العدد 100 الصادر في يناير 2014 سنين في الكتاب المقدس
ونحن في بداية سنة جديدة، وفي ظل ما يحدث في مصر خاصة، والعالم العربي عامة، وفي وسط تكهنات وتمنيات وتطلعات لما تخبئه الأقدار فيها لأولئك الذين يؤمنون بالقضاء والقدر، وخيرات وبركات للذين يؤمنون بالمكتوب قولوا للصديق خير، تمضي 2013 وتأتي سنة 2014.
وللسنين في الكتاب المقدس دلالاتها، وتختلف تعاملات الله فيها مع البشر وفقًا لعوامل كثيرة، بعضها، بل قل معظمها، يتوقف على موقف البشر منه، سبحانه وتنازل إلينا، وتصرفاتهم بعضهم مع بعض. ولقد أولى الآباء الأولون حساب السنين وأرقامها ودلالاتها الكثير من الاهتمام. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، جعل المولى السنة السابعة، في شريعته العظيمة الحكيمة، سنة الراحة، وأطلق عليها سنة اليوبيل، وهناك سنة، وليست بالضرورة أن يكون طولها 365 يومَا، عرفت في الكتاب المقدس بسنة العقاب، وفقًا لقوله تعالى في إرمياء 48:44) الَّذِي يَهْرُبُ مِنْ وَجْهِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ وَالَّذِي يَصْعَدُ مِنَ الْحُفْرَةِ يَعْلَقُ فِي الْفَخِّ لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَى مُوآبَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ.
وهناك سنة أخرى تعرف في الكتاب المقدس بسنة القحط، كقوله تعالى “مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإثمار” (أرميا 8:17 ). ويرى الحاخامات اليهود وبعض دارسي الكتاب المقدس أن السنة رقم 13 هي سنة القحط، والندرة والمجاعات والقلاقل، وربما تكون سبب التعامل بحذر وبشؤم مع رقم 13 عند كثير من العامة، وسبب تسمية البعض لرقم 13 بأنه رقم “النحس أوالشؤم”. هناك أيضًا سنة تعرف بسنة مفديي الرب، كما جاء في قوله تعالى “لأَنَّ يَوْمَ النَّقْمَةِ فِي قَلْبِي وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ”(اشعياء 4:63) . وبالرغم من عدم إيماني بالقضاء والقدر، وعدم إيماني بالخضوع لتفسيرات أو نظريات أو أقوال غير منصوص عليها في كتابنا المقدس، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنني أؤمن أن هناك ما يسمى في حياة الأفراد والجماعات والبلدان بسنة القحط، وفقًا لتعاليم الكتاب المقدس، وأؤمن، وفقًا لنصوص وتعاليم الكتاب المقدس الصريحة أيضًا، أنه حتى في سنة القحط، يكون الرجل أو المرأة أو الجماعة أو الكنيسة أو الدولة، وكل من يجعل الرب متكله يكون مباركًا ويَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإثمار.
ويرى أيضًا بعض دارسي الكتاب المقدس أن السنة الرابعة عشر، هي سنة الإثمار المضاعفة، أي أنه إذا كانت السنة السابعة هي سنة يوبيل وسنة بركة وإثمار وراحة وسلام، تكون السنة الرابعة عشر هي سنة مضاعفة البركة والإثمار والراحة، وبغض النظر عن تفسيرات الأرقام ودلالاتها كما نفهمه نحن، سواء في الكتاب المقدس أو وفقًا للتقليد وأقوال الآباء، فأنا أصلي أن تكون سنة 2014 هي سنة البركة المضاعفة لبلادنا وعائلاتنا وشعوبنا.
وأعلم جيدًا أنه ليست بالصلوات وحدها، ولا بالتمنيات فقط يختبر الأفراد والجماعات والبلدان الخير والاستقرار والسلام، لذا فقد شغلني موضوع سنة القحط وسنة الإثمار طوال العام الماضي، فقمت بدراسته وتقديم عدة عظات عنه في كثير من الأماكن والكنائس، (التي يمكنك عزيزي القارئ الرجوع إليها ومشاهدتها على موقع www.thelastharvest.com ) وهذا ما توصلت إليه، وأثق أن بهذه الدراسة ما يساعدنا على فهم ما يحدث معنا وحولنا، والعيش، ليس فقط في سنة القحط شاكرين المولى على انقضائها، بل نعيش حتى في سنة القحط آمنين مطمئنين شبعانين، وقد فضل عنا فباركنا الآخرين من بركات الإله الأمين، التي أسبغها علينا ونحن غير المستحقين إلا في شخص المسيح يسوع، من أرسل نعمة ورحمة للعالمين.
أما حدوث سنة القحط في حياة المؤمنين، شعبه تعالى، الذين دعى باسمه عليهم، فقد تكون نتيجة لواحدة أو أكثر من الأسباب التالية: 1- بسبب تدريبات إلهية. 2- أو بسبب مخالفة للقوانين الإلهية. 3- أو بسبب الربط والمقاومات الشيطانية. ولكل واحد من هذه الأسباب خصائص محددة يمكن من خلالها معرفة السبب في المرور بسنة القحط في حياة الشعوب والأسر والأفراد. أما خصائص سنة القحط التي يمر بها الفرد بسبب التدريبات الإلهية فهي: أ- تحدث للسالكين حياة نقية والمثمرين ليأتوا بثمر أكثر، كقوله تعالى “أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ.
ب- وقد يكون سبب القحط هو للتعليم والتأهيل للمهام الروحية كقول بولس رسول الأمم عن نفسه وما مر به ” أَعْرِفُ أن أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أيضًا أن أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أن أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ.
أما أهم أسباب المرور بسنة القحط والاضطرابات والصراعات والتقاتل والتناحر في حياة الشعوب والأفراد فهى مخالفة القوانين الكتابية، أي قوانين الله سبحانه وتعالى في كتابه الوحيد الكتاب المقدس، فهناك عدة قوانين كتابية إذا ما خالفها الإنسان، أي إنسان، مهما كان، لا بد أن تؤدي به للمرور بسنة القحط، ليس كبركة كما ذكرت سابقًا، بل كعقاب من الرحيم، تبارك اسمه. وأهم هذه القوانين هي:
ا- قانون الحياة النقية. فكما قيل في تنزيل الحكيم العليم إن “البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية” (أمثال 34:14 ). ولذا أوصى المولى القدير تابعيه على الأرض قائلا “«وَإِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أن تَعْمَل بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَتَأْتِي عَليْكَ جَمِيعُ هَذِهِ البَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ … وَلكِنْ أن لمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أن تَعْمَل بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ تَأْتِي عَليْكَ جَمِيعُ هَذِهِ اللعْنَاتِ وَتُدْرِكُكَ” (مت 1:28) فالغش والخداع والسلب والنهب والعجرفة والكبرياء، وهذه نقرة وتلك نقرة، والوقوف ضد كل ما هو مسيحي، وعدم احترام حقوق الآخرين، والإيقان بأن جماعة ما هم خير أمة أخرجت للناس، والرشوة والتمييز العنصري والديني، وحرق الكنائس واغتصاب الأرض والعرض، وإنكار ومقاومة كل ما دونه الكتاب المقدس من حقائق عن حياة المسيح وصلبه ودفنه وقيامته وإلوهيته، وإعلاء الشعوب لأي اسم آخر غير اسم المسيح، وهو المكتوب عنه أنه أُعطي اسم فوق كل اسم، وفوق كل رياسة وسلطان واسم يسمى في هذا الدهر والدهور الآتية، ذلك الاسم الذي ستجثو له كل ركبة، ويعترف به كل لسان، لأنه الديان للأحياء والأموات، وغيرها الكثير، كلها تأتي باللعنة على الشعوب والقبائل والألسنة، وتكون السبب المباشر للعيش في سنة القحط، ليس من الناحية المادية فحسب بل من الناحية الأدبية الإيمانية، وهذه الناحية هي الأعظم والأبقى، حتى لو تمتع أصحاب تلك الصفات البغيضة بأموال قارون، فكلها إلى الزوال، ولا بد أن تدركهم سنة القحط حتى لو كانوا في بروج وقصور مشيدة. وسنة القحط تعرف بأن ما يحصده الإنسان أقل جدًا مما يزرعه، فإنه يزرع كثيرًا، لكنه يحصد قليلا، يتعب كثيرًا ولا يستمتع بعمل يديه. وهناك عدة أمثلة للتدليل على ذلك، فمصر، هبة النيل، التي تحتوي على مساحات شاسعة من الأرض، والتي تضم بين ضفتيها، على الأقل في رأيي الشخصي الخاص، أكثر الناس طيبة وذكاءً وكرمًا وحكمة على الأرض، تلك الحكمة التي شاعت عنهم منذ قديم الزمان، فقد قيل عن موسى كليم الله إنه تربى بكل حكمة المصريين، مصر التي تملك من الإمكانيات البشرية، والبترولية والسياحية ما يجعلها أغنى دول العالم، نراها في حالة من العوز والفقر، وهي تمد يدها للقريب والبعيد، وتتسول المساعدات من دول لم يكن لها وجود يوم أن خلقت مصر. وهكذا فمصر بلد الشبع والوفرة والخير، والتي لجأ إليها إبراهيم خليل الله للاحتماء بها من الجوع الذي كان في الأرض كلها، والتي استخدمها المولى، سبحانه وتعالى، لإشباع وإعالة العالم كله يوم أن عمت المجاعات كل الأرض في عصر يوسف الصديق، تصبح اليوم مهددة بنفاذ المخزون من الطعام بها، ومصر التي كانت المصدر الرئيسي للقمح، الذي كان العالم كله يأتي إليها ليشتريه فلا يموت من الجوع، أصبح الخبز فيها عملة صعبة لا يكفي للأفواه المفتوحة لالتهامه. ومصر التي كانت بلد الأمن والأمان، التي أرسل إليها المولى عائلته المقدسة للاحتماء بها من بطش أعداء الله من الرومان في عصر طفولة السيد المسيح على الأرض، أصبحت اليوم رمزًا ومركزًا للاضطرابات والقتل والتفجيرات والخطف والتحرش والتدمير، وما خفي كان أعظم، فلم يعد للمسيح مكان في مصر، ولم تعد مصر بلد الأمن والأمان لأتباع المسيح، ولم تعد لكنيسة المسيح مكانة في مصر. ولعل أهم أسباب سنة القحط التي تمر في حياة البشر والأمم هي كسر القوانين الإلهية، فالقانون الإلهي يقول إن البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية، والقانون الإلهي يقول إن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا، والقانون الإلهي يقول بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم، وبالدينونة التي بها تدينون تدانون، كل هذه القوانين الإلهية لم ينظر لها ولم يطبقوها ولم يؤمنوا بها من جاءوا لاحتلال مصر منذ القديم، بل ظنوا أنهم ناجون بما اقترفت أيديهم من قتل واغتصاب واضطهاد وحرق لبيوت الله في الأرض ،الكنائس، وإجبار أهلها على دفع الجزية عن يدهم وهم صاغرون، لكن هيهات فما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا، ولا مفر من الحصاد شاء الزارع أم أبى. لعل كل هذه الأسباب أو بعضها هو ما أدى بمصر إلى ما هي فيه الآن، لكن، وبغض النظر عن الأسباب، فإن المولى لا يحقد إلى الأبد ولا يمسك الخطايا لدور فدور، فإن اعترف الإنسان والجماعات والأمم بأخطائهم وتواضعوا وطلبوا وجهه ورجعوا عن طرقهم الرديئة، فإن المولى يسمع من السماء ويغفر خطيتهم ويبرئ أرضهم. وهذا ما تحتاجه مصر اليوم، فحاجة مصر ليست إلى دستور جديد يتم الاستفتاء عليه ويتناحر الكثيرون في قبوله أو رفضه، بل إلى الرجوع إلى دستور الله الأوحد الكتاب المقدس، والعمل والالتزام به، وجعله مصدرًا وحيدًا للدستور الوضعي، الذي تصدره مصر ويلتزم به المصريون، وحاجة مصر اليوم ليست إلى حكومة قوية أو جيش ترهب به عدو الله وعدوها، بل إلى جيش من المسيحيين المصلين المتضرعين الصارخين له سبحانه ليسمع من السماء، ويبرأ أرض مصر من الدماء البريئة التي سالت عليها، ومن سحر الفراعنة الذي مورس فيها على مر العصور، ومن إعلانات لا تتوافق مع كتابه سبحانه، بل ويهان فيها اسمه وكتابه وتعاليمه وقوانينه السماوية، والتي ينادى بها من الميكروفونات آلاف المرات كل يوم، ويومها فقط ستكون سنة 2014 سنة الإثمار المضاعفة والبركة التي تعم أرجاء البلاد، كنت أتمنى أن أختم مقالي بالقول كل سنة وأنت طيبة يا مصر، لكن حتى لو فعلت أكون فقط متمنيًا لها أن تكون طيبة، لكن أصلى أن يجعل الله مصر تتوب وترجع إليه فأستطيع أن أقول لها كل سنة وأنت طيبة يا مصر، لكنني أقول لكل مفديي الرب، أن سنتكم قد جاءت، سنة مفديي الرب، لذا فكل سنة وأنتم تحت ظله طيبين محروسين مباركين في اسم خالق السماء والأرض المسيح يسوع تبارك اسمه آمين.