العدد 142 الصادر في يوليو 2017
الكبير
مازلت مُصِّرًا ومؤكدًا على أن مشكلة الكنيسة عامة في العالم كله على مر العصور والأزمان، وخاصة في مصر، وبالذات في أيامنا هذه التى نعيشها الآن، هي غياب “الكبير” في الكنيسة، وهي ذات المشكلة الكبرى التى بدأت مباشرة بعد انتقال تلاميذ المسيح الأول للسماء إلى جوار ربهم، وبالتحديد بعد انتقال الرسل الأربعة المعتبرين أعمدة في المسيحية وهم بطرس ويعقوب ويوحنا ومن بعدهم بولس رسول الأمم.
وتؤكد المشيئة الإلهية والإعلانات السماوية والتدبيرات الزمنية على أهمية وجود “الكبير” في الجماعة المختارة المرتحلة المتغربة المعروفة بالكنيسة في هذا العالم الحاضر الشرير، كما تؤكدها أيضًا حقيقة تشعب الممارسات الكنيسة وكثرة الاحتياجات المادية والنفسية والمعنوية وصعوبة التحديات الحكومية والشيطانية وتؤكدها أيضًا أهمية وحتمية توحيد الرؤى للأحداث والتحديات التى تواجهها الكنيسة المجاهدة على الأرض وبالتالي حتمية اتخاذ قرارات جازمة، ومواقف حازمة، وأفعال ملزمة للحكومات والرؤساء وبالأولى كثيرًا، وقبل كل شئ، لقياداتها ورؤسائها وشعبها ككنيسة، على الأقل في مصر.
وفي رأيي الشخصى أن وجود “الكبير” وأهميته وتكليفه بمهامه كان وسيظل تدبيرًا إلهيًا سماويًا منذ أن خلق الله القدير جل شأنه الإنسان. فعندما خلق الله آدم، الإنسان الأول، خلقه كبيرًا ورأسًا لا لنسله من الناس فحسب، بل خلقه رأسًا لكل ما في الأرض وما يدب عليها من مخلوقات، في ذلك يقول الوحي الإلهي عن آدم وحواء: “وباركهم الله وقال لهم: “أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض”، ولأن آدم كان “الكبير” في الأرض وفي عائلته والمسئول عنهما، عندما أخطأ هو وحواء وأكلا من الشجرة المحرمة خاطب القدير آدم أولاً بالقول، أين أنت، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ وكأنه الوحيد المسؤل عن الأكل من تلك الشجرة.
وعندما أغرق الله، من لا رادًا لقضائه، الأرض وما عليها ومن عليها بمياه الطوفان كلف القدير نوح وبنيه أن يكونوا “الكبير” في الأرض وأن يتسلطوا عليها جميعًا في قوله تعالى: “وبارك الله نوحًا وبنيه وقال لهم: “أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض. ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء، مع كل ما يدب على الأرض، وكل أسماك البحر. قد دفعت إلى أيديكم”.
وعندما قرر العليم الحكيم أن يختار شعبًا في الأرض ليظهر فيه عظمة جلاله وقوة اقتداره وغنى لطفه ومحبته للإنسان اختار أبانا إبراهيم ليكون “الكبير” لكل قبائل الأرض قائلاً له: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض”.
وهكذا الحال عندما أراد أن يخرج شعبه المتغرب في أرض مصر أقام لهم “الكبير” وهو كليمه موسى وأرسله قائلاً: “فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر”. وجعل، سبحانه، موسى قائدًا ومرشدًا ومشيرًا وحلقة الوصل بينه تبارك اسمه وبين شعبه العبرانيين صلبي الرقاب.
أما في العهد الجديد، وهو ما يخصنا في المقام الأول، فقد أقام المسيح، وقت تجسده على الأرض، من التلاميذ دائرته الخاصة المقربة والمكونة من بطرس ويعقوب ويوحنا، أولئك هم الذين أخذهم معه على جبل التجلي، فأبصروا هيئته عندما تغيرت وسمعوا الصوت الآتي من السماء: “هذا ابنى الحبيب الذي به سررت له اسمعوا”، وهؤلاء هم الذين كانوا أقرب من بقية التلاميذ مكانًا له عندما كان يصلي في ساعته الأخيرة قبل الصليب في بستان جثسيماني، وهم أنفسهم الذين قيل عنهم المعتبرين أعمدة والذين كانوا يأخذون بإرشاد الروح القدس القرارات الخاصة بكل ما يتعلق بشؤون الكنيسة بعد تأسيسها في يوم الخمسين. ومن هؤلاء التلاميذ الثلاثة أقام المسيح بطرس الرسول في مقام “الكبير” للكنيسة وحَوَّلَه من رمال “صفا” إلى صخرة “بطرس” ووعده أنه على صخرة اعترافه أن المسيح هو ابن الله الحي سيبني -تبارك اسمه- كنيسته وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، ثم قال له: “وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات “وتمم القدير وعده الذي لا يمكن أن ينسخ؛ فاستخدم بطرس في فتح ملكوت السموات لليهود يوم الخمسين حين وقف وخاطب الجموع عن حقيقة موت ودفن وقيامة المسيح وإرساله لما أنتم ترونه الآن أي الروح القدس وعلامة الألسنة المنقسمة كأنها من نار فانضم إلى الكنيسة ثلاثة آلاف في عظة واحدة، ثم للأمم في بيت كرنيليوس بعد أن علمه أن لا يقول عن شيء دنس أو نجس بل يذهب إلى الأمم، أي غير اليهود، ويخبرهم عن يسوع المبشر به ديانًا للأحياء والأموات، وحتى بعد إنكار بطرس له وإنكاره معرفته، له المجد، أمام العبيد والجواري ظل هو “الكبير” للكنيسة، فقال له السيد وهو عالم بإنكاره: “وأنت متى رجعت ثبت إخوتك”، ثم قال له المسيح قبل صعوده إلى السماء: “ارع خرافي”، ثم “ارع غنمي”، ثم ثالثة “ارع غنمي”. لذا فمن كل ما تقدم، وبالرغم من قيادة الروح القدس، غير المرئي للناس بالعين المجردة، يظهر أهمية وجود “الكبير” المرئي والمسموع والملموس في الكنيسة على الأرض.
ولتوضيح فكرة وأهمية وضرورة وجود “الكبير” في الكنيسة سأتخذ من بطرس الرسول مثالاً عمليًا.
“الكبير” في الكنيسة قد يكون شخصًا واحدًا كما كان بطرس أو جماعة من التلاميذ كمجموعة مثل “بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس”. وبلغة أيامنا هذه قد يكون ممثلاً عن كل طائفة كبرى أو حتى شخص واحد يمثل المسيحيين عامة في مصر. فبالرغم من كل ما ذكرته عن معاملات المسيح مع بطرس سابقًا إلا أنه من الواضح أن بطرس لم يكن الحاكم بأمره في الكنيسة، وما كان على الجميع أن ينحنوا له إلى أن يلمسوا الأرض أمامه ويقبلوا يديه، أو أن يصبح رضاؤه عن أترابه هو من رضى الرحمن عليهم ، وغضبه حرمانًا من دخول النعيم ومغفرة خطاياهم. ولست أظن، بل أجزم بكل تأكيد، أن بطرس الرسول لم يكن يلبس لبسًا معينًا يعرف منه الغرباء أنه “الكبير” بينهم أو يضع عمامة على رأسه تختلف في حجمها أو شكلها عن بقية الرسل والتلاميذ، أو حتى سائر المؤمنين البسطاء المساكين، ولم يكن يحمل في يده عصا لا يحملها إلا هو، أو من يُختار “الكبير” من بعده. وأثق أن بطرس لم يكن يَقْبَل أبدًا أبدًا أبدًا أن يحمل لقبًا ما، لا يمكن أن يحمله مؤمن آخر بكنيسة المسيح، ولا أن يدعوه الناس سيدنا أو أن يشترك مع المسيح في ألقابه السماوية مثل “راعي الرعاة”، أو “رئيس كهنة الله”، أو “المعظم”، أو “الأب”.. وغيرها، لكن بطرس “الكبير” كان مقدامًا في المعاناة وتحَمُّل الضيقات، وفي النهاية الصلب كسيده المسيح، لكن كما يقول التقليد إنه لم يرد أن يموت مصلوبًا كسيده ورأسه مرفوعة إلى فوق بل طلب أن يصلب منكس الرأس. وكان بطرس “الكبير” أيضًا في استقبال الإعلانات السماوية والتصريح بها وتنفيذ القرارات السماوية والتكليفات الإلهية التى كان يعلنها الروح القدس لجماعة المعتبرين أعمدة ولبقية الكنيسة المجتمعين المصلين الصائمين المستعدين لسماع وطاعة وتنفيذ ما يعلنه الروح القدس لهم مهما كلفهم ذلك من معاناة واضطهاد.
أما صفات “الكبير” الذي نحتاجه في مصر، هى نفسها التى أرسى أساساتها الروح القدس وكما هى مدونة ومفهومة من الكتاب المقدس أنه:
١- شخص تسلم هذا المقام والتكليف والتأييد من الروح القدس مباشرة دون تدخل من الناس بأي شكل من الأشكال، لا بالتزكية ولا بالترشح، ولا بالانتخابات، ولا لأنه دكتور أو مهندس ولا لأنه أغنى من في الكنيسة، ولا لأن أباه أو عمه هم الذين بنوا الكنيسة وهم رعاتها وأصحابها وهم الذين يدفعون مرتب القسيس أو يطعمون ويستضيفون زائري الكنيسة عندما يأتون للخدمة بها، ولا لأن أباه كان كاهنًا، ولا لأن صوته جميل في تلاوته للقداس أو الترنيم ولا لأنه يعرف كيف يعظ وفلاح من فلاحي الكتاب، ولا لأي سبب آخر مهما كان، بل تسلمه من الروح القدس من قال: “افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه”. فالمسئولية الوحيدة الملقاة على عاتق الكنيسة أو مجلسها أو مجمعها، إن كان مجمعًا مقدسًا أو غير مقدس، في اختيار “الكبير” هي أن تخدم الرب وتصوم وتصلي كما علمنا الكتاب المقدس فيتم القول الكتابي: “وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: “افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه”. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي، ثم أطلقوهما”.
٢- الكبير هو الشخص الذي يعلن له روح الله القدوس ما قد يخفى على كثيرين. فلقد أعلن الله لبطرس أن للأمم نصيبًا في المسيح مساو لليهود تمامًا عند إرساله إلى بيت كرنيليوس، وعندما قامت مشكلة الإخوة الذين كانوا يريدون الأمم أن يتهودوا قبل أن يصبحوا مسيحيين استخدم الله بطرس بكلمات قليلة وبتأييد من الروح القدس لحل هذه المشكلة، كما جاء في سفر أعمال الرسل الأصحاح الخامس عشر في القول: “فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الأمر. فبعد ما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم: أيها الرجال الإخوة، أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون…”، وكانت النتيجة كما دونها الكتاب: “…. فسكت الجمهور كله”. فالكبير شخص لابد أن يسكت أمامه الجمهور كله ليس خوفًا وخنوعًا واتقاءً لتطبيق سلطان الحل والربط واللاحل واللا بركة بل بسبب هيبة الروح القدس الذي يعطيها له، فيخشاه الآخرون بسبب عمل الروح القدس فيه والذي يملأه الروح القدس بثماره ومواهبه. والسكوت أمام “الكبير” لا يكون بسبب سلطانه الممنوح له من أهمية كرسيه أو من المنتخِبين أو المعينين أو المختارِين له، حتى لو كان بانتخاب حر مباشر أو بقرعة هيكلية.
٣- شخص يقوم بممارسة مهام “الكبير” كمن هو كبير بكل حكمة ووقار وإرشاد من الروح القدس، لا يخاف إلا القدير ولا يحابي الوجوه، ولا ينطق إلا بالصدق ولا يجامل أو يهادن الأشرار، حتى لو كان يفعل ذلك اتقاءً لشرهم ومكائدهم ولؤمهم، شخص لا يجرى وراء الشهرة أو التفاهات أو الأضواء أو القنوات الفضائية واللقاءات التليفزيونية كالأطفال، وعندها سيحترمه ويهابه ويخضع له الجميع، لأنه “الكبير” صاحب الحكمة والمشورة والاتضاع والبصيرة الروحية السماوية والخالي من التطلعات والأغراض الشخصية ومتمم في حياته وحياة الكنيسة المشيئة الإلهية لا أكثر ولا أقل. شخص يعمل ويتحرك ويتصرف ويتكلم كمن هو بالحقيقة “الكبير”، فيسمع له الآخرون مميزين الحكمة الممنوحة له من السماء.
٤- شخص لا يخضع لألسنة الناس والجماعات أو ضغوط السلطات والحكومات أو سطوة الجهات الأمنية أو الدينية أو حتى الشيطانية بل يدافع عن الحق بالحكمة وسلاح الروح. ولعل هذه الصفة في “الكبير” هي التى أظهرها بطرس رسول المسيح لليهود في كثير من مواقف حياته. فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما حاول رؤساء الكهنة والسنهدريم في القديم معاقبة بطرس ويوحنا على شفائهما مقعد باب الجميل ومناداتهما في المسيح بالقيامة من الأموات، تقول القصة حسب ورودها في كتاب الله، الكتاب المقدس أن رؤساء الكهنة قالوا بعضهم لبعض: “لئلا تشيع أكثر في الشعب، لنهددهما تهديدًا أن لا يكلما أحدًا من الناس فيما بعد بهذا الاسم”. فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة، ولا يعلما باسم يسوع. فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا: “إن كان حقًا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله، فاحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا” وقالا لهم أيضًا “وليس بأحد غيره (غير المسيح) الخلاص. لأن ليس اسم آخر (غير اسم المسيح) تحت السماء، قد أعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص”، وأنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس”.
ولعل السؤال المهم وبيت القصيد في هذا المقال هو: لماذا لا بد من أن يكون هناك “الكبير” المنظور للكنيسة المجاهدة على الأرض؟
وللإجابة على هذا السؤال، أقول إن القضايا والصراعات والتحديات التى تواجه الكنيسة اليوم، سواء من داخلها أو خارجها، تتطلب وتحتم أن يكون هناك “الكبير” الذي تتجمع فيه الصفات سابقة الذكر، حتى يستطيع الروح القدس أن يحقق ما يريده، خاصة في مصر وفي هذه الأيام بالذات. فمن هذه القضايا والمشاكل الداخلية في الكنيسة والتى تحتاج إلى “الكبير”، بكل صفاته السابقة الذكر:
١- قضية الرأي الموحد للكنيسة أمام العالم والحكومات تجاه كل ما يمر به العالم، وخاصة مصر من قضايا ومشاكل وعلاقات وخلافه، فقد كان من المفروض أن تعلم الكنيسة أنها في العالم لكنها ليست من العالم، وتعلم أنها الوحيدة التى تمتلك القوة والقدرة على حل مشكلات العالم كله، وأنها بإمكانياتها وأسلحتها الروحية هي الوحيدة القادرة على هدم حصون الشيطان وهدم كل علو يرتفع ضد معرفة المسيح في كل مكان، لكن كنيسة اليوم تعمل عكس دعوتها تمامًا، فالكنيسة أصلاً منقسمة على ذاتها، متصارعة، وفي كثير من الأحيان متحاربة، إنجيليين وأرثوذكس وكاثوليك، وداخل كل منها انقسامات وصراعات ومنافسات وخيانات وسرقات ومحاربات على مستوى الطائفة الواحدة، ومع ذلك فهي تخفي رأسها في الرمال وتكذب على نفسها ومن حولها وتحاول أن تقنع الجميع أننا كمسيحيين مصريين نعيش أزهى عصورنا. فهل نحن كمسيحيين نعيش في حقبة مستمرة من المعاناة والاضطهاد والقتل وتدمير الكنائس والأسلمة القصرية الجبرية والذي يزداد بمرور الأيام والسنين وتتعدد أساليبه؛ أي إننا نعيش في أسوأ أيامنا وعصورنا أم أننا في الحقيقة نعيش في أحسن أيامنا وأزهى عصورنا؟! ترى من من المفروض أن يصدق العالم الخارجي، الذي أصبح قرية صغيرة، يمكنه مشاهدة ومباشرة كل ما يحدث في العالم في ثوان معدودات، من يصدقون؟ أيصدقون عيونهم وآذانهم وحواسهم الخمس أم يصدقون ما تُصَدِّرهُ لهم الحكومات العربية والكنائس المسيحية وقياداتها الدينية والسياسية والذين من المفروض أنهم يلعبون دور “الكبير”؟
2- قضية أخرى تحتاج إلى “الكبير” هي قضية حل المشاكل الكنسية مع بعضها البعض، فمما لا شك فيه أن المشكلات المسيحية المتمكنة والمستوطنة التى تواجه “الكبير”، إن وجد في الكنيسة اليوم، كثيرة متشعبة وحلولها ليست سهلة بسيطة، لكن الملاحظ، من أصحاب العيون المفتوحة في الكنيسة، إنها هي نفس المشكلات التى كانت تواجه “الكبير” الأول في الكنيسة الأولى، سواء من خارج الكنيسة أم من داخلها وبين أهلها. فأول المشكلات التى كانت تواجه الكنيسة الأولى، كنيسة “الكبير” بطرس، هي مشكلة من يكون الأول. والحقيقة إن هذه المشكلة بدأت في الظهور قبل موت المسيح وقيامته. ففي طريقه -تبارك اسمه- للصليب حدثت مشاجرة بين تلاميذه فيمن عسى أن يكون الأول بينهم، من سيجلس عن يمينه وعن يساره، حتى اضطرت أم ابني زبدي أن تقابله وتخاطبه وتطلب منه أن يقول ويجعل ابنيها يجلسان عن يمينه وعن يساره في ملكوته. وواضح أن القضية قد تم حلها يومئذ بواسطة القادر على كل شيء، لكن العدو الشرير كثيرًا ما أعادها ويعيدها مرة ومرات أخرى للكنيسة، فيقنع كل من رجالها أنه الأقدر على رئاستها والأحق بكرسي قيادتها وبأن يكون “الكبير” فيها، ولذا فكثيرًا ما تطايرت الاتهامات والتخوينات، وكتب بعضهم المقالات في الصحف والمجلات، بل منهم من كتب الكتب وصرف الوقت والجهد والمال في طباعتها ليبين الانحرافات في انتخابات الكنائس والمجالس الملية على اختلاف طوائفها، مع أن الحل البسيط المباشر الذي وضعه سيد كل الأرض مازال يعمل بكامل قوته، فما علمه السيد جاء في القول: “فدعاهم يسوع وقال: “أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبدًا، كما أن ابن الإنسان لم يات ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين”.
إذن ووفقًا للنص السابق يكون “الكبير” هو الخادم والعبد، ومن يبذل نفسه فدية عن الآخرين.
3- مشكلة الطائفية والذين يخالفوننا من المسيحيين في العقيدة والممارسات الروحية، وهذه أيضًا مشكلة قديمة منذ أن كان سيد كل الأرض المسيح -تبارك اسمه- مازال بالجسد يمشي على أرضنا، وظهرت عندما جاء تلميذه يوحنا إليه قائلا: “يا معلم رأينا واحدًا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا فمنعناه لأنه ليس يتبعنا”. فقال يسوع : “لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعًا أن يقول علي شرًا. لأن من ليس علينا فهو معنا”. وما أبعد الفرق بين ما قاله المسيح وما تمارسه الكنيسة في هذه الأيام، المسيح يقول: من ليس علينا فهو معنا، أما الكنيسة على اختلاف طوائفها تعتبر من ليس معنا فهو علينا، من لا يؤمن بما نؤمن به فهو علينا، من لا يعتمد بالطريقة التى نعمد بها، فهو علينا وضد تعاليمنا، من لا يتزوج بطريقتنا وعن طريق كاهن أمام مذبح فهو علينا وهو زان بمن تزوج بها وأولادهم نغول لا بنين، ومن يقاوم هذه الأكاذيب فهو علينا، من ليس معنا في طائفتنا فهو علينا وهو من الذئاب الخاطفة، متمرد منشق عن الكنيسة الأم وتعاليم الآباء الصحيحة، حتى صرح أحد كبارهم، في لقاء تلفزيوني مباشر على الهواء وفي قناة غير مسيحية ولمذيع مسلم أصيل، عن المسيحيين الذين لا يتبعون كنيسته التقليدية أنهم غير مسيحيين وأنهم جميعًا ذاهبون إلى جهنم. وتجاسر أحدهم وقال: “مسيحنا غير مسيحهم، وكنيستنا غير كنيستهم، ولا حل ولا بركة لمن يحضر اجتماعاتهم”، كل هذا ولم يخرج من هو في مقام “الكبير” لهذه الطائفة ليصحح ما قاله الأول أو الثاني. وبناء على ما تقدم في هذه النقطة، فنحن نحتاج إلى “الكبير” في الكنيسة الذي يقاوم مثل هذه الأقوال الحمقاء والتصرفات الخرقاء وأن يعلن أن شعب المسيح المغسول بدمه الكريم شعب واحد، شعب اقتناء، وأننا جميعًا في المسيح أمة واحدة مقدسة، وأننا جميعًا عند المسيح كهنة وكهنوتنا ملوكي من رب السماء والأرض.
4- الكنيسة تحتاج إلى الكبير لحل مشكلة الاختلافات في التعليم. فلم تعد هناك تعاليم واضحة محددة لكل طائفة مسيحية كما كانت في القديم. فمن القسوس والقادة الإنجيليين من يؤمنون أن هناك ظهورات للقديسين الأموات في عالم الأحياء اليوم، وخاصة القديسة المطوبة العذراء مريم ويصلون أنها تظهر فوق الكنائس الإنجيلية أيضًا، كل الكنائس الإنجيلية، ومن تلامذته من قال على منبره إننا كإنجيليين ينبغى أن نعتذر للأرثوذكس لأننا لم نؤمن بظهور القديسين وبسبب ما أوقعناه عليهم من عزلة واضطهاد. ومن القسوس الإنجيليين من يؤمنون أيضًا باستحالة الخبز وعصير العنب إلى جسد المسيح الحقيقي ودمه الحقيقي، ومنهم من يؤمن أن لاهوت المسيح قد فارق ناسوته عند موته وهذا ضد ما يؤمن به آخرون من أن لاهوته لم يفارق ناسوته لا لحظة ولا طرفة عين، وحتى اختبار التجديد الذي كان يصر الإنجيليون على أنه يحدث في لحظة، مما جعل “كبير” في الكنيسة الأرثوذكسية يكتب كتابًا بعنوان: “بدعة الخلاص في لحظة” ضد هذا الفكر الذي يراه الأرثوذكس فكرًا منحرفًا، أصبح اليوم عند بعض الإنجيليين غير صحيح وأن اختبار الخلاص لا يتم في لحظة معينة، بل هو اختبار يستغرق العمر كله. وحتى وجود جهنم من عدمه أصبح اليوم مثار جدل وخصام، فهناك من ينكر وجود نار حرفية لا تطفأ ودود حرفي لا يموت وأن دخان عذاب الأشرار لن يصعد إلى أبد الآبدين، لأن الأشرار سيحرقون بالنار ولن تبقى لهم بقية في جهنم بعد حرقهم، ومنهم من يجاهر أن العذراء مريم المطوبة هي التى قامت بشفائه شخصيًا من حصوة بالكلى، ويؤكد ويصر على أنه عندما قال للراهب الذي جاء من الدير ليقول له إن العذراء المطوبة، قالت لهذا الراهب إن يأتي إليه وهي ستشفيه، وعندما قال له صديقي المريض أنا أعلم أن يسوع سيشفينى، أجابه الراهب بكل حزم: “لا العذراء هي التى ستشفيك ليس المسيح” وقد كان!!
ولذا فلو كان هناك كبير في الكنيسة المصرية ككل، أو حتى لو كان لكل طائفة كبيرها لواجه على أقل تقدير المنادين بمثل هذه الهرطقات والخزعبلات والنظريات غير الكتابية بالحجج الكتابية والتاريخية وجاء معهم إلى كلمة سواء، ولكان أدانهم حسب الكلمة النبوية التى هي أثبت، أو طالبنا جميعًا، وخاصة الإنجيليين، بالإيمان بها وتغيير أفكارنا وإيماننا ومعتقداتنا. ولكان قد شرح لنا وعلمنا أن كل ما يحدث الآن مما ذكرت سابقًا ما هو إلا عمل روح الغي التى مزجها الله في وسط أرض مصر وروح التدين وروح ضد المسيح وغيرها من الأرواح الشريرة التى ينبغي أن ننتبه إليها ونخضع لله ونقاومها فتهرب منا.
5- الكنيسة تحتاج إلى “الكبير” ليعلمنا كيف نتعامل مع المسلمين في مناسباتهم الخاصة، ويجيبنا بالروح القدس على عدة أسئلة محيرة للإنسان المسيحي العادي، على سبيل المثال: هل يصح أن ندعو المسلمين بكلمة أخي وأختى؟، ويوضح لنا “الكبير” أن هناك فرقًا بين الإخوة في المسيح وهذه هي الإخوة الحقيقية التى علمنا إياها المسيح، عندما قال عنا نحن المؤمنين به: “أخبر باسمك إخوتي…” وبين الإخوة في الوطن والإنسانية وخلافه، فنحن كمسيحيين إخوة بعضنا لبعض لأن هناك أخًا بكرًا (المسيح يسوع) اتخذ كل من يؤمن به ويولد من الروح القدس أخ له -تبارك اسمه- هل يحق لنا كتابيًا أن نظهر للمسلمين محبتنا بأن نصوم معهم رمضان ونفطر معهم عند انطلاق المدفع؟، هل يحل لنا أن نطعمهم في موائد الرحمن وهم الذين يصومون حسب إيماننا المسيحي لروح ضد المسيح الذي يعلمهم عن المسيح أنهم “ما قتلوه وما صلبوه ولكن قد شبه لهم”؟، هل يحل لنا أن نفتح لهم كنائسنا للوضوء قبل صلاة الجمعة وهل نسمح لهم بالصلاة لروح ضد المسيح على منبر المسيح في كنائسنا التى هي من المفترض أنها كنائس المسيح؟، هل يحل لنا أن نحتفل بالمولد والميلاد في لقاء واحد بيننا وبينهم؟، هل يحل لنا أن نقيم في كنائس المسيح سهرات رمضانية يتم فيها الإنشاد الديني للمسيح ولروح ضد المسيح؟، هل يحل لنا أن ندخل معهم إلى جوامعهم ككهنة أو حتى كشعب مسيحي بسيط ونصلى معهم؟، هل حقًا إنه يمكننا أن نصلى في جوامعهم إن أحرقوا لنا الكنائس؟ ألا يرى حتى واحد فقط في مصر كمية الغي والتشويش الروحي العالي الذي نعيش فيه، قادة وشعب، كهنة ورؤساء كهنة وقسوس ورؤساء قسوس في مصر في هذه الأيام، والمصيبة الكبرى أن هذا التشويش يبدأ ويصيب ويعوق كنيسة المسيح بدعوى إظهار المحبة.
6- الكنيسة المصرية اليوم تحتاج إلى “الكبير” لكبح جماح الكثير من الفضائيات المسيحية التى استباح أكثر مؤسسيها اللعب بعواطف ومشاعر المستمعين والمشاهدين وألقوا في عقولهم وقلوبهم كميات هائلة من التعاليم الفاسدة والتواضع الكاذب والغش الروحي والكذب المستتر، فاختلط الحابل بالنابل، ولا يمكن للمشاهد البسيط العادي أن يميز الغث من الثمين ولا الحقيقة من الكذب.
7- الكنيسة المصرية اليوم تحتاج إلى “الكبير” الذي يستطيع أن يدخل إلى الفرعون كما فعل موسى الكليم “الكبير” في شعب الله القديم، ويقول له آمرًا “أطلق شعب الرب الذين في مصر ليعبدوه، وإن كنت تأبى أن تطلقه فستنزل عليك وعلى شعبك وإلى قلبك وبيتك ضربات لن تستطيع تحملها”، وعندما لا يسمع له الفرعون يكون قادرًا على رفع يده إلى الله العلي، فيأتي المولى بضرباته على مصر حتى يجبر الفرعون ورجاله على إطلاق شعب الرب في الحرية، فشعب مصر هو هو كالقديم لن يلتفت إلى شعب الله ولن يهابه ولن يتركه في حاله إن لم يرَ عجائب الإله القادر على كل شيء وحده، ولن يطلق الفرعون شعب المسيح في مصر إلا بعد أن يختبر يده تعالى القديرة وذراعه القوية التى تهز أرض مصر بكل قوة. والكنيسة تحتاج إلى “الكبير” الذي يستطيع أن يقول للفرعون ينبغي: “أن يطاع الله أكثر من الناس”.
اللهم أرسل لنا “الكبير” من عندك، فأنت السميع القدير، واحم شعبك من روح الغي، واكشف بروحك كل تدبير شرير، وامنحنا حكمة لنعلم أنك وحدك الجبار البصير.