عاطفة وألقاب..

18

عـادل عطيـة

   في كتاب تاريخ البشرية، فصل ما بعد الميلاد، من صفحة ألف وستمائة وخمسين، إلى صفحة ألف وسبعمائة واثنين – هي مدى عمره – عاش الملك ويليام الثالث الهولندي، وهو في الوقت نفسه: ويليام الأول الآيرلندي، وويليام الثاني الاسكتلندي، وويليام الثالث الإنجليزي، وويليام الرابع النورماندي!

   وفى عصرنا، يحمل الكثير من البشر ما يقاربها من ألقاب منصبية طموحة – بحسب قدرات الشخص، ومكانته، وموقعه، وبلده – لكنها تبقى دومًا ألقابًا اجتماعية أكثر منها إنسانية.. مساحتها من الصفحة الأولى لتاريخنا الإنساني، وإلى الصفحة الأخيرة في اليوم الأخير.

   فالرجل من الممكن أن يحمل في آنٍ واحد لقب: الأخ، والخال، والعم، والزوج، والأب، والحمى، والجد!

  والمرأة، كذلك، من الممكن أن تحمل في آنٍ واحد لقب: الأخت، والخالة، والعمة، والزوجة، والأم، والحماة، والجدة!

  إن كلمة “شخص ما” تحمل معها الشخصية بما فيها من ذات وصفات!

   فهل يملك “اللقب” القدرة على تغيير ذاته وصفاته؟

   وهل “الألقاب” تخلق فاصلًا بين الناس، حتى أننا نطلب ممن نحبه أن ينادينا بدون ألقاب؟

   لقد أثبتت تجربة الحياة على هذه الأرض أن الإنسان، مع كونه شخصية منفردة، إلا أننا نراه يتغيَّر بعاطفته تجاه المتلقي، بحسب موقع الأخير من اللقب الذي يحمله الأول!

   فقرأنا عن “سندريلا” التي تُجسِّد افتقاد حب الأمومة، وقصتها التي لا تزال تكرر ذاتها عن زوجة الأب التي لا تعرف كيف تحب، والتي تعترف أيضًا بشرها!

   وسمعنا كثيرًا عن الحماة التي تتربص بكنتها، حتى وصفناها بالحُمى!

   كما قالوا عن العمة: عقربة سامة!

   وتكريسًا للانقسام، نقول: أنا وأخي على ابن عمى، وأنا وابن عمى على ابن الجيران!

    وغيرها الكثير من أعراض مرض انفصام العاطفة!

    فإذا كنا نملك المحبة العامة والشاملة كما أودعها الله فينا، فلماذا نكيل بكيلين، بل وبأكثر؟!

   هل لأن للإنسان حرية القدرة العجيبة في صبغه للأشياء باللون الذي يريده؟

   أم لأننا في زمن بدأت فيه القلوب تستنكر نبضها، وترفض هدير الدم في عروقها؟

   ليتنا نعود إلى أصالة المحبة وحرارتها، لأنها تُعبِّر عن نقاوتنا، وليكن مثلنا مثل السامري الصالح الذي ينبض قلبه بالوحدة الإنسانية على خطى المعلم الصالح، ويرمز لتجاوز الحواجز الداخلية والحدود بين البشر، فنجعل الأبعاد الحقيقية لعظمة الإنسان ماثلة أمامنا، حاملين ميزان الحب والعدل للجميع، مهما كانت ألقابنا، ومهما كانت عيوبهم، وعقيدتهم، وصفاتهم، وقرابتهم؛ فترضى عنا المشيئة الإلهية، وترتاح ضمائرنا حيث تستقر!

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا