الحرب ليست للأقوياء 2 : هداسا الحلقة (19)

9

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في لقصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا فما السبب؟ (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)

ساد الخوف والارتباك بين المستشارين وكبار حاشية الملك.. فقد لمسوا حزن الملك العميق ومزاجه المتعكر وافتقاده “وشتي”.. وخافوا أن يوجه لهم اللوم على مشورتهم له بنزع المُلك عنها، فاجتمعوا سرًا في بيت “أدماثا” ليجدوا حلاً يحميهم من بطشه ومزاجه المتقلب. افتتح “كرشنا” الحديث:

– لأول مرة يشرب الملك وحده.. دون أي منا!! يجب أن نتصرف ونجد مخرج سريع لأنه بلا شك يفكر بتوجيه اللوم لنا.. أنا أعرفه هو يفكر في طريقة ينقض بها علينا.

رد عليه “شيثار” بصوت أسيف:

– وهل كان في مقدورنا فعل أو تغيير شيء؟

أجاب “مرس” بغيظ وهو ينظر إلى “مموكان”:

– لم يكن من الضروري ذكر اسم “وشتي” أمامه وهو مخمور وجالس مع العامة.

رد “مموكان” بنبرة أعلى مهاجمًا إياه:

– لقد تحدثتُ لتحذيره.. على الأقل لم يتحدث أحد منكم.. كلكم خاف من بطشه.. لقد وضعتُ رأسي على يدي لإنقاذنا جميعًا.. والآن تلومونني!! لعل سبب إبقاء الملك على حياتكم حتى الآن ما قلته له.

رد “مرس” بغيظ مهاجمًا “مموكان”:

– أنت مَنْ سبب هذا.. لم يكن عليك التحدث.. أنت أصغر واحد فينا.. أي آخر من يتكلم.

ثارت ثورة “مموكان” واشتغل غضبه وبدأ يرد على “مرس” و”مرس” يرد عليه .. إلى أن نجح “ادماثا” و”كرشنا” في تهدئة الجميع.

بادر “مموكان”:

– وعلى كل الحل عندي.

التفت “كرشنا” له وأشار له ليتحدث:

– الملك يحب النساء.. نقدم له واحدة كل يوم.. نلهيه بحب عذارى أخريات حتى ينسى ما حدث.

أجاب “كرشنا” بغيظ وصوت مرتفع:

– هل هذا هو الحل؟ الملك لديه سراري كثيرات.. الملك يريد ملكة.

– هذا ما أقصده تمامًا.. أنا لم أقل سراري الملك بل قلت عذارى ليسوا من القصر

– هل نشترى المزيد منهم؟

– كلا.. فليختر الملك زوجة له من مئات العذارى الموجودات في أنحاء المملكة، نجمعهم له بمرسوم ملكي في أكبر مسابقة في التاريخ ويقضي ليلة مع كل واحدة ثم يختار أيًا مَنْ يرغب لتكون ملكة في النهاية.

أجاب “كرشنا” باستفهام:

– حل جيد ولكن كيف سيتم تنفيذه؟

– ليس هذا هو السؤال.. السؤال الصحيح.. من سيقوله له؟ يجب أن يأتي الأمر بعيدًا عنا.. هو لن يقبل منا كلام الآن.. ولكن يمكن أن يستدعينا ويستشيرنا فنمدح له الفكرة.

قال “ترشيش”:

– فهمتُ مقصدك.. اعتقد أنى استطيع أن أحرك الأمر.. بعيدًا عنا.. على الأقل لو لم ترقه الفكرة نكون في أمان من بطشه.

وبعد الاتفاق تفرق كل واحد منهم في طريقة وكأنهم لم يلتقوا أو يدبروا أي شيء.

*********

منحت فترة بقاء “مردخاي” في المنزل الكثير من الزيارات المنزلية من أصدقاء عمره وجيرانه وأهله.. ورغم ظنه أنه هو السند والدعم لهم فهو الوحيد الموجود داخل القصر.. لكن فترة مرضه جعلته يرى الأمور بشكل مختلف.. فقد كانوا هم خير سند وعون وتعزية.

وبعد أن تماثل للشفاء، وقفت “هداسا” تراقبه وهو يستعد للخروج.. كان القلق يغطي ملامحها فقد أدركت أن هناك مقاومة عنيفة ضده في عمله وكانت تخاف عليه.. فهذه المرة أنقذه “يهوه” ولكن من يعلم ما يمكن أن يحدث فيما بعد.

نظر إليها “مردخاي” وهو يدرك تمامًا ما يجول بخاطرها من مخاوف.. كان يعلم أنها ما تزال صغيرة بلا خبرة في الحياة..

– هل تظنين أنه من الممكن أن تنجح مكايد الشرير ضد الصديق؟

دق قلبها بسرعة وأجابت بتردد:

– لا ، بالطبع لا.

– وما الذي يؤكد لك هذا؟

أجابت متسائلة:

– ما علمتني إياه؟ المكتوب عما يفعله يهوه مع الصديق؟

– نعم، وشيء آخر مهم.

– وما هو؟

– ما لمسته ورأيته واختبرته طوال حياتي .. لم يتخل عني يهوه يومًا.

– ولكن ما الذي يجعلك متيقنًا هكذا؟ قد تكون المقاومة عنيفة أو خفية أو أكبر منك.

– هذا هو.. لن أستطيع أنا حماية نفسي.. لن استطيع معرفة ما يدبر لي في الخفاء.. الأفضل أنه هو مَنْ يراقب أموري ويعمل لخيري.. هو يحبني فيحميني.. وحبه أكبر من أي أذى وأقوى من أي مقاومة.

– نعم.

– هل تتذكرين الجبل المملوء خيلًا ومركبات نار لحماية النبي أليشع وغلامه.. اطمئني.. أنا في يده.. محمي ومحفوظ.. والذي نجاني سينجيني أيضًا.

أعطى كلام  “مردخاي” المملوء بالإيمان بعضًا من الراحة لـ”هداسا” وإن كانت ما زالت تخشى أن يصيبه شر.. ودعته وخرجت معه وظلت واقفة حتى غاب عن بصرها ممتطيًا فرسها الجواد الأصيل “كيارا”.

*********

استيقظ الملك هذا الصباح بمزاج متعكر ولم يرغب في الخروج من غرفته.. فأحضر له خصيانه الطعام وأدخله كبيرهم “مهومان”.

– هل تأمرني بشيء آخر يا مولاي؟

– لا، لا أريد حتى أن أكل.

– مولاي.. كما تشاء ولكن تذوق هذه الفاكهة الطازجة.. حصدناها للتو من الحديقة.. ستعجبك.

لم يرد الملك عليه وأدار وجهه نحو الشرفة.. أدرك “مهومان” أنه لا يريد أن يبقى وحيدًا.. فلم يبادر بالخروج وظل واقفًا ورأسه للأرض.

– ماذا تريد أن تقول؟

– ذكاء مولاي لا يخونه أبدًا.. هل تسمح لي باقتراح؟

– تكلم.

– أنت ملك الملوك.. كل ما في هذه الإمبراطورية الشاسعة مِلك لك.. لماذا لا نقيم أكبر مسابقة في التاريخ بين العذارى الموجودين في المملكة.. كلهن يتسابقن عليك والملك يختار منهن الأفضل لتكون ملكة؟

لمعت عينا الملك فقد كان الكلام متماشيًا مع أهوائه ووجد استحسان عنده لأنه كان محبًا للنساء.

– تكلم أكثر.

– مولاي، كما صنعت وليمة كبيرة على مسمع ومرأى من الجميع.. لتقيم مسابقة ضخمة على مستوى الإمبراطورية كلها.. نجمع كل الفتيات العذارى حسنات المنظر ويتم تجهيزهن بحيث يلتقي الملك كل ليلة بفتاة.. وفي النهاية الفتاة التي تحسن في عيني الملك فلينصبها الملك ملكة للبلاد.

حسن الكلام في عيني الملك فقال لخصيه:

– مَنْ في الخارج من مستشاري؟

– كلهم في قاعة المستشارين يا مولاي.

– لينتظروني في غرفة القرارات في لقاء مغلق.

أحنى “مهومان” رأسه ورجع للخلف إلى أن خرج من الباب وهو يقول:

– كما تشاء مولاي.. كلنا طوع أمرك.

وجد الملك شيئًا يحمسه على القيام من سريره.. لبس وخرج مسرعًا دون أن يأكل ليلتقي بمستشاريه المقربين في غرفة القرارات وافتتح الحديث:

– أريد تنظيم مسابقة على مستوى الإمبراطورية .. يتم فيها جمع كل عذارى المملكة الحسنات المنظر.. سأقضي ليلة واحدة مع كل عذراء ثم اختار منهن في النهاية ملكة البلاد.

سارع المستشارين في مدح الملك بسرعة وأثنوا على أفكاره الرائعة منبهرين بما قال.. ثم اتفقوا على الترتيبات، خاصةً وأن جمع وإعداد العذارى في هذه الإمبراطورية الواسعة سيحتاج منهم وقت.. لذا سيوكل الملك وكلاء من الجيش في كل بلاد مملكته ليجمعوا كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر إلى شوشن القصر.. ثم يبقين في بيت النساء تحت إشراف “هيجاي” خصي الملك الذي يحضرهن بأدهان عطرية وزينة للقاء الملك.. ثم يقضي الملك ليلة واحدة مع كل عذراء ليختار منهن في النهاية ملكة البلاد.

جلس المستشارون يرتبون الأمر.. وقد طلبوا ترتيب موعد مع “أوروك” المسجل استعدادًا لإصدار مرسوم ملكي بجمع كل العذارى الجميلات في أرجاء مملكته كلها.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا