ضبط السلوك

0

د. إميل لبيب

الهدف من التربية باختصار هو تأهيل الفرد ليحيا متوافق مع نفسه، قادر على أن يتكيف مع الظروف والمجتمع المحيط به.

تأهيل الفرد يبدأ منذ الصغر، أي منذ تنشئته قبل حتى عملية الإخصاب وأقصد هذا المعنى بالتحديد، لأن أي سلوك للوالدين قبل عملية الإخصاب سوف يؤثر بالسلب أو الإيجاب على تكوين الجنين مثل تعاطي المنبهات والتدخين والإدمانات المختلفة وحتى الأدوية والمضادات الحيوية لها تأثير في التكوين الجيني للفرد.

بعض الأبحاث أثبتت أنه حتى السلوكيات التي يكتسبها الوالدان من بيئتهما تسجل على حمضهما النووي المنتقل للطفل. لو تناولنا الظروف التي نفترض أنها غير مواتية في كل الأوقات وهذا شيء طبيعي، فالحياة ليست سهلة ولا يسيرة على الجميع في كل أحوالها.

هذا المفهوم لا بد وأن يصل للطفل ويرتبه ضمن منظومة تفكيره وقيمه وهي المنظومة التي تساهم في تحفيزه وتشكل دافعيته في الحياة تجاه ما يواجهه من صعاب أو معوقات.

في سبيل هذا، يحتاج الطفل أن يُربى على أن هناك أشياء ضرورية هامة للحياة لا نستطيع أن نستغني عنها مثل الاحتياجات الجسمانية من طعام وشراب وراحة.

وهناك أشياء نفسية كذلك، مثل الحفاظ على حدوده الجسمانية (فلا نعتدي عليه بالضرب ليدرك أن لجسده حدود لا تنتهك مهما حصل حتى ولو بمبرر التأديب)، وتأكيد حقوقه ومراعاة حقوق الآخرين، والالتزام بالقيم والأخلاق والمبادئ، وإقرار الحق.

هذه الأمور يجب أن يراها متحققة معه ويمارسها والداه حتى يفهمها ويعتبرها أمورًا بديهية.

وكما أن هناك أشياء ضرورية وهامة للحياة، هناك أشياء أخرى يمكن تأجيلها للوقت المناسب لها مثل اللعب، واستخدام الموبايل، وشراء وتناول الحلويات

وهناك أيضًا أشياء لا نحتاجها ويمكن الاستغناء عنها لعدم الاحتياج لها لعدم مناسبتها كنوع أو ماركة أو سعر أو فائدة، مثل الألعاب غير المجدية أو غير المناسبة لمرحلته العمرية، أو استخدام الموبايل لأوقات طويلة بدون داعي لا تعطينا الحياة كل ما نرغب فيه ولا تتعامل معنا برفق وتراعى ظروفنا سواء كانت صحة جسدية أو نفسية فالحياة قاسية، ويجب أن نكون أقوياء للسعي فيها.

هناك مَنْ يتحلى بالصلاة النفسية بشكل طبيعي مخلوق به..

وهناك مَنْ يحتاج لأن يتدرب على الصمود والتحلي بالصبر..

وسواء هذا أو ذاك الجميع في حاجة إلى أن يتدرب على الاستغناء عن ما لا يحتاج إليه.

هناك نوع من الحرمان الصحي يجب أن يمارسه الوالدان مع الطفل حتى يدرك أنه ليس كل ما يرغب فيه يستطيع أن يناله، أو على الأقل ليس بالسهولة التي يعبِّر بها عن الرغبة فتتحقق في التو واللحظة لمجرد أن الوالدين يرغبان في إبراء نفسيهما من التقصير في رعاية وتربية الطفل وقضاء الوقت القيم معه.

يحتاج الطفل لنظام يحقق له الحماية والأمان ويضبط سلوكياته وقبل أن تضبط سلوكيات الطفل لا بد وأن تضبط سلوكيات الوالدين.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا