا من هذه الشجرة، تنفتح أعينكما وتصيران كالله عارفين الخير والشر”، هذا نصف الحقيقة، نعم انفتحت أعينهما وعرفا الخير والشر، لكن الوسواس لم يقل لهما أنهما سيموتان كما قال لهما الصادق الأمين، بل كذب وقال لن تموتا.

وما أكثر الأكاذيب التي تضمنها بيان هذه الجماعة المحظورة! ، ومن ضمن ما جاء في البيان من أكاذيب :
1- الادعاء بأن أحداث الزيتون واللبان وملوي حدثت بمجرد التزامن في وقت حدوثها وأنها حوادث عادية تحدث للمسلم قبل المسيحي. والحقيقة أننا لم نسمع من قبل عن حرق صيدلية لصيدلي واحد مسلم، أو سرقة محل ذهب لتاجر واحد مسلم بالرغم من تكفير بعض المسلمين لبعضهم البعض .

2- تصور أحداث دير أبو فانا علي أنها خلاف بين الدير والأعراب علي قطعة أرض من أملاك الدولة، ولو كانت الأرض ملك الدولة كما قال البيان، فهل طلبت الدولة من الأعراب حماية أراضيها؟ وماذا لو كانت قطعة الأرض هذه خصصت لبناء مسجد، هل كان الأعراب سيهاجمون المسجد وتطلق علي إمامه أو المصلين فيه النار حماية لأملاك الدولة؟ وإذا كان دأب الأعراب – كما ذكر البيان- أن يسطوا علي أملاك الدولة، فهل صار الأعراب دولة داخل الدولة حتي تسطو دولة الأعراب علي أملاك دولة مصر العربية وماذا صنعت أو تصنع أو ستصنع بهم الدولة؟!

رابعًا: عندما يعظ الشيطان يدفع الناس إلى ارتكاب المعاصي وكراهية بعضهم البعض والقتل وسفك الدماء، ثم يلومهم علي ارتكاب هذه المعاصي إن هم دافعوا عن نفوسهم، وكم من مرة دفعت هذه الجماعة المسيحيين بالقول والفعل والقتل والكراهية الى الدفاع عن أنفسهم أو التنفيس عن ما في صدورهم ولو بالقول والتظاهر ثم تصورهم اليوم وكأنهم القتلة والمشاغبون ومستغلو المواقف والظروف لإثارة الفتن الطائفية وخلق المشاكل!!

خامسًا: عندما يعظ الشيطان، يستغل الحقائق الأساسية البدائية البديهية ليؤكد عليها وأهمها أن لا أحد يحبك أيها الإنسان المسيحي، ولا أحد سيقف بجوارك للدفاع عنك وقت الشدة، ليغلق عليه باب الأمل والرجاء وكأنه هو “الشيطان” الطريق الوحيد لفك أزمة الإنسان ومساعدته في حياته اليومية، فمَن من المسيحيين المصريين لا يعلم أن أمريكا لا يهمها في قليل أو كثير أن تساعد المسيحيين في الشرق الأوسط عامة وفي مصر خاصة؟ مَن مِن المسيحيين لا يعلم أن أمريكا لا يهمها إلا مصلحتها ووجودها واستغلالها لكل ما يدور من أحداث في الشرق الأوسط وفي مصر، حتي الفتن الطائفية، لتحقيق أمنها وسلامها واستقرارها وامتداد نفوذها علي الجميع؟ وليس في ذلك عيب فهذه هي الدنيا، وهذه هي السياسة، علي الأقل، فأمريكا تحترم مواطنيها وحريتهم ، وتحترم الدول الديمقراطية وتحاول مساعدتهم، كما أنها تشتري الظلمة والمفترين بمعوناتها وتخضع القتلة والمجرمين بترساناتها. لقد ركز البيان علي أن أمريكا لن تفيد المسيحيين المصريين إن هم ارتموا في أحضانها. هذا معروف وبديهي، لكنني للأمانة الصحفية، أقول وأذكر هذه الجماعة المحظورة أن أمريكا استطاعت أن تغير حتي المناهج التعليمية في البلاد العربية، واستطاعت أن تطيح بحكومات وأنظمة سياسية ودينية في الشرق الأوسط وتخلع ملوكًا وتنصب ملوكًا وتلجم رؤساء وتفتح بلدانًا أمام البشارة بالإنجيل الذي كان محظورًا علي مواطني بلاد بأكملها أن يروه أو يلمسوه أو يشتروه ويدخلوا به إلي بلادهم.

نعم لم يكن في حسبان أمريكا أن تفعل ذلك ولم تفعله عمدًا لنشر البشارة بالإنجيل، لكن الجالس علي كرة الأرض والمتسلط في مملكة الناس يستطيع أن يستخدم أمريكا وغيرها من البلاد في تتميم مشيئته وفتح أبواب الكرازة بالإنجيل في أعظم وأقوى الدول المقاومة للإنجيل وبشارة المسيح.

دعني أذكرأيضًا هذه الجماعة أن المسيحيين في مصر ليسوا في حاجة إلي أمريكا لنصرهم والدفاع عنهم واسترجاع حقوقهم التي سلبتها هذه الجماعة وغيرها ممن علي شاكلتها، فالمسيحيون قادرون علي الدفاع عن أنفسهم والثقة في إلههم علي القادر نصرهم المبين، فالرابع الشبيه بابن الآلهة مازال يتمشى في أتون النار مع الذين يرفضون السجود لغيره ويثقون أنه يخلصهم من يد كل جبار ظالم (اقرأ القصة في سفر دانيال3).
وهو أيضًا قادر على سد أفواه الأسود، فلا زالت وستستمر الملائكة تعمل في إطاعته وتتميم أوامره لإنقاذ شعبه والمتوكلين عليه. ومازال قوله ساري المفعول، أن الواحد من المؤمنين به بألف والاثنين بربوة. وكما نصح البيان المسيحيين بعدم الاتكال على أمريكا، دعني أنصحهم أنا أن لا يتكلوا هم أيضًا  على دول الخليج ولا أموال الخليج وإيران والمهاجرين للخارج، ولا على تعدادهم وخططهم وجبروتهم، فالأرض ملك لله وحده والخلائق خلائقه، والمؤمنون به- تبارك اسمه- من خلال المسيح يسوع الذي هو الطريق والحق والحياة من كل دين وملة هم شعبه وهو حاميهم الوحيد، والمدافع الوحيد عنهم والضامن نصرتهم في النهاية، وهو الذي أعد لهم ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على بال إنسان جزاء من عند ربهم فإنه وحده مَن عنده خير الجزاء.

دعني أيضًا أنصح هذه الجماعة بقراءة التوراة والإنجيل بإخلاص وتواضع والاتعاظ بما دون فيه، اقرأوا عن مصير كل جماعة أو دولة أو حكومة أو تنظيم وقف ضد شعبه في القديم وضد كنيستة في العهد الجديد، ادرسوا التاريخ واعلموا أن كل آلة صورت ضد الكنيسة لم تنجح، فأين هم أباطرة الرومان، أين هو نبوخذنصر ومملكته الذي تحدى إله السماء، أين هي الشيوعية التي أنكرت وجوده، سبحانه وتعالى، كذلك يبين الله لكم آياته إن كنتم لا تعلمون.
     سادسًا: لقد دأبت هذه الجماعة وغيرها على الهجوم على القسوس والكهنة ورؤساء الطوائف المسيحية في مصر وغيرها كما جاء فى بيانها الذي أعطت فيه الحق لنفسها أن تخاطب فيه المسيحيين المصريين، وهذه طريقة الشيطان فما من عظة أو بيان للشيطان إلا وهاجم فيه قادة الكنيسة على الأرض، فلو أمكن لأضل المختارين، ودعني أقول لهذه الجماعة أن بإمكان المسيحيين أن يعملوا بالمثل ولديهم من الحقائق ما يكشف المستور ويفضح الموتور ويفجر الصدور ولكنهم لا يعملون، أولاًً، لأن نبيهم ومسيحهم نهاهم عن ذلك لئلا تتحول الأرض إلى غابة تتصارع فيها الوحوش، ثانيًا: لأنه علمهم “أن لي النقمة أنا أجازي يقول الرب” ، ثالثًا: لأن مصر مهما كانت حالتها اليوم والمدعون لملكيتها هي أرض المسيحيين وبلادهم وإنا لها لحافظون وعنها لمدافعون ومن أجلها الدم لباذلون ولنشر سلام الله فيها لمكرسون. وأذكر هذه الجماعة أن المولى طمأن أتباعه وشعبه قائلاً: “من يمسكم يمس في حدقه عينه”، قال لهم “لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” فمن يستطيع أن يقف أو يشتكي على مختاري الله”.

والعجيب أن مصدري هذا البيان من الجماعة المحظورة يلومون الكنيسة وقادتها على الانغماس في السياسة، فعندما يعظ الشيطان الكنيسة منذ القديم ينبغي أن يذكرها دائمًا أنها لابد أن تبتعد عن السياسة والحكم والانتخابات والاقتصاد، حتى تترك له المجال وحده للتحكم في الأمور. ليس ذلك فقط بل عندما يعظ الشيطان لابد أن يتهم الكنيسة أنها خرجت عن وظيفتها الأساسية في الإرشاد الروحي والوعظ وخالفت بذلك تعاليم الكتاب المقدس التي دعت بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (كما جاء بالبيان) وهنا نرى الشيطان كعادته يقتبس من الكتاب المقدس ما يحلو له وما يحقق أغراضه مع أنه ينكر عصمة الكتاب المقدس ويؤكد على أنه قد تحرف ولعبت به يد البشر، فلست أدري لماذا يستشهد الشيطان بكتاب هو في ادعائه محرف، لكنها طريقته في لي الحقائق.
ومن المضحك أن يتحدث كاتب البيان عن مصر وكأنه يحترم مصر ويخاف عليها ويدافع عنها ويذكر المسيحيين أنهم نموا على أرضها وأكلوا من خيرها وتعلموا في مدارسها مع أن تاريخ هذه الجماعة معروف فهم من فجروا مبانيها وقتلوا سائحيها وحرقوا كنائسها وأديرتها، ومن قبلهم آباؤهم الذين قتلوا أهلها وامحوا لغتهم وحرقوا مكتباتها وكتبها وفرضوا عليهم الجزية يدفعونها عن يدهم وهم صاغرون.

ثم ينتهي البيان بالقول، بأن على الأقباط أن يعوا الحقائق الآتية:
     – “أن مصر كانت وستظل بإذن الله دولة واحدة وحكومة واحدة”… لا، فهذه نصف الحقيقة، نعم مصر منذ الغزو الإسلامي دولة واحدة، دولة واحدة فقط إسلامية، والمسيحيون أقلية مغلوبة على أمرها، محكومة بمولى قاس، ولو أعطيت الحرية للمصريين جميعًا أن يختاروا مصائرهم بأنفسهم لما كانت مصر في يوم من الأيام دولة واحدة على الإطلاق بشكلها الحالي.

– مصر هي القلب النابض للإسلام والعروبة.. وهذه أيضًا أكذوبة كبيرة، فلم تعد هناك عروبة اليوم، لقد سكت هذا القلب النابض منذ نهاية عصر عبد الناصر الذي كان يحاول أن يحافظ على قلب ما أسماه بالعروبة نابضًا، وأي إسلام هذا الذي مصر هي قلبه، هل الإسلام السني أم الوهابي أم الشيعي؟ هل انقسم هذا القلب إلى قلب إيراني وقلب لبناني وقلب سعودي وغيرها؟

– لذلك لم تحاول الحملة الفرنسية ولا الاحتلال البريطاني، كما ادعى كاتب البيان، أن يغيرا هذه التي أسماها حقيقة، لأنه لم يكن هناك قلب من الأصل ليتغير أو ليحاول الاحتلال الفرنسي أو الإنجليزي تغييره.

     وأخيرًا ، دعني أبشر هذه الجماعة والقائمين عليها أن المسيح يسوع هو غفار الذنوب، وهو ساتر العيوب، وهو فاحص القلوب، وقابل التوبة ومرجع المسلوب وناصر كل ضعيف مغلوب، فهو الإله الجبار المهوب، وهو الساهر على شعبه المحبوب والمنتقم الجبار من كل شيطان لعوب، فارجعوا إليه فيقبلكم ويرضى عنكم وأصلحوا المعوج والمقلوب فتستقيم حياتكم وتصبحوا أنتم أيضًا شعبه المحبوب.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا