حقاً في مزالق جعلتهم

16

العدد 31 الصار في ابريل 2008
حقاً في مزالق جعلتهم

عندما كان نبي الله تبارك اسمه آساف بين ناس وضعوا الرب أمامهم كل حين لأنه عن يمينهم، وبين آخرين قال عنهم أنهم متكبرون ليس في موتهم شدائد، وجسمهم سمين، ليسوا في تعب الناس، ومع البشر لا يُصابون، جحظت عيونهم من الشحم، جاوزوا تصورات القلب، يستهزئون ويتكلمون بالشر ظلماً، من العلاء يتكلمون، جعلوا أفواههم في السماء وألسنتهم تتمشى على الأرض، مستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة.

كادت تزل قدما النبي وتمرمر قلبه وانتخست كليتاه، وكان على وشك أن يغدر بجيل بني الله من المؤمنين به سبحانه، وصار كبهيم عنده (على حد قوله عن نفسه) إذ قد تحير من المقارنة الغير متكافئة، ولكنه والحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، دخل إلى مقادس العلي وانتبه إلى آخرتهم وقال هذه الكلمات: “حقاً في مزالق جعلتهم”.

ولعل المتأمل فيما يحدث اليوم ليس في مصر وحدها بل وفي الشرق الأوسط العربي الإسلامي يرى بوضوح صدق هذه الكلمات. لقد شدني وجذب انتباهي هذه الآية الواردة في تنزيل الحكيم العليم الكتاب المقدس، مما جعلني أفكر وأعدد المزالق التي انزلقت فيها الحكومات والشعوب العربيه الإسلاميه إلي هذا اليوم، تلك المزالق التي أثرت سلباً على كل نواحي حياتنا، ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولا زالت وستظل، مادمنا مصرين على التفكير بعقلية الجاهلية القبلية العربية، ومازلنا مصرين على دفن رؤوسنا في الرمال وعدم الاتعاظ بما أصابنا نتيجة لاندفاعنا في تلك المزالق التي سمح لنا المولى تبارك اسمه أن ننزلق فيها، لأننا اخترنا في معظم الأحيان أن نسير بروح الغي والضلال والعنجهية والكبرياء والحكمة الأرضية النفسانية الشيطانية، ولم نطلب الحكمة الإلهية السماوية النازلة من فوق من عند أبي الأنوار الذي لا يعتريه التغيير ولا ظل دوران.

ونظراً لكثرة المزالق التي انزلقنا فيها منذ الاحتلال الإسلامي لمصر حتى اليوم فقد قمت بتقسيمها إلى مزالق سياسية وعسكرية ودينية أتناول بعضها في عجالة.

لعل أول المزالق التي عانت منها مصر والبلاد العربية هو فكرة القومية العربية ووقوفنا كعرب صفاً واحداً ظانين ومقنعين أنفسنا بغير حقيقتنا أننا قوة ثالثة إلى جوار قوى اليمين الأمريكي واليسار الشيوعي السوفيتي، ثم نحن مجموعة عدم الانحياز. وكذبنا حتى صدقنا أنفسنا أن مصر دولة عربية وأن لبنان وسوريا والعراق وغيرها دول عربية، مع أن الحقيقة أن مصر دولة فرعونية ثم قبطية، ولبنان دولة فينيقية، والعراق دولة بابلية كلدانية آشورية. وما العرب إلا أولئك الغزاة الذين كانوا يستوطنون شبه الجزيرة العربية ثم غزوا كل هذه البلاد ونشروا ثقافتهم وتعاليمهم ولغتهم وأجبروا أهل هذه البلاد على اعتناقها والاعتراف بأنهم عرب. وصدقوا أنفسهم وصدقتهم الأجيال الجديدة، واختلط الحابل بالنابل. وإمعاناً في تصديق هذه الكذبة الكبيرة اخترعنا مادة التربية القومية، ولسنين عديدة درسونا في المدارس أن القومية العربية هي قوميتنا، وأن مقوماتها هي وحدة اللغة، مع أن العراقيين وحدهم يتحدثون لغات عديدة: كلداني وآشوري وغيرها، والسودانين الشماليين والجنوبيين لا يفهمون بعضهم البعض، والجزائريين العرب والفرنسيين وساكني القبائل لا يفهمون بعضهم البعض. ولو تركوا لنا لغتنا القبطية لنتحدث بها لما استعملنا العربية على الإطلاق ولما فهمنا لغة العرب.

ثم قالوا لنا إن من مقومات القومية العربية وحدة التاريخ، ولست أعلم أي تاريخ هذا الذي يتكلمون عليه، اللهم إلا إذا كانوا يتكلمون عن تاريخ الغزوات والفتوح الإسلامية، وحتى هذا التاريخ ليس بواحد، فكل دولة من الدول التي أطلقوا عليها الدول العربية لها تاريخ مختلف تماماً عن جيرانها.

ثم قالوا إن من مقومات القومية العربية وحدة العادات والتقاليد ووحدة الدين، والحقيقة أن العادات والتقاليد مختلفة تماماً حتى بين أفراد القطر الواحد وليس بين الأقطار المختلفة. فعادات وتقاليد الصعيد في مصر مختلفة عن الوجه البحري، وعادات وتقاليد الشيعة في البصرة العراقية مختلفة تماماً عن السنة في بغداد، وعن الكلدانيين في شمال العراق، وعن السودانيين الجنوبيين المسيحيين في السودان، وعن الشماليين المسلمين في شمال السودان. وعادات وتقاليد أهل الخليج مختلفة تماماً عن المغاربة والتوانسة، أما البربر في الجزائر فلهم عاداتهم وتقاليدهم. وما يقال عن العادات والتقاليد يقال عن الدين، فما يؤمن به الشيعة وما يتوقعون حدوثه في آخر الأيام وقبل قيام الساعة مرفوض تماماً من السنة والأحاديث والسنة النبوية، والخلافة عند الشيعة تختلف تماماً عن ما يؤمن به السنيون، وذلك داخل الدين الواحد، فما بالك بين ما يؤمن به المسيحيون واختلافه مع ما يؤمن به المسلمون. ثم ماذا عن البهائيين وغيرهم؟ ومن هنا نرى أن فكرة القومية العربية هي أحد المزالق الكبيرة التي انزلقت فيها مصر، حيث كان يحلم عبد الناصر أن يكون زعيماً وقائداً للأمة العربية. وترتب على هذا أننا انزلقنا في حرب اليمن التي كنا نخسر فيها مليون دولار يومياً، وفقدنا فيها مليون شاب مصري راح ضحية انزلاقنا في تمسكنا بقوميتنا العربية. ثم بدأ منزلق القضية الفلسطينية والدفاع عن فلسطين المحتلة وأظهرنا حماساً وتمسكاً بقوميتنا العربية منقطع النظير وكرهنا إسرائيل وانزلقنا في حرب 67 ودمر الجيش المصري تماماً في دقائق معدودة. ورغم تأكدنا أن هذا منزلق خطر سيؤدى بنا إلى انهيار مصري مؤكد، فتحنا أبوابنا للفلسطنين ليأتوا إلى مصر ويسكنوا في أفخر شققنا ويمتلكوا أخصب أرضنا. طلابهم كانت لهم الأولوية في قبولهم  في الجامعات المصرية، وكنا على شفا حفرة من النار والانهيار فطافت أم كلثوم تغني وتجمع التبرعات للمجهود الحربي، وارتمينا في أحضان الروس الذين كانوا يساعدوننا ليس حباً فيناً أو اقتناعاً بقضيتنا في تحرير فلسطين، بل نكاية في الأمريكان وكسباً للحرب الباردة بين الكتلتين. كل هذا ولم نتعلم الدرس، وفجأة تحولت القضية الفلسطينية من قضية سياسية ضد المستعمر اليهودي على حد قولهم إلى قضية دينية دفاعاً عن الإسلام وتحريراً للقدس الشريف، وإنقاذاً للمسجد الأقصى من اليهود أعداء الإسلام والإنسانية جميعها. فابن لادن وجماعته سافكو الدماء يدافعون عن القدس ويتوعدون اليهود والأمريكان بالحرب المقدسة، وحزب الله يختطف الجنود الإسرائيليين ويضرب إسرائيل بصواريخ كلعب الأطفال لتحرير القدس، والإخوان المسلمون في كل مكان يدافعون عن فلسطين ويضعون الصبغة الدينية على جهادهم ضد إسرائيل وأمريكا ليكسبوا رجل الشارع  المسلم البسيط المسالم الذي لا يعرف يمينه من شماله. الأطفال الصغار يرضعونهم في المدارس المصرية جرعات كبيرة متزايدة من الكره لكل من يخالفهم في الدين والعقيدة. الفلسطنيون يقتحمون الحدود المصرية وينتشرون في مصر ويأكلون الرغيف المدعم المصري ويتآمرون ضد مصر ومن فيها، والمصريون يساندونهم لأنهم جزء من القومية العربية وكل مقوماتها، ويشتركون معهم في الحرب المقدسة والجهاد ضد الكفرة والملحدين والقردة والخنازير، وليمت الشعب المصري جوعاً وفقراً في سبيل الدفاع عن القدس.. “حقاً في مزالق جعلتهم”

أما عن المزالق الدينية التي تنزلق فيها مصر في هذه الأيام وبعض البلاد العربية، فهي أكثر من أن يُحتوي الكلام عنها في مقال أو كتاب واحد، لكنني أذكر منها القليل من المزالق على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: مزلق الغزو الإسلامي لمصر. والحق يُقال، إنه كان من حق المسلمين في القرن السادس أن يأتوا إلى مصر وأن يبشروا أهلها بالدين الجديد ويدعونهم للدخول فيه بالموعظة الحسنة ولا يجادلونهم إلا بالتي هي أحسن. ولو فعل المسلمون ذلك لكانوا قد أدوا واجبهم تجاه ربهم ودينهم، أما أن يأتي الغزاة من الجزيرة العربية فيفتحوا البلاد ويقيموا حكام لها من غير المصريين ، و يتحكموا في مواردها وثرواتها ، ويشردوا أهلها ويملوا عليهم شروطهم ويضعوا عليهم الجزية ليدفعوها عن يدهم  وهم صاغرون، ثم يتوالى الخلفاء والأمراء على حكمها لمئات السنين، فهذا هو الاستعمار بعينه الذي نرفضه نحن المسيحيين اليوم. فعلى المسلمين أن يعلموا أن أصحاب مصر الحقيقيين موجودون إلى الآن وسيظلوا إلى أن يقضى المولى أمراً كان مقضياً، وإن كان آباؤهم الأولون حرموا المصريين الحقيقيين والأقباط من أبسط حقوقهم الإنسانية، فعليهم أن يتداركوا هذا ويصلحوا ما أفسده الدهر، فالأوربيون الذين غزوا أمريكا الشمالية وقتلوا أهلها ونهبوا ثرواتها واستعبدوا أصحاب الأرض الأصليين وهم الهنود الحمر، عادوا وتداركوا أخطاءهم. واليوم يتمتع الهنود الحمر بمميزات لا يتمتع بها الأمريكيون من أية أصول أخرى، ولهم الحق في أن يتقلدوا أعلى المناصب كمواطنين أمريكان. لهم حرية العبادة حتى أولئك الذين يعبدون الأرواح الشريرة المنتشرة على الجبال، وخاصة في ولاية كاليفورنيا، وهم لا يدفعون ضرائب للدولة لأن الأرض أصلاً أرضهم، عكس ما حدث ويحدث اليوم مع سكان مصر الأصليين.

ثانياً: مزلق منع بناء الكنائس وتقييد الحرية الدينية للأقباط المصريين. وهذا الأمر ليس بالجديد فهذا ما حدث كما قلت منذ الاحتلال الإسلامي لمصر لكن أن يظل الوضع على ما هو عليه في بداية القرن الواحد والعشرين، بل ويزداد سوءاً، فهذا هو واحد من أخطر المزالق التي تستمر مصر والبلاد العربية في الاندفاع إليه دون أن تحسب عواقبه بطريقة واقعية صحيحة، لذا دعنى أعدد نتائج الانزلاق في هذا المزلق الخطير:

  1. إن الاستمرار في منع بناء الكنائس وتقييد الحريات الدينية سوف يجبر الناس على الاجتماع في البيوت، فبدلاً من التجمع في كنيسة واحدة ستتفرق الكنيسة إلى 50 مجموعة أو كنيسة صغيرة في البيوت تتكون كل منها من عشرة أفراد، يجتمعون أسبوعياً، ثم يجتمعون مرة واحدة كل شهر معاً في مبنى الكنيسة، أي كنيسة يمكنهم أن يلتقوا بها. وهذه هي أسهل وأسرع طريقة لنمو الكنيسة وأكثرها أماناً في انتشارها.

2- إن كنائس البيوت الصغيرة يمكن أن تحتوى على جماعات وأفراد من المتنصرين الذين لا يمكنهم حضور الكنائس الكبيرة المقامة، والتي يسمح فيها بمباشرة الاجتماعات الروحية المسيحية.

  • – هذه الكنائس الصغيرة تكون أكثر قوة وروحانية وغيرة على نشر رسالة المسيح من أيه كنيسة كبيرة تفتح أبوابها وتدعوا الناس إلى حضورها. فالإحساس بالاضطهاد والظلم والقهر وكبت الحريات يقرب الناس إلى المولى تبارك اسمه ويوحدهم ويشحذ همههم لإتمام الإرسالية العظمى.

  • – تتجه الكنائس والجماعات الخارجية في الدول المختلفة لمساعدة هذه الاجتماعات البيتية ومدهم باحتياجاتهم أكثر من الكنائس الكبرى المعلن عنها، لأنها تعلم أن هذه الجماعات البيتية هي الكنائس الحقيقية التي تنشر رسالة المسيح تحت الضغوط المختلفة.

  • – هذه الاجتماعات البيتية الصغيرة تخلق وتدرب قادة لحمل مشعل العمل المسيحي في مصر أكثر من الكنائس الكبرى المصرح بها أمنياً.

ولننظر إلى تجربة الصين في هذا الشأن. فتقول الإحصائيات أنه قبل أن يتحكم الشيوعيون في الصين ويغلقوا الكنائس ويضطهدوا المسيحيين، كان عدد المسيحيين الحقيقيين المؤمنين بالمسيح لا يتعدى الـ7 مليون، لكن بعد تطبيق هذه السياسة القمعية يُقدر عدد المؤمنين الصينيين بالمسيح بـ120 مليون صيني. وبعد أن كان الصينيون مشغولين بتبشير الصين فقط، أصبحوا الآن يمتدون إلى معظم بلاد العالم وخاصة الشرق الأوسط لربح الشرق الأوسط للمسيح.

والأمثلة على تقييد الحريات الدينية في مصر والبلاد العربية كثيرة جداً. لقد هالني ما رأيت على أحد شوطئ الإسكندرية الجميلة، عروس البحر المتوسط، من اجتماع لجماعة الإخوان المسلمين في 21 مارس، تلك الجماعة المحظورة تقوم بعقد اجتماع يحضره الآلاف تحت لافتات يكتب عليها بالخط العريض “جماعة الإخوان المسلمون” وتحت سمع وبصر رجال الأمن في مدينة الإسكندرية. لقد رأيت بأم عيني ثلاثة لواءات شرطة وعدداً من العمداء وغيرهم من الرتب البوليسية، وما لا يقل عن عشرة عربات للأمن المركزي تحيط بذلك المكان. لم يمنع هذا الاجتماع العام الذي عقد في شارع الكورنيش الرئيسي بالإسكندرية. لم تنزل اللافتات. ولم تصادر الميكرفونات، ولم يوقف الحاضرون عن ترديد الهتافات. وعلى النقيض من ذلك وفي نفس الأسبوع تُداهم قوة أمنية أحدى المكتبات المسيحية مكونة من عقيد ومقدم وعشرة مخبرين، يغلقون أبوابها وينتشر رجال الأمن داخلها لمدة ساعتين وكأنها غزوة أخرى تضاف إلى غزوات السابقين. يبحثون عن كتب أو منشورات أو شرائط تحتوى على مواد يمكن أن يقدموا من خلالها موظف المكتبة الأعزل للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان. وبينما يترك الآلاف من أصحاب الأهداف المعروفة والهتافات المسموعة يجتمعون في الأماكن العامة، يُقاد الموظف  المسكين لا حول له ولا قوة إلى قسم البوليس ثم إلى النيابة بتهمة لم يرتكبها. وبعد أن كان هذا الإنسان موظفاً مغموراً في مكتبة صغيرة لا تنشر ولا تبيع إلا كل ما يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويزيد من محبة الناس لبعضهم، ويحض على قبول الآخر والغفران له، تداولت مواقع الإنترنت والجرائد والمجلات قصته ونشرت اسمه وتفاصيل القبض عليه وأسماء القابضين والمحققين معه، وأضيفت هذه الحادثة إلى عشرات الأحداث التي سبقتها ليزداد بها رصيدنا المصري من الإسراع في زيادة الاضطهاد وتقييد الحريات الدينية والتمييز الديني ضد الأقباط في مصر.

ثالثاً: أما آخر المزالق وأخطرها في الوقت الحالي فهو مزلق تدخل القضاء المصري في ما لا يملك الحكم فيه من مخالفة شرائع المسيحية. وأنا أرى أن هذه الأحكام القضائية والتي أشرها الحكم بإلزام الكنيسة القبطية بتزويج المطلقين سيكون القشة التي قصمت ظهر البعير، فإجبار الكنيسة على مخالفة شريعة السماء كما تسلمها وفهمها الآباء والمسئولون عن الكنيسة ستبدأ عصراً جديداً من الاستشهاد في سبيل التمسك بما أنزل الله من التوراة والإنجيل. وكصوت صارخ في البرية، صوت يحب مصر بأقباطها ومسلميها أحذر من التدخل في اختصاصات الكنيسة فى تطبيق شريعة المسيح تبارك اسمه. لقد رضخت الكنيسة في العصور المختلفة لكل الضغوط التي وضعت عليها، لكنني لست أعتقد أن من حق الكنيسة، رؤسائها أو كهنتها وقسوسها أن يقبلوا بتغيير شريعة السماء. وللخروج من هذا المنزلق الرهيب أقترح بأن يوضع نظام مدني للزاواج إلى جانب الشريعة الروحية التي تلتزم بها الكنيسة. ففي كل بلاد العالم المتقدمة يتم تسجيل الزواج والاعتراف به عن طريق مكتب حكومي مدني يختص بالشئون القانونية لعقد القران بين الطرفين، وعند التوقيع على هذا العقد أمام الموظف المختص يصبح الطرفان الموقعان بمحض إرادتهما وبشهادة شهود، يصبحان مقترنان بالزواج وتسرى عليهما جميع الأحكام والقوانين الملزمة وفقاً لهذا العقد، ثم يختار الطرفان أن يذهبا أو لا يذهبا للكنيسة لإتمام الجانب الروحي في عقد القران، وبهذا تكون للكنيسة الحرية في تزويجهما كنسياً أو لا. ومن يرغب بالالتزام بمباركة زواجه روحياً من قبل الكنيسة عليه أن يلتزم بتعاليم كنيسته وشريعته حسبما تُعلمها وتُفسرها وتُطبقها كنيسته.

ثم ماذا ينفع المطلق من إجبار الكنيسة على مباركة زواجه وهي ترفض من الأصل أمر طلاقه.

إن مسالة الطلاق والزواج من الناحية الروحية هي شأن من شئون الكنيسة وحدها، ولا دخل للشرائع والأحكام المدنية في تغييرها أو تعديلها، فالاقتراب من هذه المنطقة يقرب مصر من حقل للألغام هي في غنى عن الخوض فيه. لقد ذكرني هذا الموقف بالقرار الذي اتخذه الرئيس السادات بإلغاء القرار الجمهوري باعتماد غبطة البابا شنودة الثالث بطريركاً للكرازة المرقسية. ذلك القرار الذي صفق له أعضاء مجلس الشعب والشورى أطول مدة سمعتهم يصفقونها في حياتهم، مع اعتيادهم على التصفيق الطويل. وظن الجميع بما فيهم السادات أن البابا شنودة لم يعد بابا الكنيسة الأرثوذكسية فيما بعد، وهو لم يعلم أن قرار تعيين البابا ليس قراراً مدنياً جمهورياً يصبح غير سارى المفعول عندما يوقفه رئيس البلاد، بل هو قرار روحي تتخذه السماء، ولا يملك مخلوق في الأرض تغيره حتى لو حددت إقامة البابا، المعين من السماء، في بقعة على الأرض. وربما لم يكن يعلم هو أو أحد مستشاريه أن البابا لا يمكن أن يتغير في حياته، بل سيظل في وكالته على الكنيسة إلى يوم أن ينهي خدمته على الأرض وينضم إلى سحابة الشهود في السماء. وكاقتراح عملي يُبعد بلادنا من المزالق التي لا يعرف نهايتها إلا القدير، أقترح أن يكون من بين مستشاري رئيس الجمهورية لجنة مكونة من ثلاثة علمانيين مسيحيين يمثلون الطوائف المسيحية الثلاث الكبرى في مصر، يُدلون بآرائهم  في القضايا المسيحية التي تواجه وستواجه مصر في الفترة القادمة، يكون اتصالها مباشراً به، وتكون هذه اللجنة هي حلقة الوصل بين الكنيسة ورئاسة الجمهورية.

إن أسهل طريقة نوقف بها الانزلاق فيما لا تحمد عقباه أن نتخلى عن عنادنا وكبريائنا ونعترف بالمزالق التي نسرع فيها وبالأخطاء التي ارتكبناها على مر السنين، وأن نتخذ خطوات عملية لإصلاحها عسى أن تقل حدة وسرعة الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه. وعندها نتجنب القول: “حقاً في مزالق جعلتهم”.

اللهم أنقذنا من مزالق دفعنا فيها نفوسنا واعترض طريقنا، وأوقفنا قبل أن تتهشم رؤوسنا، واعف عنا وارحمنا من تصلفنا وعنادنا وكبريائنا. اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد، يا إلهنا وربنا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا