يبدو أننا كشعب مصري لا يمكن أن نعيش في هدوء وراحة بال دون مشكلة أو قضية نخترعها ثم نتصارع عليها و نتشابك حولها بالأيدي أو على اقل تقدير بالكلام في وسائل التواصل الاجتماعي، ونبحث في أحداثها بنفس الطريقة العقيمة التي نبحث بها عندما يصيب مرض نباتي ثمر أو أوراق شجرة ما دون أن نلتفت إلى إصابة فروع هذه الشجرة أو جزعها أو جذرها، فالمهم بالنسبة لنا أوراق الشجرة وثمرها لأنها هي وحدها التي يراها الناس ويأكلون منها أو يستظلون بظلها، غير منتبهين، وفي بعض الأحيان متغافلين أو متعمدين، لأن نعترف أن الجذور غير المرئية في الشجرة هي أهم ما فيها، لأنها هي التي تحملها كلها، وهي التي إذا أصابها المرض، حتى لو كان هذا المرض مختفيًا وغير ظاهر لعيون الناس أو مدرك بعقولهم، فإنه سيؤثر يومًا ما على الشجرة كلها، ساقًا وفروعًا وثمرًا وورقًا. فالجذور هي التي تثبِّت الشجرة في التربة وتعينها على تحمل التقلبات والتغيرات المناخية التي تطرأ عليها، وهي التي تستخلص الغذاء وتضخه في كيانها لتأتي بالثمر المطلوب وغيرها.
والمصيبة الكبرى أننا كمصريين دائمًا ما نهتم بعلاج العَرَض لا المرض، أي بعلاج ما هو واضح وظاهر أمام الناس، خوفًا منهم أو مجاملة لهم أو خجلًا من الناس وردود أفعالهم، للدرجة التي أجدني معها أسأل نفسي: هل حقًا نحن، كشعب وحكومة، نريد حلًا لهذه المشكلة أو الظاهرة المجتمعية أم لا؛ مشكلة الضجة والحديث عن مسيحي أو مسيحية أسلمت أو مسلم تقابل مع المسيح فغيَّر حياته وقرر إتباعه من كل قلبه بالرغم من المعاناة الشديدة التي يعرف انه سيواجهها؟ وأتساءل: هل نحن حقًا جادين في حل هذه المشكلة؟ وهل نملك الطرق والإمكانيات التي تمكننا من حلها؟ ولماذا تستمر نفس المشكلة لمدة طويلة دون حل؟ فهذه المشكلة سبقت في وجودها تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين؟ ولماذا تعاود نفس المشكلة الحدوث مرة ومرات ولا نتعلم من حدوثها وتكرارها شيئًا، ولا نستعد لمواجهتها قبل أن تحدث، ولا نتمكن من معالجتها من جذورها؟
لقد أعادت لي ذاكرتي كيف عالجتُ أنا شخصيًا هذا الأمر عندما كنتُ في مصر في أيام شبابي في حادثتين مختلفتين، إحداهما حدثت مع عائلة مسيحية حقيقية من أعضاء كنيستنا. كان ابن تلك العائلة يومئذٍ هو الولد الوحيد في الأسرة وله أربع أخوات بنات، وكان هذا الشاب قد قرر التزوج من امرأة مسلمة كان يقول إنه أحبها ولن يهدأ إلا بعد زواجه منها، ولكي يتزوج منها كان لابد له أن يشهر إسلامه، فالقانون والعرف والشريعة الإسلامية الأزهرية لا تسمح للرجل المسيحي أن يتزوج بمسلمة لكن تسمح بالعكس وذلك لأسباب كثيرة لا داعي للخوض في وَحْلِها بالتفصيل، والتي منها إيمان المسلمين ان الإسلام هو الدين الأفضل، وأنهم خير امة أُخرِجت للناس وأن أولاد وبنات المسيحي الذي تزوج بمسلمة لا بد أن يتبعوا مَنْ هو على الدين الأفضل، ورؤية المسلمين للمسيحيين على أنهم كفرة يعبدون ثلاثة آلهة، فهم الضالون وغيرها من الأسباب الكثير، الأمر الذي كانت بالطبع عائلة ذلك الشاب ترفضه بكل قوتها، لكن العائلة لم تستطع أن تثنيه عن قراره، فطلبت أمه مقابلتي، وقد كانت في حالة سيئة للغاية، وقالت لي: ماذا أفعل في هذه الفضيحة التي سيسببها لنا ابني الوحيد باعتناقه للإسلام؟ وماذا ستفعل أخواته البنات؟ كيف سيتزوجن؟ وماذا يمكنني أن أقول للرجال الذين يرغبون في الارتباط بهن؟ كيف أقول لطالب يد ابنتي إن أخاها أسلم وأصبح مسلمًا؟ سألتها: هل أنتِ معترضة على تحول ابنك للإسلام بسبب الفضيحة وكلام الناس وخوفك على عدم زواج أخواته أم أنك تخافين على مصيره الأبدي بعد موته وذهابه إلى الأبدية؟ قالت الأم المسكينة، وهي تبكي: أنا معترضة وخائفة ومرتعبة بسببها كلها. قلتُ: وفقًا للحقائق الكتابية المسيحية المدونة في كتاب الله الوحيد، التوراة والإنجيل: هل ابنك الآن وهو ما زال مسيحيًا بالاسم فقط، وفقًا للتعليم الكتابي الصحيح، هل هو حي أم ميت؟ كانت الأم تعرف من دراستها لكلمة الله، التوراة والإنجيل، أننا نحن البشر جميعًا أموات بالذنوب والخطايا كما علَّمنا المسيح يسوع تبارك اسمه وتلاميذه ورسله، وأن أولئك الذين يؤمنون إيمانًا قلبيًا بالمسيح يسوع بصفته المخلص الوحيد بسبب موته النيابي الكفاري عنا جميعًا نحن البشر هم وحدهم الأحياء والذين لا يستطيع أحد أو قوة فصلهم عن المسيح وعن حياته فينا، وليس نوع دينهم الذي يعتنقونه حتى لو كان هذا الدين هو المسيحية كما يظنون، لأن المسيحية ليست دينًا يُعتنق لكن المسيحية الحقيقية هي حياة المسيح فينا. لذا فالمسيحيون الحقيقيون مضمونون بضمان بقاء الرب يسوع المسيح الحي إلى أبد الآبدين والذي لا يموت، قالت الأم: أعلم أنه ميت بسبب عدم إيمانه بالمسيح. قلتُ: إذًا وما الفرق بين ميت مسيحي وميت مسلم؟ هل ستقلل المسيحية من درجة وشناعة موته أم سيزيد الإسلام منها؟ قالت: لا، لا هذا ولا ذاك. قلتُ: إذًا عليك بأن تنصحيه أن يتغير ويصبح مسيحيًا حقيقيًا بقبوله المسيح مخلصًا شخصيًا لحياته، وانسي محاولة إبقائه في المسيحية كدين، فكم من مسيحيين، وحتى من أرباب الكنائس وخدامها، أموات أيضًا لا يفرقون شيئًا عن المسلمين، وتمسكي برأيك برفضك لهذه الخطوة، لا بسبب الدين، لكن بسبب نظرة المجتمع المغيب الشرير الذي نعيش فيه وبسبب تأثير هذا التحول للإسلام على مستقبل بناتك وزواجاتهم. سألت سؤالًا آخر: يقول البعض لي، لا تقبليه في البيت، ولا تسلمي عليه إن جاءك أو قابلتيه في أي مكان، ولا تسألي عنه، واقطعي صلتك به. قلتُ: وهل هذا سيصلح من شأنه فيرجع إلى عقله؟ قالت المرأة: لستُ أعلم، لكن أنا أم. قلتُ: لأنك أم فاتركي له الباب مفتوحًا للرجوع في أي وقت بألا تقطعي اتصالك به، ولا تستمعي لكلام الناس، فمهما فعلتي فسينتقدك الناس ويلومونك، وصلي لأجله لكي يعود، ليس لكِ لكن للمسيح، لأنه إن لم يرجع للمسيح فلن يرجع لكِ، وإن رجع لكِ ولم يرجع للمسيح فستكونين قد استرجعتِ ابنًا مسيحي الديانة لكنه ميت روحي إلى حضنك وهذا لن ينفعك في شيء.
تذكرتُ أيضًا يوم كنتُ أجلس في فناء كنيستي التي وُلِدتُ وتربيتُ بها روحيًا حتى غادرتُ مصر، كنيسة المسيح بشبرا، تذكرتُ ذلك الشاب الذي تقابل معي، دون ميعاد مسبق، وقدم لي نفسه وقال لي: أنا فلان الفلاني، أمين شرطة، أنا مسيحي، وجئتُ طالبًا مساعدتك في أمر خطير. قلتُ: هات ما عندك. قال: بينما كنتُ أجلس مع بعض زملائي أمناء الشرطة في غرفة في قسم البوليس، دخلت المكتب علينا شابة، في الخامسة والعشرين من عمرها، وقالت: لنا: أنا مسيحية واسمي “كريستين”، وأنا أريد أن أعتنق الإسلام، فكيف أعمل ذلك؟ بدأ أصدقائي أمناء الشرطة الذين كانوا متواجدين في الغرفة يقولون لها: اذهبي إلى مشيخة الأزهر وهم يسمعون منك الشهادتين ويعطونك اسمًا جديدًا ويستخرجون لك بطاقة شخصية بالاسم الجديد، والحمد لله سبحانه وتعالى على هدايتك للإسلام. عندها وقفتُ أنا على قدماي وطلبتُ منها أن أتكلم معها على انفراد. قلتُ لها: إن ما ستفعلينه هو معصية كبرى لله سبحانه وتعالى وخيانة لمسيحك ومسيحيتك وكنيستك الأم، وأرجوكِ أن ترجعي عن هذه الخطوة التي ستضر بك وبعائلتك، لكنها أصرت فطلبت منها عنوانها وقلتُ لها: سآتي إلى بيتكم للحديث معك. ثم قال لي أمين الشرطة هذا: أنا الحقيقة لا أعرف كيف أقنع فتاة كهذه بألا تترك المسيح والمسيحية وتذهب إلى الإسلام لذا سألتُ أصدقائي فقالوا لي إنك أنت رئيس اتحاد الشباب المسيحي، ولا شك أنك أقدر مني على القيام بهذه المهمة، فإذا تفضلت بأن تأتي معي لزيارة هذه الشابة لإرجاعها عن قرارها بتغيير دينها، فسوف أكون لك من الشاكرين، فهذه بنتنا، وأختنا في المعمودية وفي الكنيسة، وإلى غير ذلك من العبارات المحفوظة المبسترة التي تُستخدم في مثل هذه الأوقات، والتي لا تشفع ولا تنفع لا قائلها ولا المتحول إلى الإسلام. أجبتُ أمين الشرطة هذا قائلًا: المسيحيون يا صديقي نوعان: نوع مؤمن حقيقي بالمسيح، أي يسكن المسيح قلبه بعد أن طهره من خطاياه، وهذا النوع لا يقدر البشر أو الشياطين أنفسهم أن يخطفوه من يد المسيح لأنه تبارك اسمه قد وعد: “الذين في يدي لا يستطيع أحد أن يخطفهم مني.” أما النوع الثاني فهو المسيحي بالاسم فقط أو بما كُتب في خانة الديانة في بطاقته الشخصية. تعجب أمين الشرطة الذي لم أكن اعرف إن كانت قصة تلك الفتاة التي رواها لي حقيقية أم مزورة وملفقة حتى يتم الإبلاغ عني لمباحث أمن الدولة واتهامي بأنني أقاوم أسلمة المسيحيين. وانفعل أمين الشرطة وقال لي: يعني عايز تقول لي إنه لا يهمك وأنت قائد للشباب المسيحي، لا يهمك إذا كان أحد الشباب أو الشابات سيترك المسيحية ويذهب إلى الإسلام. قلتُ: لا يهمني على الإطلاق، فقد شرحتُ لك أن المسيحي ليس من اسمه متى أو مرقس أو عبد المسيح أو كريستين؛ المسيحي هو مَنْ سكن المسيح قلبه وهذا المسيحي ليست هناك قوة تستطيع تغييره إلى شيء آخر سوى أنه تابع مخلص لسيده المسيح، سواء أكان مسيحي الديانة من قبل معرفته وتبعيته للمسيح أو حتى من كانت خلفيته إسلامية وهو من المسلمين أنفسهم.
والحقيقة أنا لا ألوم المسلمين عندما يفرحون بخطفهم رجلًا أو امرأة مسيحية وتحويله إلى الإسلام، سواء أكان ذلك:
أ- عن طريق إقناعه بتعاليم الإسلام، وهؤلاء هم ندرة، فالغالبية العظمى إن لم يكن كل مَنْ يتحول من المسيحية إلى الإسلام لا يكون بسبب اقتناعه الروحي والعقلي بالإسلام بل لأغراض أخرى نعرفها جميعها ولا مجال لكتابتها واحدة واحدة، فلربما اقتنع مسيحي ببعض الإسلاميات وخاصةً ذلك الجزء من التعاليم الإسلامية الذي قيل إنه أعطى لهم في مكة، والذي يستخدمونه كثيرًا عندما يتكلمون عن سماحة الإسلام وإعطائه بل ومنحه، على حد تعبيرهم، حرية اختيار الدين وما يختص بحرية العقيدة وحرية ممارسته بما يتفق مع تعاليمه ووصاياه، ذلك الجزء من القرآن الذي أهيب بالإمام الأكبر والأئمة الأصغر والشيوخ وأمراء الجماعات الإسلامية ان يُفَعِّلوه ويستخدموه ويطبقوه عليهم وعلى الشعب المصري جميعا والذي جاء فيه: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.” ويا ليتهم يطبقون حتى ما جاء في سورة “الكافرون” معنا نحن المسيحيين حيث إنهم يعتبروننا كافرين، تلك السورة التي جاء بها: “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”، أو حتى يقبلوا الحِكَمْ والأمثال الشعبية المتداولة كالقول: “الدين لله والوطن للجميع”، مع تشغيلنا جميعًا، مسيحيين ومسلمين، العقل والمنطق البشري السليم في التعامل مع الجميع.
ب- أو كان تحول المسيحي للإسلام بسبب تشكيكه في تعاليم المسيحية الحقيقية والتي تكون في هذه الحالة هي تعاليم المسيح، فمن الواضح أنه ليس كل المسيحيين يفهمون هذه التعاليم، تعاليم كتابهم المقدس، فبعض الطوائف المسيحية تظن وتؤمن أن المسيحي هو مَنْ وُلِدَ مسيحيًا من أب وأم مسيحيين، واعتمد في الكنيسة وهو طفل، و رُشِم بالزيت المقدس، ويواظب على ممارسة الأسرار المقدسة، ولذا فإن اعتنق مثل هذا الشخص الإسلام عندما كبر يكون بذلك، في نظرهم وحسب قناعاتهم الدينية، قد ضل سواء السبيل وبعد عن الكنيسة الأم، وهو والعياذ بالله من الهالكين، لذا يذكرونه أو يذكرونها في صلواتهم من على منابرهم أو في قداديسهم من على مذابحهم، ويضعون اسمه على المذبح ويصلون لأجله أو لأجلها حتى يرجع إلى أحضان الكنيسة، ويخرج بعض الإعلاميين المسيحيين، الذين يقدمون برامجهم بالخبرة وبسبب طول الزمان لا بالدراسة الأكاديمية والتقنية التي تؤهلهم ليحملوا لقب إعلاميين، في بعض القنوات الفضائية المسيحية لطمأنة الناس، وتقول إحداهم: “يا جماعة متخافوش، سالي هترجع، صدقوني سالي هترجع، اصبروا بس، كل اللي راحوا الناحية التانية بيقعدوا شوية بعد تغيير الديانة وبعدين يرجعوا لصوابهم ولأحضان الكنيسة الأم.” ومن الناس والكُتَّاب مَنْ يُطلق أسماء على المتأسلمين أو المتنصرين مثل تسمية كل منهم سمكة، فيخرج مَنْ يقول لنا أخذوا سمكة صغيرة (والكلام هنا عن سالي) أخذنا سمكة كبيرة (والكلام هنا عن نبيل شرف الدين) وبالطبع في أذهانهم أن هناك بعض الصفات التي تتوفر في السمكة الكبيرة ولا تتوفر في السمكة الصغيرة، مثل وظيفة المتحول للدين الآخر إذا كان صحفيًا أو مذيعًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو رجل أعمال مشهور أو أستاذًا في الجامعة. وبالطبع من أكبر السمك الذي يمكن أن يصطاده طرف من الاثنين، وبالطبع أهم من الكل وفوق الكل، إذا كان المتحول إلى الدين الآخر رجل دين أو قريبًا لرجل دين، سواء من رجال الأزهر او من رجال الكهنوت بمختلف رتبهم، كزوجة كاهن أو أخت أسقف أو قريبة أحد الباباوات، وهكذا الحال مع الجانب الإسلامي أيضًا، فهذه ابنة شقيق وزير أوقاف سابق أو وزير الأوقاف الأسبق نفسه.
ولذاك فمن الضروري علاج هذه الظاهرة التي نعيش في قصتها منذ أن كنتُ أنا صبيًا صغيرًا حتى الآن، مع أننا لم نكن نسمع عنها وعن تفاصيلها كثيرًا في تلك الأيام الخوالي الجميلة، لأن الناس عامةً كانت أبسط مما هم عليه اليوم، فاليوم ما أكثر الحديث والتحدي والتطاول على الآخر ودينه بسبب كثرة وسهولة استخدام الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وبسبب ضخ الأموال الطائلة من دول لها أچنداتها الخاصة لأسلمة المجتمع المصري ولضرب مصر من مختلف الجوانب، والتي أهمها الجانب الديني والاقتصادي وكلاهما متعلق بالآخر، وبسبب تزايد الضغينة بين أصحاب الأديان، وكره أحدهما الآخر، حتى لو كان هذا الكره مخفيًا ومستترًا، وبسبب اتهام أتباع كل دين لأتباع الدين الآخر بالكفر والشرك والزندقة، وبسبب الكتب والمناهج الدراسية التي تصور القتلة ومجبري الآخر على تغيير ديانته على أنهم أبطال وسيثابون في الآخرة وسيدخلون الجنة جزاء لهم عن كل أعمال القتل والتعذيب الذي استخدموه مع الكفار، وبسبب عمل روح الغي والضلال والشر وروح ضد المسيح الذي يعمل بكل وضوح وبكل قوة في مصر والوطن العربي، نتيجة لكل ما تقدم من أسباب والتي هي جميعها ليست سوى عينة بسيطة من الأسباب الكثيرة جدًا والمسئولة عن حالة الغليان الديني في الشارع المصري اليوم. ولا شك أنه إن كنا نريد علاج مصارعي هذه المعركة بين الأديان فلا بد من الإجابة على عدة أسئلة مهمة للغاية وبناءً عليها سيتحدد مدى نصرنا على العدو الذي بداخلنا والذي وسطنا.
والسؤال الأول هو: هل حقًا تريد الحكومة حلًا لهذه المشكلة الواقعة بها؟ وإن كانت حقًا تريد فلا شك أنها بقادرة على التعرف على الأسباب التي تقف خلف ظاهرة هذا الصراع بين المسيحيين والإسلاميين.
وإذا كانت الحكومة ترغب في حل هذه المشكلة فيمكنها عقد لقاءات لعلماء اجتماعيين وسياسيين وأمنيين وقادة مسيحيين ومسلمين، يجتمعون حول مائدة مستديرة، ليخرجوا بقوانين صارمة وملزمة لكل الأطراف المعنية ولكل مَنْ يعيش في مصر، على أن تكون هذه القوانين مفعلة حقيقة وليست حبرًا على ورق كما هو الحال مع كل دساتير البلاد العربية.
ولا بد من دراسة مَنْ هو المستفيد من هذه الضجة الدينية غير المبررة وما هي الهيئة أو الدولة أو الهيئات والدول الممولة لأولئك الذين يريدون أن يوقظوا الفتنة التي تتظاهر بأنها نائمة بالرغم من أنها مستعرة متحفزة لتلقي بحممها على الكل في مصر، ولا بد من اكتشاف مَنْ صاحب المصلحة في إحداث هذا الشغب وفي تأجج نار الضغينة بين مَنْ يدينون بالمسيحية تجاه المسلمين ومَنْ يدينون بالإسلام تجاه المسيحيين.
أما السؤال الثاني فهو: لماذا لا نرى هذه الأمور تحدث في السعودية أو الكويت أو حتى سوريا والعراق؟ لماذا في مصر بالذات؟ هل لأن حكومات تلك الدول أكثر حزمًا من حكومتنا، ورجال بوليسها أكثر جسارة وجدية في التعامل مع مغيري أديانهم؟ هل لأنهم في حروب دائمة ولديهم صراعات أخرى بينهم وبين بعضهم في السلطة؟ أم لأنه ليس لديهم هذه الأعداد الكبيرة من الأئمة ورجال الدين من الطرفين؟ هل يمكن أن يأتي اليوم الذي يمكن أن نكون فيه في سلام حقيقي مع بعضنا البعض؟ أُصلي أن يأتي هذا اليوم قريبًا جدًا. وهل يمكن أن نكف عن لعب هذه اللعبة السخيفة المؤذية، لعبة حلق حوش ده أسلم وده اتنصر؟
اللهم احفظ لنا مصرنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، واحمنا من أنفسنا وأفكارنا، واقبل سبحنا وتعظيما.