أهلًا بك وجولة جديدة بداخل حياة طفلك. جولتنا هذه ستكون في منطقة خطر لأنها تمس مبادئ أخلاقية من الممكن أن تلتصق بالطفل. سنتجول حول منطقة السرقة، حيث سنتطرق لمفهوم السرقة، وأسبابها، ومتى تصبح اضطرابًا نفسيًا لدى الطفل، وكيف نتعامل مع هذه الظاهرة… استعدوا سنبدأ جولتنا…
يرتعب الأهل عندما يتم استدعاؤهم في حضانة أو مدرسة طفلهم ويخبرونهم بأنه يسرق، ويشعرون بأن الأرض تهتز من تحتهم، ويصرخون: ما السبب؟ فنحن لم نحرمه من شيء! والبعض يعاقبون طفلهم بأشد العقاب وتبدأ المرآة المحدبة -الكلمات السلبية- في الظهور بأنه حرامي وخذلهم… دون أن يبحثوا عن السبب الحقيقي لهذا السلوك السلبي والذي قد يرجع جزء منه لطريقة التربية وأسلوبهم في التعامل معه.
ونحن نتجول في منطقة السرقة عند الطفل، سنقسم هذه المشكلة التي يعاني منها الطفل لمرحلتين: المرحلة الأولى هي الطفل ما قبل السابعة من عمره، والمرحلة الثانية هي الطفل ما بعد السابعة من عمره.
سنبدأ بالمرحلة الأولى وهي الطفل ما قبل السابعة:
سبق وتجولنا في هذه المرحلة وعرفنا أنه من سماتها أنه لا يدرك معنى الخصوصية وأن هذه ممتلكاته وتلك ممتلكات الآخر ولا يجوز أن يجور عليها، بل كل ما يراه ويعجبه يـأخذه بدون أن يعتبر أن هذه سرقة. وكنا قد تطرقنا في مقال سابق لهذه المشكلة وكيفية تعليمه معنى الخصوصية.
لكني أريد أن أقدم بعض الخطوات التي يجب على الوالدين القيام بها إذا اشتكت المدرسة من أن الطفل يسرق أغراض طفل آخر. وهذه الخطوات هي:
أولًا: التدريب على مفهوم الملكية
على الوالدين أن يضعا أمامه بعض الأغراض الخاصة بالأسرة ومنها بعض الأغراض التي تخصه، ثم يوضحا بطريقة عملية أن ماما لا تستطيع أن تأخذ أغراضه إلا بعد أن تستأذنه، وكذلك بابا لا يستطيع أن يأخذ أي غرض خاص بماما أو أحد أخواته إلا بعد أن يؤذن له، ثم يقوموا بتطبيق عملي أمامه. وفي هذا التطبيق، على أحد الوالدين أن يرفض الطلب مرة ويقبل الطرف الآخر هذا الرفض بدون غضب أو ضيق، ثم يطلبا منه أن يقوم معهما بهذا التطبيق العملي. وهذا التدريب يحتاج لصبر وهدوء، وبالتدريج سيتعلم الطفل الأقل من 7 سنوات.
ثانيًا: عدم التركيز على السلوك
إذا أخذ الطفل غرضًا لا يخصه لا يجب على الوالدين أن يغضبا ويثورا عليه، لكن يتذكرا أنه ما زال في مرحلة التدريب وتعليمه مبدأ الخصوصية، ولذا يجب التعامل مع هذا كسلوك عابر غير هام دون التركيز عليه؛ فقط يكفي لفت نظره بأن هذا الغرض ليس ملكًا له وعليه أن يعيده لصاحبه بدون جمل وكلمات سلبية أو تأديب، حيث إن التوبيخ يجعله عندما يـأخذ شيئًا من أحد يخفيه ويكذب على أسرته خوفًا من العقاب، بل أحيانًا يجعل الطفل يكرر السرقة عنادًا في والديّه خاصةً إذا كان نمط الطفل قياديًا. وقد سبق وناقشنا سمات نمط الطفل القيادي وكيفية التعامل معها في مقال سابق.
ثالثًا: البحث عن السبب
إن كرر الطفل هذا السلوك مع أصحابه رغم التدريب والصبر عليه يجب سؤاله عن سبب قيامه بهذا السلوك، حيث إنه من خلال إجابة الطفل على السؤال سيعرف الوالدان سبب استمرار طفلهما في هذا السلوك مما يساعدهما على علاجه ومن ثَمَ توقف هذا السلوك.
مثلًا: “لماذا أخذت القلم، المسطرة من زميلك وأنت تعلم أنه ليس ملكك؟” – “لماذا أحضرت لعبة صديقك معك للمنزل وهل استأذنت منه؟”
وبحسب إجابته، سيكون الرد عليه وعلاج المشكلة:
– إن كانت إجابته بأنها أعجبته، فسيكون الرد عليه: “هل معنى أن تعجبك أن هذا يعطيك الحق أن تأخذها أم أن الأفضل أن تطلب منا شراء مثلها لك؟”
– إن كانت إجابته أنه كان مغتاظًا من صديقه وأراد مضايقته، فسيكون الرد عليه: “ما هو سبب ضيقك منه؟” وبعد أن يوضح الطفل سبب ضيقه لا بد من توضيح أن هذا ليس مبررًا لأخذ لعبته، مع علاج سبب ضيقه.
– إن كانت إجابته أنه نسيها معه، فسيكون الرد عليه: “هل تحب أن ينسى صديقك بعد أن يلعب معك ويأخذ لعبتك؟ عليك أن تتذكر دائمًا أن هذه اللعبة خاصة بصديقك كي لا تنسى وتأخذها معك.”
ماذا بعد هذا الحوار؟
على الوالدين التأكيد عليه بأنه يجب أن يعيد اللعبة، القلم… لصديقه ويعتذر منه. ولأن هذا السلوك سيجعل الطفل خجلًا، فستجده مترددًا في القيام به، ولذا من المهم تشجيع الطفل بأن هذا السلوك سيجعل صديقه سعيدًا منه لأنه أعاد له غرضه الذي فقده وبالتأكيد هو حزين عليه الآن.
رابعًا: تقديم القدوة
على الوالدين أن يكونا قدوة في الأمانة، مثلًا عدم أخذ أدوات مكتبية من العمل للبيت واستخدامها، أو استعارة غرض من صديق وعدم رده لصاحبه بعد ذلك… لأنهما بهذا يعلمان طفلهما أنه لا فرق بين ممتلكات الغير وبين ممتلكاته.
خامسًا: متابعة الطفل
سواء من خلال متابعة سلوكه للتأكد من عدم تكرار الأمر، أو متابعة ما يشاهده من أفلام وما يمارسه من ألعاب للتأكد من خلوها من السلوكيات الخاطئة كي لا يقوم بتقليدها.
سادسًا: الحرص على غرس مبادئ وقيم أخلاقية في الطفل
وذلك من خلال قراءة قصص من الكتاب المقدس لأبطال الإيمان وكيف عاشوا حياة الأمانة ونتيجة هذه الحياة، مع تجنُّب عبارات مثل: “الله مش بيحب الغشاش، الحرامي…” وإنما ذكر الأمور الإيجابية التي قام بها بطل القصة الكتابية وكيف عاش حياة الأمانة وكيف يمكن لنا كأولاد الله أن نعيش مثل هذه الحياة لأننا نحب الله ونحب أن نرضيه وليس خوفًا من عقابه. وقد سبق وناقشنا في “المرآة المحدبة” مشكلة الإدانة عند الطفل وعلاقته بالله في مقال سابق.
كي يتعلم الطفل هذا المبدأ، قد يأخذ الأمر وقتًا لأنه ليس مجرد سلوك بل سمة مرحلة تحتاج لفهم الطفل معنى الخصوصية واحترامها، ولذا فإن الصبر مع المثابرة دون عقاب سيأتيان بالنتيجة المرجوة.
وهنا تأتي التساؤلات:
ماذا لو كان الطفل أكبر من 7 سنوات؟ ما هو سبب ظاهرة السرقة لديه؟ وكيف يتعامل معها الوالدين؟ هذا ما سوف نناقشه خلال جولتنا التالية. استعدوا سننطلق…