الطرق الإلهية الكتابية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية
لا شك أنه في هذا الخضم الهائل من الأحداث الخطيرة التي تمر بها الكنيسة المصرية هذه الأيام من عدم الاستقرار الروحي والنفسي والمجتمعي والتعليمي والقيادي، مما أسفر عن خلط الحابل بالنابل، وخلط التبن مع الحنطة، تعاليم المسيح مع تعاليم بليعال، والترويج لأفكار مختلفة متضاربة، أغلبها لا أساس لها من الصحة، أو سند كتابي واضح راسخ، حول أبسط الأمور الروحية والكنسية، والتعاليم الكتابية، إلا في أذهان وقلوب مخترعيها، تلك العقول التي ملأها أصحابها بالتأمل الباطني في الحضرة، وبلاهوت حر، ويأس نسل قايين وهابيل من الغفران بعضهم لبعض، والجري وراء القديسين والإيمان بظهورهم في هذه الأيام وبالميلاد العذراوي وغير العذراوي، ونسيان ما كانوا عليه في الماضي من حالة روحية صحيحة لا يستطيع خلقها بهم سوى المسيح يسوع ببره الممنوح لنا على الصليب، وهكذا أيضًا مع القلوب التي فتحوها وأخضعوها لسيطرة أرواح الغي والتدين والفشل وروح ضد المسيح، إلى جانب ظهور من يدعون أستاذيتهم في الحكمة والعلوم والمعارف اللاهوتية ولهم تلاميذ تسمع وتبلع لهم ما يقولون وما يدرسون لهم، ويدعون أنهم أصحاب مدارس في الفلسفات الشرقية والإفلاطونية والدراسات الكتابية وخاصة الأرثوذكسية المتعمقة، وهم في اقتناعهم الشخصي أنهم أكاديميون، بالرغم من عدم حصول أغلبهم حتى على أبسط الدراسات أو الشهادات في دراسة علم اللاهوت، ومع ذلك فهم، والمطبلون والمزمرون لهم، مقتنعون أنه لا يضاهيهم أو يقترب منهم أحد في علمهم وخبراتهم ومعرفتهم اللاهوتية، وأنه ليس هناك من فاهم، دارس، متعمق، ند لهم يستطيع أن يتحاجج معهم، أو يرد على خزعبلاتهم وهرطقاتهم أو حتى أن يطرح وجهة نظره أو أسألته فيما يثيرونه من قضايا لا تستحق أن يغوص في وحلها إلا من كان لديه من الوقت ما لا يمكن شغله بما يفيده ويفيد جسد المسيح بشيء، ولهم من الدوافع الشخصية الدفينة غير المعلنة، إلا للدائرة القريبة جدًا لهم من المتأملين أو المريدين… إلخ، تلك الدوافع التي لا يعلمها إلا الله علام الغيوب وحده سبحانه، أما نحن فلا نعرف منها وعنها إلا القليل جدًا من خلال صمتهم المقنن، أو كلماتهم المهدفة والتي يختارونها بدقة والتي يلقونها على مسامع مريديهم وكأنهم يستدعونها، بسبب عظمتها وندرتها، من عالم بعيد لا يعرفه أو يسمعه أو يتواصل معه إلا هم وحدهم ورابعة العدوية والحلاج في القديم والنقشبندي وعلى الحجار والمتواجد إلى جوار حبيبه الآن الشيخ الهلباوي. ونعرفهم أيضًا بما يرتدون من زي أبيض أو أسود، وما يعقدونه من صالونات فكر تضم نوعيات خاصة من البشر، وما يلقونه من عظات وتأملات أو ما يكتبونه من ترانيم وابتهالات تخلو من ذكر اسم المسيح تغنى على نغمات طبول أشبه ما تكون بنغمات مدائح وابتهالات وقصائد الطرق الصوفية الشاذلية الأحمدية وما شابهها، إلى جانب ما يريدون تحقيقه من تأثيرات روحية في عالم شعب كنيسة لاودكية المغيب، تلك الفئة والجماعة من الشعب الذين لسان حالهم، وهم يقولون لمن حولهم، ما قاله ملاك كنيسة لاودكية عن نفسه إني “أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء”، وهو لا يعلم أنه “الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان”. هذا بالإضافة إلى المشاكل والقضايا المتنوعة المتواجدة في الكنيسة، من مشاكل روحية وتنظيمية وطائفية.
في خضم هذا كله لابد للمسيحي المصري البسيط، ومعه المسيحي العربي، والعابر المتحدث بالعربية أن يصاب بأخبث أمراض العدو النفسية والعصبية والروحية، وهو مرض يسمى “القلق والدهش والصفير”، ذلك المرض الذي ذكره الملك حزقيا في القديم لشعبه وللكهنة واللاويين في خطابه الإصلاحي لمملكته عندما “أدخل (حزقيا الملك) الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية، وقال لهم اسمعوا لي أيها اللاويون. وتقدسوا الآن وقدسوا بيت الرب إله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس. لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر في عيني الرب إلهنا وتركوه وحولوا وجوههم عن مسكن الرب وأعطوا قفًا وأغلقوا أيضًا أبواب الرواق وأطفأوا السرج ولم يوقدوا بخورًا ولم يصعدوا محرقة في القدس لإله اسرائيل. فكان غضب الرب على يهوذا وأورشليم وأسلمهم “للقلق والدهش والصفير” كما أنتم راؤون بأعينكم.”. أما أهم أعراض مرض القلق والدهش والصفير هذا، فهي أن يصبح المؤمن الحقيقي بالمسيح، مشوش الذهن شارده، حائر الفكر مشتته، موجوع القلب، حزين النفس، منزوع السلام، مسلوب الإرادة، مثبط العزيمة، ضعيف القوة، فاقد الأمل، مشدود الأعصاب، يعيش في قلق مستمر، مندهش بحيرة اندهاشًا متواصلاً من كل ما يحدث معه وحوله من الناس والخدام والمرنمين والقادة ومقدمي البرامج التليفزيونية وخاصة المسيحية، أذناه تطن وكأن صفارة إنذار عالية الصوت تصرخ صراخًا متصلاً فيهما، شاعر في نفسه أن شيئًا خطيرًا مقلقًا وشيئًا على وشك الحدوث، وفرقعة كبيرة أشد من كل سابقتها آتية لا محال عليه وعلى من حوله من شعبه وبلده وعلى الكنيسة. ونتيجة لهذا المرض الروحي الخطير تتغير شخصية الأخ أو الأخت فيصبح أكثر عصبية في تعبيره عن نفسه، وأسهل استثارة لأتفه الأسباب، وأقل صبرًا وطول أناة، وأغبى في ردود أفعاله، ينطق بما لا علم له به، يحاول أن يلتصق بالمشاهير في مختلف المناسبات والمجالات، ويدمن تناقل أخبارهم وكأنه صديق شخصي لأحدهم، ويتولى الدفاع عنه والتشنج لأجله إذا ما انتقده أحد، ويسيل لعابه دائمًا لنظرة أو كلمة من هذا المشهور أو ذاك، ويملأ الفيس بوك بصوره إذا ما تمكن من التقاط صورة شخصية معه، ويتكلم في كل المجالس التي يتواجد فيها عنه وكأنه صديقه الحميم أو مدير أعماله، أو محللاً لشخصيته، ونافيًا أو مؤكدًا لإشاعات عنه سواء أكان مرنمًا أو مؤلفًا أو ملحنًا لترانيم أو موسيقى، أو قسًا أو معدًا ومقدمًا لبرنامج تلفزيوني أو مديرًا لقناة فضائية مسيحية حتى لو كانت مسروقة من غيره بطريقة أو بأخرى.
إذن، كيف لا يحدث كل ما تقدم وفتاوى المعروفين في الكنيسة وخلافاتهم واتهاماتهم بعضهم لبعض، وتساقط الأعمدة بها، وكشف المستور فيها أصبح واضحًا ومكشوفًا لكل ذي عينين؟ تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي، ويشترك في التعليق عليه كل من “هب ودب”. يحدث كل هذا والمسيح تبارك اسمه يبدو وكأنه لا يكترث لما تتعرض له كنيسته في هذه الأيام، فلا عقاب واضح رادع للمهرطقين والمروجين لهذه التعاليم، ولا اعتذار منهم على ما سببوه من أذى لجسد المسيح، ولا مصداقية أو تواضع في حديثهم وتعليمهم، بل على العكس تماد وزيادة في نشر أفكارهم السامة، وتماديًا في تمثيلهم وإظهار أنفسهم على غير حقيقتها، وبدلاً من الاعتراف أن فترة عزلتهم كانت بسبب إصابتهم بالاكتئاب النفس المزمن، وملازمتهم الفراش بسبب فشلهم في تحقيق مخططاتهم في نشر أفكارهم الشيطانية التي أضرت كثيرًا بالبسطاء من شعب المسيح، وبسبب وقوف رجال الله الأمناء ضد تعاليمهم الخبيثة وكشفها، وبسبب ضياع هيبتهم وإغلاق أبواب الغالبية العظمى من الكنائس الحية، الخاضعة للمسيح وتعاليمه، في وجوههم وتناول الفضائية الأولى لشرح وفضح شر تعاليمهم، وهم يصورون أنفسهم وكأنهم اعتكفوا واعتزلوا الجموع والظهور في الكنائس والخدمات بسبب عزمهم على الجلوس في محضر الله، في انكسار وانسحاق واجتياز نفس الآلام والجروح التي اجتازها المسيح نفسه على الصليب، فلكل منا صليبه الذي لابد أن يحمله كما المسيح أيضًا، الذي قدم نفسه كذبيحة لله الآب عن الجنس البشري.
والعجيب إنه بالرغم من كل هذا التشويش، والكذب، والمسكنة، والخداع، إلا أن شخصيات معروفة ولها برامج تلفزيونية تذاع على قنوات فضائية مشبوهة، أولئك الذين لا يحرك لهم ساكن ولا يكترثون لما يصيب الكنيسة من أمراض، تقبل وتتوافق مع تعاليمهم، وتدافع عنهم بلا خوف إلهي على النفوس التي مات المسيح لأجلها، ولا تخاف من عقاب المسيح الذي سيشمر عن ذراعه وينقذ كنيسته، فهوذا الفأس وضعت على أصل الشجر، وكل شجرة ردية لا تصنع ثمرًا ستقطع وتلقى في النار، يعملون كل ما تقدم بلا شفقة على قطيع الأغنام البريئة السائرة وراءهم، الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم، وهم يصفقون لكل ما يقال لهم حتى لو كان كذبًا بينًا متعمدًا.
أمام كل هذا، وبعد فشل النصح والإرشاد مع أصحاب هذه الإعلانات الروحية، وبكل شفقة ووداعة وتواضع ومحبة من القلب ناظرًا لنفسي لئلا أجرب أنا أيضًا، ويشهد الله نفسه على ما أقول، إنني أيضًا بدموع كثيرة في منتصف الليالي، وحدي وعلى فراشي، أو في حلقات قليلة العدد ومجموعات للصلاة، أو في كنيستي أمام الناس جميعًا لم أؤخر عن أن أبكي بدموع لأجل أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية، ولا أقصد هنا شخصًا واحدًا بعينه، بل أشخاصًا عدة من مرنمين وخدام ومقدمي برامج وأصحاب فضائيات وقسوس وكل من هم في نفس مركبتهم التعليمية، متضرعًا للقدير أن يعيدهم جميعًا إلى أمجادهم القديمة، ويعيد لأذهانهم البساطة التي في المسيح، والقوة والتواضع والمجد الذي كان يصاحبهم أينما يذهبون.
لكن بعد فشل كل المحاولات في إصلاحهم والتعامل معهم واستمرارهم في نشر أفكارهم ومطالبة الآخرين بالاقتناع بها وممارستها، وحيث أنني لا أريد أن تكون ردود أفعالي أو معالجتي الشخصية لما نتعرض له، أنا وغيري من رجال الله، من أغلبهم بطريقة جسدية مبنية على استحساناتي الشخصية واستنتاجاتي البشرية وعلاجاتي المنطقية، وحيث أن الكثيرين يسألونني عن طرق فهم وعلاج مثل هؤلاء الإخوة وكيفية التعامل معهم وفهم حقيقة الأمور التي ينادون بها، قررت أن أدرس بعض الطرق الإلهية الكتابية، للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية، والمنصوص عليها بطريقة واضحة لا تقبل الشك والتأويل في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، مع التنبيه والتأكيد على أن عبارة “الإعلانات الروحية” الواردة في عنوان هذا المقال المطول لا تعنى بالضرورة فقط “الإعلانات الروحية” الصحيحة أي الكتابية والآتية من السماء من عند أبي الأنوار، تلك التي يعطيها الروح القدس، روح الحق، لأبنائه المؤمنين الذين يعيشون على الأرض والتي ينبغي أن تكون متطابقة مع الكلمة النبوية التي هي أثبت، بل المقصود بعبارة “الإعلانات الروحية” هو “كل ما يعلن في عالم الروح، سواء من الروح القدس أم من الأرواح المضلة وتعاليم الشياطين، كما جاء بالقول الكتابي: “ولكن الروح يقول صريحًا، إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحًا مضلة وتعاليم شياطين”. فكل الإعلانات الروحية المعلنة من مستقبليها والمسموعة من الكنيسة، والتي تدرك في عالم الروح سواء تم إعلانها شفاهًا، أو كتابة، أو بأية طريقة أخرى في عالم الواقع الملموس هي المقصودة “بالإعلانات الروحية” في هذا المقال.
ولكل صاحب إعلان من هذه الإعلانات المذكورة أسفله طريقته الخاصة التي تعامل بها الكتاب المقدس معه إما ليؤكد صحتها وسلامة مصدرها أو العكس، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
١- طريقة التجاهل وترك صاحب الإعلان دون الالتفات إليه أو قبول إعلانه عندما ترى جماعة المؤمنين الروحيين المميزين للأمور المتخالفة والذين لهم الحواس مدربة أنه ليس كتابيًا. ولقد ذكر لنا الكتاب المقدس ما دونه بواسطة ما قاله عنهم غمالائيل معلم الناموس اليهودي. ذكر غمالائيل اسمين لشخصين، وطبيعة ضلالة كل منهما، وكيف انتهى به المطاف، وماذا كان مصيره وكيفية نهايته. هذان كانا ثوداس الذي كان يقول عن نفسه إنه شيء، وثانيهما يهوذا الجليلي الذي أزاغ وراءه شعبًا غفيرًا، وفي ذلك يقول الكتاب المقدس عن تلاميذ المسيح الحقيقيين عندما أصروا على المناداة باسم يسوع ربًا ومخلصًا ومقامًا من الأموات أمام مجلس السنهدريم، وهو يمثل السلطة العليا للمحاكمة عند اليهود في ذلك الوقت، يقول الكتاب في سفر الأعمال والأصحاح الخامس ومن العدد ٢٩-٣٩: “فأجاب بطرس والرسل وقالوا: “ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا، ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور، والروح القدس أيضًا، الذي أعطاه الله للذين يطيعونه”. فلما سمعوا حنقوا، وجعلوا يتشاورون أن يقتلوهم. فقام في المجمع رجل فريسي اسمه غمالائيل، معلم للناموس، مكرم عند جميع الشعب، وأمر أن يخرج الرسل قليلاً. ثم قال لهم: أيها الرجال الإسرائيليون، احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس في ما أنتم مزمعون أن تفعلوا. لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلاً عن نفسه إنه شيء، الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمئة، الذي قتل، وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب، وأزاغ وراءه شعبًا غفيرًا. فذاك أيضًا هلك، وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا. والآن أقول لكم: تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم! لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض، وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله أيضًا”.
وهنا نرى أن طريقة التعامل مع من قال عن نفسه إنه شيء هي تجاهله تمامًا وكأنه لم يكن ولم يقل ولم يعمل شيئًا، فوفقًا للنص الكتابي السابق: أن من يقول عن نفسه إنه شيء يشهد عنه الكتاب والتاريخ أنه لا شيء، ولذا فأفضل الطرق للتعامل مع الأخ الذي هو بالحقيقة لا شيء، والذي يقول عن نفسه إنه شيء، هو أن لا تفعل معه أي شيء بل تتركه لحال سبيله ولهرطقاته حتى ينتهي إلى لا شيء، ولا يكتب عنه التاريخ شيئًا، بل كل ما يذكره عنه أن فلان كان لا شيء، وحاول أن يعمل من نفسه شيئًا، فانتهى إلى لا شيء. هذا ما ذكره الكتاب عن شخص ثوداس، أنه “قام قائلاً عن نفسه إنه شيء”، ولم يذكر الكتاب تفاصيل ما قال حيث أنه من الواضح أن الشخص الذي يقول عن نفسه إنه شيء يكون تركيزه على نفسه وعلى أجندته الخاصة، وعلى أنه يريد أن يعمل لنفسه اسمًا يذكر يخلده التاريخ وتتذكره الأجيال، وهذه النوعية من البشر، حتى المؤمنين منهم لا يذكر لهم من أعمالهم أو تعاليمهم شيء، ويتم فيهم المكتوب أن الحائدين عنى يكتبون في التراب. وتطبيقًا لما تقدم ليت أعضاء الكنائس الذين يجرون وراء اللاشيء والمغيبين منهم الذين لا يعرفون ولا يميزون طبيعة ما يحدث معهم وحولهم عليهم أن يكفوا عن التصفيق والتهليل والسير الأعمى وراء اللاشئ، أولئك الذين يريدون أن يعملوا من أنفسهم شيئًا، حيث أنهم في النهاية سينتهون إلى لا شيء، فالذين يلتصقون بمن يقولون عن أنفسهم أنهم شيء لابد أنهم يومًا ما سيتبددون وربما يقتلون روحيًا ويصيرون لا شيء، كما تبدد وتفرق الأربعمائة شخص الذين التصقوا بثوداس، أو يهلكون كأولئك الذين ساروا وراء يهوذا الجليلي.
وهذا عين ما أكده بولس الرسول في العهد الجديد في رسالته لتلميذه تيطس حين قال له: “الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين، اعرض عنه. عالمًا أن مثل هذا قد انحرف، وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه”. والمبتدع هنا هو صاحب البدعة ومخرجها، والبدعة هي كل تعليم لا يوافق المكتوب وما تسلمناه من الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية. ويعلمنا الوحي هنا أن كل مبتدع ولا يقبل الإنذار مرة ومرتين ويستمر في ترديد بدعته وتعليمها للآخرين ينبغي أن نعرض عنه، ولا نشعر بالذنب من ناحيته عندما نتركه وننفض عنه لأنه يخطئ ومحكوم عليه من نفسه، فلا دخل لنا به.
هكذا أيضًا يصنع لمن يخطئ إلى أخيه بأي شكل من الأشكال، سواء بالقول كشتيمة أخيه ووصفه بالجاهل والأحمق والمرائي والغشاش وغير المتعلم وغيرها، أو برسمه كحمار يرفس، وكتابة تعليق عنه لتوضيح رسمته، ينبه فيه المرسل إليه التعليق، أن عليه أن يلاحظ أن المرسوم هو حمار وليس فرسًا ويستفيض بالشرح قائلاً ما معناه “لأن زمن الفروسية انتهى ليس هنا فرسان ونحن في زمن الحمورية”، أو ترويج إشاعات كاذبة عنه بشكل أو بآخر.
٢- طريقة التعامل مع من يريد أن يأخذ ما لم يعطه الله من مكان روحي في وسط الكنيسة، ويغار من غيره من خدام الرب وأنبيائه ويريد أن يأخذ مكانًا في الخدمة لم يعط له من الله نفسه، كأن يكون مرنمًا ويصر على أن يأخذ دور المعلم، وعندما يرنم وينجح في ترنيماته الأولى التي ألفها ولحنها يوم كان خاضعًا لتوزيع هبات وعطايا الروح القدس يرتفع قلبه ويبدأ في الدخول في منطقة التعليم التي لم تعط له بالروح القدس، لكنه في عناده وإصراره يستمر في التعليم ويحاول فرض تعاليمه غير الكتابية، والتي لا أساس لها من الصحة، والتي تسبب تشويشًا عاليًا في أذهان محبيه وسامعيه وتخلط بين التبن والحنطة، وعندما يرفض البعض هذه التعاليم يناصبهم العداء، ويبدأ في شتيمتهم، وأن قابلوا الحجة بالحجة والتعليم بالتعليم وصفهم بأنهم غير أكاديميين، وغير عارفين ببواطن الأمور، وغير دارسين، ولذا فهم ليسوا في مستواه المعرفي حتى يتناقش معهم. ويسير وراء هؤلاء الأشخاص من يرددون كلامه الببغاوات ويتحدون باسمه الجميع للمنازلة، وكأننا في حلبة صراع، حيث يقاس النجاح والفشل بعدد اللكمات والركلات والأذى الذي يلحقه أحد اللاعبين بالآخر، ويحدث خلط للأمور في بعضها، فبالرغم من أن القضية قضية تعليم إلا أنه في دفاعه عن نفسه يهاجم اللاعب في إحدى جولات الصراع أحد القسوس متهمًا إياه بتزويجه للمطلقين، الأمر الذي لم يحدث من هذا القس أبدًا وهو ما يقاومه بكل قوته. فإن كانت القضية هي علمك ومعرفتك الكتابية واختلاف هذا القس معك حول فتواتك الروحية غير الكتابية، فما دخل الزواج للمطلقين وغير المطلقين في هذا المقام، أليس هذا ما حدث تمامًا مع مريم النبية وهارون أخيها حينما تكلما على موسى أخيهما عبد الرب. يقول الكتاب: “وتكلمت مريم وهرون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها. لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية. فقالا هل كلم الرب موسى وحده؟. ألم يكلمنا نحن أيضًا؟. فسمع الرب”. فهل كان حقًا سبب كلام مريم وهارون على موسى هو زواجه من المرأة الكوشية؟، أم سببه أن الرب كلمهما كما كلم موسى، ومع ذلك جعل موسى في مكان ومكانة أعظم منهما، فاغتاظا؟!، وإذ لم يكن لهما ما يلومان به موسى ألصقوا الأمر بالمرأة الكوشية التي تزوجها، أليس هذا خلطًا كبيرًا للأمور؟
أما طريقة التعامل في مثل هذه الحالة هى أن يخرج المتكلم والمتكلم عليه أمام رئيس اجتماعنا المسيح يسوع تبارك اسمه، فهو عالم ببواطن الأمور، وهو الحكم العدل بين الناس ولنصمت ولنعطه فرصة أن يقول حكمه النهائي في هذا الأمر، مع ملاحظة أن الله لا ينظر إلى القلب والمواهب من وعظ وترنيم ورعاية وغيرها، فهو معطيها وهي هباته المجانية للإنسان، بل ينظر إلى القلب والأمانة في التعامل ببيت الرب، فلقد وضح الله العليم بكل شيء، الفرق بين موسى وخدمته وهارون ومريم وخدمتهما، فبالرغم من أن مريم وهارون وموسى، كانوا في تعيين الرب لهم جميعهم أنبياء إلا أن موسى كان مختلفًا في تأدية عمله كنبي, لذا قال الرب لمريم وهارون عن موسى “فقال (الرب): اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا أستعلن له في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟”. فلا شك أن هناك فرقًا بين من يحاول رؤية الله وإرضائه في الحضرة، والتصوف، والمناجاة عن طريق لاهوت المحبة الحر، وبين من يراه عيانًا ويتكلم معه فمًا لفم. والتطبيق العملي لهذه الحادثة هو أن نأتي بالشخص المبتدع إما بحضوره شخصيًا أو بحضوره في صلاتنا أمام الرب ليحكم فيه الرب نفسه بما يريد، فالرب هو الوحيد الذي يحكم بالعدل وهو الوحيد العليم بكل ظروف هذا الشخص وهو الوحيد الذي يستطيع تنفيذ الحكم فيه.
وإني لأحذر كل من يستهين بلطف الله وإمهاله وطول أناته، فسيأتي اليوم الذي يتقد غضب القدير، وسيغادر الرب الخيمة، وسيقف فيها البشر وحدهم وسينظر كل مكابر معاند متصلف متكلم على إخوته وخدام الرب بالسوء فيجد البرص وقد غطاه كما غطى مريم النبية، ولن تنفع معه توسلات ودموع وصلوات القديسين كما لم تنفع صلوات موسى لأجل مريم أخته النبية، وسيعزل خارج المحلة “كنيسة الرب” لسبعة أيام سنين كما عزلت مريم خارج محلة شعب الرب السبعة أيام، وسيعلم الجميع أن ما تم دراسته في المخادع وما قرأ في خلال سنة ونصف من العزلة لقراءة هذه التعاليم شيطانية، في مكتبات خاصة تحت الأرض لا يدخلها ولا يراها إلا المقربون في أبنية من المفروض أنها أعدت لإقامة الصلاة للمسيح آناء الليل وأطرف النهار، سيكشف جميعه على الملأ، وسيعرف أصل هذه التعاليم وكيف بدأت ثم كيف اختمرت ثم كيف خبزت وقدمت للعامة على أنها خبز الحياة الطازج القادر على إشباع الجموع.
3- طريقة العرض على المعتبرين أعمدة في الكنيسة: هناك طريقة أخرى من الطرق الإلهية الكتابية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية، وهي طريقة العرض على المعتبرين أعمدة في الكنيسة: والمعتبرون أعمدة في أيام رسل الكنيسة الأولى كانوا نفرًا قليلاً، وهم الذين دخلوا وخرجوا مع الرب يسوع المسيح وسمعوا تعاليمه وقبلوها وطبقوها كما أوصاهم السيد أثناء حياته على الأرض وبعدها، وهم الذين اعتمد عليهم المسيح – تبارك اسمه – في توصيل رسالته ونقل ما علمه لهم بكل شفافية وحكمة ونقاء إلى غيرهم من الخليقة كلها. وكان على رأسهم بطرس ويعقوب ويوحنا. أما في أيامنا هذه التي نعيش فيها فمع أن هناك أناسًا معتبرين أعمدة في كل كنيسة وطائفة ومذهب مسيحي، أولئك الذين تنطبق عليهم كل الشروط السابقة بلا استثناء، بطريقة روحية إلهية، الذين أثق أنهم موجودون بالفعل وقادرون على الحكم الصحيح، بالروح القدس، على كل الأمور الحادثة في الكنيسة والذين يمكنهم ممارسة سلطان الحل والربط المعطاة لهم من المسيح يسوع شخصيًا. أعلم أنهم قليلون إلا أنهم مختفون تمامًا كما كانت البقية التقية مختفية أيام حكم الملك الشرير أخآب وامرأته إيزابل، وإنني أثق أن عدد السبعة آلاف ركبة التي لم تنحن لبعل لم تنقص ركبة واحدة حتى هذه الأيام التي نعيش فيها الآن، وأن إيليا النبي الناري مازال موجودًا ومتقدًا بنار الغيرة على قتل أنبياء الرب وهدم مذابحه الحية المتحركة، وأن النار التي نزلت من السماء لتلتهم الذبيحة والحطب والماء على مذبح جبل الكرمل مازالت متقدة جاهزة للنزول إلى مصر لتحرق كل عبادة للبعل داخل كنيسة الله التي اقتناها المسيح بدمه، ومازال السكين الذي ذبح به إيليا انبياء البعل والسواري مرفوعًا مستعد للنزول على كل رأس وفكر وجسد يخلط بين التبن والحنطة، عبادة البعل وعبادة المسيح يسوع، كل من يحاول خلق بر آخر بخلاف أو بجوار بر المسيح، وأن المانع الوحيد من نزول النار والسكين على أنبياء البعل والسواري، الذين يعيثون فسادًا في الكنيسة اليوم، هي اليد المثقوبة، يد الشفيع الوحيد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح.
فإن كان الرسول بولس نفسه بعد ما تقابل مع المسيح له المجد شخصيًا في نور أقوى من لمعان الشمس، وسقطت من عينيه القشور، وقام واغتسل ثم ذهب إلى العربية وقضى نفس المدة التي قضاها تلاميذ المسيح معه على الأرض في تدريبات إلهية على حمل مشعل الرسالة للخليقة كلها، الرجل الذي تسلم رسالته مساقًا من الروح القدس مباشرة فيما دونه إلينا، جاء إلى أورشليم وعرض على المعتبرين أعمدة في الكنيسة الأولى، عرض الإنجيل الذي كان يكرز به بين الأمم، ليتأكد أنه لم يسع باطلاً، حسب قوله المدون في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، أفلا ينبغي أن يعرض أصحاب الأفكار الكتابية أو غير الكتابية والصوفية وغيرها، يعرضون الأمر على المعتبرين أعمدة في كنيسة الله اليوم؟، ألا يعد إهانة لجسد المسيح أن يقحم واحدًا أو مجموعة، أفكارًا حتى لو كانت كتابية على الجسد دون العرض على المعتبرين أعمدة، فكم وكم إذا كانت هذه الأفكار أفكارًا شيطانية صوفية أو حتى مسيحية غير كتابية؟، ألم يكتب بولس “ثم بعد أربع عشرة سنة (من مقابلته مع المسيح وتجديده) صعدت أيضًا إلى أورشليم مع برنابا،… وإنما صعدت بموجب إعلان، وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين، لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً.… فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا، المعتبرون أنهم أعمدة، أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم فللختان. 10 غير أن نذكر الفقراء. وهذا عينه كنت اعتنيت أن أفعله”.
4- طريقة المقاومة مواجهة: طريقة أخرى من طرق التعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية هي طريقة المقاومة مواجهة في حالة إذا ما كان الأخ ملومًا، وهي الطريقة التي استخدمها الرسول بولس، مع مقدام الرسل يومئذ الرسول بطرس، فبالرغم من أن بطرس، كان واحدًا من دائرة الثلاثة المقربين من السيد المسيح نفسه طيلة مدة خدمته على الأرض، وبالرغم من وعود المسيح له بأن على صخرة اعترافه بأن المسيح هو ابن الله الحي سيبني – تبارك اسمه – كنيسته وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وبالرغم من إعطائه مفاتيح ملكوت السموات، وبالرغم من المسؤليات الخطيرة التي حمله بها سيد كل الأرض بأن يثبت إخوته متى رجع، وبالرغم من مكانته بين الرسل واعتباره مقدام المعتبرين أعمدة في كنيسة الله، بالرغم من هذا كله، إلا أنه عندما ساوم بطرس، ولم يسلك باستقامة حسب حق الإنجيل في حالة من الرياء لإرضاء اليهود وتأخير الأكل مع الإخوة الذين من خلفية أممية غير يهودية، قاومه بولس، مواجهة أمام الجميع، وسمح الروح القدس، بل وأملى وساق بولس، أن يكتب قصة مقاومته لبطرس، مواجهة لأن بطرس، كان ملومًا. يكتب الرسول بولس، عن هذه الحادثة ما نصه: “ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملومًا. لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه، خائفًا من الذين هم من الختان. وراءى معه باقي اليهود أيضًا، حتى إن برنابا، أيضًا انقاد إلى ريائهم! لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: “إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟”.
والشكر كل الشكر للرب أن الروح القدس دون لنا هذه الحادثة، إذ لنا فيها دروس وفوائد عديدة يعجز المرء عن الإلمام بها كلها، لكن في عجالة أقول إن أول هذه الدروس هو أن لا سكوت ولا تهاون مع من يساوم ولا يسلك بالاستقامة حسب حق الإنجيل.
وثانيهما أن من يساوم ولا يسلك بالاستقامة حسب حق الإنجيل، مهما كان مكانه أو مكانته في الكنيسة لابد أن يقاوم علنًا ومواجهة أمام الجميع لأنه يكون ملومًا.
ثالثهما أن الله لا يحابي الوجوه وكل من لا يسلك بالاستقامة حسب حق الإنجيل من القسوس والقادة والمرنمين سيذكره التاريخ، وستقرأ عنه الأجيال إما في كتابه تعالى الموحى به الذي لا يمكن الزيادة عليه الآن، وإما في كتب وجرائد وبرامج تليفزيونية وإذاعية وفوق الكل في ذاكرة وقلوب شعب الله المعاصرين له، ولا فرق، فبطرس مثله مثل بولس، مثل ناجي، مثل ماهر، مثل رشيد، مثل أشرف مثل سامح، مثل الخراط، مثل نبيل، مثل أندريا إلى آخر القائمة.
5- طريقة عزل الخبيث: هناك طريقة كتابية إلهية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية أو الصوفية غير الكتابية وهي طريقة عزل الخبيث: وإحقاقًا للحق الكتابي فإن هذا المبدأ الكتابي قد أسيئ استخدامه في غير مكانه أو الغرض المكتوب لأجله، فكلما اختلف اثنان من الإخوة أو الأخوات مع بعضهما سلط كل سلاح “عزل الخبيث من بينكم” على الآخر، لكن الرسول بولس، بالروح القدس يكتب “إن كان أحد مدعو أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا. 12 لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟ ألستم أنتم تدينون الذين من داخل؟ أما الذين من خارج فالله يدينهم” فاعزلوا الخبيث من بينكم”.
ولعله من الملاحظ أن الروح القدس هنا قد وضع الأخ الزاني مساويًا للأخ الطماع أو عابد الوثن أو الشتام أو السكير أو الخاطف، فكم وكم الأخ المبتدع، أو المتصلف، أو المهرطق أو الصوفي، أو من يحاول إيقاع الفتنة والتفرقة بين الإخوة؟. أما عزل الأخ أو الأخت هنا فيكون بعدم مخالطته، أي بعزله عن مجتمع الإخوة وبالتالي عدم إعطائه الفرصة للقيادة أو الترنيم أو الوعظ أو التأثير على السلماء بأي شكل من الأشكال، ليس ذلك فقط بل وعدم دعوته حتى للأكل الجسدي في ولائم المؤمنين المحبية.
٦- طريقة معاقبة قايين وقورح وبلعام:
وعن هذه الطريقة التي استخدمها الله سبحانه مع البعض من شعبه في القديم أقول إنني لا أتهم أحدًا في الكنيسة من إخوتي وأخواتي المؤمنين الحقيقيين أنه قورح أو بلعام أو قايين، حتى لو كان كاتب رواية قايين، فصفات هؤلاء الثلاثة أسماء المذكورة عالية لأناس أشرار، وإنما ما أنا إلا بسارد للطرق الإلهية الكتابية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية، ومن أراد أن يصدق فليصدق ومن لا يرد فله حرية الاختيار. يقول القدير في كتابه العزيز: “ويل لهم! لأنهم سلكوا طريق قايين، وانصبوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة، وهلكوا في مشاجرة قورح”. أي ويل للذين يسيرون على درب قايين الذي قرر أن يخلق برًا آخر بجوار بر المسيح، برًا نابعًا من الأرض الملعونة، برًا مرفوضًا لأنه ليس حسب مشيئة الله وأوامره وآياته التي ذكرها بوضوح في كل سفر من أسفار كتابه الكريم، فالملاحظ أن قايين لم يعترض على البر الذي حصل عليه هابيل من خلال تقديم الذبيحة، ولم يقل أبدًا إنه معترض عليه، ولم يقل الكتاب إنه رفض هذا البر المبني على الذبيحة، بل كل ما عمله قايين هو محاولة خلقه لبر آخر يتقدم به إلى الله خلاف بر الذبيحة. وعندما لم يقبل منه الفعال لما يريد هذا البر، لم يراجع نفسه ويأتي إلى مشرع طريقة الحصول على بر الله بالذبيحة ويتحاجج معه ويتوب عن خطئه ويعود لتقديم ذبيحة له تبارك اسمه، وفقًا لطريقته وأوامره سبحانه لكنه اغتاظ وسقط وجهه، وأعطاه الله فرصة ثانية واضحة أن يتوب عن فكرة هذا البر الموازي لبر الذبيح، ” فقال الرب لقايين: “لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟ وإن لم تحسن فعند الباب (ذبيحة) خطية رابضة، وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها”. وبالرغم من كل هذا قام قايين في غيظه بقتل أخيه، ثم إخفاء جريمته، ثم إنكار معرفته أي هابيل أخيه وبالتالي إنكار قتله، أمام العليم بكل شيء من له عينان تخترقان أستار الظلام، وحتى بعد توقيع العقاب عليه من قبل الله بعزله وبأن يكون مطاردًا من الجميع لم يتب ولم يعترف بجريمته، بل عاش متممًا لطريقه الشرير، طريق قايين، ألا يشبه اليوم البارحة؟، سأترك لك عزيزي القارئ الإجابة على هذا السؤال.
أما مشاجرة قورح فكانت بسبب عدم اكتفاء بني قورح بما عينه لهم الرب من خدمة في مسكنه القديم فطلبوا الكهنوت، وفي ذلك يقول الكتاب: ”وقال موسى لقورح اسمعوا يا بني لاوي. أقليل عليكم أن إله اسرائيل أفرزكم من جماعة إسرائيل ليقربكم إليه لكي تعملوا خدمة مسكن الرب وتقفوا قدام الجماعة لخدمتها؟. فقربك وجميع إخوتك بني لاوي معك وتطلبون أيضًا كهنوتًا”.
فهكذا يفعل الله وهكذا يزيد لكل من لا يرضى بخدمته ويتعدى ما أعطاه له الرب من مواهب إلى دائرة أخرى من دوائر خدماته سبحانه، ويحاول تقديم نار غريبة على مذبح الله، أو ذبيحة من التواشيح والمدائح لغير الذبيح الوحيد المعروف سابقًا قبل تأسيس العالم من تبررنا بالإيمان به، فقد يصل عقابه الشديد إلى أن تفتح الأرض وتبلع المعاندين، حتى لو لم يكن حرفيًا، بل روحيًا فيبتلع كل من يدخل في خدمة لم يمنحها له القدير.
أما عقاب بلعام، فقد كان بسبب محاولته لعن شعب قد باركه الرب، وعندما لم يستطع اقترح خطته الشيطانية بجعل إسرائيل يزني مع بنات موآب، وما أكثر الذين يقومون بالزنا الروحي ويساعدون الآخرين عليه والبعد عن وصاياه سبحانه حتى داخل كنيسة لاودكية التي نعيش بها اليوم!
٧- طريقة تمييز الأرواح خلف كل ما يقال من تعليم وانتهار هذه الأرواح الشريرة: هذه الطريقة هى التي ميز بها المسيح – تبارك اسمه – الروح الشرير الذي ألقى في ذهن بطرس، الكلمات التي نطق بها قائلاً حاشاك يا رب، يقول الكتاب: “من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس، إليه وابتدأ ينتهره قائلاً: حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا! فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس”.
وهكذا حدث في تمييز السيد المسيح للروح المختفي والذي نطق على لسان يعقوب ويوحنا في الحادثة المدونة في الكتاب المقدس والتي نصها: “وأرسل (السيد المسيح) أمام وجهه رسلاً فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم. فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا: يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضًا؟ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما! لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص. فمضوا إلى قرية أخرى”.
وفي نهاية سرد بعض الطرق الإلهية الكتابية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية أود أن أنبه لبعض الأخطاء التي يقع بها الغالبية العظمى من المؤمنين المخلصين البسطاء، والتي يحاول إبليس أن يستغلها ويفسد بها طرق إصلاح أصحاب الإعلانات الروحية غير الكتابية:
أ- خطأ الخلط بين إمكانيات ومكانة الشخص صاحب الإعلانات الروحية غير الكتابية في جماعة الله والكنيسة وإنجازاته التعليمية أو الموسيقية أو الترنيمية الفنية وبين ضلالاته أو على أقل تقدير زلاته أو هفواته أو سقطاته، في ذلك قال بولس الرسول: “وأما المعتبرون أنهم شيء ¬ مهما كانوا، لا فرق عندي، الله لا يأخذ بوجه إنسان ¬فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا عليّ بشيء”.
ب ـ خطأ استخدام بعض الآيات الكتابية في غير ما أنزلت لأجله وخطأ تفسيرها بطريقة خاطئة، فهناك العديد من المفاهيم الخاطئة عندما يأتي الأمر إلى التعامل مع أصحاب التعاليم غير الكتابية، وكلها تبنى على تفسير خاطئ أو غير كامل أو في غير محله أو مناسبته للآيات الكتابية من هذه التعابير والمفاهيم والآيات:
ا- مكنوا له المحبة: يقول الكتاب بقلم الرسول بولس: “ولكن إن كان أحد قد أحزن فإنه لم يحزني بل أحزن جميعكم بعض الحزن لكي لا أثقل. مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة. …. لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره”.
يلاحظ هنا أن الكلام عن زواج أخ في كنيسة كورنثوس بامرأة أبيه بعد ما وقع عليه عقاب عزل الخبيث وبعد ما تاب ورجع نادمًا باكيًا حزينًا معترفًا بخطيئته. والصحيح في الحكم هو أن تمكين المحبة للشخص المخطئ في السلوك لا يجوز قبل التوبة والرجوع عن الأعمال والأقوال والأفكار الشريرة التي يمكن أن تشوش كنيسة الله، فكم وكم مع الشخص المخطئ في التعليم؟، فمن المتفق عليه أن خمير التعليم أخطر بما لا يقاس من خمير السلوك بالرغم من كونهما الاثنين من فصيلة الخطأ والخطية وهي مرفوضة أمام القدوس.
ب- اذهب وعاتبه بينكما، أو لا تنشرا الغسيل الوسخ، أو إن رجع وتاب تكون قد كسبت أخاك. وفي هذا المقام أقول إنه لا يصلح العتاب بين شخصين أخطأ أحدهما علنًا في حق الكنيسة وأعلن عن أفكاره على شاشات التليفزيون والفضائيات، فعتاب الإخوة بينهم وبين بعض يصلح عندما يكون الخطأ قد مس أحدهم بصفة شخصية دون إشاعة المذمة، بشرط أن لا يكون خطأ في التعليم، فالتعليم ليس ملكًا لأحد بل ملكًا للرب وحده، أما إذا خرج الأمر إلى خارج نطاق الشخصين، فلابد من المقاومة مواجهة أمام الجميع.
ج- إذا أُخذ أخ في زلة أصلحوا أنتم الروحانيين: كما جاء في قوله تعالى: ”أيها الإخوة، إن انسبق إنسان فأخذ في زلة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا.
هناك فرق بين إنسان أخذ في زلة في السلوك دون قصد أو تعمد منه وبين من درس وخطط ورتب وناقش وشتم وسجل كل هذا في فضائيات ومحاضرات ومناقشات ومقالات، فهذا كله لا يمكن أن تنطبق عليه كلمة زلة وبالتالي، فطريقة إصلاحه تختلف عن من أخذ في زلة.
د- أريد رحمة لا ذبيحة: هذا الجزء من الآية التي قالها الرب يسوع – تبارك اسمه – كانت بسبب قساوة قلوب الكهنة في القديم الذين كانوا يريدون تطبيق شريعة يوم السبت حسب ما فهموها هم من وصايا الله وكانوا يلومون المسيح على شفاء المرضى يوم السبت فقال لهم: “أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء؟ ولكن أقول لكم: إن ههنا أعظم من الهيكل! فلو علمتم ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة لما حكمتم على الأبرياء! فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا”. فمن الرحمة للشخص المخطئ ولكنيسة الله أن يقاوم مواجهة حتى يصح ويرجع إلى عقله ويقول للقدير “أخطأت للسماء وقدامك”.
ه- هناك خطورة كبرى في حالة الخلط بين تشجيع الشخص التائب المعترف بخطأه وبين تشجيعه وهو مازال في ضلاله. فالتشجيع وتمكين المحبة والغفران أساسيات يجب ممارستها مع التائب الراجع وليس مع المصر على الاستمرار في عناده ونشر أفكاره.
أصلى من كل قلبي أن يستفيق المؤمنون في هذه الأيام من سباتهم ويرجعوا إلى القدير بالتوبة والتواضع والاعتراف بخطأهم وخطاياهم، وأن يرسل الله روح تبكيت للكنيسة لتبكي لأجلهم ولتستفيق ولا تصفق لأحد إلا عند اختفائه من الصورة وإكرامه للمسيح يسوع وحده وتركيز عيون سامعيه على المسيح وحده، حينئذ فقط يتمجد المسيح وحده ويغمر الروح القدس الكنيسة بمواهبه وعطاياه وقوته. وحينئذ فقط نعرف الطرق الإلهية الكتابية للتعامل مع أصحاب الإعلانات الروحية والصوفية.