الحرب ليست للأقوياء (3): هداسا الحلقة 20

8

د. أماني ألبرت

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا، انقطع عن الذهاب إلى القصر وجرت أحداث كثيرة في القصر فماذا حدث بعد عودته؟ (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)

دخل “مردخاي” غرفة الكتبة…. كان أول مَنْ لمحه هو “إنليل” الذي تنفس الصعداء لعودته… فسيتخلص جزئيًا من محاولات “شيلاي” لفرض سيطرته وتهديداته بقرابته من “مرس” كبير مستشاري الملك.

هرع “إنليل” نحوه فَرِحًا بقدومه وتوافد الجميع نحو الباب يسلمون عليه ويهنئونه بعودته…. وبقي “شيلاي” في مكانه مصدومًا وقد تجمد الدم في عروقه وبدا على ملامحه الضيق والغيظ والهزيمة وسأل نفسه:

– كيف نجا من الموت المحقق وقد ضاعفت له جرعة السم ليعمل مفعوله سريعًا قبل أن يُكتشف الأمر؟

نظر “مردخاي” إلى “شيلاي” نظرة ساخرة والابتسامة تعلو وجهه وهو يرد تهنئة زملائه بعودته…. فيما كسا الخزي وجه “شيلاي”.

ويبدو أن “إنليل” لم يكن هو وحده مَنْ فرح بعودة “مردخاي” على كرسي القلم الآرامي من جديد، فكل مَنْ يعملون تحت يدي “شيلاي” قد أصيبوا بالضيق من معاملته وجهله وفرضه لرأيه.

توجه “إنليل” نحو كرسي “مردخاي” الذي كان “شيلاي” يقف بجانبه وقال له فَرِحًا:

–          مرحبًا بعودتك…. كلنا فرحون ومنتظرون قدومك لتأخذ مكانك الذي استحققته عن جدارة.

رد “مردخاي” متهللًا:

–          أشكرك “إنليل”… أشكركم جميعًا… هل فاتني الكثير؟

–          نوعًا ما… مراسيم مختلفة معاهدات تجارية وسياسية… الأمور المعتادة.

–          إذن سيتطلب الأمر مني المزيد من العمل… أود أن أراجع كل شيء تمت كتابته أثناء غيابي.

–          بالطبع… وإن كان هذا مرهقًا عليك.

وعلى غير المعتاد… تسابق الجميع للمساعدة، بعد أن كانوا يتهربون من إتمام أي عمل خاصةً لو تحت إشراف “شيلاي”.

–          حسنًا… زملائي الأعزاء… أشكركم على محبتكم… طالما تريدون جميعًا المساعدة… سنقسم العمل لفرق حتى ننجزه سريعًا.

انسحب “شيلاي” يجر أذيال الخيبة وملامح الضيق والخزي واضحة على وجهه ليس فقط لعودة “مردخاي” ولكن لحب الجميع له… وادعى كذبًا أن مستشار الملك “مرس” يريده في شيء.

وخرج وهو مصمم على إزاحة “مردخاي” من طريقه بأي شكل من الأشكال… حتى لو دفع كل ما يملك مقابل هذا.

*********

التقى الملك بحاشيته على الجبل في الموعد المحدد للحصول على مباركة الآلهة، وقام خدام “زرادشت” إله الخير بمباركة خطواته بعد أن قدموا التضحيات على التلال لإله النور والخير “أهورا مازدا” (يصور في الديانة الزرادشتية على شكل قرص الشمس مزين بأجنحة).

وعلى غير العادة… حدث كسوف للشمس فظن البعض أنها علامة من إلههم لعدم الدخول في الحرب ولكن خدام “زرادشت” طمأنوا الملك وأكدوا مباركة الإله.

شعر “ليسياس”، أحد قادة الجيش، أنه نذير شؤم، فانتظر حتى عودة الملك وطلب الحديث معه.

–          مولاي، لي طلب عندك… أنت تعلم أني خدمتك بكل قلبي طوال أيام حياتي… وإذا أُعطيت أيامًا على أيامي سأخدمك بشرفي العسكري… فلا تردني في طلبتي… أرجوك.

–          ماذا تريد؟

–          أرجو منك أن تعفي ابني الأكبر من ذهابه الحرب… على الأقل أريد أن يكون لي وريث واحد على عرش “سادرس”.

–          ماذا تعني؟ هل تقصد أننا سننهزم؟ أم تتراجع عن واجبك العسكري؟

–          مولاي… لا بالعكس فقط أخشى أن يصيب ابني مكروه… ولكني ذاهب معك لنحقق النصر والمجد لمادي وفارس.

–          إذن تذهب أنت وابنك.

رد “ليسياس” راجيًا متوسلًا:

–          مولاي، أقدم أيًا من أبنائي الخمسة الآخرين، الذي تختاره ولكن اعف بكري… أرجوك.

تعكر مزاج الملك من الكلام … فقام بغضب وأمر:

–          حينما تبدأ الجيوش في التحرك اشطروا ابنه البكر نصفين، ويوضع نصفي جسده على الطريق الذي يسير فيه الجيش وهو ذاهب إلى اليونان… لا، بل ليسر الجنود على جثمانه بأقدامهم… ثم صرخ الملك صرخة عظيمة: أخرجوه.

تحرك خصيان الملك لتنفيذ أوامره دون جدوى من استعطاف وبكاء وصراخ “ليسياس”.

*********

بينما كان الملك يستعد للرحيل مع الجيوش نحو اليونان، رتب أمور المملكة واختصاص كل شخص في غيابه… وأعطى خاتمه لكبير مستشاريه… واتفق معه فيما يخص المسابقة وترتيباتها… وأسند له المهمة لتكون تحت إشرافه المباشر… ليبدأ لقاء العذارى بعد عودته من اليونان منتصرًا.

وقد اتفق معه “كرشنا” على ترتيبات جمع الفتيات من أرجاء المملكة وتقسيمات الوكلاء والفرق العسكرية لكل منطقة… وتجهيزهن للقاء الملك حين عودته (كانت العذارى في بيت النساء تتعلم كل ما يختص بشئون القصر، بالإضافة إلى تجهيزات استعدادهن لدخول الملك بستة شهور للتعطر بزيت المر وستة أشهر بالأطايب وأدهان تعطر النساء) وتعليمهن شئون وبروتوكول القصر… في بيت النساء تحت إشراف “هيجاي”.

*********

وأخيرًا، وبعد طول استعداد، تحرك الملك وجيشه الضخم نحو اليونان ربيع عام 480 قبل الميلاد، ورغم التحديات الخطيرة التي واجهتهم في البر والبحر والعواصف العنيفة، ولطمات المياه العاتية… صمدوا.

كان العائق الأول هو عبور مضيق هيليسبونت (يُعرف حاليًا بمضيق الدردنيل وهو ممر مائي يربط بين أوروبا وآسيا، يبلغ طوله حوالي 61 كم، وعرضه يتراوح بين 1.2 إلى 6 كم ويصل عمقه من 50 إلى 60 مترًا. وسُمي بجسر زيركسيس العائم الذي صنع فيه عبورًا من آسيا إلى أوروبا) ليصلوا من البر الأوربي لليونان… أراد الملك مد جسر مائي عبر المضيق ولكن فشلت المحاولة الأولى إذ دمرته عاصفة قوية، ثم قام المهندسون الفارسيون بوضع العديد من السفن واحدة تلو الأخرى وربطوها بعضها ببعض في صف طويل وكأنهم يبنون جسرًا ضخمًا من السفن عبر المضيق وبعدها رموا القلوع لتثبيت السفن في الماء ومدوا جسرًا من الحبال والخشب على سطح هذه السفن وعبر جنود المشاة عليها.

تحرك الجيش إلى تراقيا ومقدونيا وثيساليا، وكان قد سبق وجهز خمس مستودعات أغذية رئيسية بطول الطريق لإمدادهم بالطعام خلال فترة الحرب… وأخيرًا نجح الجيش في الوصول لمشارف جبال الأوليمب بالقرب من إسبرطة في أغسطس.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا