العدد 73 الصادر في أكتوبر 2011 العدالة والحرية وطفلتهما الديمقراطية
قالوا في الأمثال: “شر البلية ما يضحك” فما أكثر المفردات التي يستخدمها الناس، وخاصة العرب، في وصف بلد أو جماعة أو حزب وما إلى ذلك، وما أحلى الأسماء التي يطلقها الوالدون على أولادهم عند مولدهم، وبمرور الأيام يصبح من الواضح، أن هذه المفردات أو الأسماء المستخدمة في تعريف أو وصف أصحابها، لهي أبعد ما تكون عن حقيقتهم، بل وقد تثبت الأيام، في كثير من الأحيان، أن صفات الأبناء أو الحكومات أو الأحزاب، إنها عكس ما تشير إليه هذه الأسماء، وعكس ما رجوه الوالدون في أولادهم، أو المواطنون من حكوماتهم أو أحزابهم.
فقد تجد من هو نكدي وعصبي ويعاني من اكتئاب مزمن، ولا تعرف الابتسامة طريقها إلى وجهه، مع أن اسمه سرور، ومن هو قصير القامة واسمه نخلة، وزير للنساء واسمه عفيف أو الشريف، وبخيل اسماه أبواه كريم، وقبيح الوجه والطبع والخصال والطبيعة واللسان، وأسمته أمه جمال، “وأوطى مخاليق الله” كما تدل على ذلك صفاته وطباعه وأفعاله وجشعه وقد أسموه علاء، وملعون في الدنيا والآخرة بما اقترفت يداه وقد أسموه مبارك، ومن تنجست يده وقلبه ولسانه بالسرقة والغش والخداع واسمه نظيف، ومن يكره نفسه ومن حوله، ويعامل الناس بكل قسوة ودون رحمة، وقد أُطلق عليه اسم حبيب أو العادل، وهكذا الحال في ما يتعلق بأسماء البلاد، فكل بلادنا العربية تقريباً تستخدم كلمة جمهورية، كمصر والسودان وليبيا وسوريا و… الخ، والمفروض أن كلمة جمهورية تعني أن هذه البلاد يحكمها الشعب، وهي ليست مملكة، أي مُلكاً لملك أو لفرد أو عائلة بذاتها، بل لابد لها أن تحكم برئيس مختار من الشعب بطريقة ديمقراطية من بين أهليها، وهو يعلم أن كرسي الحكم ليس قصراً عليه ولا يورث لعائلته، ببساطة لأن البلاد جمهورية، ومع ذلك فليس من رئيس عربي تخلى عن منصبه بطريقة سلمية ديمقراطية، بانتخابات حرة نزيهة، بل يبقى الرئيس العربي في الحكم حتى يُقتل أو يُخلع بثورة، أو يشيخ ويأخذه المولى عز وجل إلى مآله الأخير، و توريث الحكم في بلادنا العربية كاد أن يصبح أمرا مقضياً، مقبولاً كان أم مرفوضاً من الشعب، يُجَرَّم كل من يعترض عليه، فصدام كان يُعد قصي ابنه ليخلفه في حكم العراق، ومبارك كان كل حلمه أن يصبح جمال ابنه رئيساً يخلفه، لذلك لم يعين نائباً للرئيس طيلة فترة رئاسته، أما في سوريا فقد غيَّر البرلمان السوري الدستور، وفصله ليتناسب مع عُمْر بشار ابن الأسد الأب، حتى يتمكن سيادته من أن يرث سوريا بعد والده، وهكذا الحال مع ليبيا واليمن وغيرها. ناهيك عن أسماء الأحزاب في البلاد العربية، فلم تخلُ دولة عربية من الدول التي تطبق النظام الحزبي، بطريقة أو أخرى، وما أقلها في البلاد العربية، من وجود حزب أو أكثر يضم بين ضفات اسمه كلمة الديمقراطي، مع إنها جميعاً أبعد ما تكون عن المسمى المطلق عليها، فحكومتنا المخلوعة أطلقت على حزبها “الحزب الوطني الديمقراطي” وهو الحزب الذي لم يعرف يوماً معنى الوطن أو الوطنية، والمواطن والمواطنة، ولم تعرف الديمقراطية طريقها إليه أبدا، وما كتبته في مقالاتي في هذه الجريدة، الطريق والحق، التي أفخر برئاسة تحريرها، ما كتبته في عصر تلك الحكومة المخلوعة، وأيام عظمة حزبها الحاكم، وليس فقط الآن بعد خلعها، ليؤكد ما أقوله، فلست ممن يغيرون كلامهم ومبادئهم وجلودهم، لتتوافق مع سياسة وميول ورغبات الحاكم وحزبه.
وإنه لأمر مفهوم أن تطلق حكومة ما على بلدها اسم جمهورية أو ديمقراطية أو شعبية، وهكذا على أحزابها، أو أن يطلق الوالدون على أولادهم أسماء ولا تدل على صفاتهم بعد الكبر، فهذا أمر واقع وحادث ما دامت هذه الحكومات لم تعلن صراحة أو رسمياً، على لسان رئيسها أو مرشدها أو المتحدث الرسمي باسمها، عن ممارساتها القمعية، ومصادرتها للعدالة والحرية وأفكارها التحزبية الرجعية، وخططها غير العادلة ضد فئة من شعبها ومواطنيها، ولم يخرج معظم رجالها ليعلنوا صراحة عكس ما يفعلون، فالحكومات العربية، وهي أكثر الحكومات ديكتاتورية وغير ديمقراطية، هي أيضا أكثر الحكومات حديثاُ عن العدالة والحرية والديمقراطية، وأكثرها تمثيلاً وتطبيقاً لما يبدوعدلاً وحرية وديمقراطية، لكنها في حقيقة الأمر ليست إلا ظلماً وعبودية وديكتاتورية مستترة أو مقنعة، لكن أن يظهر المسئولون عن دولة أو حزب أو جماعة ما، ويعلنون أن حرية ولا ديمقراطية في معتقداتهم، فمعتقداتهم كما يظنون، هي وصايا وفرائض وشريعة إلهية غير قابلة للنقاش، فلا بد للخضوع لها خضوعاً أعمى، فلا تُناقش ولا تُجادل، ولا بد لهم أن يطبقوها لا على المعتنقين لدينهم فحسب، بل أيضا على من هم خارج دينهم ولا يؤمنون بوحيه وألوهيته ولا عصمته دون الأعتبار لمبدأ العدالة والحرية والحتمى للممارسة الديمقراطية، وفرضها عليهم وهم صاغرين بلا عدل أو مساواة بين المواطنين، سكان الأرض الأصليين، وبين الوافدين عليها والمستعمرين لها، ثم يطلقون على أنفسهم جماعة أو حزب أو دولة العدالة والحرية ، فهذا هو شر البلية الذي يضحك ويبكى في نفس الوقت.
فما أحلى وما أجمل هاتان الكلمتان ” العدالة” و “الحرية” كلٍ على حدة وما أعظمهما وأقوى تأثيرهما مجتمعتان معاً في شخص أو حزب أو حكومة، فكم نتمنى جميعاً أن نرى في حكومتنا القادمة العدالة والحرية وقد اقترنا وتزاوجا وأنجبا لنا طفلة جميلة تسمى الديمقراطية ، وكم نتمنى ان هذا الحزب الذي اتخذ له هذا الاسم العظيم، وظهر كحزب جديد مع إنه ليس بالجديد، بل هو مجرد اسم ثانٍ جديد لجماعة قديمة ليس إلا ان ينشر العدالة والحرية بين المصريين جميعاً مسيحيين ومسلمين.
فالمشكلة الكامنة هنا، أن هذا الاسم الجميل لم يطلق على حزب جديد في المهد صبياً، أي لأناس جدد غير معروفة الهوية والسياسة والتصريحات والتصرفات، أو لمن ثبت من تاريخهم السابق لتأسيسهم هذا الحزب، أنهم دعاة للعدالة والحرية. وحينئذ كُنا تطلعنا وانتظرنا وصبرنا على هذا الوليد الصغير لنرى هل حقاً سيصبح اسم على مسمى عندما يكبر أم لا، لكن أن يطلق هذا الاسم على نفر بالغ ومعروف الصفات والأفعال وردود الأفعال، وكلها تؤكد أن هذا النفر قام بإضافة اسم جديد لاسمه القديم، فقط وليس إلا، و أطلق على نفسه اسماً أو صفة لم، ولست أعتقد أنها ممكن أن تنطبق عليه أو تتوافر به في يوم من الأيام منذ مولده وحتى يومنا هذا، اللهم إلا إذا كانت هناك مفاهيم للعدالة والحرية مختلفة وعكسية تماماً لما تُعرفه القواميس والمراجع والعادات والتقاليد لمفهوم ومعنى العدالة والحرية وبالتالى لطفلتهما الشرعية الديمقراطية.
لذا، فلنبدأ بمعنى العدالة. العدالة كما تُعرفها القواميس والموسوعات اللغوية هي “الحقانية” أي إعطاء كل ذي حق حقه، ولهذا سميت وزارة العدل بالحقانية سابقاً، ثم هي عدم الميل والتحزب مع فريق دون الآخر، والمساواة بإخلاص وعدل بين جميع الأطراف في التعامل مع أفراد أو مجموعات مختلفة فيما يتعلق بموضوع واحد، ولذلك يعلو مبنى وزارة الحقانية القديمة والمعروف بدار القضاء العالي، ذاك التمثال للمرأة المعصوبة العينين أي التي لا ترى سوى الحق، وتحكم بين الناس بالعدل، منزهة عن الهوى والأغراض والميول الشخصية، والمحسوبية والتحيز، وهي تحمل في يدها ميزاناً دلالة على أن الجميع أمام القانون متساوون، وهي تزن الأمور بالعدل والحق.ومعنى الحرية هى ان تفعل ما شئت وتتخذ ما شئت من قرارت ومواقف بلا قيود او تحكم من الخارج فى قراراتك واقوالك وافعالك بشرط ان تعطى الأخرين حقهم فى ممارسة حريتهم دون المساس بها. فالحرية التى تجعلنى انانى لا أرى إلا نفسى ورغباتى ومصالحى وتضر بالغير بأية صورة من الصور هى عين الفوضى والهمجية ويترتب عليها الهدم لا البناء والتقيد لا الإنطلاق فى حرية حقيقية أما معنى الديمقراطية، فهي حكم الناس لأنفسهم بناء على رأى الأغلبية، وهي أيضا حكم الشخص نفسه لنفسه، دون تخويف أو تهديد أو وعيد وهذه هى الحرية الحقيقة كما ذكرت سابقاً. والحقيقة التي كررتها كثيراً، هي أن الديمقراطية وحدها لا تكفي في حكم البلاد والعباد، بل لا بد من اقترانها بأبويها العدالة والحرية، فبالديمقراطية وحدها دون ابويها يمكن أن يقرر المسلمون في انتخابات عامة نزيهة، بحق وحقيق، إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، كما حدث في معركة الصناديق وألا يتولى القبطي منصباً مهماً، أو ما يسمونه حساساً في الدولة، ولكن هل من العدالة أن تتجاهل الأغلبية الملايين من المسيحيين ولا تحفظ لهم حريتهم وحقهم العادل فى المساواة بغيرهم من المواطنين المسلمين؟ ألم تكن هذه هي سياسة الحزب الوطني في تمرير أي قانون تريد العائلة التي كانت مالكة للبلاد تمريره، فليس عليها إلا أن تجرى التصويت في مجلس الشعب، الذي كان يحتوى على أكثر من 51% من أعضائه من الحزب الوطني الديمقراطي!!، بطريقة ديمقراطية، أي الإستناد الى أصوات الأغلبية، لهؤلاء الأعضاء المنتخبون شكلاً لكنهم فى حقيقة أمرهم هم المعينون بواسطة العائلة المالكة، بعد مرورهم على مباحث أمن الدولة للموافقة عليهم وتدريبهم وتعليمهم متى يقولون نعم ومتى يقولون لا، متى يصفقون ومتى يصمتون، متى يحضرون الجلسات ومتى يتغيبون عنها، وأهم الكل متى وكيف ينامون في الجلسات ولا يصحون إلا عندما يتحتم عليهم أن يصفقوا، لكن أين العدالة والحرية في هذا كله؟ ولننظر إلى تاريخ مؤسسي هذا الحزب، فهم يؤكدون على أن المدن التي فتحوها وبها الكنائس، تترك الكنائس بها، ولكنها لا ترمم ولا يعاد بناؤها إذا تهدمت، والمدن التي استحدثها المسلمون بعد فتحهم لمصر، لا يجوز بناء الكنائس بها، فهل هذه عدالة وحرية؟ فما المطلوب من المسيحيين الموجودين بهذه المدن أو القرى، هل المطلوب منهم أن يكفوا عن الصلاة والمحاولة لبناء كنيسة في مدنهم وقراهم، أم يرحلوا من هذه المدن والقرى إلى أماكن أخرى بها كنائس للعبادة فتخلوا هذه القرى للمسلمين وحزبهم العدالة والحرية، أم أن يتركوا المسيحية كلها ويعتنقوا الإسلام، فهو الدين الأسهل والأيسر في الاعتناق، عندما تصبح الأمور صعبة للحصول على ترخيص ببناء كنيسة يُعبد فيها الخالق سبحانه وتعالى بحرية، أم أن هذا الحق الذي اغتصب منهم لابد أن يستردونه بالقوة، ولا مفر أمامهم سوى أن يقاوموا بكل ما أوتوا من قوة وسلاح وطوب، وغيرها من الوسائل الهمجية غير المسيحية وغير المشروعة، لاسترداد حقوقهم العادلة وحريتهم المسلوبة، فما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، كما علمنا بابا جمال عبد الناصر عندما كنا أطفالاً، بالرغم من عدم استرداده لا هو ولا من جاءوا بعده لأي من حقوقنا الدولية المسلوبة منا بالقوة، لا بسبب ذكاء العدو واستعداداته، بل بسبب غبائنا وعدم استعدادنا لمواجهته. هل من العدالة أن لا يموت مسلم بدم غير المسلم، ويموت غير المسلم بدم المسلم، حتى صرح المسئولون بهذا الحزب أن صدور حكم الإعدام لسفاح نجع حمادي المسلم، لم يكن بسبب قتله للمسيحيين ليلة العيد، بل بسبب موت أمين الشرطة المسلم، الذي قتل بالصدفة لتواجده مكان الحادث. وهذا كله بسبب إيمانهم بأن الأمة الإسلامية هي خير أمة أُخرجت للناس، وأن الدين عند الله الإسلام، ولذا فلا عدل ولا مساواة بين المسلم وغير المسلم، هل من العدالة أن تعامل المرأة على إنها ناقصة عقل ودين، وأن شهادتها نصف شهادة الرجل. هل من الحرية أن لا تستطيع المرأة أن تصبح رئيسة للجمهورية، فقط لكونها امرأة، هل من العدالة أن يضرب الرجل المرأة إن خاف نشوزها، وليس للمرأة أن تفعل شيئاً لزوجها وهي تراه ناشزاً محترفاً، مهملا لبيته ومسئولياته ولاهثاً وراء النساء والخمر والمخدرات والقمار وغيرها، وإن اعترضت أتى اليها بامرأة أخرى، وقد تزوجها على سنة الله ورسوله، عند المأذون الشرعي وبشهادة شهود، وإن استمرت في الاعتراض على ذلك، طلقها أو أجبرها أن تخلعه، وبالتالي تكون قد تنازلت عن كافة حقوقها، وإلا تكون قد اعترضت على شرع المولى تبارك اسمه، وبالتالي لن تدخل الجنة، وستكون في النهاية والعياذ بالله من الخاسرين دنيا وآخرة. هل من العدل أن يغير المسيحي دينه بكل حرية، ويصبح مسلماً في دقائق ويحصل على هويته الجديدة، ويُحكم له بضم أولاده المسيحيين إليه، وإلى ديانته الجديدة، ويجبر أولاده على اعتناق الدين الأفضل، والامتحان في مادة الدين الإسلامي، التي لم يدرسها الأبناء ولا سمعوا عنها من قبل، وإن رفضوا أَخذ الامتحان رسبوا، واحتاجوا إلى السيد الوزير شخصياً لاتخاذ قراراً بهذا الشأن، وفي كثير من الأحيان يقام للمتأسلم الاحتفال بالزمر والرقص وهو لابساً ثوباً أبيضاً وراكباً على فرس، وكأنه عنتر زمانه، كما يحدث في بعض القرى المصرية حتى يومنا هذا، وأن يُسجن ويُعذب كل من يعترض أو يتَعرض له من أهله أو أبناء ديانته، ويفعل العكس تماماً عند قبول مسلم للسيد المسيح، تبارك اسمه، سيداً ورباً على حياته، بحجة أن الإسلام هو الدين الأفضل، مع إنهم لم يقولوا لنا من فَضَّلَ الإسلام على الأديان السماوية اليهودية والمسيحية، أيرجع فضل الإسلام على أي دين أخر إلى تاريخه في نشر رسالته بالسيف والقوة وحصار البلاد وفتحها ونهب غنائمها، أم إنه الأفضل بسبب تعاليمه السامية التي تفوق تعاليم بقية الأديان، وخاصة تعاليم السيد المسيح، من بشرت الملائكة بمولده قائلة: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”، والمكتوب عنه، تبارك اسمه، إنه لم يكن يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، وقيل عنه إنه وديع ومتواضع القلب، ناداه الأعمى فاستوقف الركب السائر حوله، وذهب هو، تبارك اسمه، إليه وشفاه وما عبس ولا تولى، ثم هل الفضل يرجع لتأثير الأمة الإسلامية الإيجابي على العلوم والمعرفة والتقدم التكنولوجي في العالم، فلو كان كذلك لما استوردت كل شيء من الغرب الكافر في نظرها. فأية عدالة وحرية تلك التي يتحدث عنها هؤلاء. وهنا يأتي السؤال هل هناك حرية في الإسلام؟
وللإجابة المخلصة على هذا السؤال، وحيث إنني لست مسلماً ولم أكن مسلماً في يوم من الأيام، لذا، فسأترك الإجابة لأعزائنا المسلمين. يقول قادة هذا الحزب والسلفيون وغيرهم من العلماء المسلمين، أن لا حرية للمسلم ان يخرج عن الإسلام والبديل هو اقامة الحد عليه ان لم يتب ويستغفر المولى ويعود الى الإسلام، لا حرية بل تنفيذاً لوصايا الرحمن ليس إلا، فتنفيذ الوصية والشرع أمر غير خاضع لإرادة الناس ولا حرية لهم فى تنفيذها من عدمه، بل الأمر كله خاضع فقط لأوامر المولى عز وجل، وعلى المؤمنين، وقد كتبت عليهم كتاباً موقوتاً كمصائرهم وأعمارهم وعلقت فى اعناقهم، فلقد كُتب الجهاد عليهم كما كُتب على الذين من قبلهم، وقد أُمروا أن يقاتلوا الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالوا سلموا من يدهم هم وأولادهم وكل مالهم، ومن هنا جاء القول أسلم تسلم. ومن الأمانة الصحفية والمسيحية، أتساءل على نفس المنوال، هل هناك حرية وديمقراطية في المسيحية؟ وللإجابة كمسيحي وبحسب وجهة نظري أنا أيضا، لا ليس في المسيحية حرية أو ديمقراطية، حينما نأتي لتنفيذ وصايا الرب، بل أيضا ينبغي تنفيذ وصاياه تبارك اسمه ليس إلا، اما في كل امر آخر فهناك حرية وديمقراطية كاملة للإنسان فى المسيحية، إذا فما الفرق بين العدالة والحرية والديمقراطية في المسيحية والإسلام، أقول إنها على كل حال فروق كثيرة. لكن أهمها هي:
أولاً: لقد وضع المولى للناس في المسيحية حرية الأختيار للشريعة والشخص والنظام الذى يريده المرء ان يطبق عليه ويسيره، ففى الفكر المسيحي هناك شريعتين وشخصين ونظامين يحكمان هذا العالم، اما شخص الله جل وعل واما عدوه الشيطان اللئيم، اما شريعة المولى بكل ما فيها من حياة او شريعة الشيطان بكل ما فيها من موت، اما النظام السماوى الإلهى او النظام العالمى الشيطانى، والأنسان فى الفكر المسيحى مُخَّيرٌ فى ان يُسَيَّر، فقال المولى يا بن آدم قد جعلت امامك الحياة والموت فاختر الحياة فتحيا، والحياة هنا هي معرفة السيد المسيح يسوع، تبارك اسمه، كالمخلص الشخصي من كل الذنوب والمعاصي، والضامن الوحيد للحياة الأبدية السعيدة في نعيم أعده، تبارك اسمه، للمؤمنين به كالفادى والذبيح والرب الديان العادل، هذا وفقاً للقانون السماوي ” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” وهذه في رأيي هي قمة الحرية والديمقراطية فيما يتعلق بحكم الإنسان نفسه بنفسه، وحرية الاختيار الشخصي. فالحرية هبة الله للبشر والحرية الحقيقة ان يعرف الإنسان الحق المعلن فى المسيح يسوع والحق هو الذى يعطى الحرية اذ قيل وتعرفون الحق والحق يحرركم، فإن حرركم المسيح فبالحقيقة تصيرون أحراراً. ولا يبقى على الإنسان إلا أن يلتزم بما اختار بمحض ارادته وكامل حريته ويثبت فيه. وحيث ان للإنسان حرية الإختيارفماذا إذا رفض الإنسان الحرية التى فى المسيح ودينه وخلاصه وفدائه هنا يأتي:
ثانياً: لم يعطِ المولى، تبارك اسمه، الحق لإنسان، مهما كان، وأيا من كان هذا الإنسان، أن يجبر شخصا ما على الإيمان به تبارك اسمه، ولم يأمر السيد المسيح تلاميذه أن اذهبوا للعالم أجمع وافتحوا جميع الدول، ومن لا يستسلم لكم قاتلوه، ومتى حصلتم على نصر الله والفتح ودخلتم مدينة، فادعوهم للمسيحية وإن قبلوا لا تؤذونهم، وإن رفضوا فواحدة من ثلاث، إما أن يدفعوا الجزية عن يدهم وهم صاغرون، وإما أن يُقتلوا، وإما أن يعتنقوا المسيحية ديناً. أما أولئك الذين يقبلون دينكم إلى حين، إذا خرجوا عنه في يوم من الأيام لسبب أو أخر فهؤلاء هم الخوارج وعليكم بمحاربتهم وإرجاعهم فلا تكون فتنة، ولا تهدأوا حتى تردونهم للحق، وما للظالمين من أنصار. بل عَلم المسيح أتباعه “اذهبوا للعالم اجمع واكرزوا بالإنجيل (أي الأخبار السارة) للخليقة كلها، وفي ذهابكم لهذه المدن لا تأخذوا معكم لا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية، ومتى دخلتم مدينة أو بيت قولوا سلام لكم، وإن كان في ذلك البيت أو المدينة ابن السلام فليحل سلامكم عليه وإلا فليرجع إليكم، وأن لم يقبلوكم في مدينة أو بيت، فاخرجوا وانفضوا الغبار العالق بأرجلكم، ولا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنه بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم وبالدينونة التي بها تدينون تدانون، وهذه في رأيي هي قمة العدالة والحرية والديمقراطية في المسيحية أن ميزاناً واحداً يزن به المولى الناس جميعاً، والكل في كفتيه سواسية، دون فرق بسبب اللون أو الجنس أو الدين. ثم إن ارتد أحد عن الإيمان المسيحي، فهو من الأصل ليس منا، لأنه لو كان منا لبقي معنا. لم يُعَلِّم المسيح أتباعه أن من ليس معنا فهو علينا، ويحق عليه الجهاد، بل قال لهم من ليس علينا فهو معنا، وحتى من كان علينا وصار باختياره عدواً لنا، فلا تتخذوا منه عدواً لكم، بل أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم.
ثالثاً: وضع تبارك اسمه، مبدأً آخراً لتوطيد العدالة بين الناس فقال بفمه الطاهر: “ومهما أردتم أن يفعل الناس بكم فافعلوا أنتم أيضا بهم” ومن الملاحظ إنه لم يقل، ومهما عمل الناس بكم فافعلوا أنتم أيضا بهم، فمن اعتدى عليكم لا تعتدوا عليه، وشريعة عين بعين وسن بسن والبادي أظلم، لا مكان لها في شريعة المسيح تبارك اسمه، ولا تعاليمه التي عَملها ثم عَلَمها في العلن كما في السر.
وبناءً على ما تقدم، ومع إنني متفائل بطبعي، إلا إنني أرى أنه ليس هناك إمكانية لتحقيق العدالة والحرية في هذا الحزب، أو ما هو على شاكلته، مع إنني أتمنى من كل قلبي أن يصبح هذا الاسم اسما واقعياً، يصف هذه الجماعة خير وصفٍ. ولدىَّ اقتراحاً بسيطاً لمؤسسي حزب العدالة والحرية، لماذا لا تخرجوا للناس بمبادئ حزبكم التي تدل على صحة اسمكم؟ لماذا لا تقولوا للناس لأننا حزب العدالة فنحن نؤكد لكم إنه لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى، تقوى الله سبحانه وتعالى كلٍ في دينه، وأنه ليس لدينا أي مانع شرعي يمنع القبطي من تولى منصب رئيس الجمهورية وما دونه، كما إنه ليس لدينا مشكلة أن تصبح المرأة رئيسة للجمهورية، وإننا نرفض أن تُعامل المرأة كناقصة عقل ودين، ونرفض ضربها بأي حال من الأحوال، كما إننا نؤيد ان يتمتع المسيحيون بكامل حريتهم وأن يبني الأخوة المسيحيون كنائسهم حيثما شاءوا وكيفما شاءوا، ولتحمل مكبرات الصوت صلواتهم فى الشوارع أسوة بما نعمله نحن في جوامعنا تحقيقاً لمبدأى العدالة والحرية، وإننا نرى إن من حق أي إنسان أن يختار بحرية الدين الذي يهديه إليه المولى تبارك وتعالى، ولا بد من معاملة المسلمين المعتنقين المسيحية بالعدل وبنفس الطريقة، وإعطائهم نفس الحقوق والحماية والأمان الذي يحصل عليه المسيحيون المعتنقون للإسلام. لماذا لا يخرجون علينا بفتوى أن التبشير بالمسيح والمسيحية أمر مشروع ومكفول بالقانون، وأن للمسيحيين الحق والحرية في دعوة الناس في كل مكان، وبكل الطرق المشروعة لقبول المسيح مخلصاً شخصياً، دون خوف أو منع أو سجن وتعذيب بل بحرية كاملة. فإن فعلوا هذا لآمنا إنهم حزب العدالة والحرية، وإن لم يفعلوا فهذا اسم أعطى لمن لا ينطبق على صفاته وطباعه وقناعاته.
اللهم إننا ندعوك أن توطد في مصرنا العدالة والحرية، وأن تقنا شر الخطط السرية والردية، وتفضح كل مؤامرات خبيثة وهمجية، يخدع بها الأشرار أمتنا المصرية، وابعد عنا اللئام والبلطجية، اللهم أعطنا الحكمة والصبر عطية، وانقلنا من دولة الأديان إلى الدولة العلمانية، وأنر بوجهك في صدورنا بالعدل والحقانية، وارفع عنا غضبك والعبودية، وأهدنا إلى ما فيه خيرنا وخير البشرية، إنك أنت السميع العليم ورب البرية.