رئيس الطائفة ما أحلى الزعامة وما أفخم الرئاسة، مكتب واسع يجري فيه الخيال، عربة مرسيدس أحدث موديل يفتحها لك سائق خصوصي يؤدي لك التحية العسكرية عند دخولك وخروجك منها، سكرتيرة حسناء تدخل وتخرج مكتبك عشرات المرات في اليوم، الكل يسرع لتلبية طلباتك وكبار رجال الدولة يتصلون بك هاتفياً بأنفسهم ويعملون حسابك في كل قرار يتخذونه يمس مصالح طائفتك، وغيرها من الأمور التي يتخيلها من هم ليسوا على اطلاع ودراية بما يجري داخل مكتب رئاسة الطائفة. لقد حالفني الحظ أن أكون قريباً من اثنين من رؤساء الطائفة الإنجيلية، دخلت مكاتبهم وبيوتهم، عايشت بعض مشاكلهم وهمومهم، ضحكنا معاً، صلينا معاً، اختلفنا معاً، وزنا قرارات كان لابد من اتخاذها واتخذناها، رفضنا بعضها رغم احتياجنا إليها ورغم وجاهتها، قبلنا بعضها رغماً عن أنوفنا واعترضنا على بعضها فكدت أن أدخل المعتقل بسببها في أيام غبراء لا أعادها الله علينا وعلى طائفتنا الإنجيلية. تفكرت في كل ذلك ونحن على أعتاب الانتخابات الحالية لرئيس الطائفة الإنجيلية (وقت كتابة هذا المقال) ورأيت أن أكتب ما أتمنى أن أراه في رئيس الطائفة الإنجيلية بغض النظر عن ما هو اسمه وما هي شخصيته، وليس معنى هذا أن ما أتمنى أن أراه لا يتوفر، على الأقل بعضه في المرشحين لرئاسة الطائفة، لكن هذا ما أحلم أن أراه في رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر البلد العريق التي لها دور الريادة في المسيحية الإنجيلية للناطقين بالعربية. إن أول ما أتمنى أن أراه في رئيس الطائفة هو أن يكون صاحب رؤية حقيقية تسلمها من السيد الرب يسوع المسيح للكنيسة في مصر والعالم العربي رؤية لا تتشكل وتتعدل وتتغير وفقاً للحالة الأمنية في البلاد ورضاء الحاكم من عدمه ونشاط الجماعات الإسلامية المعادية لكنيسة الله، بل هي رؤية واضحة بسيطة يمكن كتابتها ومشاركتها مع قادة الكنيسة الإنجيلية وشعبها ليعلم الجميع إلى أين ستذهب الكنيسة الإنجيلية في مصر والوطن العربي في ضوء المتغيرات والأحداث العربية والعالمية. وبالطبع فأنا لست أنكر أن العوامل سابقة الذكر لا يمكن أن نغفلها أو نقلل من حجمها وتأثيرها، لكنها لا ينبغي أن تتعدى كونها القالب الذي تصب فيه الرؤية التي تظل ثابتة وواضحة ومعلنة ومكتوبة ومتفقاً عليها من قادة وشيوخ الإنجيليين في العالم العربي. وللتدليل على ذلك أقول إن الرؤيا التي تسلمها تلاميذ المسيح في الكنيسة الأولى كانت واضحة وبسيطة قال لهم تبارك اسمه قبل صعوده للسماء “اذهبوا للعالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” مع علمه أن اليهود قساة الرقاب والقلوب والعقول يؤمنون أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن الدين عند الله دينهم، وأن النصارى في الدرك الأسفل من سعير أعده المولى للكافرين، لكن لم يثنه كل هذا تبارك اسمه عن أن يطالبهم بأن يذهبوا للعالم أجمع وينادوا بالإنجيل للخليقة كلها، ومع علمه جل شأنه أن النصارى التلاميذ كانوا نفراً قليلاً لا حول لهم ولا قوة وليس لهم إمكانيات مادية أو اجتماعية أو نفسية لتحقيق هذا التكليف، ومع علمه أيضاً أن حكومات العالم وزعماءها والجماعات المختلفة المتطرفة والمعتدلة كانت ضدهم إلا أنه حدد لهم ما ينبغي أن يعملوه وقد تمموه. تحدوا حكومات، هزموا ممالك، ملوكاً وقادة، أطفئوا قوة النار، هزموا جيوشاً غرباء، أطاحوا بإمبراطوريات وديكتاتورات على مر الأزمنة والأوقات ولم يحيدوا عن الرؤية بسبب كل هذه الانتصارات. جالوا في جلود غنم وجلود معزى مذلين مطرودين. جلدوا نشروا رجموا لكنهم لم يحيدوا عن رؤيتهم وتتميم ما كلفهم به سيد السماء والأرض بسبب هذا الاضطهاد. نعم فرئيس الطائفة يجب أن يعلن للعامة عن رؤيته للمستقبل تلك التي ينبغي أن يكون قد تسلمها من الله. ومع إيماني بأن طريقة الانتخابات برفع الأيدي أو كتابة الأصوات وما يصاحبها في بعض الأوقات والأحوال من أساليب رخيصة في كسب تأييد الناخبين وشراء أصواتهم، طريقة غير كتابية ولا ينبغي أن تمارس في كنيسة الله التي اقتناها المسيح بدمه حتى ولو كانت هذه الطريقة تصلح لمن هم في الخارج، إلا إنني كنت أتمنى أن يعرف الناس في كنائسنا الإنجيلية المصرية من هم المرشحون لهذا المنصب، وما هي رؤية كل منهم لمستقبل الكنيسة العربية وأن يشارك العامة في انتخاب رئيس طائفتهم تماماً كما يشارك الجميع في انتخاب رئيس الجمهورية. ولعل القارئ يريد أن يعرف ما هي الطريقة الكتابية لإجراء الانتخابات لرئاسة الطائفة. على الأقل من وجهة نظري الخاصة، هي أن ينادى بصوم وصلاة في الكنائس الإنجيلية المصرية حتى يتكلم الروح القدس ويرشدنا لمن هو الرجل الذي يريد السيد الرب أن يستخدمه في قيادة الكنيسة الإنجيلية في هذه الفترة العصيبة الحرجة المقبلة. فلو اتبعت الكنيسة هذه الطريقة الأخيرة، لما كان هناك ناخبون ومرشحون بل مصلون خاضعين لصوت المولى ومنفذين لإرادته. لابد لنا أن نربي جيلاً من الشباب يشترك في اختيار قسوسه وشيوخه وقادته ومجلسه الملي الذي سيواجه من التحديات في الأيام القادمة ما لم يواجهه طوال حياته على الأرض. ولا يكفي أن يكون لدى رئيس الطائفة رؤية سماوية فحسب بل برنامجاً واضحاً محدداً للإصلاح والتنمية والبناء والتبشير والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها. فلقد كان التلاميذ في القديم يعلمون أن الحكومات المختلفة تقف ضدهم وتضطهدهم بسبب تبشيرهم وكرازتهم ومناداتهم في الرب يسوع المسيح بالقيامة من الأموات وكم من مرة ألقت الحكومة اليهودية متمثلة في الكتبة والفريسيين والكهنة القبض على التلاميذ ووضعتهم في الحبس، لأن التبشير كان ممنوعاً بالقانون في تلك البلاد، لكن هذا لم يوقف كرازتهم وتبشيرهم، فليس من المهم أن يكون التبشير مصرحاً به أو مخالفاً للقانون، فالتبشير والكرازة ركن من أركان المسيحية الأساسية بل قل هو أهم أركان المسيحية على الإطلاق، فينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، ويكفينا أن تبشيرنا وكرازتنا ليست بالقهر والقسر والإجبار بل بالموعظة الحسنة لمن له أذن للسمع، فمهمتنا التي تسلمناها من سيدنا وسيد كل الخلق، أن نبشر ونكرز بالمسيح مصلوباً وفادياً وغافراً للخطايا والذنوب ومنقذاً من عذاب القبر والنار فمن سمع وأطاع أحسن إلى نفسه ومن عصى وتمرد فقد أساء إليها. أما ثاني ما أتمنى أن أراه في رئيس الطائفة فهو الدفاع عن الطائفة واتخاذ مواقف محددة تجاه العديد من الموضوعات والقضايا الكنسية والعامة، ففي عالم كهذا الذي نعيش فيه لابد من تحديد الاتجاهات والمواقف، لابد له أن يكون محدد المعالم والشخصية، فكنت أتمنى أن أسمع من المرشحين لرئاسة الطائفة ما هو موقفهم من مسألة خطف وأسلمة القاصرات، ما هو موقفهم من غلق وهدم الكنائس، ماذا عندهم لحل مشكلة ترميم وتصليح المباني الكنسية، ماذا عن فتح الكنائس المغلقة، وماذا عن تراخيص بناء وإصلاح كنائس جديدة، ماذا عن الحصول على تراخيص للجرائد والمجلات المسيحية، وغيرها من الموضوعات التي تحتاج إلى حل جذري. إن رئيس الطائفة هو الشخص الذي لابد أن يقول “لا يحل لك” عند الاعتداء على حق المسيحيين في بلادهم حتى ولو أدى ذلك إلى قطع رقبته كما قطعت رقبة يوحنا المعمدان بسبب وقوفه في وجه الملك وعدم موافقته على الشر، فقطع الرقاب أشرف وأكرم من العيش في الذل والمهانة، وقطع رقبة واحدة سيثمر عشرات الرقاب التي ستحمل المسئولية وتتمم العمل. أتمنى أن يعرف رئيس الطائفة حدود علاقته برجال الحكومة والبوليس ورجال الأزهر وقادة الكنائس الأخرى وغيرهم من القطاعات المؤثرة في صنع القرار، فلقد عشنا سنين من حياتنا كل أفعالنا هي ردود أفعال لمن حولنا، وحتى هذا لم ننجح فيه على الإطلاق. لقد حان الوقت أن يرسل الله لنا موسى الذي يستطيع أن يدخل إلى الفرعون ويقول له أطلق شعبي ليعبدوني، وموسى هذا لم يكن له من القوة أو السلطان أن يتكلم مع فرعون، موسى هذا كان وشعبه عبيداً لدى فرعون يسخرهم في بناء مملكته، لم يكن لدى موسى ما يخيف الفرعون ليطلق شعب الله ليعبدوه وحده ولا سواه. لم يكن معه سوى عصاه، وما هي العصا أمام قوة الفرعون ونظامه وجيشه وأجهزة أمنه وشعبه الذي لم يكن يعترف بدين موسى ولا بإلهه. نحتاج إلى رئيس للطائفة يحمل عصا الله في يده، فبعد أن فشلت عصا الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية في تغيير الأمور وإطلاق شعب الله في الحرية، حان الوقت الآن لاستخدام عصا الله فهي وحدها القادرة على شق البحر الأحمر أمام شعبه، ومن يفكر أو يتخيل أنه يتبعهم ويستمر في إمساكهم وإذلالهم واستعبادهم متكلاً على كثرة عدده وقوة جيشه ومركباته الحربية لابد له أن يختبر ما اختبره فرعون القديم، فالمولى لقادر على أن يحل عجل مركباته ويزعج جيشه وإن لم يتعظ ستكون اليابسة التي عبر عليها شعب الله هي قبره الذي سيضمه وجيشه إلى الأبد. نحتاج إلى رئيس للطائفة لا يجهل أفكار إبليس، ومميز للأزمنة والأوقات، مجامل لكن غير متملق أو مداهن، يؤمن أن الطريق الوحيد للسماء هو من قال عن نفسه تبارك اسمه أنه هو الطريق والحق والحياة. وينادي بذلك في وقت مناسب وغير مناسب، أمام أحبائه وأعدائه من يؤمنون بهذه الحقيقة ومن يرفضونها. فمن تأخذه المجاملة والمداهنة ويصرح بأن الديانات الثلاث الكبرى في العالم هي ديانات سماوية وتؤدي إلى النعيم الأبدي لا يصلح -على الأقل في رأيى ورأي الملايين- أن يكون رئيساً للطائفة الإنجيلية والسبب واضح وبسيط، فاليهود واضحون في إيمانهم، أن اليهودية هي وحدها الديانة السماوية وهي الطريق للنعيم الأبدي، والمسيحيون يؤمنون أن المسيح تبارك اسمه هو وحده الطريق للسماء والنعيم الأبدي ومن لم يؤمن بالسيد المسيح رباً وفادياً ومخلصاً لن يرى حياة أبدية ولكن سيمكث عليه غضب الله (كما أعلن ذلك الإنجيل المقدس)، والمسلمون يؤمنون أن الدين عند الله الإسلام، ومن مات غير مسلم فهو من الكفار ولن يقبل منه دينه يوم القيامة وهو في الآخرة من الخاسرين، ومن يعترف بغير ذلك من أصحاب الديانات الثلاث الكبرى يكون مخادعاً متملقاً مداهناً للناس مرضياً لهم وهو لن يصلح أن يكون عبدا لله كما يعلمنا الكتاب المقدس. إن رئيس الطائفة الذي نتمنى أن يقود الكنيسة في الفترة القادمة هو من يعلم أن الطائفة الإنجيلية في مصر هي أكبر من الكنيسة المشيخية، فهناك مذاهب أخرى غير المشيخية يفوق تعداد كنائسها وشعبها أضعاف عدد الكنائس المشيخية وأعضائها، وهناك خدمات ومنظمات كنسية تفوق خدماتها خدمات الكنائس الإنجيلية مجتمعة على اختلاف مذاهبها تلك التي تتكون منها الرابطة الإنجيلية، ومن يريد أن يخفي فشله وفشل كنيسته بالمطالبة بحل رابطة الإنجيلين لن ينال من الإنجيليين سوى خزي الوجوه. على رئيس الطائفة الإنجيلية أن يمد يده للطوائف الأخرى ليتعاونوا معاً في تمثيل المسيحية في مصر برأي واحد وصوت واحد، فنحن أصحاب مصير واحد، ومعمودية واحدة، وعدو واحد، لابد من أن يأخذ المبادرة لتكوين لجنة مشتركة من القادة الذين يستطيعون أن يدفعوا الكنيسة العامة للأمام ويوقفوا التيارات المضادة لشعب الله عند حدودها التي رسمها لهم المولى تبارك اسمه فلا تتعداها. وفي النهاية أقول إنني أعلم أن الأوصاف السابقة الذكر والتمنيات التي سقتها في هذه العجالة لا يمكن أن تتوفر جميعها في رجل واحد إن لم يكن ممتلئاً من الروح القدس. فإن كانت الكنيسة الأولى قد اختارت سبعة رجال لخدمة الموائد وكانوا مملوءين من الروح القدس فكم وكم يحتاج رئيس الطائفة الإنجيلية إلى هذا الملء من الروح القدس، فالممتلئ من الروح القدس هو وحده القادر على أخذ رؤية حقيقية من الله، وهو القادر على الوقوف في وجه كل متغطرس ليقول له لا يحل لك، وهو الذي يستطيع أن يدخل إلى فرعون ويأمره بأن يطلق شعب الرب ليعبدوه، وهو الذي يستطيع أن يقبل الآخر الذي يخالفه في المذهب أو الطائفة أو الدين، وهو وحده القادر أن يميز الأزمنة والأوقات، وهو الذي لابد أن يكون لطيفاً مجاملاً لكن غير متملق مداهن. أما أنتم أيها الشعب الإنجيلي، فإن أردتم أن يكون رئيسكم موسى فارفعوا يديه ليهزم العدو، وصلوا لأجله ليعبر بكم البحر الأحمر إلى أن يأتي المولى بنصر من عنده مبين، آمين