سفراء عظماء بين العهدين (لو 1-2)

31

القس أيمن عيد

أولًا: سفراء عظماء ناظرين للعلاء

      لقد أعد الله السفراء الذين يهيئون الطريق أمام المسيا المُنتظر، الملك الآتي الرب يسوع المسيح، فكفارته الأبدية الكاملة التي قدمها على الصليب هي الخيط القرمزي وجوهر الكتاب المقدس، لإعلان خطة الله لفداء شعبه، بدءًا من العهود مع الآباء البطاركة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود حتى التجسد المبارك.

    هؤلاء السفراء الخمسة يمثلون حلقة الوصل والجسر الرابط بين العهدين، وهم يقدمون سير أحداث خطة الله، ويشيرون إلى أن الله سيقوم بعمل جديد يُظهِر تقدم الوحي إلى ما وراء تخوم العهد القديم، وقد تحدثوا عن المسيح ومجده وخلاصه لشعبه، ولذلك كانت عيونهم دائمًا نُصب السماء، منتظرين الملك الآتي من العلاء، وهؤلاء الأشخاص من فئات الكهنوت والأنبياء ونسل داود.

ثانيًا: سفراء عظماء يحتملون الشقاء والعناء

   (زكريا الكاهن) كان هو وزوجته بارين أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم، ومتقدمين في أيامهما. وهذا السفير صلى للرب منذ بداية زواجه لكي يعطيه نسلًا، ولكنه لم يرَ استجابة لطلبته إلا في أيام شيخوخته، لذلك قال الملاك له: “…..طلبتك قد سُمعت”، لكن بحسب التوقيت الإلهي تمت الاستجابة، وبذلك نتعلم مع هذا السفير أن نثق في استجابة الصلاة، بحسب توقيت الله وقدرته الفائقة.

   (القديسة العذراء مريم) كانت فتاة صغيرة وفقيرة، من نسل داود، وربما تبدو في نظر معاصريها أنها غير مؤهلة لخدمة الله لعمل جليل، كونها صغيرة وفقيرة، لكن الله نظر لقلبها واتضاعها ومقدار طاعتها له، ولذلك استخدمها بأعجوبة فريدة على مدار الزمن. وعندما تلّقت الرسالة من الملاك وبشَّرها بميلاد المخلص، لم تشُك مثل زكريا الكاهن، ولم تضحك مثل سارة، بل قالت بكل خضوع: “ليكن لي كقولك”، فما أروع الطاعة من القلب المتضع.

   وكانت أيضًا ستواجه خطر الشك والرفض من خطيبها يوسف النجار، الذي كان في قدرته أن يشهرها بحسب الناموس، لكنه أُوحي إليه في حلم من الله بأنها عذراء عفيفة، وأنها حبلى بالروح القدس، فقد أدركت بطاعتها لله أنه يتدخل ويذلل كل المعطلات المنطقية والاجتماعية والمدنية، فيا له من إيمان عظيم.

   وكانت تسكن في الناصرة التابعة للجليل بالقرب من البحر المتوسط، وكانت الناصرة تقع على طريق تجاري، وبالتالي كان التجار “من اليهود والأمم” يترددون على هذه المدينة. ولما سمعوا عن مريم العذراء أنها حبلى ذاع عنها صيت سيء من اليهود (يو 1: 45). ولما ولدت يسوع في بيت لحم عادت إلى الناصرة حيث تربى يسوع هناك، ولذلك رفضه أهل مدينته ورفضوا خدمته (لو4: 14-30). وقد نالت العذراء مريم امتيازًا فريدًا بأمومتها ليسوع، فقد أبصرته رضيعًا وأيضًا مُخلِّصًا لها على الصليب، وكل مَنْ يؤمن به من العالم ينال الحياة الأبدية.

  (سمعان الشيخ) كان نبيًا بارًا تقيًا وممتلئًا من الروح القدس. وبحسب التقليد اليهودي، كان أحد الشيوخ السبعين الذين ترجموا العهد القديم من اللغة العبرية للغة الآرامية المعاصرة، وهي الترجمة التي سُميت بالترجمة السبعينية. وكان يفكر أثناء الترجمة في إشعياء 7: 14، ولذلك أُوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيا. فبعد ولادة يسوع بـ 40 يومًا، ذهب يوسف ومريم للهيكل لإتمام الناموس (لا 12) وكان هناك سمعان الشيخ، ورأى يسوع وعظَّمه ومجَّده كسيد الخليقة ومخلص البشرية، وهكذا تم الإعلان والتحقيق.

  (حنّة النبية) كانت متقدمة في الأيام، وكانت مدة ترمّلها 84 سنة، بالإضافة لعمرها قبل الزواج فيكون الإجمالي تقريبا 100 عام، لكنها كانت “عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا” رغم شيخوختها، فيا لها من سفيرة عظيمة تتكلم عن الملك الآتي لفداء شعبه .

  (يوحنا المعمدان) كانت هناك نبوة بشأنه قبل أن يولد بمئات السنين (إش 40)، فهو في فكر الله أن يكون السفير المنادي أمام الملك الآتي، فكان متميزًا وفريدًا في رسالته، فهو كارز شجاع وجسور، لا يخاف المواجهة، ولا يقبل أنصاف الحلول، فكانت كلماته المفعمة بالقوة والحيوية وخدمته الممتلئة بالروح القدس تحرك قلوب وضمائر اليهود وتحثهم على التوبة، وكان يعمِّدهم كرمز لتوبتهم، وكان يشير للمسيا الآتي الأعظم منه، فادي البشرية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا