الحرب ليست للأقوياء: هداسا الحلقة (18)

13

د. أماني البرت

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في لقصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا فما السبب؟ (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة).

أخذ الأمر فترة حتى تعافى “مردخاي”، فيما ظلت العمة “رفقة” تردد كل يوم ترنيمات الحمد والشكر ليهوه الذي منحه عمرًا جديدًا.. فالمعجزة كانت واضحة رغم هذا السم القوي.

كان واضحًا لـ “مردخاي” أن “شيلاي” هو من دس له السم في القدر اليسير الذي أكله من طعام الحفل.

ولما لم يذهب “مردخاي” للعمل لعدة أيام، سعى جاهدًا ليأخذ مكانه كرئيس للقلم الأرامي.. كان “شيلاي” يغار من “مردخاي” بشكل لا يوصف.. ولم يتوقف عن الحديث ضده طوال فترة غيابه.. اضطر “إنليل” لوضعه موقتًا مكانة فقد كان لديه عجز في أهم لغة في الإمبراطورية..

وبناء على رغبة “مردخاي” لم يعط “إنليل” أي معلومة لأحد عن الحالة الصحية لـ “مردخاي”..

تفاخر “شيلاي” بمنصبه الجديد.. وجلس مكان “مردخاي” منتفخًا ونظرًا لعدم خبرته.. أسند كثير من المهام على عاتق من تحته دون مراجعة منه، كل ما فعله كان توجيه الأوامر.. بل إنه كان يتجاسر أحيانًا وينسى نفسه ويصدر الأوامر لمن هم في غير قلمه.. كان الوقت كفيل بإظهار حمقه الذي تكشف للجميع شيئًا فشيئًا.. وحبه للظهور.. وغيرته من “مردخاي”.. وخوائه وعدم أمانته.. أدرك “إنليل” أنه قصير النظر لا يفهم ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه وكاد ينفجر فيه غضبًا مرة ومرات، ولكنه لم يشأ أن يثير مشكلات خاصة أنه كان يدعي قرابه لـ”مرس” كبير مستشاري الملك.. وانتظر متمنيًا عودة “مردخاي” في أسرع وقت.

*********

دخل “ماردونيوس” رئيس جيوش الملك بناء على الموعد المتفق عليه، احنى رأسه وركبتيه فمد له الملك قضيب السلطان الذهبي.. فقال متفاخرًا:

– الفيالق (وحدات عسكرية مشكلة من 2 إلى 5 فرق عددها يتراوح من 20,000 إلى 45,000 فرد، ويقودها عادة ضابط برتبة لواء) جاهزة للتحية مولاي.

تحرك الملك معه للخارج.. وركب كل منهما فرسه يتبعهما الحرس والحاشية إلى أن وصلا حيث الجنود.

سار الملك متفاخرًا بين جنوده على الصفين، وقد وضعوا خوذاتهم ورماحهم على الأرض وثنوا ركبهم منحنين واحدًا تلو الآخر، واضعين وجوههم لأسفل وأصابع أيديهم اليمني الخمس تلامس الأرض.

وبعد أن مر اعتدل لينظر لهم بفخر.. فقرع جنود الكتيبة بسيوفهم على التروس مرتين وهتفوا:

– فليحيا الملك “ارتحشستا”.. رئيس الحكام.

ثم قرعوا ثلاث مرات وهتفوا.

– فليحيا الملك “ارتحشستا”.. ملك ملوك الأرض.

ثم قرعوا أربع مرات وهتفوا..

– فليحيا الملك المتسلط على كل الأرض

ثم هتفوا له هتافًا عظيمًا ارتجت له الأرض..

*********

رجع الملك مع “ماردونيوس” رئيس الجيش ورؤساء الفيالق ليجتمعوا في غرفة الإعداد للحرب.. وافتتح “ماردونيوس” الحديث قائلاً:

– مولاي.. تم تجهيز الجيش تمامًا.. نحن الآن مستعدون.

لمعت عينا الملك من جديد ويبدو أنه نسي مؤقتًا مزاجه المتعكر بخصوص ما حدث مع “وشتي”

– وكم يبلغ عدده الكلي؟

– حوالي مليوني رجل من جنسيات مختلفة..

وأربعة آلاف سفينة (وفقًا لهيرودوت تكوّن الأسطول الفارسي من 1207 سفينة ثلاثية المجاديف و3000 سفينة نقل وإمداد)

– لعله قد مرت عشر سنوات منذ رجوع أبي من معركته في اليونان.. الآن أتت اللحظة الحاسمة للانتقام.

قام “ماردونيس” ناحية النموذج المعد من تماثيل صغيرة للجنود والسفن الحربية.. وقال..

– مولاي.. هناك تشكيلات متنوعة في الجيش بداية من الرماة وفرسان الخيول وفرسان الجمال وفرسان الفيلة إلى راكبي العربات المسلحين بالرماح، والأقواس، والسهام، والسيوف، والدروع.. وهناك بالطبع وحدات المشاة – وهي الأكثر عددًا-

– هل انتهيتم من إعداد الأسلحة كلها.

– نعم مولاي الأسلحة كلها جاهزة الدروع الخوص، الرماح القصيرة، السيوف – الخناجر الكبيرة – الأقواس، الأسهم، وقبعات الدروع.

– أريدك أن تجدد وعدي لهم، أن فزنا في هذه المعركة سأغدق عليهم بهدايا ومكاسب كثيرة.

– بالطبع مولاي..

– وماذا عن القوات البحرية؟ كيف حال الأسطول؟

وقف قائد القوات البحرية معطيًا الملك التحية وبدأ يشرح على النموذج المصغر..

– السفن جاهزة ومتاحة، يمكن أن تحمل السفينة الواحدة من 300 إلى 500 فارس.

– أرى أنه تم إضافة شفرات معدنية للسفن..

– غالبية السفن مولاي تم إضافة شفرات معدنية في مقدمتها لقطع سفن العدو. كما تم تزويدها بخطافات على الجانبين لجذب سفن العدو

– وماذا عن الأسلحة بها؟

– تم مولاي، غالبية السفن مزودة بالمانجوليس. (المانجوليس هي أدوات حربية لإطلاق المقذوفات من الحجارة ، والمواد القابلة للاشتعال، وكان متوسط طول السفن حوالي 40 متراً وعرضها 6 أمتار).

– حسنًا، يتبقى لنا جمع الجيوش من أماكن تواجدها وأخذ مباركة إله النور والخير “أهورا مازدا” ثم نتحرك حسبما يقول لنا الكهنة

وبعدها قام الملك للشرب مع قادة الجيوش ورفض دخول أيا من مستشاريه، فما زال غاضبًا من حماقتهم من يوم الحفل وما حدث مع “وشتي”.. ورغم محاولاته لشغل نفسه بترتيبات الجيش والحرب القادمة.. كان يصارع داخله حربًا من نوع آخر مرتبطة بإحساسه المخزي تجاه ما فعل.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا