أقباط بسطاء مسالمون يعيشون فترة الصوم الكبير ويستعدون لاستقبال عيد القيامة المجيد ويتخيلون أن أشقاءهم في الوطن سيأتون لتقديم التهاني لهم بالعيد ولم يدر بخلدهم أن هناك هدية من نوع آخر لهم بمناسبة العيد تنتظرهم فإذ باعتداء غاشم يشنه المتطرفون المتشددون على مسيحيي قرية الفواخر بالمنيا وعلى بيوتهم وممتلكاتهم وأرواحهم إلى جانب حرق منازلهم ونهبها. كل هذا نتيجة شائعة ضالة انتشرت بأن الأقباط ينوون بناء كنيسة في القرية وكأن الكنيسة رجس من أعمال الشيطان، وإذ بالغوغاء والرعاع المتطرفين يخرجون حاملين المشاعل يحرقون عددًا من بيوت المسيحيين ومتاجرهم ويقومون بنهبها مما أدى لإصابة البعض نتيجة الاعتداء عليهم بالضرب والطرد. وحين شعر الأنبا مكاريوس أسقف المنيا أن هناك غيومًا في الأفق وشيئًا ما جللًا سيحدث قام بالإبلاغ عن تهديدات بهجوم محتمل قبل الواقعة بأربعة أيام. هذه قرية بها حوالي 20 ألف مسلم وأقلية يبلغ عددهم حوالي 40 أسرة مسيحية ويتبع القرية نجع حربي به عائلات مسيحية، والقرية لا توجد بها كنيسة وكذلك الحال بالنسبة للقرى القريبة منها، لذا يقوم أحد الكهنة بخدمة القرية بالصلاة في المنازل. وفي يوم 22 أبريل، استدعت الجهات المختصة لبعض الأقباط لسؤالهم حول وجود كنيسة أو الشروع في بناء كنيسة وتم التأكد من عدم الشروع في بناء كنيسة ومع ذلك تم وضع غفر حراسة أمام أحد هذه المنازل وهو ما أوحى لأهالي القرية بأن الشائعة قد تكون صحيحة، ومن هنا بدأت المؤامرة والإعداد لها من يوم 18 أبريل، حيث بدأت بمنشورات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي وقام المتطرفون بعد ذلك بإلقاء زجاجات حارقة على بعض المنازل. وحين قام أحد الأقباط بوضع كاميرا على منزله حمايةً له طلبت منه الأجهزة الأمنية رفعها رغم أن هناك البعض من سكان القرية يضعون كاميرات على بيوتهم، لتتوالي الأحداث. وفي يوم 23 أبريل، تم نشر منشور من قِبل المتطرفين للتحريض على الهجوم على الأقباط بحجة أنهم ينوون بناء كنيسة وأنه يجب حماية القرية من بناء كنيسة، وتم إرسال هذه المنشورات إلى الجهات المعنية والأمنية لاتخاذ الإجراءات الاحترازية والتي أفادت بأنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة. ولكن في العاشرة والنصف مساءً، بدأ هجوم التتار على منازل الأقباط ونهب بعضها وحرق البعض الأخر، وتم الاعتداء على النساء والبنات ومحاولة خطف الأطفال وترويع الآمنين المسالمين ومنع خروج الأقباط بالقوة باستخدام الأسلحة النارية. وقام المعتدون الجبناء الهمج بتصوير النصر المبين لحرائق منازل الأقباط وسط التهليل والهتاف والتكبير بانتصار المؤمنين على الكفار في موقعة الفواخر. وبعد ساعة من الأحداث، وصلت قوات الأمن وسيطرت على الموقف وتم القبض على عدد كبير من المحرضين والمنفذين ليتلقى الأقباط تهديدات أخرى من بعض أسر المقبوض على عدد من ذويهم . وتتوالى الأحداث ولكن في قرية أخرى في محافظة المنيا أيضًا إذ تعرض أقباط قرية الكوم الأحمر بالمنيا يوم 26 أبريل لاعتداءات من قِبل متطرفين بالقرية حيث تجمهر العشرات عقب صلاة الجمعة للاحتجاج على بناء كنيسة حاصلة على ترخيص بناء رسمي وتم سد البيارة ورشق المنازل بالطوب. وهنا أتساءل ومعي الكثيرون: هل وجود مكان عبادة للمسيحيين رجس من أعمال الشيطان وينجس القرية المقدسة؟ هل يجرح مشاعرهم هذا البناء الذي تخرج منه صلوات تضرع لله بينما لا تفرق معهم أماكن اللهو والمقاهي المنتشرة؟ هل ما قام به هؤلاء المتشددون انتصار لعقيدة الأغلبية؟ يا مَنْ تتشدقون بأن الأقباط شركاء الوطن ولهم ما لنا وعليهم ما علينا: أين يصلون ويعبدون الله؟ هل كل هذه الحرب المقدسة من أجل انتشار شائعة بناء كنيسة؟ ولنفترض على حد تعبير أ. حنان فكري، في مقال لها في جريدة “وطني” إذا افترضنا أنها ليست شائعة، هل هو مبرر للحرق والتدمير والطرد ومحاولة قتل الناس عمدًا؟ هذه ليست سبة وليست عارًا. إنها بيت من بيوت الله.”
* والتساؤل الذي يطرح نفسه هو أنه تم إبلاغ الجهات المسئولة قبل الواقعة بأربعة أيام فلماذا لم تتحرك الجهات الأمنية لمنع الحدث قبل وقوعه؟ وهل عجزت عن الوصول إلى مَنْ أطلق الشائعة قبل أن تنتشر كالنار في الهشيم؟ فبدلاً من استدعاء بعض الأقباط وسؤالهم حول الشروع في بناء كنيسة رغم أنهم يصلون في منازلهم، وقد أكدوا لهم عدم الشروع في بناء كنيسة. فهل حتى الصلاة في البيوت ممنوعة بحكم قراقوش؟ لماذا تم وضع غفراء حراسة أمام أحد المنازل مما أوحى لأهالي القرية المتزمتين أن الشائعة حقيقة. لماذا لم تتابع الجهات التنفيذية والأمنية منشورات التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي والبحث عمن ورائها لوأد الفتنة في بدايتها؟ أليس الفتنة أشد من القتل. ماذا يضير الأجهزة الأمنية من أن يضع أحد الأقباط أسوة بالأشقاء الآخرين من المسلمين كاميرا لحماية منزله؟ بل قد تساعدهم في الوصول إلى المعتدين ومَنْ ينتهكون حرمة الناس، فالكثير من سكان القرية يضعون كاميرات. ما هو الإجراء الذي اتخذته الأجهزة المسئولة والأمنية حين تم نشر منشورات من قِبل المتطرفين للتحريض على الهجوم على الأقباط يوم 23 أبريل رغم أنه تم إرسال هذه المنشورات إلى الجهات المعنية والأمنية لإعلامها بها لكي تتخذ الإجراءات الاحترازية لمنع حدوث كارثة قبل فوات الأوان ووقوع الكارثة بالفعل؟ ماذا فعلت الأجهزة الأمنية حين نفذ المتطرفين تهديداتهم في نفس اليوم؟ لقد قمتم مؤخرًا بالقبض على المعتدين فهل سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية وتجري محاكمة المحرضين والمنفذين لهذه الجريمة الشنعاء التي ارتُكبت في حق مَنْ تدعون أنهم شركاء الوطن من أجل السلام الاجتماعي وأمن الوطن؟ هل ستتم محاكمة هؤلاء الغوغاء أم سيتم اللجوء إلى سياسة التوازنات والقبض على البعض من هنا والبعض من هناك؟ أم ستلجأون إلى جلسات الخزي والعار فيما يُعرف بالمجالس العرفية، حيث يساعدهم في ذلك بعض الأقباط المتخاذلين الذين يبحثون عن أن يتبوأوا مكانة ما حتى لو كانت على حساب البسطاء ويفلت الجناة كالعادة بجرائمهم؟ هل تتم محاسبة مَنْ تقاعس من الجهات المسئولة؟ أين عمدة القرية ورئيس المركز والمحافظ والنواب؟ والغريب والعجيب أنه بعد الاعتداء في قرية الفواخر بثلاثة أيام يحدث اعتداء آخر في قرية الكوم الأحمر بنفس المحافظة؟ هل يأخذ قانون البلد مجراه؟ فها هي الأحداث الطائفية المشينة تتوالى خاصةً في محافظة المنيا فهل تحولت المنيا إلى إمارة داعشية؟ يجب أن يراعى في تعيين القيادات التنفيذية والأمنية على كافة المستويات في محافظة المنيا الاختيار الدقيق والأفضل والمناسب، ويجب على كل الجهات المسئولة في الدولة على كافة المستويات التحرك والتصرف لكي تأخذ العدالة مجراها لأنه إن لم تنصفهم عدالة الأرض فستنصفهم عدالة السماء لأنه مَنْ أمين العقاب أساء الأدب.