جرجس علي عامل البوفيه

4

العدد 35 الصادر في سبتمبر 2008
ليلة سقوط القاهرة
الفصل الخامس
جرجس علي عامل البوفيه

ما إن غادر روح حكيم لقاء قادة الكنيسة حتى توجه مباشرة إلى قاعة الاجتماعات التي كان لا يزال قادة بعض الجماعات السلفية مجتمعين فيها، لم يكن روح حكيم مستعداً للبقاء في اجتماع قادة الكنيسة بعدما تأكد له أنه لا فائدة تذكر من اجتماعهم معاً، ورأى أن مهمته الأولى هى كشف ما يدور في تلك الاجتماعات السلفية من خطط سرية واستعدادات حربية وسياسية ومعنوية للسيطرة على البلاد العربية. وكانت حادثة محاولة قتله هي الخيط الذي يريد حكيم أن يوصله إلى معرفة الجناة والتعرف على خططهم ودوافعهم ومعرفة طريقة تفكيرهم والاستعداد لحشد المخلصين المغيبين للوقوف ضد الزيف والباطل وإظهار الحق.

وبينما كان الأخ سيف الإسلام، كما يناديه المجتمعون، وهو قائد الجناح العسكري، يتكلم عن خططه للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، سأله الأخ أبو عبيدة، أحد الحاضرين وهو المرشد العام لإحدى الجماعات السلفية: قل لنا يا أخ سيف، ما هي خططكم العملية للقبض على الحكم ومقاليد الأمور، فأنت تعلم أنه لابد أن هناك خطة حكومية حربية للجيش والأمن المركزي والأمن العام والبوليس، لإحكام القبضة على مقاليد الأمور في حالة حدوث أي تحرك مشبوه لجماعاتنا, من وجهة نظرهم طبعاً؟ سأل سيف أباعبيدة: وماذا تقصد بأي تحرك مشبوه؟ قال: أقصد أي تحرك لحشود من الناس في هيئة مظاهرة غير سلمية، أو نزول مسلحين إلى الشارع، أو ما يفهم منه أنه انقلاب عسكري أو مدني، ومثالي على ذلك تلك القوات المدرعة المسلحة التي تحيط بالأماكن الحساسة التي تخشى الحكومات السيطرة عليها، كمبنى الإذاعة والتليفزيون مثلاً، ومباني الوزارات وقيادات الجيش والبوليس، وترسانات الأسلحة والزخائر والمعدات، فما هي خططكم العمليه للسيطرة على كل هذه الأماكن؟ ضحك الأخ سيف ضحكة الواثق من نفسه والملم بكل دقائق هذا الموضوع، وقال للأخ أبو عبيدة: واضح يا أخ أبو عبيدة أنك لا زلت تفكر بطريقة الضباط الأحرار يوم حدوث الثورة، طريقة الخمسينيات والستينيات، تلك التي كانت تتلخص في أن من يستطيع أن يحتل مبنى الإذاعة والتليفزيون وقصر الملك أو بيت الزعيم، يمكنه أن يقوم بالسيطرة على مقاليد الأمور وقلب نظام الحكم وتغيير الأوضاع كما يشاء.

قال الأخ أبو عبيدة: آمنت بالله الذي لا شريك له يا أخ سيف! فهل يمكن أن تشاركنا بخطط الألفية الثالثة كما تراها جماعتكم، تلك التي أعددتموها لتنفيذها في ليلة سقوط القاهرة. قال الأخ سيف: الحقيقة لا يمكن الإفصاح بالكامل أو بالتفصيل عن هذه الخطط، فالحيطان ليها ودان كما تعلمون يا إخوتي. تدخل الحاج عارف وقال للأخ سيف: أكيد الأخ أبو عبيدة لا يقصد أن تشاركنا بتفاصيل الخطط من أرقام وأوقات وطرق وشوارع وأسماء، أنا أرى أنه لا مانع من إعطائنا فكرة عامة غير تفصيلية عن الإعدادات المسبقة التي سنتخذها للتحرك في ليلة سقوط القاهرة، وخاصة أنه لا يوجد بيننا غرباء، فمصلحتنا واحدة، وآمالنا واحدة، وجهادنا في سبيل الله واحد، ونصرنا على القوم الكافرين سيكون مفخرة لنا جميعاً.

قال الأخ سيف: الحقيقة أننا تطورنا في وضع خططنا وأسلوبنا وفقاً لتطورات العصر ومقتضيات الحاجة، فلم تعد هناك الأهمية القصوى للتدخل العسكري أو المسلح لامتلاك زمام الأمور. لذلك لم يعد الجناح العسكري هو الاختيار الأول، ولم يعد مبنى الإذاعة والتليفزيون هو المبنى الذي لابد من إحاطته بقواتنا حتى نصل للجماهير، هذا الكلام كان يصلح يوم كان لدينا فقط إذاعة القاهرة وصوت العرب والشرق الأوسط وإذاعة القرآن الكريم، ثم القناة التليفزيونية الأولى والثانية، كانت كلها مجتمعة في مبنى واحد، وكانت هي وسيلة الاتصال الوحيدة بالناس في الشارع وفي بيوتها، لذا كانت كل الخطط تقوم على السيطرة على هذا المبنى أولاً، والبداية لابد أن تكون من هناك. أما اليوم فصبي صغير يمكنه أن يركب جهاز إرسال تلفزيوني في حجم كف اليد في غطاء الرأس الذي يلبسه قائدو الدراجات البخارية، فيقوم هذا الجهاز بالبث لتليفزيونات الخلق في بيوتهم في مساحة قد تصل لخمسة أميال بالنسبة للبث التليفزيوني، ولعشرة أميال أو أكثر في حالة البث الإذاعي. أجاب أحد الحاضرين: لا إله إلا الله، صحيح العلم تقدم والتكنولوجيا تطورت. كان مصطفي شارداً بذهنه بعيداً يتفكر في كلام سيف الإسلام قائد الجناح العسكري، ويتذكر غيرته وحبه للنضال والجهاد يوم كان هو قائد الجناح العسكري. كان ينظر إلى سيف ويقول في داخله وبصوت غير مسموع، الحقيقة يا أخ سيف، أنت لم تكن تعلم شيئاً عن هذه الخطط والتطورات التكنولوجية التي تتحدث عنها وكأنك أنت مخترعها، ونسيت أنني أنا الذي علمتك كل ما قلته وتقوله الآن، تذكر أيام كان سيف الإسلام يصر في كل جلسة على خطته العقيمة ويطالب بتجنيد الإخوة المجاهدين وتدريبهم على اقتحام مبنى الإذاعة والتليفزيون أولاً، ونقوم بقطع الكهرباء والماء عن المواطنين لمدة أربعة وعشرين ساعة لتخويفهم وسهولة السيطرة عليهم، وغيرها من الأساليب التي لم تكن تصلح إلا لفتح قبائل العرب في الجاهلية قديماً في منطقة مكة وما حولها.

بدا على روح مصطفي أنه متأثر ويعاني من عقدة ذنب كبيرة كلما تذكر أنه هو صاحب التطور والخطط التي كان يرويها سيف الإسلام قائد الجناح العسكري. لم يفق مصطفي من تفكيره وندمه ودعائه الداخلي لله أن يغفر له ما ارتكبه في حق العباد وما أرساه من مفهوم الجهاد لدى هؤلاء القادة الدمويين، فقد فعل كل هذا بجهل كما عبر هو نفسه لله سبحانه وتعالى  مرات كثيره . أفاق مصطفي على صوت الأخ سيف الإسلام وهو يقول: الحقيقة أن الحاج مصطفي له من الخبرة في هذا المجال كثير، وهو الذي علمنا كيف يكون الجهاد، فكان مواكباً للتطور التكنولوجي، فطور من خطط الجماعة وأحدث ثورة في طريقة تفكيرنا ونجح بعون الله فى تغيير أفكارنا، وحطم الجمود الذي ساد على عقولنا واتجاهاتنا لأزمنة طويلة، هذه هي الحقيقة، فالحق يقال، وينبغي أن نعطي كل ذي حق حقه. تعالت أصوات القادة بارك الله فيك يا أخ مصطفي، جازاك الله خير الجزاء، أعز الله الإسلام والمسلمين بك وبأمثالك، وغيرها من العبارات التي كان لابد لها أن تفرج أساريره وترفع رأسه شامخاً عالياً في وسط قادة هذه الجماعات، لكن على العكس أحنى الحاج مصطفي رأسه واحمر وجهه وكادت الدموع تتساقط من عينيه ونظر إلى الأرض ولم يشأ أن يرفع وجهه إلى أعلى. لم يقل سوى بارك الله فيكم شكراً على مديحكم. قال الحاج عارف المرشد العام، رداً على نظرات التعجب والحيرة من الحاضرين لموقف الحاج مصطفي من كل هذا الثناء: الحقيقة الحاج مصطفي رجل عاقل ومتواضع ومجاهد صلب، لا تأخذه شفقة ولا رحمة بالنصارى واليهود والكفار، وهو رفيق طريق ونضال منذ أن كنا بالجامعة، بارك الله فيك يا حاج مصطفي، بارك الله فيك، وشكراً يا أخ سيف على إرجاعك الفضل في وضع كل هذه الخطط لأخينا الحاج مصطفي، رفع الله وجهكما يوم القيامة وحسبكم في عداد الأبرار والشهداء الصابرين.

لم يستطع الحاج مصطفي أن يتمالك مشاعره، كادت الدموع تنساب من عينيه ولو فعل وأجهش بالبكاء لكان ذلك غريباً ومرفوضاً ومستهجناً من القادة والمجاهدين الحاضرين الذين لا يعرفون الشفقة والرحمة وقد تبلدت مشاعرهم وماتت عواطفهم، ويعلمون الشباب المسكين أن تفجير النفس وقتل الأبرياء لهو أمر مثاب، وأنها الطريقة الوحيدة الأكيدة المضمونة التي يغفر بها المولى تبارك وتعالى ما تقدم من خطاياهم وذنوبهم ومعاصيهم وما تأخر، ويضمن لهم الجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً مستمتعين بفض بكارات الحور العين ومتخمين من الفاكهة والخمر واللبن.

وقف مصطفي وقال بصوت تخنقه الدموع الحبيسة في جفنيه: اسمحوا لي يا إخوان أن أذهب لدورة المياه. قال الحاج عارف اتفضل يا أخ مصطفي خد راحتك، سننتظرك لنكمل حديثنا عندما ترجع. خرج مصطفي من الحجرة متجهاً إلى دورة المياه، وفي الطريق إلى هناك رأى الأخ على عامل البوفيه يقف أمامه. تطلع علي في وجه الحاج مصطفي وسأله: مالك يا حاج، في حاجة لا سمح الله؟ أجيب لسيادتك كوباية ميه؟ عض مصطفي على شفتيه اللتان كانتا تتحركان حركات لا إرادية وكأنها تحبس وراءها شلال من الكلمات والعبارات التي تضغط عليهم لتفتحهما بالقوة ونظر إلى الأرض، فلم يشأ أن ينظر إلى وجه علي وقال شكراً يا علي، سلامتك، مفيش حاجة، ودخل إلى دورة المياه. تساءل على في نفسه قائلاً هل حقاً ما رأيت؟ هل يبكي الحاج مصطفي؟ ماذا حدث في غرفة الاجتماعات؟ هل أهانه سيف أو خالد أو المرشد؟ قال علي في نفسه أحسن هي دي مجازاة الظالم، خليه يشرب من الكأس اللي سقاه ليّ ولعائلتي ولأهل البلدة كلهم، لسه لما ربنا يخلصلنا حقنا منه، كان عامل راجل وقائد وزعيم ومجاهد في القرية وفي وسط الجماعة، ودلوقتي فرخة بيبكي زي العيال.

كان مصطفي هو الذي أحضر على إلى مكتب هذه الجماعة ليعمل عاملاً في البوفيه، لم يكن أحد يعلم من هو علي وما هي قصته. قدمه الحاج مصطفي للسيدة فاطمة مديرة المكتب على أنه الأخ علي بلدياتي، لذا قابله الجميع في المكتب على أنه أحد المجاهدين الموحدين بالله   كان علي يلبس جلبابا أبيض وطاقية بيضاء وشبشب، ومع أن وجهه أبيض لكن سواد لحيته التي أطلقها وشنبه المحلوق اعطوه شكل الاخ في الجماعه. كان علي قد أتقن ترديد العبارات والتعبيرات الإسلامية، حتى أن أحداً لم يشك أنه كان في الأصل مسيحياً وكان اسمه جرجس، لم يكن يعرف قصة علي سوى الحاج مصطفي. كان علي (جرجس) من أعيان قرية عزبة النصارى من قرى الصعيد، وكمعظم قرى صعيد مصر كانت الغالبية العظمى من سكانها من المسيحيين. المقدس لمعي أبو جرجس كان هو عمدة البلد وهكذا أجداده كانوا عمد عزبة النصارى, القرية الآمنة  لعشرات السنين، لم يكن من منافس لعائلة جرجس في الغنى والمركز والنفوذ وجمال سيداتها اللاتي كان من المحظور عليهن الظهور سافرات في القرية. أما عائلة الحاج مصطفي فكانت عائلة بسيطة مكافحة. كان العم محمود والد مصطفي يعمل فلاحاً في أرض العمدة المقدس أبو جرجس، الذي كان لطيفاً ووديعاً يعطف دائماً على عائلة العم محمود. لم يكن أحد في القرية يفرق بين مسيحي أو مسلم. كان العم محمود رجلاً أصيلاً طيباً رباه جد المقدس لمعي وأبوه العمد السابقين للقرية، وكان يعمل طوال النهار في أرض عائلة جرجس وفي الليل يحرس بيت العائلة. كانت عائلة العم محمود تتكون من زوجته العمة أم مصطفي، التي لم يكن أحد يعرف اسمها الحقيقي غيرها هي وزوجها، فالمرأة واسم المرأة عورات لابد من اخفائها في المجتمع الاسلامي القبلي يومئذ ولابد من مخاطبتها باسم ابنها الأكبر مصطفى، والابن الأصغر سالم وأخته الصغيرة زينب. الجميع تربوا في بيت عائلة العمدة أبو جرجس، أكلوا من طعامهم، لبسوا من ملابسهم، شربوا من مائهم.

 أما عائلة العمدة أبو جرجس فكانت تتكون من العمدة والخالة أم جرجس، امرأة طويلة وبدينة ذات وجه أبيض جميل وعينان زرقاوان، من يراها يظن أنها من الأجانب المعروفين بالخواجات. كان أبوها أحد بشوات مصر القدامى. كانت امرأة طيبة ومتدينة تحب الناس وتعطف علي الفقراء لكنها لا تخلو من كبرياء البشاوات وأولاد الزوات.  أما جرجس فكان شاباً تعوزه الحكمة والإحساس بالمسئولية، كان أبوه يتمنى أن يصبح عمدة البلد من بعده، لكن جرجس كان لا يعمل شيئاً في حياته سوى السفر إلى القاهرة والسهر مع أصدقائه الشباب، وحضور حفلات الرقص والطرب والشرب وغيرها، لا يعود إلى القرية إلا عندما يحتاج إلى دفعة جديدة من النقود، وكان للعمدة بنت واحدة تشبه أمها إلى حد كبير، كانت أسطورة القرية في جمالها ودلالها، تنسج حولها الأساطير والحكايات، مع صغر سنها  فلقد كانت ابنة خمسة عشر عاماً يوم رحلت العائلة من القرية. كان مصطفي هو الشخص الوحيد الذي يراها بحكم وجوده وتربيته في البيت. كان يناديها منذ أن كانت رضيعة بستي نادية، رغم أنه كان يكبرها بعشرين سنة على الأقل. أما أقصى ما كان يحلم به العم محمود فهو أن يأخذ ابنه مصطفي البكالوريا كما كانوا يسمونها في الخمسينيات، ثم الثانوية العامة كما أطلق عليها في الستينيات. لم يكن يحلم بأكثر من ذلك. ثم يتزوج مصطفي من ابنة عمه ويقيم الاثنان أسرة سعيدة. وهكذا تمنى العم محمود أن يحدث هذا مع سالم أيضاً ابنه الاصغر من مصطفى، أما زينب فيكفيها أن تأخذ الابتدائية أو الإعدادية وتتزوج وهي في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة على أكثر تقدير. وكان دائماً يقول عن زينب: الواحدة ملهاش إلا بيت زوجها. أما عن نفسه وزوجته فكان العم محمود قد قرر أن يبقى في خدمة العمدة أبو جرجس حتى الممات. كان العمدة أبو جرجس يحب العم محمود ويعتبره جزءاً من عائلته، لذا وعده أنه سيدفع تكاليف تعاليم مصطفي ليس إلى الثانوية العامة فقط بل وفي الجامعة أيضاً. كان العمدة يقصد ويعني ما يقول ويصر على تنفيذه. كبر مصطفى في بيت العمدة أبو جرجس. تخرج في الثانوية العامة. أصر العمدة أبو جرجس على أن يلتحق مصطفى بالجامعة. أعلن مصطفى عن رغبته في أن يلتحق بكلية الشريعة ويصبح مدرساً للغة العربية. وافق العم محمود فوراً على هذا الاختيار. كان مصطفى قد حصل على مجموع يمكنه من دخول كلية الهندسة أو حتى كلية الطب إن أراد. رأى العم محمود أن اختيار ابنه لجامعة الأزهر وكلية الشريعة لهو اختيار موفق حتى يتعمق في شئون الدين ويصبح مدرساً ومربياً للأجيال، ويكفي أنه سيدرس في جامعة الأزهر حلم كثير من الشباب القرويين المتدينين، أما موضوع الهندسة والطب فهذا ليس من توبنا كما كان يقول العم محمود دائما عندما كان يدعو له أحدهم أن يرى مصطفى دكتور أو مهندس. لقد أحب العمدة مصطفى كابنه وكان يرى فيه تعويضاً عن فساد جرجس ابنه الخارج من صلبه، وانصرافه إلى ملاهي الحياة ونعيمها. لم يفلح جرجس في المدرسة  دخل أمتحان الثانوية العامة ثلاثة مرات ورسب بالاضافة انه رسب في السنة الاولى والثانية الثانوية، كان جرجس سبب هم وحزن وخزي لأبيه وأمه، كان جرجس دائما يختار أسرع الحلول وأقصرها مادامت سوف لا تحرمه من ملذاته،  لم يكم العمدة من محبي الخلفة والإكثار من الأولاد، لكنه اضطر بعد سنين كثيرة من ولادة جرجس أن ينجب ابناً آخر أسماه يوسف.

سافر مصطفى إلى الجامعة، كان يرجع إلى القرية كلما سنحت له الفرصة بالزيارة، لاحظ والده مدى تقدم ابنه في دراسة المواد الدينية، أصبح خطيباً لجامع القرية، وكيف لا وهو أول من يلتحق بالأزهر من قرية عزبة النصارى، رغم بساطة خطبة الجمعة التي كان يلقيها بمسجد القرية الصغير لكنها كانت تلقى ترحيباً كبيراً من أهل قريته. أصبحت الإجازات والعطلات الرسمية محل انتظار أهل القرية للقاء مصطفى والاستماع إلى خطبته ودروسه الدينية. أطلق لحيته، ولبس الجلباب الأبيض الشرعي، ذاع صيته في القرى المجاورة، وأصبح المصلون يأتون لسماع تتعليمه من القرى المجاورة. أصبحت له شعبيته. لاحظ المسيحيون في قرية عزبة النصارى  أن ميزان القوى بين النصارى والمسلمين قد اختلف، نزحت عشرات العائلات الإسلامية من القرى المحيطة بعزبة النصارى واستوطنوا بها، هدم الجامع  الصغير وبني جامع يسع أضعاف الأول. لم يعلم أهل القرية من أين أتى الشيخ مصطفى كما أطلقوا عليه بهذه الأموال، لكن الكل فرح بالجامع الجديد، ونزوح العائلات الجديدة.

لم تعد عزبة النصارى هادئة كما كانت، ضاع فيها الأمان بوفود كثير من الأغراب عن القرية، العمدة لا يعرف ما السبب في هذا النزوح وتغيير الأوضاع، شيخ البلد وشيخ الغفر يؤكدون للعمدة أن هذا أمر طبيعي نتيجة ازدياد السكان في القرى المجاورة، وبسبب حسن إدارته للقرية وقع سكان القرى الأخرى في حبها فنزحوا إليها. لاحظ العمدة أن سعر الفدان في قريته قد تضاعف خمس مرات في العام الواحد. شباب العائلات الاسلامية الفقيرة المعدمون سافروا إلى السعودية والكويت والخليج جماعات وكأنها حركة هجرة منظمة، جلبوا معهم الدولارات. ارتفعت اسعار كل السلع والخدمات في عزبة النصارى، العائدون من الخليج على استعداد لشراء الأرض المعروضة للبيع بأعلى الأثمان، خاصة لو كانت أراضي المسيحيين. يسعون لشراء الأرض بكل الطرق، في البداية بالتملق والحب والإغراء بالمال الكثير، إن استجاب المسيحي وباع الأرض كان بها وإلا وقع تحت تخطيط من التهديد والوعيد والضغوط المختلفه حتى يصل إلى طريق مسدود يستحيل معه العيش في القريه فيقبل بيع بيته أو أرضه بأقل مما عرض عليه سابقاً فيترك القرية ويرحل عنها بلا رجعة ويصبح عبرة لغيره.  وقع كثير من المسيحيين في الفخ وبلعوا الطعم، قالوا لا فرق بين مسيحي ومسلم والجار أولى بالشفعة. البيع والشراء لا يعرف مسيحي أو مسلم، المهم من يدفع أكثر، الأب مرقص كاهن الكنيسة الصغيرة الوحيدة في البلد مشغول في عمل القداسات، والقناديل والأرقية وطاسات الخضة للمسيحيين المسالمين. لم يلاحظ أن عدد المسيحيين الذين يفقدون أراضيهم وممتلكاتهم قد ازداد وعدد الحضور بالكنيسة قد قل لسفر البعض للقاهرة بعد استسلامه وبيعه لأرضه. كان أبونا مرقص على أي حال يعمل رحلة أو رحلتين إلى القاهرة والاسكندرية ويزور كل العائلات التي نزحت إليهما، لم ينس المسيحيون المرتحلون أبونا مرقص بل زادت عطاياهم التي كانوا يقدمونها له عند زيارته لهم في أماكنهم الجديدة التي ذهبوا إليها ورحلوا للالتحاق بأولادهم وبناتهم والحياة في بريق المدن الكبرى. لم يمانع أن يبيع المسيحي أرضه للمسلم، بل على العكس كان يرى أن المبلغ الكبير الذي سيدفعه المسلم لشراء قطعة الأرض بركة من عند الله، لأن الأرض لم تكن تساوي ما دفع فيها لشراءها، أما العمدة فكان يشعر بالخطر كلما نزحت إحدى العائلات المسيحية وتركت القرية أو جاءت عائلة مسلمة بأعدادها الكبيرة لتستوطن في عزبة النصارى، فالرجل الأتي إلى القرية عادةً يأتي بثلاثة زوجات وفي بعض الأحيان أربعة وعلى الأقل عشرة أبناء وبنات يلعب الخمسة الصغار منهم في التراب في الشارع فيزداد الصياح والعراك بين أطفال شبه عرايا فتخرج على أثرها أمهاتهم كلٍ لتدافع عن صغارها فتشتبك النسوة معاً بالألسنة والشتائم والسباب. وقد تتطور الأمور إلى التشابك بالأيدي وقد تستخدم الأسلحة البلاستيكية من جزم وشباشب، وكثيراً ما تطور الأمر واضطر الأباء للدفاع عن زوجاتهم أو أولادهم وتطورت الأسلحة إلى أسلحة خشبية من عصى وخيزرانات أو في أسوأ الأحوال إلى أسلحة بيضاء وحديدية من سكاكين ومطاوي وخناجر. فالكل يؤمن أن العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم. ولابد من تدخل العمدة في كل مشاجرة وفضها قبل أن تكبر وتصل إلى المركز، فضابط البوليس الجديد الذي عينته الداخلية حديثاً بعزبة النصارى لا يحب العمدة، وكثيراً ما كان يعنفه إذا ما حدث أي اضطراب في البلد ويضع عليه كعمدة المسئولية. الضابط الجديد يحب شيخ الغفر وشيخ البلد وقد جعلهم حلقة الوصل بينه وبين العمدة، لم يزر الضابط الجديد العمدة في بيته مرة خلال السنة الأولى التي جاء فيها إلى عزبة النصارى رغم الحاح العمدة عليه في طلب الزيارة المنزلية له فهذا عرف متفق عليه بأن يقوم الضابط الجديد بزيارة العمدة في بيته عند مجيئه جديداً إلى القرية الأمر الذي سيعطي كرامة للعمدة وهيبة أن البيه الجديد على علاقة طيبة بالعمدة ويا ويل من تخول له نفسه أن يقف ضد العمدة وعائلته لأن له ظهر في الحكومة متمثلاً في حضرة ضابط الشرطة في قسم شرطة القرية.

كان العمدة يعرف أن عائلات أكثر في القرية معناها مشاكل أكثر ومسئوليات أكثر وياليت هذه العائلات من القرية أساساً ومسيحيين لكنهم كلهم وافدين مسلمين. والعمدة يرى أن ممتلكات المسلمين قد فاقت ممتلكات المسيحيين بأضعاف، بعد أن كانت لا تتعدى 10% من إجمالي أرض القرية. لكن ماذا يقول أو يفعل؟ كيف يصارح أحداً بما يراه أو يشعر به؟ سيتهمه الناس بالأنانية والتحيز والتمييز بين المسيحيين والمسلمين، وسيجلب غضب المسلمين عليه وعلى عائلته. دخلت الكهرباء كل بيت في القرية، التليفزيون والفيديو والديفيدي أصبح في كل بيت، افتتحت عائلة البرعي أول مقهى في القرية، يجلس عليه الشباب ويدخنون السجاير ويلعبون الأوراق، لم تعد هذه عزبة النصارى. عم إسماعيل المزين المسلم الذي كان يزور بيوت المسلمين القليلة العدد في القرية كلها ليحلق للرجال في بيوتهم مقابل كيلة من القمح في السنة من كل أسرة، سافر ابنه للسعودية، أتاه بالنقود وفتح هو الآخر محلاً كتب عليه ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ، هذا من فضل ربي”. عم إبراهيم المزين المسيحي الذي كان يحلق للمسيحيين في القرية ليس له أولاد ليسافروا للسعودية أو الخليج ويفتحون له هو أيضاً محله. أصبح محل عم إسماعيل هو المتحكم في رؤوس الرجال وشعورهم بالقرية، وخاصة الشباب الجديد، فعم إسماعيل يستخدم الكولونيا ويدهن شعر الشباب بمثبت للشعر. لم يعد لعم إبراهيم مكان في القرية، نزح هو وعائلته ليكون بجوار ابنته في حي إمبابة وانقطعت أخباره.

أصر مصطفي أن يترك أبوه العمل في بيت العمدة أبو جرجس. حاول العم محمود أن يشرح لابنه أن العمدة يا ابني يحبنا مثل عائلته، يثق فينا، وقد أكلنا عيش وملح معاً. قال مصطفي بغضب وصياح العيش والملح اللي أكلته مع هذا النصراني حرام، أنت أكلتنا حرام طول عمرنا ولغاية هنا وكفاية. قال الأب يا ابني أنا لم يدخل جيبي ولا بيتي مليم حرام طول عمري. أنت جاي بعد العمر ده كله وتقول لي أني أكلتكم حرام؟ رفع مصطفي صوته على أبيه ولأول مرة وقال له: يابا الأكل مع النصارى واليهود حرام، الشغل عند النصارى واليهود والكفرة حرام، اتخاذ أولياء من النصارى واليهود ضلالة وحرام يعاقب عليها المولى يوم الدين، فبعضهم أولياء بعض، يابا دا الشرع بتاع ربنا والله أحق وأولى بالطاعة والخضوع من الناس. أجاب الحاج محمود: ونعمه بالله يا ابني، لكن ليه ماكناش بنسمع الكلام ده من زمان، ما طول عمرنا يا بني متربيين مع بعض إحنا والنصارى وحتى اليهود لما كانوا في مصر، وما حدش قال إن التعامل معاهم حرام. أجاب مصطفي يابا اسمعني: مال النصارى ونساؤهم غنيمة لينا، وليس للمسلم أن يعمل أو يشتغل عند المسيحي. يا بني جبت الكلام ده منين يا حبيبي، يا مصطفي يا بني إحنا لحم اكتافنا من خير العمدة أبو جرجس وعائلته، واحنا يا بني عيلة مش خاينة علشان نخون العيش والملح. صرخ مصطفي في والده لا عيش ولا ملح ولا زفت على دماغ العمدة وعيلته، النهاردة آخر ليلة في الشغل ده. قال العم محمود أنت بترفع صوتك عليّ يا مصطفي، هو ده جزائي إنى اشتغلت وعلمتك وكبرتك أنت وأخوك وأختك؟ بصراحة يابا أنت لازم تفهم إني مش هقدر أقبل إني أشوفك بتشتغل عند واحد نصراني بعد كده لأن ده كفر، والتليفزيون اللي أنت وأمي وأختي بتتفرجوا عليه ده حرام وكفر، وأمي وأختى لازم يتحجبوا لأن الحجاب ده شرع من عند الله. قال محمود يا بني دي أختك لسة 12 سنة، دي طفلة وعايشة في قرية لا بتطلع ولا بتخش ولا حد بيشفها، مش حرام عليك تحجبها من دلوقت؟ أجاب مصطفى لأ حرام عليك أنت إنك ترفض وصايا ربنا وما تنفذش اللي يقوله لك، السلام عليكم أنا ماشي، راجع للكلية بتاعتي، ولما تسيب النصراني ده وتنظف بيتك من الكفر والمعصية أبقى ابعت ليّ علشان آجي. قال محمود يا بني يهديك ربنا، أنت اتغيرت تماماً يا مصطفى، يا ابني أنت لسه جاي من القاهرة النهاردة هترد تاني على طول؟ قال مصطفي أيوه علشان ما أقدرش أعيش في بيت فيه كفرة. طب يا بني ربنا يسامحك، عندي سؤال أخير: لو أنا سبت العمدة جرجس وخدمته مين هيصرف على تعليمك ومين هيأكلني أنا وأمك وأختك وأخوك، وأنا راجل كبير ومقدرش أروح أشتغل عند حد غريب؟ الجماعة هتصرف علينا من بيت المال. سأل عم محمود جماعة مين يا ابني؟ رد مصطفى جماعة المؤمنين المجاهدين الاخوان الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، دول لو عرفوا يابا إنك بتشتغل عند واحد مسيحي، وأنا مش قادر أقنعك تسيبه هيموتوك ويموتوني. لا يا بني بعد الشر عليك، أنا هروح للعمدة وهقوله إني مش هشتغل عندك تاني. اسمع يابا ماتخفش من العمدة، العمدة مش هيبقى عمدة بعد الشهر الجاي إن شاء الله، وإن ما أخترش بمحض إرادته أنه يترك البلد ويخرج منها سنجبره علي ذلك. قاطعه العم محمود، فال الله ولا فالك يا بني ليه، العمدة عملكم إيه، ده راجل طيب وكريم وحقاني، نقول تاني يا أبو مصطفى، العمدة مسيحي ووفقا للشروط العمرية التي وضعها الخليفة العادل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لا يجوز أن يحكم نصرانيا المسلمين أو أن يكون في مركز القيادة، جرى إيه يابا هتعترض علي كلام الخليفة العادل، لا يا بني اللهم لا اعتراض، أنتم أحرار هو حد يقدر يقف قدامكم، لم يجبه مصطفى إلا بالقول ” ربنا يسهل ” لكن أوعى يا مصطفى يا بني تكون منضم لواحدة من الهيئات الدينية أو الجماعات اللي بتوصفها الحكومة بأنها متطرفة، أنت عارف ان ماليش غيرك يا بني أنت وأخوك، أجابه مصطفى ما تخفش يابا كلها أيام ونخلص من العمدة وعيلته، انزعج الأب وقال” وعائلته كمان ” أيوه يابا وبنته كمان ست الحس والجمال المفعوصة الصغيرة اللي أنا بقولها يا ستي من ساعة ما أتولدت مع أني أنا المسلم وهي العظمة الزرقا اللي المفروض تقولي يا سيدي وتبوس جزمتي هي وأبوها كمان. قال العم محمود ” استغفر الله ، يا ساتر يا بني، دا أنت مليان قوى من العمدة وعيلته، إيه اللي شحنك منه كده يا مصطفى يا بني، دا راجل معملش معانا ومعاك أنت خصوصا إلا كل خير، روح يا مصطفى يا بني ربنا يحميك أنت وأخوك وأختك، من الكفرة وأولاد الحرام، خلي بالك من نفسك يا مصطفى ومن مذاكرتك ومستقبلك يا بني، نفسي أشوفك مدرس قد الدنيا  وماسك خرزانة طويلة في إيديك وواقف في الفصل بتعلم الاولاد القرآن والاحاديث وبتهديهم لكلام ربنا سبحانه وتعالى وتدعي لي علشان ربنا يرحمني ويغفر خطيتي وينزلني فسيح جناته، استجب يا رب العالمين، اللهم آمين.

مسح عم محمود وجهه بكلتا يديه وحضن مصطفى ابنه وقبله في جبهته، ضحك مصطفى وربت علي كتف أبيه وقال له ” والله العظيم أنت راجل طيب يا بو مصطفى، ربنا يسمع منك، عن أذنك يابا علشان أروح استعد لخطبة الجمعة “.

كان عنوان خطبة الجمعة التي أراد مصطفى أن يلقيها علي الجمع المحتشد في جامع القرية وخارجه، ” الارهاب في الاسلام ” مستندا علي القول” اعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله  وعدوكم “.

كان الحاج مصطفى لا يزال في دورة المياة حين مر برأسه كل هذه الذكريات عن عزبة النصارى وعلي جرجس ابن العمدة المسيحي سابقا وعامل البوفية المسلم حاليا، كانت دموع مصطفى تسيل علي خديه وهو يحاول إيقافها ويمسحها بأوراق الحمام، لم يرد أن يسترسل في البكاء حتى لا يترك البكاء أثره علي عينيه فيراه الاخوة في الاجتماع مما سيضعه في موقف محرج لكن كل ما أراد أن يكتم صرخات قلبه ودموع عينيه حتى شعر أن رأسه ينفجر، رفع مصطفى عينه ويديه وراسه إلي السماء داخل دورة المياة وقال بصوت مسموع يارب أعترف بذنبي لكننى فعلت في جهل وعدم إيمان، وعندها لم يتمالك نفسه فارتفع صوته بالنحيب.

دفع الفضول علي أن يعرف ماذا يحدث مع مصطفى فتسلل إلي دورة المياة التي كانت تتسع لثلاثة أفراد لأستخدامها في نفس الوقت، سمع علي الحاج مصطفى يبكي بصوت عال ويتكلم في الحمام ويعترف بذنبه.

ارتعد علي من نحيب الحاج مصطفى وأسرع خارجا قبل أن يفتح الحاج باب الحمام ويراه ويعرف أنه يتجسس عليه وأنه سمع صراخه ودعائه فيكون علي من الخاسرين، قال في نفسه لو علم الحاج مصطفى أني سمعت ما سمعت سيقتلني ويتخلص مني وهذا أمر سهل بالنسبه له. ولسرعة خروجه من الحمام ارتطم ذراعه علي بباب كابينة دورة المياة التي كان يختبئ بها فعلم مصطفى أن نحيبه ودعائه قد سمع بواسطة شخص ما. لم يكن يعرف من هو، أراد أن يعرف فقال بصوت حاد مرتفع مين معايا في الحمام فلم يجبه علي بل جرى مسرعا وأغلق الباب الرئيسي لدورة المياة ورائه وأبتعد عن المنطقة كلها، غسل مصطفى وجهه ورجع إلي غرفة الاجتماعات. ما أن دخل حتى بادرة الحاج عارف بالقول شفيتم يا حاج مصطفى أجاب مصطفى عفى الله عنكم يا حاج. قال الحاج عارف نرجع لأجابة السؤال الموجه للأخ سيف، الاخوة عايزين يعرفوا فكرة عامة عن الخطوات التي سنتخذها للسيطرة علي الامور في ليلة سقوط القاهرة وخاصة بعد تغيير الخطة A وهي إحتلال مبنى الاذاعة والتليفزيون .

تحفز روح حكيم وقال لابد من معرفة هذه الخطة واستيعابها تماما لنقلها للمسؤلين، نظر روح حكيم لأحد الملائكة الواقفين بجانبه، هز الملاك رأسه ففهم روح حكيم ان هذه ليست مشكلة لدى الملائكة. ترك روح حكيم المكان وذهب ليلقي نظرة علي جسده الملقى في المستشفى.

إلي اللقاء

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا