أسدل الستار على ختام فعاليات النسخة 34 لكأس الأمم الإفريقية التي أقيمت في الفترة من 13 يناير حتى 11 فبراير بكوت ديفوار، وحفلت بالكثير من الأحداث التي كان أبرزها ما شهدته النسخة الحالية من انتكاسة حقيقية للمنتخبات العربية المشاركة وهو ما يمكن أن نطلق عليه الخروج الكبير للمنتخبات العربية من بطولة الكان.
لم ينجح أي فريق عربي في بلوغ دور الثمانية، فقد خرجت ثلاث منتخبات من المنتخبات الخمسة المشاركة من دور الـ 16 بعد أن ودع منتخبان المنافسات من دور المجموعات بخروج منتخب الجزائر الملقب بمحاربي الصحراء ولحق به منتخب تونس الملقب بنسور قرطاج. وبعد تأهل بشق الأنفس لمنتخبي مصر الملقب بالفراعنة وموريتانيا الملقب بالمرابطين، خرج المنتخبان من دور الـ 16 وتبعهم منتخب المغرب الملقب بأسود الأطلسي بالخروج من الدور نفسه، وذلك رغم امتلاك المنتخبات العربية لـ 11 لقبًا، بواقع 7 لمصر صاحبة الرقم القياسي واثنين للجزائر وواحد لكل من تونس والمغرب، في الوقت الذي بلغت فيه مورتانيا الأدوار الإقصائية للمرة الأولى في تاريخها.
وهذه الظاهرة الكروية المخيبة للآمال تحدث للمرة الثالثة في تاريخ كاس الأمم الإفريقية الحالية، حيث أصبحت البطولة خالية من المنتخبات العربية من دور الثمانية بعد أن حدث الأمر ذاته مرتين من قبل وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد حدث ذلك في نسختي 1992 و2013، حينما كان يشارك في البطولة 16 منتخبًا.
ففي نسخة 1992، سجلت المنتخبات العربية أسوأ مسيرة في تاريخها، حيث تذيلت مصر المجموعة الرابعة بدون رصيد بعد الخسارة من زامبيا وغانا، وحصدت الجزائر نقطة واحدة لتأتي في آخر ترتيب المجموعة الثالثة بعد الخسارة من كوت ديفوار والتعادل مع الكونغو، كما تذيلت المغرب المجموعة الثانية برصيد نقطة من الخسارة من الكاميرون والتعادل مع الكونغو.
وفي نسخة 2013، كان العرب مع موعد مع انتكاسة جديدة، حيث حلت المغرب في المركز الثالث بالمجموعة الأولي برصيد ثلاث نقاط بعد تعادلها مع أنجولا والرأس الأخضر وجنوب إفريقيا، فيما حلت تونس ثالثة المجموعة الرابعة برصيد أربع نقاط بعد الفوز على الجزائر والخسارة من كوت ديفوار والتعادل مع توجو. أما منتخب الجزائر فقد تذيل المجموعة ذاتها برصيد نقطة وحيدة بعد أن خسر أمام تونس ثم توجو وتعادل مع كوت ديفوار. وقد تغيب منتخب مصر الملقب بالفراعنة عن نهائيات كاس أمم إفريقيا المقامة بجنوب إفريقيا عام 2013، بعد فشله في الفوز على منتخب إفريقيا الوسطى في إياب الدور الثاني، حيث تعادل 1–1 في التصفيات المؤهلة وكانت مباراة الذهاب قد انتهت لصالح إفريقيا الوسطى 3–2.
وفي النسخة الحالية في أبيدجان بكوت ديفوار لعام 2023، نجد أن الجزائر تذيلت المجموعة بنقطة واحدة رغم أنه إحدى القوى التي كانت مرشحة للبطولة. أما تونس فتذيلت مجموعتها برصيد نقطتين. وصعدت مصر إلى دور الـ 16 بشق الأنفس بعد أن احتلت المركز الثاني في مجموعتها بثلاث نقاط جمعتها من التعادل مع موزمبيق وغانا والرأس الأخضر، ومُني مرماها في المباريات الثلاث بـ 6 أهداف، ولكنها خرجت من دور الـ 16 على يد الكونغو بركلات الجزاء، وقد كانت من القوى المرشحة للبطولة. أما منتخب موريتانيا فتأهل للأدوار الإقصائية للمرة الأولى في تاريخه ضمن أفضل أربعة ثوالث. وبالنسبة لمنتخب المغرب الملقب بأسود الأطلسي، فإن وضعه مختلف، فقد كان أبرز المرشحين لنيل اللقب القاري للمرة الثانية في تاريخه بعد أن حصد اللقب في عام 1976، خاصةً بعد مشواره التاريخي في مونديال قطر عام 2022، حيث أصبح أول منتخب عربي وإفريقي يبلغ المربع الذهبي ويحتل المركز الرابع في كاس العالم. وفي هذه النسخة، تصدر المجموعة السادسة برصيد 7 نقاط من الفوز على تنزانيا ثم التعادل مع الكونغو والفوز على زامبيا لكنه خرج من دور الـ 16 على يد جنوب إفريقيا ليكمل عقد فشل المنتخبات العربية في البطولة الإفريقية.
وتبقى الدروس المستفادة من الكان كبيرة وعديدة. إن كرة القدم لم تعد تعترف إلا بالعطاء والجهد في الملعب واللياقة الفنية والذهنية والبدنية والقيادة الفنية من خارج الخطوط، والتي تعرف كيفية الاستفادة من الأوراق الرابحة من المجموعة المختارة والتوظيف السليم والمناسب ومن ورائهم اتحاد كرة مؤهل لقيادة المنظومة على أسس علمية حديثة ومتقدمة، فلم يعد هناك اعتماد على التاريخ والألقاب السابقة في ظل ما نشهده من منتخبات صاعدة ومن ثورة وتطور جعلاها ندًا قويًا في مواجهة الكبار وأصحاب التاريخ، وأصبح يبرز منها لاعبون موهبون تتسابق الدوريات الأوربية الكبرى على التعاقد معهم، فتعود الفائدة على الفرق الأوربية وأيضًا منتخبات القارة السمراء التي أفسحت المجال للاعبيها للاحتراف في أوربا ثم يعودون ويمثلون منتخبات بلادهم أروع تمثيل. أتمنى أن تتخلص الرياضة وخاصةً كرة القدم في مصر من أمراضها، ولا سيما مرض التعصب والعنصرية، وأن تتبع الأساليب العلمية الحديثة وتقتفي خطى الأندية الأوربية.
ثم يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا عن منتخب الفراعنة تماسيح النيل الذي منذ أحرز لقبه السابع في تاريخه بأنجولا عام 2010، أي منذ 14 عامًا، وهو غائب عن منصات التتويج وهو زعيم إفريقيا وكبيرها بالتاريخ والبطولات؟ كما أنه غاب أيضًا عن المشاركة في بطولة كأس العالم كبري المسابقات العالمية في نسخة 2022 بقطر، وكأنه اكتفى بثلاث مشاركات في نسخة 1934 بإيطاليا و1990 بإيطاليا و2018 بروسيا. والغريب والعجيب أنه في البطولات الثلاث التي شارك فيه لم يحقق فوزًا واحدًا، فلم تعد كرة القدم في العصر الحالي تدار بالفهلوة والمجاملات والمواءمات والتخطيط العشوائي قصير النظر وجدول الدوري غير المنتظم وحقل التجارب والأشخاص غير المؤهلين من القائمين على شئون اللعبة الشعبية الأولى، وبأن تكون الحظوة لناديين فقط هما المتنافسان والمستأثران بالبطولات وباقي الأندية كومبارس، وبإعلام رياضي موجه لصالح ناديي الحظوة، كما لا تخلو سياسة اتحاد الكرة من العنصرية، فمن يصدق أن المنتخب الذي يمثل مصر خالٍ حتى من لاعب واحد قبطي منذ عصر هاني رمزي، وكذلك في فرق الدوري الممتاز وربما في باقي الدرجات. فالملاحظة الغريبة والعجيبة أن تجد المنتخبات الإفريقية مدججة بالنجوم من اللاعبين المسيحيين ولا يوجد تمييز بين لاعبين مسلمين ولاعبين مسيحيين؛ تلك البلدان المتخلفة عنا سنوات وسنوات ونحن نسبقها بمراحل في الحضارة والثقافة والرياضة، بينما نجد المنتخبات العربية تخلو من لاعب مسيحي واحد وخاصةً في مصر لأن أندية الدوري الممتاز المصرية ليس بها لاعب واحد مسيحي، فمن أين التصعيد؟ وأعتقد أن الحال لا يختلف كثيرًا في باقي الدرجات الثانية والثالثة والرابعة بل أيضًا في قطاع الناشئين في الأندية المصرية التي تطبق منهج العنصرية والتمييز بين اللاعبين بينما الرياضة أصبحت صناعة وفنًا وعلمًا ولها استراتيجيات وتخطيط يتبع الأسلوب العلمي والاختيار يكون على أساس الموهبة والكفاءة وليس على أساسي ديني.