عادت قصة الطفل شنودة لتتصدر المشهد الإعلامي وصفحات السوشيال ميديا من جديد بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى التي حملت رقم 73338 لسنة 76 قضائية في جلستها المنعقدة يوم 18 مارس 2023، وهي الدعوى المقامة من الأستاذ نجيب جبرائيل بصفته محامي أسرة الطفل المسيحية والتي طالب فيها بعودة الطفل لأسرته وعدم إيداعه دار رعاية.
وتعود قصة الطفل شنودة إلى سنة 2018 حينما عثرت السيدة آمال فكري 51 سنة وزوجها على طفل رضيع حديث الولادة بأحد حمامات كنيسة العذراء بالزاوية الحمراء بالقاهرة وكان هناك شهود مسلمون وأقباط عند خروجها بالطفل الرضيع (وفقًا لما ذكر في الدعوى وذكره والدا الطفل بالتبني)، كما جاء في الدعوى أنهما قاما بتربية الطفل وحضانته إذ أنهما لم ينجبا أطفالًا وأطلقا عليه اسم “شنودة فاروق فوزي”، غير أنه بسبب خلافات على الميراث بين رب الأسرة وابنة شقيقته لاعتقادها أن الصغير سيحجب الميراث عنها قامت بإبلاغ قسم الشرطة بأن الطفل لم يُعثر عليه داخل الكنيسة إنما خارجها وأنهما قيداه في الصحة وبالتالي فهو طفل مجهول النسب.
وكانت الطامة الكبرى حين تم نزع الطفل من أحضان أمه وسط بكاء الطفل وصراخ الأم بمشاعر متبلدة من المسئولين ومجردة من الرحمة والإنسانية بناءً على قرار نيابة الشرابية. كان هذا الحدث من حوالي سنة، وتم تغيير اسمه من “شنودة فاروق فوزي” إلى “يوسف عبد الله محمد” وتغيير ديانته من مسيحي إلى مسلم وإيداعه بدار رعاية إسلامية. وكان محامي الأسرة قد طالب بوقف قرار تغيير ديانة الطفل شنودة وإعادة إلى والديه بالتبني بصفتهما قد قاما بتربيته. وكانت الصدمة التي أصابت الجميع بالذهول هي رفض محكمة القضاء الإداري للدعوى لعدم الاختصاص رغم أن الحق الأصيل للاختصاص لهذه المحكمة، كما أنها لم تقل لنا ما هي جهة الاختصاص لنلجأ إليها. والغريب والعجيب أن المحكمة تجعل القضية تُتداول وتؤجل طيلة ما يقرب من السنة ثم ترفضها بسبب عدم الاختصاص. ورغم أنه لا تعليق على أحكام القضاء لكن الحكم كان صادمًا. أين روح القانون؟ وقد حدا هذا بمحامي الأسرة بأن يقرر الطعن على حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا فور استلام حيثيات الحكم لتقديم الطعن عليها خلال الـ 60 يومًا.
وكل ذلك رغم انضمام المجلس القومي لحقوق الإنسان لفريق الدفاع عن قضية الطفل شنودة بناءً على ما جاء باختصاص المجلس في نص الفقرة 17 من المادة 3 بقانون المجلس رقم 197 لسنة 2017 وقيام المجلس بتكليف اللجنة التشريعية بالمجلس بالنظر في كيفية التدخل في الدعوى القضائية وفقًا لأحكام القوانين المنظمة، وكذلك تضامن المجلس القومي للمرأة والطفولة. وقد جاء تصريح السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بأن ما حدث ينافي نص وفلسفة المادة 80 من الدستور ويتعارض مع فلسفة وجوهر قانون الطفل واتفاقية حقوق الطفل والمعايير الدنيا لحقوق الطفل. وجاء كل هذا أيضًا رغم أن هناك شهادة مستخرجة من البطريركية تقول إن الطفل مسيحي كما تم عماده وفقًا للعقيدة المسيحية بحسب شهادة الشهود. وسيضطر المحامي إلى أن يختصم وزراء العدل والتضامن والداخلية. وقد تردد أنه تم توجيه خطاب للأزهر لمعرفة رأيه في هذه القضية، وانتشر على مواقع التواصل أن الأزهر طالب بتسليم الطفل إلى والديه بالتبني باعتبار أن الطفل يولد على فطرته الإنسانية وليس على الفطرة الدينية وأنه طالما أن الطفل وُجِدَ في دار عبادة مسيحية فهو مسيحي. وانتشر أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي أن الأزهر ما زال يفحص أبعاد القضية بالاطلاع على المستندات والمعلومات لتحديد الموقف والفتوى. ولكن يا سادة حتى لو كان الإسلام لا يقر التبني فإن المسيحية والتي وفقًا للدستور تحتكم لشرائعها تعتقد بالتبني. ومن ناحية أخرى، هناك ما يُسمى بالأسرة البديلة وهو ما تقره وزارة التضامن الاجتماعي. أين روح القانون؟ هل شنودة سيضيف الكثير إلى الإسلام؟ نحن نتكلم من الزاوية الإنسانية وليس من زاوية الدين لأن الإنسانية فوق الدين. أين الرحمة؟ أنا أخاطب القلوب قبل العقول لأن الله هو الذي يحاسب. للأسف نحن في مجتمع غير متسامح. وبما أننا بلد الغرائب والعجائب يحدث ما حدث لأن بلدنا هواها سلفي.
وسأسوق لك حالتين مشابهتين أقرتهما محكمة النقض (مَنْ أقر لمجهول النسب أنه ابنه فهو معترف ببنوة حقيقية .. سواء كان صادقًا أو كاذبًا فتثبت لهذا الولد شرعًا جميع أحكام البنوة غير أنه إذا كان كاذبا كان علية إثم ذلك الادعاء). وقضت أيضًا محكمة النقض في حكم حديث أطرافه مسلمو الديانة (والدان أقرا بنسب طفلة وسجلاها بدفاتر الصحة واستخرجا لها شهادة ميلاد نسباها إليهما ولم ينكر أيهما نسبها إليه وبه يكون ذلك الإقرار .. فتثبت بإقرارهما جميع أحكام البنوة).
وأستطلع رأي صديقي الأستاذ شاكر وديع المحامي بالنقض والدستورية العليا في تفاصيل القضيتين.
بالنسبة للتبني في المسيحية، فإن المادة 110 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس في 9/5/1938 تنص على ما يلي: ” التبني جائز للرجل وللمرأة، متزوجين كانا أو غير متزوجين، بمراعاة الشروط المنصوص عليها في المواد التالية” ـ مادة 111: ” يُشترط في المتبني: أن يكون تجاوز سن الأربعين، وألا يكون له أولاد ولا فروع شرعيون وقت التبني، وأن يكون حسن السمعة.”
وقد قضت محكمة النقض: “أنه وإن كان يُشترط لصحة الإقرار بالأبوة أن يكون الولد المُقَر له مجهول النسب، فإن كان معروفًا نسبه من غير المُقِر لا يثبت نسبه منه، لأن النسب متى ثبت لا يقبل النقض والانتقال، ولئن اختلفت الأقوال في مذهب الحنفية حول متى يُعتبر الشخص مجهول النسب – على أنه يُراعى في الحكم بجهالة النسب عدم معرفة الأب في البلدين معًا دفعًا للحرج وتحوطًا في إثبات الأنساب.”
(الطعن رقم 2 لسنة 43 ق جلسة 10/3/1976 – مكتب فني 27 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 592 – القاعدة رقم 118)
“من المقرر شرعًا أن مَنْ أقر لمجهول النسب أنه ولده فهو معترف ببنوة هذا الولد بنوة حقيقية، سواء أكان صادقًا في الواقع أم كاذبًا، فتثبت لهذا الولد شرعًا جميع أحكام البنوة، غير أنه إذا كان كاذبًا في الواقع، كان عليه إثم ذلك الادعاء.”
“فمتى قُضي أن الطفل الذي أقر المورِّث ببنوته هو اللقيط الذي تسلَّمه من المستشفى، فمع التسليم بهذا الادعاء، فإن المورِّث أقر بأن هذا الطفل هو ابنه ولم يقل إنه يتبناه، وهو قول لا مخالفة فيه للقانون لأن نسب اللقيط يثبت بمجرد الدعوى وهي الإقرار بنسبه، أما التبني وهو استلحاق شخص معروف النسب إلى أب أو استلحاق مجهول النسب مع التصريح بأن يتخذه ولدًا حقيقيًا فلا يُثبِت أبوة ولا بنوة ولا يترتب عليه أي حق من الحقوق الثابتة بين الأبناء والآباء.”
(الطعن رقم 26 لسنة 39 ق – تاريخ الجلسة 5/12/1973 – مكتب فني 24 رقم الجزء 3 – رقم الصفحة 1232 – القاعدة رقم 214)
وفي حكم حديث أطرافة مسلمو الديانة قُضي بأنه:
“لما كان الثابت للمحكمة أن مورِّثة المدعي وزوجها – المتوفيين – قد تزوجا قبل ميلاد الطفلة بعدة سنوات، وقد أقرا بنسبها لهما وقد سجلاها بدفاتر الصحة واستخرجا لها شهادة ميلاد نسباها إليهما ولم ينكر أيهما – حتى وفاته – نسبتها إليه ولم يدعِ أحدا غيرهما نسبها إليه. وبه يكون ذلك الإقرار حتى لو كانت الظواهر تكذِّبه – سواء أكانا صادقين في الواقع أم كاذبين – فتثبت بإقرارهما جميع أحكام البنوة، غير أنه إذا كان إقرارهما كاذبًا فعليهما إثم ذلك الادعاء ولا يُحتمل بعد ذلك الإقرار النفي ولا ينفك بحال فلا ينفسخ النسب بعد ثبوته وبات نسب المدعي عليها الأولي (الطفلة) ممن نُسبت إليهما من الحجية القاطعة التي لا يجوز المجادلة فيها مما يكون طلب المدعي (بإبطال النسب) هذا على غير سند من الواقع والقانون جديرًا بالرفض.”
(الحكم الصادر في الدعوى رقم 2509 لسنة 2022 أسرة محرم بك – جلسة 16/3/2023)